الطعن رقم 1065 لسنة 24 بتاريخ 02/11/1954
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: قبلا على سبيل الرشوة من ...................... المبلغ المبين بالمحضر ليمتنعا عن عمل من أعمال وظيفتهما هو تحرير محاضر مخالفات لسيارات شركة أبو الهول في حالة مخالفتها للوائح. وطلبت من غرفة الاتهام أن تحيلهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقا للمواد 103 و104 و108/1 - 3 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضوريا بتاريخ 17 من فبراير سنة 1954 - عملا بالمواد 103 و104 و108/1 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من ...................... و ...................... بالسجن لمدة ثلاث سنين وتغريم كل منهما مائة قرش. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
... وحيث إن الوجه الأول المقدم من الطاعنين يتحصل في أن الحكم المطعون فيه يشوبه خطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولان إنهما دفعا ببطلان إجراءات التفتيش فلم تقبل المحكمة هذا الدفع واستندت في صحة التفتيش إلى المادتين 34 و46 من قانون الإجراءات الجنائية وما ذهبت إليه المحكمة مخالف لما سار عليه الفقه والقضاء من أن التفتيش الذي تنص عليه المادة 46 هو التفتيش الوقائي الذي يكون الغرض منه حماية رجال الضبطية من اعتداء المقبوض عليه أو مقاومته وهو نوع خاص من التفتيش لا يعد من إجراءات التحقيق بل عمل من أعمال الوقاية يجوز حصوله في أي حالة من حالات القبض ومن أي فرد ولو لم يكن من مأموري الضبطية القضائية، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه علل صحة التفتيش بتعليل آخر بناه على أن المتهمين كانا في حالة تلبس اعتباري بالجريمة لأن الصراف ذهب على أثر تسليم مبلغ الرشوة لأحدهما إلى رجال الضبطية القضائية الذين كانوا على مقربة منه وأنهى إليهم ما وقع مع أن التلبس الاعتباري يقتضي وجود صلة بين الجاني والمجني عليه، وحقيقة الحال في واقعة الدعوى أن ما حدث هو تتبع للجريمة لا لمرتكبها أو هو مجرد التبليغ عن الجريمة بعد أن انقطعت الصلة المادية بين الجاني والمبلغ، وأضاف الطاعنان إلى ما تقدم أنهما دفعا في جميع مراحل الدعوى بأنهما ليسا مختصين بتحرير مخالفات في خطوط السير التي تمر بها سيارات شركة ........ فرد الحكم على هذا الدفع بأن التنظيم الإداري لمناطق الاختصاص لا يسلب حقا ولا يمنع سلطة لكونستابل المرور وهذا الرد غير سليم لأنه يجعل من سلطة الكونستابل أن يحرر المحاضر عن مخالفات تقع في غير دائرة المركز أو المديرية التي يعمل فيها، وهو أمر غير مقبول وقال الطاعن الأول في التقرير الثاني المقدم منه إن الذي ثبت من التحقيق أن سيارات شركة ......... تعمل بمديرية بني سويف في خط سير يبدأ من نقطة المرور الأولى "نقطة السحارة" وتسير في خطوط تابعة لمركز ببا في حين أن عمل الطاعن الأول مقصور على مركز بوش وليس له اختصاص في مركز ببا وعلى ذلك تكون جريمة الرشوة غير قائمة لتخلف أحد أركانها وقد قرر مدير عام المرور بمحضر الجلسة أن الاختصاص يوزع بين الكونستبلات بمعرفة مفتش المرور بالمديرية فإذا قام أحدهم بعمل خارج اختصاصه فإن هذا العمل يكون باطلا كما قدم الدفاع عن الطاعن منشورا صادرا من وزارة الداخلية يحرم على الكونستبلات تحرير محاضر مخالفات داخل نطاق البندر وهو غير تابع لإدارة المرور العامة بالقاهرة وعلى ذلك يكون ما ذهب إليه الحكم من أن مفتش المرور بالمديرية كلف المتهمين بأن يجعلا نقطة مرور بندر بني سويف نقطة مواصلة لمراقبة الطريق ما بين نقطة مرور بني سويف ونقطة مرور دنديل لا يقوم على أساس سليم ويكون التكليف الذي أصدره مفتش المرور قد وقع باطلا لأن تلك المسافة تدخل في اختصاص رجال مرور البندر وهم غير تابعين لإدارة المرور العامة بالقاهرة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى التي دان بها الطاعنين ثم رد على الدفع ببطلان التفتيش بقوله "إن المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه في حالات عددها الشارع حصرا بهذه المادة ومنها الجنايات ومؤدى هذا أن القبض على المتهم جائز لمأمور الضبطية القضائية سواء كان متلبسا بها أو في غير حالة تلبس متى كان ثمة دلائل كافية على اتهامه وليس من ريب في أن تقدير هذه الدلائل هو من شأن مأمور الضبط القضائي ويكون خاضعا في ذلك لرقابة محكمة الموضوع ... كما أنه ليس من ريب في أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض قانونا على المتهم، فإنه يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه على ما تنص عليه المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية وترى هذه المحكمة أن نص هذه المادة 46 في وروده على هذا النحو من إطلاقه لا يمكن قصره على حالة بعينها دون أخرى وإلا كان تخصيصا بغير مخصص وعلى هذا فإن الثابت من استعراض الوقائع فيما سلفت الإشارة إليه أن اليوزباشي .................... واليوزباشي .................... كانا على رأس أفراد القوة المرابطة بفناء الجراج بسيارة الإسعاف، وأنه قد هرع إليهما .................... صراف شركة سيارات ......... وأبلغهما أنه قدم رشوة لكونستابلين حضرا إليه من نافذة تطل على الشارع فعجل الضابطان بالخروج من مخبئهما فشاهدا المتهمين على مقربة من نافذة مكتب الشركة وعلى قيد خطوات منها بما لا يدع مجالا للشك في وقوع جناية الرشوة إذ لا يمكن لرجل الضبط القضائي أن يتصور أي احتمال لحضور المتهمين لمكتب صراف الشركة والاتصال به إلا اليقين بما أبلغهما به الصراف من وقوع حادث الرشوة، وترى المحكمة أن ما عرض للضابطين سالفي الذكر يكفي في الدلالة على اتهام المتهمين حين ذاك، ويبرر القبض عليهما وبالتالي تفتيشهما". ولما كان واضحا من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استخلص في منطق سليم أن الدلائل التي ارتكن إليها رجال الضبطية القضائية في إجراء القبض على الطاعنين وتفتيشهما هي دلائل كافية وقضى بناء على ذلك برفض الدفع وصحة التفتيش، ولما كان التفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي على من يقبض عليه في إحدى الحالات المبينة بالمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية هو إجراء صحيح من إجراءات جمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق وفقا للمادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية التي ورد نصها بين نصوص الباب الثاني من الكتاب الأول الذي عنوانه "في الدعوى الجنائية وجمع الاستدلالات والتحقيق". أما ما يذهب إليه الطاعن من أن التفتيش المشار إليه في هذه المادة قصد به التفتيش الوقائي، فهو تأويل يقع دون صيغة التعميم التي ورد بها النص، وأحال فيها على الأحوال التي يجوز فيها القبض قانونا على المتهم، لما كان ذلك، فإن قضاء الحكم المطعون فيه برفض الدفع هو قضاء صحيح في القانون، و إذا كان الحكم قد استطرد بعد ذلك إلى التحدث عن حالة التلبس، فإن هذا الاستطراد لا يؤثر على سلامة الأساس القانوني الذي أقيم عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد رد أيضا على الدفع الذي دفع به الطاعنان من أنهما غير مختصين بتحرير محاضر المخالفات للسيارات التابعة لشركة ....... بما قاله من أن مفتش مرور مديرية بني سويف هو المنوط بتوزيع العمل بين الكونستابلات وأنه كلف المتهمين بأن يجعلا نقطة مرور بني سويف نقطة مواصلة حتى يتسنى لهما مراقبة الطريق ما بين نقطة مرور بني سويف ونقطة مرور دنديل، ويبين من هذا الذي قاله الحكم أن مفتش المرور بالمديرية هو الموظف المختص بتقسيم العمل بين رجال المرور، وأنه في حدود سلطته قد كلف المتهمين بمراقبة مسافة من الطريق فمد بذلك اختصاصهما إلى هذا الجزء، وهما بحكم عملهما خاضعان لأوامر وتعليمات رئيسهما مفتش المرور ومن واجبهما القيام بما يعهد به إليهما من أعمال الوظيفة والقانون لا يحتم أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قانون أو لائحة وليس في القانون ما يمنع أن يدخل في أعمال الموظف العمومي كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من رئيس مختص، لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون له أساس.
وحيث إن الوجه الأخير من طعن الطاعن الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه معيب بالقصور وبالإخلال بحق الطاعن في الدفاع فقد طلب استدعاء الصاغ ........................ مفتش مرور المديرية لمناقشته في تحديد اختصاص المتهمين وعلى الأخص بالنسبة إلى مسافة الكيلومتر التي تقع من داخل بندر بني سويف إلى نقطة المرور الأولى بالمديرية، ومناقشته فيما ورد بالمنشور الصادر من وزارة الداخلية كما أبدى الدفاع ضرورة الاطلاع على دفاتر شركة سيارات ...... لمعرفة مبلغ ما زعمه صاحب الشركة من زيادة المخالفات في الأشهر الأخيرة عما سبقها، فلم تجب المحكمة ما طلبه الدفاع ولم ترد عليه.
وحيث إنه بالرجوع إلى محضر الجلسة يبين أن وكيل الطاعن بعد أن أتمت المحكمة سماع شهادة الشاهد الأول، طلب حضور مفتش المرور لسماع أقواله بشأن تحديد اختصاص كل من الكونستابلين المتهمين، ولما ترافع بعد ذلك عرض لشهادة الشاهد المذكور (مفتش مرور مديرية بني سويف) وأبدى ملاحظاته بشأنها طبقا لما رآه في مصلحة موكله، ولم يتمسك في مرافعته بما سبق أن أبداه للمحكمة من طلب سماع الشاهد. لما كان ذلك، وكان الدفاع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة فحص كشوف المخالفات، بل إنه اقتصر على القول بأنه "كان يجب أن يبحث كشوف المخالفات لمعرفة إذا كانت هناك حقا زيادة من عدمه" وليس في هذا القول شيء يستدل به على أن الطاعن يطلب الاطلاع على دفاتر الشركة أو تحقيق واقعة زيادة المخالفات، كما جاء بوجه الطعن، ولم تر المحكمة من جانبها داعيا لتحقيق هذه الواقعة. لما كان ذلك فإن ما يشكو منه الطاعن من الإخلال بحقه في الدفاع ومن القصور في التسبيب لا يكون مقبولا.
وحيث إن الطاعن الثاني يعيب على الحكم المطعون فيه في الوجه الأول من طعنه، خطأه حين اعتبر قوله "مقدرش أقول أخذت أو ما أخذتش" اعترافا مع إجماع الشهود على أنه أنكر ما أسند إليه.
وحيث إن ما يقوله الطاعن في هذا الوجه غير صحيح، إذ الثابت من الحكم أن الطاعن أنكر ما أسند إليه، وأسس إدانته هو وزميله الطاعن الأول على الأدلة المستخلصة من شهادة الشهود والتي ثبت منها في يقين قاطع -كما قال الحكم- اقتراف المتهمين لما أسند إليهما.
وحيث إن سائر ما جاء بالوجه الأول وما تضمنه الوجه الثاني من الطعن بشأن الدفع ببطلان التفتيش والمنازعة في اختصاص الطاعنين بتحرير محاضر الجلسات فقد سبق الرد عليه.
وحيث إن الطاعن الثاني يبني الوجه الأخير من طعنه على أن الواقعة التي أسندها الحكم إليه، لا يعاقب القانون عليها وذلك أن الحكم أثبت أن الطاعن الأول وحده هو الذي قبض مبلغ الرشوة وأودعها جيبه وغادر النافذة وسار في الطريق أما هو (الطاعن الثاني) فلم يجر بينه وبين زميله حديث ولا هو أخذ شيئا ولا قام بعمل يدل على اشتراكه في الجريمة أما سيره مع الطاعن الأول فلا ينم بذاته على تداخله في الجريمة وليس بمستغرب وهو زميل للطاعن الأول أن يماشيه في الطريق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجناية الرشوة التي دان الطاعن وزميله بها وقال في هذا البيان "إن ................. المحاسب بشركة سيارات ....... التقى بكل من ................. و................. (الطاعن) بموقف سيارات بندر بني سويف، وكان ذلك في يوم سابق بنحو أسبوعين على وقوع الحادثة في 5 يونيه سنة 1952 وفي أثناء تبادله وإياهما الحديث عرض لزيادة المخالفات في الأيام الأخيرة فقالا له (إن اتصلحتم أنتم نتصلح إحنا والمخالفات تقل) فاتفق معهما على أن يتصل بصاحب الشركة الشيخ ................. الذي اتصل به فعلا والذي تظاهر بالموافقة على نقدهما إتاوة". ولما كان الحكم قد أورد على ثبوت واقعة الرشوة في حق الطاعنين أدلة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها كما تحدث بعد سرد هذه الأدلة عن دور الطاعن الثاني في الجريمة بقوله "إن الثابت فيما سلفت الإشارة إليه أنه كان بصحبة المتهم الأول عند مقابلتهما لـ................. محاسب الشركة واتفاق الأول منهما على الإتاوة مقابل التجاوز عن تحرير محاضر مخالفات وكان هذا المتهم الثاني بصحبة المتهم الأول وقد وقفا معا على نافذة المكتب وطلب الأول منهما على مرأى ومسمع منه -على ما شهد الشاهد ................ و................- جنيهين صرح بأن أحدهما له والآخر لزميله الذي بجواره، وكان ذلك ردا على ما استفهم عنه الشاهد ................ إن كان يريد اقتضاء نصيبه وحده أو هو وزميله معا ثم فوق ذلك كله ما بدا من هذا المتهم الثاني عقب ضبطه من الرجاء بالصفح عنه وبأنه لا يمكن أن يقطع بإنكار أو اعتراف. ولما كان ما قاله الحكم من ذلك تتحقق به جريمة الرشوة كما هي معرفة به في القانون، فإن الطعن برمته لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا