الطعن رقم 5564 لسنة 57 بتاريخ 07/04/1988
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من .........، .........، ....... بأنهم:
أولاً: المتهم الأول عرض مبلغ ألف وثمانمائة جنيه على موظف عام هو الرائد شرطة ............. بإدارة جوازات ميناء القاهرة الجوي على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفته بأن يغض الطرف عن التغيير الحاصل في اسم كل من المتهمين الآخرين في تذكرتي مرورهما وعن عدم حصولهما على ختم بيانات الوصول ومدة الإقامة الممنوحة لهما على هاتين التذكرتين من مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية وذلك لتسهيل مغادرتهما أراضى البلاد من مطار القاهرة رغم كونهما مدرجين على قوائم الممنوعين من السفر لاتهامهما في الجناية رقم ......... لسنة 1984 إحراز مخدرات بدائرة قسم شرطة الدرب الأحمر ولكن الموظف المذكور لم يقبل الرشوة على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: المتهمان الثاني والثالث 1- اشتركا مع المتهم الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجناية سالفة الذكر بأن اتفقا معه على ارتكابها وأمداه بالمال والبيانات الخاصة بهما وموعد سفرهما لموطنهما وتوجها في صحبته إلى المطار في الموعد المتفق عليه مع الضابط سالف الذكر فتظاهر الأخير لدى تقديمهما إليه أوراق سفرهما بحضور المتهم الأول بتسهيل الإجراءات وتمكناً بذلك من الصعود إلى الطائرة ومكثا فيها حتى تم ضبطهما قبل إقلاعها عقب ضبط المتهم الأول متلبساً بالجرم فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة.
2- تسمى كل منهما في تذكرة المرور الصادرة من القنصلية السعودية بالقاهرة باسم غير اسمه الحقيقي بأن اتخذا لجدهما اسم .......... بدلاً من اسمه الحقيقي ......... وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 2، 3، 41، 109 مكرراً، 110، 116 من قانون العقوبات بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير اتخاذ الإجراءات القانونية فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض قيد بجدولها برقم ....... لسنة 55 القضائية.
وتلك المحكمة قضت في ....... أولاً:- بعدم جواز الطعن بالنسبة لـ ............ ثانياً:- بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للآخرين وإحالة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لتفصل فيها من جديد مشكلة من قضاة آخرين وإذ أعادت النيابة العامة إحالة المتهم الأول إلى محكمة الإعادة فقضت حضورياً للأول (الطاعن) وغيابياً للآخرين بمعاقبة كل منهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه مبلغ ألف جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة وتذكرتي المرور المضبوطين عما أسند إليهم.
فطعن الأستاذ/ ............... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض، كما طعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ....... الخ
 
 المحكمة
المحكمة
من حيث إن مما ينعاه المحكوم عليه على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة عرض رشوة على موظف عمومي قد شابه البطلان والقصور في التسبيب ذلك بأن الحكم خلا مما يفيد صدور إذن من مجلس القضاء الأعلى برفع الدعوى الجنائية قبل الطاعن لكونه من رجال النيابة العامة مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية قبل الطاعن - الذي يعمل مساعداً بالنيابة العامة. بوصف أنه عرض مبلغ ألف وثمانمائة جنيه على موظف عام هو الرائد شرطة ...... بإدارة جوازات ميناء القاهرة الجوي على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفته وطلبت عقابه بالمادتين 109 مكرراً /1, 110 عقوبات ومحكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة قضت حضورياً بحبسه سنة واحدة مع الشغل وبتغريمه ألف جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة.
لما كان ذلك, وكانت المادة 96 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1984 - الساري على واقعة الدعوى - قد نصت على أنه لا يجوز رفع الدعوى الجنائية على القاضي في جناية أو جنحة إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى.
كما أن المادة 130 من القانون ذاته قد نصت على سريان حكم المادة السابقة على أعضاء النيابة العامة, ومؤدى ذلك هو عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية ضد من تقدم ذكرهم قبل صدور الإذن بذلك من مجلس القضاء الأعلى, وإذ كان البين من مدونات الحكم أن الطاعن يعمل مساعداً للنيابة العامة بنيابة مخدرات القاهرة وكانت مدونات الحكم المطعون فيه قد خلت من الإشارة إلى أن الدعوى الجنائية أقيمت بإذن من مجلس القضاء الأعلى وكان هذا البيان من البيانات الجوهرية التي يجب أن يتضمنها الحكم لاتصاله بسلامة تحريك الدعوى الجنائية, فإن إغفاله يترتب عليه البطلان, ولا يغني عن النص عليه بالحكم أن يكون ثابتاً بالأوراق صدور مثل هذا الإذن من جهة الاختصاص. لما كان ذلك, فإن الحكم يكون مشوباً بالبطلان فضلاً عن القصور في البيان بما يعيبه مما يتعين معه نقضه.
لما كان ذلك, ولئن كان هذا الطعن لثاني مرة, إلا أنه لا يكفي سبق الطعن في قضية أمام محكمة النقض لكي تصبح هذه المحكمة مختصة بالفصل في موضوع هذه القضية إذا حصل الطعن أمامها مرة ثانية في القضية عينها وقبل هذا الطعن, بل يجب فوق ذلك أن يتحقق شرطان أساسيان:
أولهما/ أن تكون محكمة النقض قد حكمت في المرة الأولى بنقض الحكم المطعون فيه, كما حكمت بذلك في المرة الثانية. وثانيهما, أن يكون كلا الحكمين اللذين نقضتهما المحكمة قد فصل في موضوع الدعوى, وإذن فإن محكمة النقض مهما قدمت لها طعون على أحكام صدرت في دعاوى فرعية قدمت أثناء نظر دعوى أصلية ومهما حكمت بعدم جوازها, فإن الطعون التي من هذا القبيل مهما تعددت لا يمكن اعتبارها أساساً لاختصاصها بنظر أصل الموضوع والتزامها بالفصل فيه إذا صدر الحكم في هذا الموضوع من بعد ورفع لها طعن عليه فقبلته, بل ما دام هذا يكون أول حكم صدر في الموضوع فإنه لا يكفي لإيجاب هذا الاختصاص والالتزام, ولما كان الحكم الأول الصادر في الدعوى الماثلة لم يفصل في الموضوع, فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة بالنسبة للطاعن وحده دون باقي المحكوم عليهم الذي لم يزل الحكم بالنسبة لهم غيابياً وذلك دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
ومن حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون, ذلك بأنه رغم إدانته للمحكوم عليه الأول بجريمة عرض رشوة على موظف عمومي ومعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وغرامة ألف جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة فقد أغفل القضاء بعقوبة عزله من وظيفته لمدة لا تقل عن سنتين - وهي ضعف العقوبة المقضي بها عليه - إعمالاً لنص المادة 27 من قانون العقوبات مما يعيب الحكم بما  يستوجب نقضه نقضاً جزئياً وتصحيحه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة عرض الرشوة التي دان المحكوم عليه الأول بها وأثبتها في حقه, عامله بالرأفة وقضى بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وغرامة ألف جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة مما كان يتعين معه على المحكمة أن تقضي بعزله مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها وذلك إعمالاً لنص المادة 27 من قانون العقوبات.
أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون مما كان يقتضي تصحيح هذا الخطأ بمعاقبته بالعزل من وظيفته مدة لا تقل عن سنتين بالإضافة إلى باقي العقوبات المقضي بها عليه, بيد أنه لما كانت المحكمة قد انتهت على النحو المتقدم بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة, فإن القضاء بتصحيح الخطأ يكون عديم الجدوى