الطعن رقم 879 لسنة 37 بتاريخ 12/06/1967
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم خلال الفترة من يوم أول مايو سنة 1963 حتى يوم 30 يونيه سنة 1964 بدائرة قسم المطرية محافظة القاهرة: (أولا) المتهم الأول: بصفته موظفاً عموميا (مدير إدارة العقود والمشتريات والمخازن بهيئة النقل العام لمدينة القاهرة) تسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر بليغ بأموال ومصالح هذه الجهة وكان ذلك ناشئا عن إهماله وإخلاله الجسيم بواجبات وظيفته بأن وافق على شراء قطع غيار بأسعار مغالى فيها وتزيد بأكثر من 20% عن سعر آخر توريد كما لم يضع نظاما لقيد الوارد والمنصرف من المخازن بدفاتر عهدة رسمية وفقا للائحة المخازن الحكومية. الأمر الذي أتاح الفرصة للعاملين بهذه المخازن للتلاعب في محتوياتها كما لم يقم بمتابعة عمليات تزويد المخازن باحتياجاتها السنوية والشهرية بطرق الشراء القانونية مع الوقوف على حقيقة أرصدة الأصناف المشتراه كما لم يقم بتحديد متوسط استهلاك كل صنف من الأصناف المتداولة بالمخازن الأمر الذي أدى إلى تلاعب العاملين بالمخازن في شراء قطع غيار على النحو المبين بالتحقيقات وتقرير اللجنة الفنية ونتج من ذلك أضرار مالية جسيمة أصابت هيئة النقل العام. (ثانيا) المتهم الثاني بصفته موظفا عموميا (المهندس المختص بالمشتريات لهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) تسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر بليغ في أموال ومصالح الجهة التي يعمل بها وكان ذلك ناشئا عن إهماله وإخلاله الجسيم بواجبات وظيفته بأن خالف التعليمات المخزنية واللوائح بالشراء بأمر مباشر دون إجراء مناقصة أو ممارسة كما قام بشراء قطع غيار غير مطابقة للمواصفات الفنية وغير صالحة للاستعمال وبأسعار مغالى فيها وشرائه أصنافاً غير لازمة للعمل وقبوله مشتروات مجددة وسبق استعمالها على أنها جديدة ونتج عن ذلك أضرار مالية جسيمة أصابت هيئة النقل العام. (ثالثا) المتهم الثالث (1) بصفته موظفا عموميا (رئيس ورش الأميرية بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) تسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر بليغ بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها وكان ذلك ناشئا عن إهماله وإخلاله الجسيم بواجبات وظيفته بأن وافق على شراء قطع غيار للمخازن دون حاجة إليها وبأسعار مغالى فيها ودون الحصول على موافقة المختص على ذلك كما قام بتصنيع قطع غيار لدى ورش خارجية بأسعار مغالى فيها وكان يمكن تشغيلها في الورش رئاسته بالإمكانيات الموجودة بهذه الورش من عمال ومعدات وخامات ونتج عن ذلك أضرار مالية جسيمة أصابت هيئة النقل العام (2) بصفته موظفا عموميا (رئيس ورش الأميرية بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) قبل رشوة من المتهم الخامس تتمثل في فائدة مادية حصل عليها هي توريد قطع غيار لحسابه من مصنع شقيقه ........ بأسعار مغالى فيها كما قبل أقمشة وآلة تصوير من المتهم الخامس أيضا وذلك نظير إخلاله بواجبات وظيفته وهي عدم إحكام الرقابة عليه في عمليات شراء مستلزمات المخازن وعدم التقيد بأحكام اللوائح في عمليات الشراء (3) بصفته موظفا عموميا (رئيس ورش الأميرية بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) استولى بغير حق على مال للدولة بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة وذلك بأن حصل لنفسه على فرق ثمن قطع الغيار التي قام بتوريدها لمخازن الهيئة من مصنع شقيقه ........ وقدره 19ج و500م (رابعا) المتهم الرابع بصفته موظفاً عموميا (أمين فرع الورش بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) تسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر بليغ بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها وكان ذلك ناشئا عن إهماله وإخلاله الجسيم بواجبات وظيفته بأن قام بقيد الأصناف ذات المقاسات المختلفة من قطع الغيار التي ترد للمخازن في بطاقة صنف واحدة وقيامه بصرف أصناف غير مطابقة لمواصفاتها الحقيقة وقيامه بالصرف دون أوامر تشغيل كما لم يقم بإخطار إدارة العقود والمشتروات والمخازن بالأصناف المطلوب شراؤها والتي يمكن شراؤها بالطريق القانوني وقد ترتب على ذلك أضرار ماليه جسيمة أصابت هيئة النقل العام (خامسا) المتهم الخامس (1) قدم رشوة لموظفين عموميين هم المتهمون الثالث والسادس والسابع والثامن ليخلوا بواجبات وظائفهم بأن قدم للمتهم السادس مبلغ ستة جنيهات وقدم للمتهمين السابع والثامن مبلغ ثلاثة جنيهات وسهل لهما توريد بضائع بأسعار مغالى فيها لمخازن هيئة النقل العام باسمه بصفته مندوب مشتروات وحصل من جراء ذلك على فائدة مادية كما قدم للمتهم الثالث رشوة عبارة عن أقمشة وآلة تصوير وتسهيل توريد بضائع من مصنع شقيقه ....... بأسعار مغالى فيها بصفته سالفة الذكر. وحصل من جراء ذلك على فائدة مادية وقد قدم كل هذه المبالغ وتلك التسهيلات على سبيل الرشوة للموظفين سالفي الذكر لكي يسهلوا له التلاعب في توريد قطع الغيار التي يقوم بشرائها على خلاف ما تقضي به واجبات وظائفهم (2) بصفته موظفا عموميا مندوب مشتروات (بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) أخذ مبلغ أحد عشر جنيها من المتهمين السابع والثامن على سبيل الرشوة نظير إخلاله بواجبات وظيفته بأن ورد باسمه للمخازن بضائع حصل عليها لحسابهما بأسعار مغالى فيها وبسعر يزيد عن ثمن شرائها من المورد الأصلي (3) بصفته موظفا عموميا (مندوب مشتروات هيئة النقل العام بمدينة القاهرة) سهل للمتهمين السابع والثامن الاستيلاء بغير حق على مال مملوك للدولة ( أموال هيئة النقل العام بمدينة القاهرة ) وذلك بأن سهل لهما الحصول على فرق ثمن قطع الغيار التي قام بتوريدها للمخازن من المورد ....... وقدره مبلغ عشرون جنيها حوسب المورد على ثمن القطعة بسعر خمسة عشر قرشاً ووردت للمخازن بسعر عشرين قرشا لذات القطعة (4) بصفته موظفا عموميا (مندوب مشتروات بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) سهل للمتهم الثالث الاستيلاء بغير حق على مال للدولة (أموال هيئة النقل العام بمدينة القاهرة) بأن دفع له ثمن مائة وخمسين قطعة غيار إنتاج مصنع شقيقه ......... تم توريدها للمخازن بسعر الواحدة سبعة عشر قرشا في حين أن ثمنها أربعة قروش فيكون بذلك سهل له الاستيلاء بغير حق على مبلغ 19ج و500م (5) بصفته موظفا عموميا (مندوب مشتروات بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) له شأن في إدارة التوريدات المتعلقة بهيئة عامة حصل لنفسه على ربح من هذه التوريدات وذلك بأن حصل على الفرق بين الثمن الفعلي لقطع الغيار التي يقوم بشرائها والثمن الذي يثبت في فواتير شرائها (سادسا) المتهم السادس بصفته موظفا عموميا (مراجع قسم التكاليف والمخازن بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) طلب وأخذ من المتهم الخامس مبلغا على سبيل الرشوة نظير إخلاله بواجبات وظيفته وذلك بأن أخذ منه مبلغ ستة جنيهات وطلب منه نسبة مئوية من ثمن المشتروات التي يقوم بتوريدها للمخازن نظير تغاضيه عن مراجعة فواتير وأوامر الشراء (سابعا) المتهمين السابع والثامن:- 1 -  بصفتهما موظفين عموميين ومراجعين بقسم الاستقبال والمخازن بهيئة النقل العام لمدينة القاهرة أخذا طلبا من المتهم الخامس مبلغا على سبيل الرشوة نظير إخلالهما بواجبات وظيفتهما وذلك بأن أخذا منه مبلغ ثلاثة جنيهات وطلبا منه مبلغ خمسة جنيهات أسبوعيا نظير تغاضيهما عن مراجعة البضائع التي تقوم بشرائها وتسهيل توريدها للمخازن بالأسعار الواردة بفواتير شرائها رغم ما فيها من مغالاة وعدم حاجة المخازن إليها - 2 -  قدما رشوة لموظف عمومي هو المتهم الخامس نظير إخلاله بواجبات وظيفته وذلك بأن دفعا له مبلغ عشرة جنيهات لكي يقوم بتوريد بضائع للمخازن على أنها مشتراه بمعرفته على خلاف الحقيقة - وبأسعار تزيد عن سعر شرائها من موردها الأصلي ........... 3- بصفتهما موظفين عموميين (مراجعين بقسم الاستقبال والمخازن بهيئة النقل العام بمدينة القاهرة) استوليا بغير حق لنفسيهما على فرق ثمن قطع الغيار التي قاما بتوريدها والمشتراه من ...... وقدره عشرون جنيها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقرر بذلك، ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا بتاريخ 15/12/1966 عملا بالمواد 103 و104 و107 و111/1 و113 و116 و118 و119و72 و17 من قانون العقوبات أولا - ببراءة المتهمين من الأول إلى الرابع والسادس مما أسند لكل منهم (ثانيا) ببراءة المتهم الخامس من التهمتين الأولى والرابعة المسندتين إليه (ثالثا) ببراءة كل من المتهمين السابع والثامن من التهمة الأولى المسندة إليهما. (رابعا) بمعاقبة المتهم الخامس بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه ألفي جنيه عن التهم الثانية والثالثة والخامسة المسندة إليه. (خامسا) بمعاقبة كل من المتهمين السابع والثامن بالسجن ثلاث سنوات وتغريم كل منهما ألفي جنيه عن التهمتين الثانية والثالثة المسندتين لكل منهما. وطعن المتهمون الخامس والسابع والثامن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول أن الحكم المطعون فيه إذ دانه في جنايتي الرشوة وتسهيل الاستيلاء على مال للدولة بغير حق قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن محامي الطاعن دفع ببطلان إجراءات اللجنة التي شكلت لعمل الجرد ولكن الحكم لم يتناول هذا الدفع بالرد وقضي ببراءة الطاعن من بعض التهم المسندة إليه لعدم اطمئنانه إلى اعترافه ثم دانه في البعض الآخر مع وحدة المعيار الذي اتخذته المحكمة في الحالين مما يعتبر تناقضاً موجباً لبطلانه. وفوق هذا فإن الثابت أن الطاعن فيما باشره من عمليات الشراء لم يكن يباشرها بصفته الموظف المختص بل بصفته وكيلاً عنه فمساءلته إنما تكون بالطريق التأديبي أمام موكله، هذا إلى أن المتهمين المنسوب إلى الطاعن أنه تقاضى رشوة منهما ليسا إلا موظفين عموميين مثله يعملون تحت إشراف ذات الموظف الرسمي وسلطانه فالراشي والمرتشي في مركز وظيفي متعادل ولذلك فإن الوصف الصحيح المنسبغ على واقعة الدعوى هو الاشتراك في الاختلاس لا الرشوة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعن الأول وهو موظف بهيئة النقل العام عين في شهر مايو سنة 1963 مندوباً للمشتروات التي تتم بالأمر المباشر. وكان يتسلم من ملاحظي الأقسام كشوفاً بالأصناف التي يطلب شراؤها من قطع الغيار اللازمة للسيارات فيحرر بها طلباً يعرضه على أمين المخزن حتى إذا تبين له أنها غير موجودة قام بإرسال الكشوف إلى مراقبة الأسعار بقسم حسابات المخازن للوقوف على أسعارها حتى يقوم بشرائها من السوق المحلية وبدفع أثمانها إلى الموردين بموجب الفواتير المقدمة منهم خصماً من مبلغ العهدة المستديمة التي لدى المدير الفني للهيئة. وكان الطاعنان الثاني والثالث - المتهمان السابع والثامن - وهما مراجعان بقسم الاستقبال يتسلمان ما يورده الطاعن الأول ويقومان بمراجعته وتحرير أذون التوريد التي ترسل إلى المخازن المختصة. ولقد عرض المتهمان المذكوران على الطاعن أن يوجهاه في عمليات الشراء وجهة تعود عليهم جميعاً بالربح. ولما علما في 2 يوليه سنة 1963 و14 أغسطس سنة 1963 أنه مطلوب للاستعمال بالورش "بلوف هواء صلب" طلبا من الطاعن أن يترك لهما هذه المهمة لقاء رشوة يقدمانها إليه، وفعلاً اشتريا بتاريخ 3 يوليه سنة 1963 مائتي بلف كما اشتريا عدداً آخر مماثلاً في 15 سبتمبر سنة 1963 وذلك بسعر مائة وخمسين مليماً للقطعة الواحدة وطلبا من المورد أن يثبت بفاتورتي الشراء الصنف وعدده دون ثمنه. ثم أثبتا بالفاتورتين أن السعر مائتا مليم واستوليا بغير حق على فرق الثمن ومقداره عشرون جنيهاً نقداً الطاعن منه عشرة جنيهات على سبيل الرشوة مقابل قبوله لتلك البلوف للمخازن على أنها مشتراه بمعرفته ومقابل تسهيله لهما الاستيلاء على فرق الثمن. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة وهي شهادة المورد، واعتراف الطاعن والاطلاع على بيانات البلوف المشتراه في ملف الصفقة الخاصة بها والذي تبين منه أن الطاعن قد ورد في 15 سبتمبر سنة 1963 مائة بلف بسعر مائة وخمسين مليماً. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين واقعة الدعوى بياناً كافياً ودلل عليها تدليلاً مقبولاً. ولا مصلحة للطاعن في المنازعة في سلامة إجراءات لجنة الجرد طالما أن الحكم أطرحها جملة ولم يتخذ منها دليلاً من أدلة الثبوت التي اعتمد عليها في القضاء بإدانة الطاعن أو إدانة غيره من المتهمين في الدعوى. ولما كان الحكم قد قضى ببراءة بعض المتهمين تأسيساً على عدم توافر أركان الجرائم المسندة إليهم، كما قضى بالبراءة من بعض التهم المسندة إلى الطاعنين الثلاثة استناداً إلى أن الطاعن عدل عن اعترافه بشأنها ولم يثبت عليه. ولم يتأيد بدليل آخر ثم أخذ باعترافه فيما دانهم به من تهم لكون اعترافه قد تأيد بالأدلة الأخرى التي ساقها ووثق بها واطمأن إليها فلا تناقض ثمة بين قضائه بالإدانة وقضائه بالبراءة لاختلاف الشواهد والأسانيد التي بني عليها كل منهما، لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تبعض الدليل والاعتراف كذلك. فتأخذ منه بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولا تعقيب عليها في ذلك. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت اختصاص الطاعن وهو موظف عام بما قام به من صفقات الشراء باعتباره مندوباً له مكلفاً به من قبل من يملك التكليف أخذاً باعترافه، وكان تكليف الموظف بالعمل من لدن من يملكه كافياً لإسباغ الاختصاص عليه بما يقوم به منه في حدوده، وكان لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض منها، وكان إقرار الطاعن في طعنه بأنه كان وكيلاً عن الأصيل في إنفاذ العمل المطلوب يعقد له الاختصاص بما قبل الرشوة من أجله، وكان من المقرر كذلك بحسب المستفاد من نص المادتين 103 و103 مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة ولو كان حقاً، كما تتحقق الجريمة أيضاً في شأنه ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً، بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما زعم الموظف أو اعتقد. ولما كان قيام الموظف فعلاً بالعمل الذي اقتضى الرشوة من أجله يتضمن بالضرورة حصول الاعتقاد لديه باختصاصه بما قام به أو زعمه ذلك بالأقل فلا وجه لما أثاره الطاعن في هذا الصدد. ولما كان الطاعن قد قبل مالاً نظير إخلاله بواجبات وظيفته، وذلك بتمكين الطاعنين الآخرين من عقد الصفقة مكانه وقبول المغالاة في السعر الذي فرضاه عما اشتراه هو نفسه به فلا يغير من وصف فعله بأنه ارتشاء أن يكون ما قبضه من مال حرام جزءاً مما استولى عليه الراشي بغير حق من مال الدولة علم بذلك أو لم يعلم، أو أن يكون الراشي موظفاً مثله، لأنه لا ينظر في وصف الوظيفة إلا بالنسبة إلى المرتشي وحده. فانسباغ الوظيفة على راشيه لا يغير شيئاً في جريمة الرشوة عما هي كذلك ولا تؤثر في توافر مقوماتها قانوناً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن الأول يكون على غير أساس ويتعين لذلك رفضه.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني أن الحكم المطعون فيه إذ دانه في جريمتي الارشاء والاستيلاء على مال للدولة بغير حق قد شابه الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والتناقض في التسبيب وبني على الإخلال بحقه في الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه استند في إدانته على اعتراف للطاعن الأول وشهادة من يدعى .......... والاطلاع على البيانات التي انطوى عليها ملف الصفقة مع أن الطاعن الأول لم ينسب إلى الطاعن الثاني هذا الذي قال به الحكم. كما أنه أجرى أقوال الشاهد على أن المراودة الآثمة تمت بينه وبين الطاعنين الثاني والثالث مع أنه قصرها على الأخير أما المستندات التي رددت المحكمة الاطلاع عليها فلا تتصل به من قريب أو بعيد وعول الحكم في الإدانة على اعتراف للطاعن الأول عدل عنه ولم يثبت عليه ورماه بأنه صدر عنه تحت تأثير الإكراه ولم يعتد به الحكم نفسه وهو بصدد تبرئة الآخرين مما افقده تماسكه وانسجامه هذا وقد دفع الطاعن التهمة بانتفاء اختصاصه الوظيفي في استلام البضائع التي تشترى من السوق المحلية الأمر الذي ينتفي به القول بأنه قدم رشوة أو استولى على مبلغ. إلا أن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا الدفع ولم يرد عليه مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن ما أثبته الحكم تحصيلاً لاعتراف الطاعن الأول (المتهم الخامس) في الدعوى له أصله الثابت من تحقيقات النيابة العامة. كما يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن، كما أن ما أثبته الحكم من أقوال الشاهد ........... هو عين ما شهد به سواء في تحقيق النيابة أو في جلسة المحاكمة وبذلك تنتفي قالة الخطأ في الإسناد. ولما كانت قرائن الأحوال من بين الأدلة المعتبرة في القانون والتي يصح اتخاذها ضمائم إلى الأدلة الأخرى، وكان ما أثبته الحكم من بيانات الملف من شراء الواحد من البلوف موضوع الدعوى بمائتي مليم في حين أن المتهم الخامس اشترى مثلها بخمسة عشر ميماً إنما اتخذه قرينة ضمها إلى الأدلة الأخرى على المغالاة في السعر واستيلاء الطاعنين الثاني والثالث على الفرق بين ثمنها في السوق والثمن الذي حررت به الفواتير وهو استدلال يؤدي إلى ما انتهى إليه من ذلك. ولما كان الحكم المطعون فيه أخذ باعتراف الطاعن في تحقيقات النيابة لبراءته مما يشوبه من عيب الإكراه واطمئناناً من المحكمة إلى صحته، وكان يجوز للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم ولو عدل عنه، وكانت دعوى التناقض في الحكم قد سبق إيرادها والرد عليها. فلا محل لما أثاره الطاعن في هذا الصدد. ولما كانت المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت في فقرتها الأولى على أن "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل موظف عمومي استولى بغير حق على مال للدولة أو لإحدى الهيئات أو المؤسسات العامة أو الشركات أو المنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب أو سهل ذلك لغيره" مما مفاده أن القانون يكتفي في تأثيم استيلاء الموظف على مال مملوك للدولة باعتباره جناية على مجرد توافر صفة العمومية في الجاني وكونه موظفاً عاماً أو من في حكمه بصرف النظر عن نوع الاختصاص الذي يخوله الاتصال بالمال موضوع الاستيلاء. ولما كان الطاعن مقراً بأنه موظف بهيئة النقل العام فإنه إذا استطالت يده إلى مال مملوك للدولة بنية إضافته إلى ملكه بغير حق يكون فيما فعل قد قارف جناية الاستيلاء كما هي معرفة في القانون أياً ما كان وضعه الوظيفي في الهيئة وحظه من الاختصاص الذي يمكنه من المال الذي نسب إليه الاستيلاء عليه. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ دانه بتلك الجناية يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً. ويكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثالث أن الحكم المطعون فيه إذ دانه في تهمتي الإرشاء والاستيلاء على مال للدولة بغير حق قد شابه الفساد في الاستدلال وبني على الإخلال بحقه في الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع التهمتين المسندتين إليه بأنه لا اختصاص له بشراء ما قيل إنه اشتراه من بلوف وأن فاتورة من فاتورتي الشراء لم تثبت بالملف حتى يكون تحريرها بخطه شاهداً عليه وأن الطاعن الأول كان يعرف المورد ...........، واشترى منه بنفسه، فلم تكن به حاجة إلى من يدله عليه. وهو المكلف أصلاً بالشراء بوصفه مندوباً له. وأن الطاعن لو كان قد قدم رشوة لوسعه الاعتراف ليعفى من العقاب طبقاً للمادة 107 مكرراً (أ) من قانون العقوبات. ولكنه آثر الصدق واعتمد الحكم في الإدانة على أقوال (.............) بوصفه شاهداً مع أنه كان متهماً وسمعت أقواله غير مسبوقه بحلف يمين. فلم يرد الحكم على هذا الدفاع واتخذ من الاطلاع على بيانات الملف دليلاً عليه قولاً بأن البلوف اشتريت بمائتي مليم للقطعة بالبناء للمجهول دون أن يسند إلى الطاعن شيئاً فيكون الدليل فوق تجهيله قد شابه الاحتمال الذي يبطل به الاستدلال. هذا إلى أن الحكم اعتمد أساساً في إدانة الطاعن على اعتراف المتهم الخامس (الطاعن الأول) على الرغم من أنه أطرحه ولم يأخذ به حتى في حق المعترف نفسه فيما قضى به من براءته من بعض التهم التي نسبت إليه. وقد وقع الحكم في مثل هذا التناقض وهو يرد على الدفع بالإكراه الواقع على الطاعن الأول إذ رد عليه بحصول الاعتراف منه أمام النيابة العامة. وهو مطلق السراح مع استمرار ملاحقته أمامها بالوعد والإغراء وبذلك فإنه يكون قد تماحت أسبابه مما يعيبه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه كما سبق البيان قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليه، ولها أصلها الثابت في الأوراق. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تعتمد في الإدانة على أقوال شاهد سمع على سبيل الاستدلال بغير حلف يمين، إذ أن مرجع الأمر كله إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال، وكانت المحكمة قد سمعت الشاهد المذكور في جلسة المحاكمة مسبوقة باليمين وعولت على أقواله أمامها، وكان الأصل هو بالتحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بنفسها في الجلسة وتسمع فيه الشهود، وكان سائر الطعن جدلاً موضوعياً صرفاً لا يثار لدى محكمة النقض وقد سبق الرد عليه عند الرد على الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني، فإنه يكون على غير أساس متعين الرفض