القضاء الإداري وحق الطعن على القرارات الإدارية
للمستشار الدكتور حافظ محمد إبراهيم
هيئه قضايا الدوله
تمهيد:
1
- كان إنشاء مجلس الدولة تحقيقًا لأمنية طالما تطلع إليها الناس أفرادًا
وموظفين، لكي يكون لهم منه ما يؤمنهم من تجاوز السلطة الإدارية حدودها
ويصون لهم حقوقهم قبلها ويجعل كلمة القانون هي العليا في علاقاتهم بها.
ولم
يكن أحد قبل العمل بقانون إنشاء مجلس الدولة يستطيع الالتجاء إلى المحاكم
المدنية بطلب إلغاء القرارات الإدارية لمجاوزة السلطة بل كان كل ما يستطاع
هو مطالبة جهة الإدارة بالتضمينات عما يقع من الضرر المترتب على القرار
الإداري إذا وقع مخالفًا للقوانين أو اللوائح، ولم يكن لتلك المحاكم إلا
أن تقضي بالتعويض على الحكومة دون أن تتعرض للقرار بالإلغاء أو التعديل أو
الوقف أو التأويل مهما كان فيه من مخالفة للقوانين أو اللوائح في الشكل أو
في الموضوع.
حق اختصام القرارات الإدارية قبل إنشاء مجلس الدولة:
2
- وما بنا من حاجة لكي نقرر أنه ليس للمحاكم المدنية، وطنية كانت أو
مختلطة، أن تؤول معنى أمر يتعلق بالإدارة أو توقف تنفيذه وكل مالها من
ولاية في هذا الشأن هو أن تقضي بالتعويض على الحكومة لكل ما ناله ضرر من
القرار الإداري إذا وقع مخالفة للقوانين أو اللوائح (مواد (15) من لائحة
ترتيب المحاكم الأهلية، و11 من اللائحة المختلطة المعدلة بدكريتو 26 مارس
سنة 1900، والمادة (43) من القانون رقم (49) الصادر في 24 يوليو سنة 1937
الخاص باللائحة الجديدة)، والنتيجة المترتبة على ذلك هي أنه ليس للمحاكم
المدنية أن تسمع دعاوى بطلب إلغاء قرارات إدارية وقعت مخالفة للقوانين أو
اللوائح فإذا رفعت دعاوى من هذا القبيل تعين عليها الحكم بعدم الاختصاص
وإلا كان قضاؤها باطلاً عديم الأثر، وأن للقرارات الإدارية حصانة موضوعية
أمام المحاكم المدنية حتى ولو وقعت مخالفة للقوانين أو اللوائح بمعنى أنه
لا يجوز للمحاكم إلغاؤها أو وقف تنفيذها ما دامت الصفة الإدارية لاصقة
بها، ولا يزيل عن هذه القرارات تلك الصفة الإدارية كونها صادرة بالمخالفة
للقوانين أو اللوائح في الشكل أو الموضوع أو من هيئة إدارية غير مختصة
نوعيًا أو مركزيًا ولم يكن ذلك ليجعلها في عداد أعمال التعدي العادية بل
تحتفظ مع ذلك بحصانتها الإدارية ومن ثم فلا يجوز للمحاكم المدنية الحكم
بإلغائها.
3 - ولم يكن للأفراد أو الموظفين قبل صدور قانون مجلس
الدولة حق في الطعن على القرارات الإدارية لتجاوز السلطة، ولم يكن اختصاص
المحاكم المدنية بالحكم في دعاوى التعويض التي ترفع على الحكومة بسبب تلك
القرارات المخالفة للقوانين أو اللوائح - وهي ما يستتبع حتمًا التعرض لها
- ليصح الاستناد إليه في القول بوجود هذا الحق قبل إنشاء مجلس الدولة، لأن
دعوى المطالبة بالتعويض إنما تقوم على مسؤولية الجهات الإدارية في تعويض
الضرر الذي يحصل للغير من صدور هذه الأوامر أو من تنفيذها وأنه يشترط
لقبولها حصول ضرر فعلي مباشر لمن صدر أو تنفذ ضده الأمر، ولأن المحاكم
الوطنية لا تقضي إلا بالتعويض دون التعرض للأوامر الإدارية أو المساس بها
فتبقى لها حصانتها الإدارية وحكمها في التعويض لا يحوز قوة الشيء المقضي
به إلا بين طرفيه.
4 - وهكذا لم يكن للمحاكم المدنية على أية حال أن
تلغي القرارات أو الأوامر الإدارية وكل ما في مكنتها هو ألا تأخذ بها
لمخالفتها للقوانين كما أن حكمها حتى في ذلك لا يكتسب حجية إلا بين طرفيه.
استحداث القضاء الإداري بإنشاء مجلس الدولة:
5 - فلما صدر قانون
مجلس الدولة وأنشأ حق الطعن القضائي على القرارات الإدارية أوجد بذلك حالة
قانونية جديدة لم تكن موجودة من قبل من شأنها تخويل الأفراد والموظفين
الحق في مخاصمة هذه القرارات وطلب إلغائها إذا شابها عيب من عيوب تجاوز
حدود السلطة، وأسبغ هذا القانون على محكمة القضاء الإداري نوعًا من
الرقابة على أعمال السلطة الإدارية دون أن تغير هذه الرقابة من كيانها
وخصائصها كجهة للقضاء العادي في المسائل الإدارية Tribunal de droit
commun ولا تجعلها سلطة إدارية عليا، وذلك لأنها إنما تستمد هذه الرقابة
من القانون الذي صدر بإنشائها وخولها حق الفصل في مسائل معينة لا من سلطة
التدرج الإداري ثم من طبيعة دعوى الإلغاء التي تقوم على الحق في اختصام
القرارات الإدارية في ذاتها باعتبارها صادرة من إحدى السلطات العامة
والغرض منها إبعادها عن دائرة المشروعية وإلغاؤها وكذا من طبيعة القضاء
الإداري الذي يقضي بإلغاء الأوامر والقرارات الإدارية بغض النظر عن وجود
ضرر من عدمه متى تبين له وجه المخالفة وأخيرًا من طبيعة أحكام الإلغاء
التي تصدرها واكتساب هذه الأحكام حجية قانونية خاصة يتعين على جهات
الإدارة اعتبارها والأخذ بها في أوامرها المستقبلة.
6 - ولقد عالج
القانون رقم (112) لسنة 1946 المهمة الأساسية لمحكمة القضاء الإداري وهي
في جوهرها - إذا استثنينا حق الطعن في انتخابات الهيئات الإقليمية أو
البلدية - في أمرين متقابلين:
أولهما: تأمين الموظفين على وظائفهم وبث روح الطمأنينة في نفوسهم.
وثانيهما: حماية الأفراد مما يحق بهم من ضرٍ بسبب ما يتخذه الموظفون حيالهم من قرارات إدارية مخالفة لأحكام القانون.
7
- وليس من شك في أن تأمين الموظفين يقتضي شمولهم بالحماية في كل الصور
والمناسبات التي يقعون فيها تحت سلطان الحكومة، لذلك نص في قانون إنشاء
مجلس الدولة على اختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الخاصة
بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لموظفي الحكومة أو لورثتهم ونص
على اختصاصها بنظر الطلبات التي يقدمونها بالطعن في القرارات الإدارية
الصادرة بالتعيين في وظائف الحكومة أو بالترقية أو منح العلاوات متى كان
مرجع الطعن مخالفة القوانين أو اللوائح وكذا الطلبات التي يقدمها الموظفون
الدائمون بإلغاء قرارات السلطات التأديبية إذا وقعت مخالفة للقوانين أو
اللوائح أو قرارات فصلهم من غير الطريق التأديبي سواء وقعت مخالفة
للقوانين أو تضمنت إساءة في استعمال السلطة.
8 - وكذلك خول قانون
إنشاء مجلس الدولة محكمة القضاء الإداري اختصاص النظر في الطلبات التي
يقدمها الأفراد بإلغاء القرارات الإدارية إذا كان مرجع الطعن عدم اختصاص
الهيئة التي أصدرت القرار المطعون فيه أو وجود عيب في أركانه الشكلية أو
مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه وتأويله أو إساءة في استعمال السلطة.
9
- كما نص قانون إنشاء مجلس الدولة أيضًا على اختصاص محكمة القضاء الإداري
بالفصل في طلبات التعويض التي تقدم بصفة أصلية أو تبعًا لدعوى إلغاء وقصر
ذلك الاختصاص على حالات معينة حصرها في ثلاث وهي طلبات الأفراد عمومًا
وبالنسبة لطلبات الموظفين قرارات السلطات التأديبية والفصل غير التأديبي
فأجاز إمكان رفع الدعوى للمطالبة بالتعويض عنها دون سائر القرارات الأخرى.
قصور القانون القديم:
10 - بيد أنه عند وضع قانون إنشاء مجلس
الدولة موضع التطبيق اتضح قصوره عن تحقيق الغاية التي وضع من أجلها وهي
كفالة الضمان وشمول الحماية لكافة الموظفين والأفراد والهيئات عمومًا في
كل الصور والمناسبات الإدارية، فبالنسبة للموظفين مثلاً قصر حق الطعن على
القرارات الصادرة من السلطات التأديبية وقرارات الفصل غير التأديبي
للموظفين الدائمين أي الذين يستقطع من رواتبهم بدل معاش فحرم بذلك طائفة
كبيرة من للموظفين غير المثبتين حتى ولو كانوا يشغلون وظائف دائمة من حق
الطعن مع أنهم أولى بحماية القانون من أترابهم الدائمين، كما جعل مرجع
الطعن في طائفة من القرارات الإدارية كتلك الصادرة بالتعيين في وظائف
الحكومة وبالترقية أو بمنح علاوات وكذا قرارات السلطات التأديبية مخالفة
القوانين واللوائح وحدها بينما أجاز الطعن في قرارات الفصل غير التأديبي
متى صدرت مخالفة للقوانين واللوائح أو تضمنت إساءة في استعمال السلطة.
وبالنسبة
للأفراد فقد حرمهم القانون من حق الالتجاء إلى القضاء الإداري في أهم صور
المنازعات الإدارية كالعقود ومنازعات الضرائب وحق الطعن على القرارات التي
تصدرها الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي.
وبالنسبة للهيئات فقد
أغفل النص على حقها في الالتجاء إلى المحكمة للزود عن مصالحها كهيئات لها
شخصيتها المعنوية المستقلة وعن مصالح المنتمين لها.
ويُضاف إلى ما
تقدم قصور ذلك القانون عن شمول اختصاص المحكمة لكافة صور المنازعات
الإدارية وقصر حق طلب التعويض عن القرارات الإدارية على طائفة معينة دون
أن يكون ثمة مقتضًا لذلك.
ظهور الحاجة إلى علاج هذا النقص وصدور القانون رقم (9) لسنة 1949:
11
- قلنا إن ثمة أمورًا كشفت عنها العمل أمام محكمة القضاء الإداري يقتضي
تنفيذها تعديل القانون وأن الحاجة ظهرت ماسة إلى علاج النقص البادي وإلى
تعديل اختصاص المحكمة تعديلاً من شأنه جعل محكمة القضاء الإداري صاحبة
الولاية العامة في المنازعات الإدارية كافة كما هي الحال في جميع
التشريعات الأجنبية الخاصة بمجلس الدولة قديمها وحديثها كالتشريع الفرنسي
والبلجيكي واليوناني والسوري فضلاً عن المنازعات الخاصة بعقود التوريد
وعقود الالتزام لما لها من صبغة إدارية والمنازعات الخاصة بالضرائب والنظر
في الطعون المتعلقة بالقرارات التي تصدرها الجهات الإدارية ذات الاختصاص
القضائي فضلاً عن كفالة سرعة الفصل في الدعاوى بتعديل النصوص الخاصة
بالإجراءات والمواعيد وسلطة المستشار المقرر.
12 - ولقد تقدمت
الجمعية العمومية لمجلس الدولة في مشروع أرسلته إلى وزارة العدل في 21
مايو سنة 1947 يحوي طائفة من التعديلات كان الباعث عليها الرغبة في شمول
اختصاص محكمة القضاء الإداري منازعات لم تتناولها النصوص التي كانت
معمولاً بها آنذاك لتكون أكفل في صيانة الحقوق وأمكن في تأدية رسالتها
وانتهى الأمر بهذا المشروع إلى الاستعاضة عن القانون رقم (112) لسنة 1946
بالقانون رقم (9) لسنة 1949.
للمستشار الدكتور حافظ محمد إبراهيم
هيئه قضايا الدوله
تمهيد:
1
- كان إنشاء مجلس الدولة تحقيقًا لأمنية طالما تطلع إليها الناس أفرادًا
وموظفين، لكي يكون لهم منه ما يؤمنهم من تجاوز السلطة الإدارية حدودها
ويصون لهم حقوقهم قبلها ويجعل كلمة القانون هي العليا في علاقاتهم بها.
ولم
يكن أحد قبل العمل بقانون إنشاء مجلس الدولة يستطيع الالتجاء إلى المحاكم
المدنية بطلب إلغاء القرارات الإدارية لمجاوزة السلطة بل كان كل ما يستطاع
هو مطالبة جهة الإدارة بالتضمينات عما يقع من الضرر المترتب على القرار
الإداري إذا وقع مخالفًا للقوانين أو اللوائح، ولم يكن لتلك المحاكم إلا
أن تقضي بالتعويض على الحكومة دون أن تتعرض للقرار بالإلغاء أو التعديل أو
الوقف أو التأويل مهما كان فيه من مخالفة للقوانين أو اللوائح في الشكل أو
في الموضوع.
حق اختصام القرارات الإدارية قبل إنشاء مجلس الدولة:
2
- وما بنا من حاجة لكي نقرر أنه ليس للمحاكم المدنية، وطنية كانت أو
مختلطة، أن تؤول معنى أمر يتعلق بالإدارة أو توقف تنفيذه وكل مالها من
ولاية في هذا الشأن هو أن تقضي بالتعويض على الحكومة لكل ما ناله ضرر من
القرار الإداري إذا وقع مخالفة للقوانين أو اللوائح (مواد (15) من لائحة
ترتيب المحاكم الأهلية، و11 من اللائحة المختلطة المعدلة بدكريتو 26 مارس
سنة 1900، والمادة (43) من القانون رقم (49) الصادر في 24 يوليو سنة 1937
الخاص باللائحة الجديدة)، والنتيجة المترتبة على ذلك هي أنه ليس للمحاكم
المدنية أن تسمع دعاوى بطلب إلغاء قرارات إدارية وقعت مخالفة للقوانين أو
اللوائح فإذا رفعت دعاوى من هذا القبيل تعين عليها الحكم بعدم الاختصاص
وإلا كان قضاؤها باطلاً عديم الأثر، وأن للقرارات الإدارية حصانة موضوعية
أمام المحاكم المدنية حتى ولو وقعت مخالفة للقوانين أو اللوائح بمعنى أنه
لا يجوز للمحاكم إلغاؤها أو وقف تنفيذها ما دامت الصفة الإدارية لاصقة
بها، ولا يزيل عن هذه القرارات تلك الصفة الإدارية كونها صادرة بالمخالفة
للقوانين أو اللوائح في الشكل أو الموضوع أو من هيئة إدارية غير مختصة
نوعيًا أو مركزيًا ولم يكن ذلك ليجعلها في عداد أعمال التعدي العادية بل
تحتفظ مع ذلك بحصانتها الإدارية ومن ثم فلا يجوز للمحاكم المدنية الحكم
بإلغائها.
3 - ولم يكن للأفراد أو الموظفين قبل صدور قانون مجلس
الدولة حق في الطعن على القرارات الإدارية لتجاوز السلطة، ولم يكن اختصاص
المحاكم المدنية بالحكم في دعاوى التعويض التي ترفع على الحكومة بسبب تلك
القرارات المخالفة للقوانين أو اللوائح - وهي ما يستتبع حتمًا التعرض لها
- ليصح الاستناد إليه في القول بوجود هذا الحق قبل إنشاء مجلس الدولة، لأن
دعوى المطالبة بالتعويض إنما تقوم على مسؤولية الجهات الإدارية في تعويض
الضرر الذي يحصل للغير من صدور هذه الأوامر أو من تنفيذها وأنه يشترط
لقبولها حصول ضرر فعلي مباشر لمن صدر أو تنفذ ضده الأمر، ولأن المحاكم
الوطنية لا تقضي إلا بالتعويض دون التعرض للأوامر الإدارية أو المساس بها
فتبقى لها حصانتها الإدارية وحكمها في التعويض لا يحوز قوة الشيء المقضي
به إلا بين طرفيه.
4 - وهكذا لم يكن للمحاكم المدنية على أية حال أن
تلغي القرارات أو الأوامر الإدارية وكل ما في مكنتها هو ألا تأخذ بها
لمخالفتها للقوانين كما أن حكمها حتى في ذلك لا يكتسب حجية إلا بين طرفيه.
استحداث القضاء الإداري بإنشاء مجلس الدولة:
5 - فلما صدر قانون
مجلس الدولة وأنشأ حق الطعن القضائي على القرارات الإدارية أوجد بذلك حالة
قانونية جديدة لم تكن موجودة من قبل من شأنها تخويل الأفراد والموظفين
الحق في مخاصمة هذه القرارات وطلب إلغائها إذا شابها عيب من عيوب تجاوز
حدود السلطة، وأسبغ هذا القانون على محكمة القضاء الإداري نوعًا من
الرقابة على أعمال السلطة الإدارية دون أن تغير هذه الرقابة من كيانها
وخصائصها كجهة للقضاء العادي في المسائل الإدارية Tribunal de droit
commun ولا تجعلها سلطة إدارية عليا، وذلك لأنها إنما تستمد هذه الرقابة
من القانون الذي صدر بإنشائها وخولها حق الفصل في مسائل معينة لا من سلطة
التدرج الإداري ثم من طبيعة دعوى الإلغاء التي تقوم على الحق في اختصام
القرارات الإدارية في ذاتها باعتبارها صادرة من إحدى السلطات العامة
والغرض منها إبعادها عن دائرة المشروعية وإلغاؤها وكذا من طبيعة القضاء
الإداري الذي يقضي بإلغاء الأوامر والقرارات الإدارية بغض النظر عن وجود
ضرر من عدمه متى تبين له وجه المخالفة وأخيرًا من طبيعة أحكام الإلغاء
التي تصدرها واكتساب هذه الأحكام حجية قانونية خاصة يتعين على جهات
الإدارة اعتبارها والأخذ بها في أوامرها المستقبلة.
6 - ولقد عالج
القانون رقم (112) لسنة 1946 المهمة الأساسية لمحكمة القضاء الإداري وهي
في جوهرها - إذا استثنينا حق الطعن في انتخابات الهيئات الإقليمية أو
البلدية - في أمرين متقابلين:
أولهما: تأمين الموظفين على وظائفهم وبث روح الطمأنينة في نفوسهم.
وثانيهما: حماية الأفراد مما يحق بهم من ضرٍ بسبب ما يتخذه الموظفون حيالهم من قرارات إدارية مخالفة لأحكام القانون.
7
- وليس من شك في أن تأمين الموظفين يقتضي شمولهم بالحماية في كل الصور
والمناسبات التي يقعون فيها تحت سلطان الحكومة، لذلك نص في قانون إنشاء
مجلس الدولة على اختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الخاصة
بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لموظفي الحكومة أو لورثتهم ونص
على اختصاصها بنظر الطلبات التي يقدمونها بالطعن في القرارات الإدارية
الصادرة بالتعيين في وظائف الحكومة أو بالترقية أو منح العلاوات متى كان
مرجع الطعن مخالفة القوانين أو اللوائح وكذا الطلبات التي يقدمها الموظفون
الدائمون بإلغاء قرارات السلطات التأديبية إذا وقعت مخالفة للقوانين أو
اللوائح أو قرارات فصلهم من غير الطريق التأديبي سواء وقعت مخالفة
للقوانين أو تضمنت إساءة في استعمال السلطة.
8 - وكذلك خول قانون
إنشاء مجلس الدولة محكمة القضاء الإداري اختصاص النظر في الطلبات التي
يقدمها الأفراد بإلغاء القرارات الإدارية إذا كان مرجع الطعن عدم اختصاص
الهيئة التي أصدرت القرار المطعون فيه أو وجود عيب في أركانه الشكلية أو
مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه وتأويله أو إساءة في استعمال السلطة.
9
- كما نص قانون إنشاء مجلس الدولة أيضًا على اختصاص محكمة القضاء الإداري
بالفصل في طلبات التعويض التي تقدم بصفة أصلية أو تبعًا لدعوى إلغاء وقصر
ذلك الاختصاص على حالات معينة حصرها في ثلاث وهي طلبات الأفراد عمومًا
وبالنسبة لطلبات الموظفين قرارات السلطات التأديبية والفصل غير التأديبي
فأجاز إمكان رفع الدعوى للمطالبة بالتعويض عنها دون سائر القرارات الأخرى.
قصور القانون القديم:
10 - بيد أنه عند وضع قانون إنشاء مجلس
الدولة موضع التطبيق اتضح قصوره عن تحقيق الغاية التي وضع من أجلها وهي
كفالة الضمان وشمول الحماية لكافة الموظفين والأفراد والهيئات عمومًا في
كل الصور والمناسبات الإدارية، فبالنسبة للموظفين مثلاً قصر حق الطعن على
القرارات الصادرة من السلطات التأديبية وقرارات الفصل غير التأديبي
للموظفين الدائمين أي الذين يستقطع من رواتبهم بدل معاش فحرم بذلك طائفة
كبيرة من للموظفين غير المثبتين حتى ولو كانوا يشغلون وظائف دائمة من حق
الطعن مع أنهم أولى بحماية القانون من أترابهم الدائمين، كما جعل مرجع
الطعن في طائفة من القرارات الإدارية كتلك الصادرة بالتعيين في وظائف
الحكومة وبالترقية أو بمنح علاوات وكذا قرارات السلطات التأديبية مخالفة
القوانين واللوائح وحدها بينما أجاز الطعن في قرارات الفصل غير التأديبي
متى صدرت مخالفة للقوانين واللوائح أو تضمنت إساءة في استعمال السلطة.
وبالنسبة
للأفراد فقد حرمهم القانون من حق الالتجاء إلى القضاء الإداري في أهم صور
المنازعات الإدارية كالعقود ومنازعات الضرائب وحق الطعن على القرارات التي
تصدرها الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي.
وبالنسبة للهيئات فقد
أغفل النص على حقها في الالتجاء إلى المحكمة للزود عن مصالحها كهيئات لها
شخصيتها المعنوية المستقلة وعن مصالح المنتمين لها.
ويُضاف إلى ما
تقدم قصور ذلك القانون عن شمول اختصاص المحكمة لكافة صور المنازعات
الإدارية وقصر حق طلب التعويض عن القرارات الإدارية على طائفة معينة دون
أن يكون ثمة مقتضًا لذلك.
ظهور الحاجة إلى علاج هذا النقص وصدور القانون رقم (9) لسنة 1949:
11
- قلنا إن ثمة أمورًا كشفت عنها العمل أمام محكمة القضاء الإداري يقتضي
تنفيذها تعديل القانون وأن الحاجة ظهرت ماسة إلى علاج النقص البادي وإلى
تعديل اختصاص المحكمة تعديلاً من شأنه جعل محكمة القضاء الإداري صاحبة
الولاية العامة في المنازعات الإدارية كافة كما هي الحال في جميع
التشريعات الأجنبية الخاصة بمجلس الدولة قديمها وحديثها كالتشريع الفرنسي
والبلجيكي واليوناني والسوري فضلاً عن المنازعات الخاصة بعقود التوريد
وعقود الالتزام لما لها من صبغة إدارية والمنازعات الخاصة بالضرائب والنظر
في الطعون المتعلقة بالقرارات التي تصدرها الجهات الإدارية ذات الاختصاص
القضائي فضلاً عن كفالة سرعة الفصل في الدعاوى بتعديل النصوص الخاصة
بالإجراءات والمواعيد وسلطة المستشار المقرر.
12 - ولقد تقدمت
الجمعية العمومية لمجلس الدولة في مشروع أرسلته إلى وزارة العدل في 21
مايو سنة 1947 يحوي طائفة من التعديلات كان الباعث عليها الرغبة في شمول
اختصاص محكمة القضاء الإداري منازعات لم تتناولها النصوص التي كانت
معمولاً بها آنذاك لتكون أكفل في صيانة الحقوق وأمكن في تأدية رسالتها
وانتهى الأمر بهذا المشروع إلى الاستعاضة عن القانون رقم (112) لسنة 1946
بالقانون رقم (9) لسنة 1949.