الطعن رقم 2236 لسنة 38 بتاريخ 28/04/1969
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 27 نوفمبر سنة 1966 بدائرة مركز كفر الدوار محافظة البحيرة: (أولا) لم يقم بالاشتراك عن عماله في الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية (ثانيا) لم يقدم الاستمارات التي يستلزمها تنفيذ أحكام التأمين الصحي (ثالثا) لم يحتفظ بالدفاتر والسجلات التي يستلزمها أحكام القانون. وطلبت عقابه بالمواد 2 و4/1 و135 و138 من القانون رقم 63 سنة 1964. ومحكمة كفر الدوار الجزئية قضت غيابيا عملا بمواد الاتهام والمادة 32/2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى التهمتين الأولى والثانية والمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمة الثالثة بتغريم المتهم 100 مائة قرش عن كل عامل (خمسة عمال) عن التهمتين الأولى والثانية معا وبراءته من الثالثة. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم. ومحكمة دمنهور الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت غيابيا (أولا) بعدم جواز استئناف النيابة عن التهمة الأولى (ثانيا) بقبول الاستئناف شكلا عن التهم الباقية وبراءة المتهم منها. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك بأنه قضى بعدم جواز استئناف النيابة العامة للحكم الصادر في التهمة الأولى الخاصة بعدم قيام المطعون ضده بالاشتراك عن عماله لدى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية باعتبار أنها مخالفة مع أنها ترتبط بالتهمتين الثانية والثالثة ارتباطاً لا يقبل التجزئة مما يجعل استئناف الحكم الصادر فيها جائزاً تبعاً للاستئناف المرفوع عن الحكم الصادر في هاتين التهمتين عملاً بالمادة 404 من قانون الإجراءات الجنائية. كما أنه أخطأ صواب القانون حين قضى ببراءة المطعون ضده عن التهمتين الثانية والثالثة والخاصتين بعدم تقديمه الاستمارات التي تستلزمها تنفيذ أحكام التأمين الصحي وعدم احتفاظه بالدفاتر والسجلات التي يستلزمها أحكام القانون رقم 63 سنة 1964 تأسيساً على ما ذهب إليه - خطأ - من أن المطعون ضده لا يلزم بذلك ما دام أنه لم يشترك أصلاً عن عماله لدى هيئة التأمينات الاجتماعية مع أن ذلك تخصيص من الحكم لأحكام القانون بغير مخصص ويتنافى مع حكمة التشريع ويؤدي إلى نتيجة غير سائغة إذ يجعل من لم يشترك عن عماله أصلاً في وضع أفضل ممن اشترك ولم يقم بالالتزامات المشار إليها وهذا يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات قد نصت على أنه: ((إذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد، وكانت مرتبطة ببعضها بحيث لا تقبل التجزئة وجب اعتبارها كلها جريمة واحدة، والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم)). وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن مناط تطبيق الفقرة المشار إليها تلازم عنصرين هما وحدة الغرض وعدم القابلية للتجزئة بأن تكون الجرائم المرتكبة قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال متكاملة تكون مجموعاً إجرامياً لا ينفصم فإن تخلف أحد العنصرين سالفي البيان، انتفت الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في تلك الفقرة وارتد الأمر إلى القاعدة العامة في التشريع العقابي وهي تعدد العقوبات بتعدد الجرائم وفقاً للمادتين 33، 37 من قانون العقوبات مع التقيد - عند التنفيذ - بالقيود المشار إليها في المواد 35، 36، 38 من ذلك القانون. لما كان ذلك، وكانت جرائم عدم الاشتراك في هيئة التأمينات الاجتماعية، وعدم تقديم الاستمارات التي يستلزمها تنفيذ أحكام التأمين الصحي، وعدم إمساك سجلات لقيد أجور العمال هي من جرائم العمد التي تتحقق في صورة سلبية تتمثل في مخالفة أمر الشارع أو القعود عن تنفيذه وهي بطبيعتها غير متلازمة إذ يمكن تصور وقوع إحداها دون الأخرى، كما أن القيام بتنفيذ إحداها لا يجزئ عن القيام بالآخر، وهذا النظر يتمشى مع روح التشريع الصادر في شأن التأمينات الاجتماعية الذي وإن تضمن أنواعاً مختلفة من الالتزامات المستقلة التي استهدف ببعضها رعاية مصالح العمال عامة وضمان حقوقهم الفردية، وترسم في البعض الآخر الأوضاع التنظيمية التي تكفل سلامة تطبيقه ومراقبة السلطات المختصة بتنفيذ أحكامه، إلا أن الواقع من الأمر أن تلك الالتزامات تدور في مجموعها حول تحقيق الرعاية الاجتماعية للعمال كما تصورها الشارع، ومن ثم فهي تأتلف مع الاتجاه العام الذي دل عليه الشارع حيث نص في المادتين 135 و136من ذلك القانون على تعدد الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت في شأنهم المخالفة، الأمر الذي يباعد بين أحكامه وبين القاعدة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات ويتأدى عقلاً إلى التضييق في تطبيق الفقرة الثانية من هذه المادة حيث تتعدد الالتزامات المختلفة وتتعدد الجرائم بتعددها. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذا انتهى إلى عدم توافر الارتباط بين جريمة عدم اشتراك المطعون ضده عن عماله في هيئة التأمينات الاجتماعية والجريمتين الثانية والثالثة سالفتي البيان وقضى بعدم جواز الاستئناف بالنسبة لتلك الجريمة باعتبارها مخالفة حكم فيها بالغرامة فلا يجوز للمتهم استئنافها لا يكون قد خالف القانون في شيء. ولما كان الطعن لا يجوز إلا في الأحكام النهائية الصادرة من أخر درجة في مواد الجنايات والجنح وفقاً للمادة 30 من القانون رقم 57 سنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وكان الحكم المطعون فيه صادراً في مخالفة بالنسبة لجريمة عدم الاشتراك في هيئة التأمينات فإنه يتعين القضاء بعدم جواز الطعن في هذه الجريمة. لما كان ذلك، وكان الطعن بالنسبة للجريمتين الثانية والثالثة قد استوفى الشكل المقرر في القانون وكان الحكم المطعون فيه قد تأدى من عدم اشتراك المطعون ضده عن عماله لدى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية إلى أنه غير مسئول عن سائر الالتزامات التي يفرضها قانون التأمينات الاجتماعية وهو تأويل خاطئ للقانون، إذ أن قعود صاحب العمل عن اشتراكه في هيئة التأمينات مستقل تماماً عن جريمتي إخلاله بتقديم الكشوف وعدم احتفاظه بالدفاتر والسجلات التي يستلزمها القانون. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأوجب لقيام الجريمتين موضوع التهمتين الثانية والثالثة ثبوت اشتراك صاحب العمل عن عماله فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله مما يوجب نقضه. ولما كان هذا الخطأ قد حجب المحكمة عن النظر في موضوع هاتين التهمتين، فإنه يكون متعيناً مع النقض الإحالة