الطعن رقم 397 لسنة 25 بتاريخ 24/04/1956
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم. أولا: في غضون سنة 1948  1 ـ المتهم الأول ـ بصفته. موظفا عموميا قبل من المتهم الثاني وعدا بعطية لأداء عمل من أعمال وظيفته هو الحكم لصالحة في دعوى مرفوعة أمام محكمة له رئاستها قانونا. 2 ـ المتهم الثاني تقدم إلى المتهم الأول بالوعد سالف الذكر لقاء أداء العمل المنوه عنه في التهمة المسندة إليه. 3 ـ المتهم الثالث اشترك بطريق الاتفاق مع المتهمين الأول والثاني في جناية الرشوة سالفة الذكر بأن اتفق معهما على أن يتقدم المتهم الثاني بوعد بعطية للمتهم الأول لقاء أداء هذا الأخير عملا من أعمال وظيفته بقول هو الموافقة فيه. 4 ـ المتهم الثالث أيضا قذف علنا في كل من السيدتين ............. و............. بأن نسب إليهما أمرا لو كان صادقا لأوجب عقابهما قانونا واحتقارهما عند أهل وطنهما بأن أرسل في أول من أكتوبر سنة 1948 خطابا إلى بطريرك الروم الأرثوذكس أسند إليهما ارتكاب جريمة الرشوة. ولأن المتهمين الأول والرابع: في يوم 4 من فبراير سنة 1949 بدائرة قسم العطارين محافظة الإسكندرية: ارتكبا تزويرا في محررا رسمي هو محضر جلسة النطق بالحكم الرقيم 23 والصادر من محكمة الاستئناف الكنسية للروم الأرثوذكس في 4 من فبراير سنة 1949 حالة تحريره المختصان بوظيفتهما الأول بوصفه رئيس المحكمة والرابع بوصفه كاتب الجلسة بجعلهما وقائع مزورة في صورة وقائع صحيحة وذلك بأن عمدوا إلى المنطوق الذي انتهى إليه حكم المحكمة سالفة البيان فأضافا إليه عبارة "ولكن المحكمة مختصة بالنظر في صحة زواج ............. من .............، كما استبدلا عبارة "وحكمت بالمقاصة في المصاريف وأتعاب المحاماة" ووقعا على المعدل بوصفه المنطوق الذي انتهى إليه قرار المحكمة على غير الحقيقة. وطلبت عقابهم بالمواد 40/2 و41 و103 و108 من قانون العقوبات بالنسبة للرشوة والمواد 171 و302 و303 من القانون المذكور بالنسبة للقذف والمادتين 211 و213 منه بالنسبة للتزوير فقررت غرفة الاتهام بمحكمة الإسكندرية الابتدائية. أولا: عدم وجود وجه لإقامة الدعوى العمومية قبل المتهمين جميعا عن جميع التهم سواء عن وقاعة الرشوة أو واقعة التزوير وذلك لعدم كفاية الأدلة بالنسبة للواقعة الأولى ولعدم الجناية بالنسبة للواقعة الثانية. ثانيا: تخطر النيابة العامة بهـذا القرار لتنفيذه وإخطار الخصوم. فطعن الوكيل عن الطاعنتين في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
حيث أن مبنى الطعن هو أن الأمر المطعون فيه الصادر من غرفة الاتهام إنطوى على خطأ في تطبيق القانون وفي تأويله من نواح عدة, ذلك بأنه ذهب إلى أن أحد أركان جريمة الرشوة منعدم لأن الوعد بها لم يكن لصالح البطريرك وإنما كان لصالح البطريركية وهي جهة خيرية لا يعد الوعد لها رشوة, مع أن قانون العقوبات المصري - كغيره من القوانين - لم يفرق في المادة 106 بين ما إذا كانت الفائدة المتفق عليها بين الراشي والمرتشي يحصل عليها هذا الأخير لنفسه أو يحصل عليها غيره, ويستوي أن يكون هذا الغير شخصا طبيعيا أو شخصا اعتباريا كالبطريركية التي يمثلها شخص طبيعي هو البطريرك, كذلك أخطأ الأمر المطعون فيه حين شبه دفع مبلغ 575 ج من البطريركية إلى المطعون ضده الثاني بأمر من المطعون ضده الأول بنظام المعافاة في المحاكم أو بنظام الضمان الاجتماعي أو القرض الحسن وغيرها. مع أن هذه النظم تخضع لقوانين خاصة, أما أن تعمد جهة التقاضي - البطريركية - إلى الإغداق على أحد المتقاضين لتحقيق غرضه فإنه أمر مخالف للقانون, هذا إلى أن قاضي التحقيق هو الذي تولى التحقيق في أمر الجرائم التي نسبت إلى المتهمين - المطعون ضدهم - وبعد الفراغ منه أمر بإرسال الأوراق إلى النيابة العامة لتبدي طلباتها - فتقدمت إليه بتاريخ 5 من أغسطس سنة 1952 بمذكرة تضمنت طلب استيفاء التحقيق في تهمة الرشوة بإجراء عملية المضاهاة, وضبط الآلة الكاتبة, وسؤال الطاعنتين المدعيتين بالحقوق المدنية وسؤال بطريرك أنطاكيا, وقالت النيابة إن جريمة التزوير تعتبر دليلا على الرشوة غير أن قاضي التحقيق قرر رفض هذه الطلبات, فاستأنفت النيابة العامة قراره أمام غرفة الاتهام التي أغفلت طلب استيفاء التحقيق وتصدت للموضوع وفصلت فيه بألا وجه لإقامة الدعوى مع أن قانون الإجراءات الجنائية يوجب عليها إجابة النيابة العامة إلى طلب إتمام التحقيق ويلزمها بألا ترفضه, هذا فضلا عن أن القانون المذكور لم يخول غرفة الاتهام حق التصدي للموضوع عند نظر الاستئنافات التي ترفع إليها إلا بعد أن تتولى بنفسها استيفاء التحقيق. يضاف إلى ذلك أن غرفة الاتهام ذهبت في الأمر الصادر منها في شأن جريمة التزوير, إلى أن البطريرك هو قاض الطائفة وله وحده ولاية القضاء بين أبناء طائفته في مسائل الأحوال الشخصية, فهو بهذه الصفة صاحب الحق في أن يضيف إلى الحكم ما يشاء على الرغم مما هو مدون في ديباجته من أن المجلس المقدس مشكل برئاسة البطريرك وعضوية بعض المطارنة, إذ أن هؤلاء المطارنة ليسوا إلا مستشارين له, ورأيهم فيما يطرح على المجلس من دعاوى استشاري بحت, وهذا القول من الأمر المطعون فيه يتجافى مع القانون لأنه يجعل لبطريرك إحدى الطوائف سلطة قضائية واسعة إلى حد التغيير في الأحكام بطريق الإضافة, بدعوى أنه هو وحده صاحب الحق في القضاء, والبطريرك الحالي يباشر وظيفته بمقتضى اللائحة النظامية الصادرة في سنة 1934 التي عرضت على الحكومة المصرية ثم نشرت بالجريدة الرسمية وقد سنت هذه اللائحة بواسطة المجمع المقدس الذي يتكون من جميع قساوسة أفريقيا وهو السلطة الدينية العليا للتشريع والإدارة والقضاء, وهذه اللائحة واللوائح التي تبعتها لا تخول للبطريرك أن يعطى أكثر من صوت واحد كقاض شأنه في ذلك شأن أي رئيس محكمة, وتصدر الأحكام بأغلبية الأصوات, وينبني على ذلك أن أي تغيير في الحكم يهدر ثقة أعضاء المحكمة في رئيسها, ويعد تزويرا معاقبا عليه, وتنص المادة 27 من لائحة سنة 1931 على أن المحكمة الاستئنافية تشكل من القساوسة برئاسة البطريرك, وعند غيابه تكون الرئاسة لأحدهم, وفي سنة 1937 سن المجمع المقدس برئاسة البطريرك نيقولا لائحة قضائية عن التاج البطريركي للإسكندرية والإجراءات التي تتبع أمام المحاكم, وذلك بعد الاتفاق مع الجمعيات اليونانية والمصرية للروم الأرثوذكس وقد عرضت هذه اللائحة - التي هي قانون المحاكم البطريركية - على الحكومة المصرية, ونص فيها على أن أحكام المحكمة الاستئنافية البطريركية تصدر بالكيفية التي تصدر بها أحكام محكمة أول درجة ويكون صدورها بعد المداولات بالأغلبية, ويوقع الرئيس والأعضاء وكاتب الجلسة على تلك الأحكام, غير أن غرفة الاتهام أولت الخط الهمايوني وقضاء محكمة النقض تأويلا خاطئا حين قالت أن الفرمانات التي تباشرها المجالس الملية سلطتها تخول للبطريرك سلطة مطلقة في التشريع والقضاء. يضاف إلى ما تقدم أن غرفة الاتهام أصدرت بتاريخ 21 من مايو سنة 1951 أمرا قضى برفض الطعن المقدم إليها من البطريرك المتهم وبتأييد القرار المطعون فيه الصادر من قاضي التحقيق بتاريخ 21 من يناير سنة 1951 برفض الدفع المقدم منه بعدم وجود جريمة لأنه هو وحده صاحب الولاية في الحكم, وأسست غرفة الاتهام قضاءها برفض الطعن على أسباب تناقض تلك التي استند إليها قاضي التحقيق في قراره, فإذا كان الأمر الصادر بتأييد قرار قاضي التحقيق قد أصبح نهائيا وحائزا لقوة الشيء المقضي فما كان يجوز لغرفة الاتهام أن تخالفه وتمس حجيته, كذلك ذهبت غرفة الاتهام إلى أن ما صدر في يوم 4 من فبراير سنة 1949 - وهو موضوع جريمة التزوير - ليس حكما وإنما هو مشروع حكم, مع مخالفة ذلك للواقع بدليل أن الحكم نفسه يحمل هذا التاريخ. كما ذهبت غرفة الاتهام أيضا إلى أن العبارة التي أضيفت هي عبارة تفسيرية وتستقيم مع حكم القانون, مع أنها تقلب معناه وتجعل الحكم الصادر بعد اختصاص المحكمة البطريركية بالنسبة لدعوى البنوة كأنه لم يكن, ومن ثم يكون الأمر المطعون فيه معيبا بما يوجب نقضه.
وحيث إن الأمر المطعون فيه بين الواقعة بما مؤداه أن............ وقف على أولاده وحفدته ثروة طائلة من الأموال والأطيان في مصر وأقطار أخرى, وترك من بين أولاده .......... (والد الطاعنتين) الذي توفى في لبنان في 6 من مارس سنة 1942, وادعى المطعون ضده الثاني -........ - بنوته............. المذكور زعما منه بأن هذا الأخير كان قد تزوج سرا من أمه......... بمقتضى عقد تم في كنيسة أزمير سنة 1902 دون أن يعلم والده الواقف ولا أهله بهذا الزواج لأنه زواج غير متكافئ, كما زعم .......... أنه رزق منهما في سنة 1904 وعمد بمدينة الإسكندرية, وقال إن وثيقة هذا الزواج فقدت وقدم بدلا عنها شهادة مستخرجة من سجلات مطرانية أزمير وأن هذه السجلات ليس لها وجود لأنها أتلفت في الحريق المشهور الذي كان قد شب في أزمير. وفي 12 من أكتوبر سنة 1948 أقام ...... أمام المحكمة الكنيسية الابتدائية ببطريركية الروم الأرثوذكس دعوى ضد الطاعنتين يطلب فيها الحكم بإثبات بنوته لـ....... من والدته ........... وإبطال الحكم الصادر في سنة 1948 من محكمة استئناف بطريركية الروم الأرثوذكس في دمشق برفض هذا الطلب, فقضت المحكمة بتاريخ 15 من أكتوبر سنة 1948 باختصاصها بنظر الدعوى أخذا بما تمسك به.......... من أن المحكمة الكنيسية - لا العلمانية التي تتكون من رجال الكنيسة ومن مدنيين - هي المختصة لأنها سوف تتعرض للفصل في صحة الزواج المنكور من خصومه قبل الفصل في ادعاء البنوة, فاستأنفت الطاعنة الأولى ............ زوجة.......... هذا الحكم أمام المجمع المقدس برئاسة البطريرك المطعون ضده الأول وعضوية ستة من المطارنة فقضت تلك الهيئة بتاريخ 4 من فبراير سنة 1949 بالحكم الآتي نصه حسبما وجد مدونا بسجل أحكام البطريركية (الكودكس) "حكمت بعدم اختصاص المحكمة الكنيسية بدعوى البنوة - وباختصاصها بالفصل في صحة وعدم صحة زواج .......... من ............, مع المقاصة في المصاريف" وفي 16 من يوليه سنة 1949 تقدم ........... بصفته وكيلا عن زوجته ........ وشقيقها ........... إلى النيابة العامة ببلاغ في حق بطريرك الروم الأرثوذكس وآخرين جاء فيه أن الأستاذ ........... المحامي ومستشار البطريركية (المطعون ضده الثالث) أرسل في أول أكتوبر سنة 1948 خطابا إلى البطريرك المذكور تضمن قذفا في حق السيدتين بأن نسب إليهما أنهما دفعا إلى بطريرك الروم الأرثوذكس بأنطاكيا مبلغ ستة آلاف جنيه على سبيل الرشوة, كما تضمن الخطاب المذكور ما يفيد الشروع في إعطاء رشوة إلى المطعون ضده الأول بطريرك الروم الأرثوذكس بالإسكندرية وأحالت النيابة العامة هذا البلاغ إلى قاضي التحقيق ليتولى تحقيقه, وردد المبلغ في هذا التحقيق الوقائع المتقدمة وأضاف إليها أن البطريرك المتهم سعى بشتى الوسائل لدى بطريرك أنطاكيا للحكم لصالح ......... في دعوى البنوة المطروحة أمامه, وفي 17 من ديسمبر سنة 1950 أرسل المبلغ المذكور شكوى أخرى إلى نيابة الإسكندرية اشتملت على الوقائع السالفة الذكر وأضاف إليها أن الأستاذ........ محامي الطاعنتين تلقى من مجهول خطابا محررا باللغة اليونانية جاء فيه أن البطريرك المتهم دفع من خزانة البطريركية مئات الجنيهات إلى........ على سبيل الإعانة - بينما أوقف صرف الإعانات التي كانت تمنح للفقراء مما يدل على تواطؤ البطريرك و......  والأستاذ...... على إصدار أحكام لصالح ....... مقابل الحصول منه على مبالغ كبيرة بعد كسب الدعوى, وأحالت النيابة العامة هذه الشكوى أيضا إلى قاضي التحقيق الذي أمر بضم الشكويين معا لارتباطهما ببعضهما. وفي 21 من يونيه سنة 1950 قدم المبلغ بلاغا ثالثا ضد البطريرك المتهم يتهمه فيه بارتكاب تزوير في محرر رسمي هو محضر المداولة والحكم الصادر في 4 من فبراير سنة 1949 من المحكمة الاستئنافية البطريركية في القضية المستأنفة من الطاعنتين بأن أضاف إلى منطوق الحكم عبارة "وباختصاصها بالفصل في صحة أو عدم صحة زواج ......... من .......... بنت ......... مع المقاصة في المصاريف" وأحالت النيابة العامة هذا البلاغ أيضا إلى قاضي التحقيق الذي أجرى تحقيقا ذكر فيه المبلغ أنه على أثر وقوع هذا التزوير أقام ........ دعوى ضد الطاعنتين طلب فيها الحكم بصحة زواج والدته ........ من .......... وقضي فيها لصالحه في 30 من أبريل سنة 1949 فاستأنفت الطاعنتان ذلك الحكم وقضت المحكمة الاستئنافية في 14 من فبراير سنة 1951 في غيبة ......... بإلغاء الحكم المستأنف وعارض الأخير في هذا الحكم فقضي في 17 من يونيه سنة 1952 بعدم اختصاص المحكمة الكنسية بالفصل في الدعوى المرفوعة من ........ وبإحالتها إلى محكمة مكونة من علمانيين وكهنة لتقدير قيمة شهادة الزواج المقدمة من ........ وبعد أن أتم قاضي التحقيق تحقيق واقعتي الرشوة والتزوير أمر بإرسال الأوراق إلى النيابة العامة لتبدي طلباتها الختامية. إلا أنها تقدمت في 5 و13 من أغسطس سنة 1952 بطلب إجراء تحقيق تكميلي فأصدر قاضي التحقيق بتاريخ 10 من فبراير سنة 1953 قرار برفض هذا الطلب وبإعادة الأوراق للنيابة العامة لإبداء طلباتها. فاستأنفت النيابة هذا القرار أمام غرفة الاتهام. وبتاريخ 30 من مارس سنة 1953 أصدرت غرفة الاتهام أمرا يقضي بقبول الاستئناف شكلا, وبالتصدي لموضوع الدعوى وبندب أحد أعضاء الغرفة لاستيفاء التحقيق في بعض النقط التي عينتها - وفي 29 من مارس سنة 1954 قررت الغرفة عملا بالمادة 187 من قانون الإجراءات الجنائية إرسال الأوراق إلى النيابة العامة لتبدي طلباتها فتقدمت بمذكرة طلبت في ختامها أصليا بإحالة المتهمين - المطعون ضدهم - إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم عن جريمتي الرشوة والتزوير طبقا للمواد 40 فقرة ثانية و41 و103 و108 من قانون العقوبات بالنسبة لجريمة الرشوة والمواد 171 و302 و303 بالنسبة لجريمة التزوير واحتياطيا إجراء تحقيق تكميلي في المسائل المشار إليها في المذكرة المقدمة منها. وقدمت الطاعنتان مذكرة اعترضتا فيها على ما أبدته النيابة في طلبها الاحتياطي وتمسكتا بما طلبته أصليا قولا منهما بأن الأدلة القائمة قبل المتهمين كافية لإحالتهم إلى محكمة الجنايات دون حاجة إلى إجراء تحقيق تكميلي وبعد أن بينت غرفة الاتهام واقعة الدعوى وما تم فيها من إجراءات على النحو المتقدم أمرت بتاريخ 21 من يونيه 1954 بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهمين جميعا عن التهمتين الموجهتين إليهم لعدم كفاية الأدلة بالنسبة لجريمة الرشوة ولعدم الجناية بالنسبة إلى جريمة التزوير, وذلك استنادا إلى الأسباب التي ساقتها في أمرها. لما كان ذلك, وكان يبين مما سلف بيانه أن غرفة الاتهام حين طرح عليها الاستئناف المرفوع من النيابة العامة عن القرار الصادر من قاضي التحقيق برفض طلب إجراء تحقيق تكميلي لم تروجها للاستجابة إلى هذا الطلب ثم تصدت للدعوى وأصدرت أمرها المطعون فيه وكان من المقرر أن حق غرفة الاتهام في إجراء تحقيق تكميلي وحقها في التصدي للدعوى هما حقان مستقلان لا يرتبطان ببعضهما ولا يلزم أحدهما عن الآخر وكلاهما من إطلاقات غرفة الاتهام موكول لتقديرها وخاضع لسلطانها تباشره ما تراءات لذلك وجها وتدعه إذا لم تر من مباشرته جدوى كما هو المستفاد من نصوص المواد 175 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية ولما كان يبين أيضا من مراجعة الأمر المطعون فيه أن غرفة الاتهام بعد أن استعرضت أدلة الثبوت في جريمة الرشوة وناقشتها الواحد بعد الآخر ووازنت بينها وبين أدلة النفي ودفاع المتهمين في منطق سائغ سليم لم تر في حدود سلطتها التقديرية المخولة لها بالقانون, وجها لرجحان الإدانة ولم تجد دلائل كافية على الاتهام فأمرت بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة بالنسبة إلى تلك الجريمة, ولما كان الطعن بطريق النقض في الأوامر الصادرة من غرفة الاتهام لا يكون إلا لخطأ في تطبيق نصوص القانون أو في تأويلها دون البطلان الذي يقع في الأمر أو في الإجراءات فإن ما تثيره الطاعنتان في هذا الصدد لا يكون مقبولا, أما ما أوردته غرفة الاتهام في أمرها المطعون فيه من صور على سبيل التشبيه ببعض وقائع الدعوى فذلك تزيد منها في أسبابه يعد من نوافل القول فلا تأثير له على ما انتهى إليه من نتيجة سليمة.
وحيث إنه لا وجه كذلك لما تثيره الطاعنتان في طعنهما بالنسبة لواقعة التزوير, ذلك بأنه وإن كان إقدام الرئيس الديني لطائفة من الطوائف على تغيير الحقيقة في منطوق الحكم بعد صدوره يعد تزويرا في محرر رسمي سواء أكان ذلك الرئيس قد انفرد بإصداره أم اشترك فيه مع غيره من رجال الدين أو العلمانيين إلا أن الأمر المطعون فيه قد استند ضمن ما استند في التقرير بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى عن تلك الواقعة إلى نفي حصول تغيير في الحقيقة قولا منه بأن ما استخلصته غرفة الاتهام من أن العبارة المدعى بإضافتها إلى منطوق الحكم ليست إلا ترديدا وتوضيحا للرأي الذي استقرت عليه المداولة بين رئيس الهيئة ومن اشتركوا معه في إصدار الحكم ولا تخالفه في شيء ولأن تلك العبارة مطابقة لحكم القانون من حيث اختصاص المحاكم الكنسية بالقضاء في مسائل الأحوال الشخصية لأبناء الطائفة ومنها الفصل في صحة الزواج أو بطلانه, ومما أوردته غرفة الاتهام في هذا الصدد قولها "فالثابت أن المطارنة قد تداولوا فيما إذا كانت المحاكم الكنسية تختص بالنزاع على البنوة القائم بين ......... وورثة ......... أنه تختص بها محاكم علمانية تتكون من رجال الدين والمدنيين ولما كانت هذه المسألة من الأمور المبينة في القانون التي تحتاج إلى إيضاح أو تفسير لكان الاتفاق عليها بالإجماع ولكن قيل أن النزاع على البنوة يستلزم التعرض لموضوع زواج والدة .......... من المرحوم ......... وكان دفاع المستأنفة السيدة ......... أن مسألة الزواج تختص بها المحكمة العلمانية أيضا لارتباطها بالبنوة, ودفاع المستأنف عليه ........ أن مسألة الزواج تختص بها المحكمة الكنسية العلمانية كان من رأي جميع أعضاء المجمع المقدس أن المحكمة الكنسية هي المختصة بالفصل في النزاع على الزواج لاتفاق ذلك القرار وقرار المجمع المقدس في 11/5/1940 إلا أنه رؤى الاكتفاء بذكرها في الأسباب دون المنطوق لأن الاستئناف لم ينصب عليها وحصل التعرض لها عرضا من الطرفين, وهذا ما أشير إليه في أسباب الحكم المطعون فيه كما أشير فيه إلى الإضافة المقال بحصولها, وبذلك تكون الإضافة إن صحت تفسيرا وترديدا لعبارة صحيحة قانونا حصلت المداولة بشأنها ووردت بأسباب الحكم ......
وحيث باستعراض شهادة المطارنة التفصيلية حول المداولة يبين أن البطريرك المتهم وكاتب الجلسة و........ قرروا بأن الحكم كله أسبابه ومنطوقه يتفق في كل أجزائه لما اتفق عليه في المداولة. بل ذهب ........ إلى أنه يقر صحة الأسباب لاتفاقها وما تم في المداولة. وبمثل ذلك قال كل من مطران بورسعيد ومطران طنطا ومطران الإسماعيلية وقال مطران أثيوبيا بعد أن أطلع على الأسباب أنه لا اعتراض له عليها وأنه لا يتذكر ما إذا كان قد تمت المداولة بشأن أن المحكمة الكنسية هي المختصة بالفصل في صحة الزواج من عدمه وهو لا يذكر أن المحاكم الكنسية مختصة بالفصل في صحة الزواج. والمستفاد من ذلك أن ستة أعضاء من المحكمة الاستئنافية وكانت الجلسة قد أجمعوا على صحة أسباب الحكم وعلى اتفاقها مع المداولة التي تمت, وأن الإضافة الواردة بالمنطوق وردت لأسباب وجاء المنطوق متفقا مع الأسباب ولا يتناقض معها وإن كانوا قد قالوا إن المحكمة قررت أن تكتفي في منطوق الحكم بما يفيد أن المحكمة الكنسية غير مختصة بدعوى البنوة وأن الفقرة الثانية أضيفت بمعرفة البطريرك ... وكان الثابت أيضا عدم وجود حكم أو مداولة أو مشروع حكم يناقض الحكم الثابت بالكودكس الذي قدمت صورته, وكان الحكم لم يصدر في 4/2/1949 بل فقط اتفق على فكرته وترك للبطريرك صياغته ولم يصدر الحكم إلا بهذه الصياغة وإمضاء البطريرك عليه, وكانت الإضافة المدعى بحصولها صحيحة قانونا ومتفق مع الأسباب التي أقرها الأعضاء والتي تتفق بدورها مع ما تم في المداولة وما أثير بين طرفي النزاع, وكان ادعاء التغيير في منطوق الحكم وشقه الخاص بالمصاريف غير ثابت حيث قرر البعض أن الفصل في المصاريف يترك للبطريرك, وقرر البعض الآخر أنه لا يتذكر ما تم بشأنها ولم ينفرد بالقول بأنه تم الاتفاق على أن تكون على عاتق المستأنف عليه سوى مطران أثيوبيا ومطران الإسماعيلية دون غيرهما, وواضح من أقوال مطران أثيوبيا أن بينه وبين البطريرك المشكو عداء ...."
وهذا الذي ساقته غرفة الاتهام واستندت إليه في قضائها سائغ في العقل وصحيح في القانون ويصح الاستناد إليه في التقرير بأن لا وجه لإقامة الدعوى لأن الواقعة لا يعاقب عليها القانون وذلك لما ثبت لها واستقر في يقينها من الأدلة السائغة التي بينتها من انتفاء ركن تغيير الحقيقة, لما كان ذلك, وكان ما ذكرته غرفة الاتهام في أمرها المطعون فيه من تقريرات قانونية خاطئة غير مؤثرة في منطوقه لا يغير من النتيجة التي انتهت إليها فإنها لا تكون قد أخطأت في شيء, ومن ثم فإن ما تنعاه الطاعنتان على ذلك الأمر لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا