حضور محام امام محكمه الجنح
إن القانون لا يفرض بالضرورة حضور محام عن المتهم بجنحة بل اكتفى بأن يقوم المتهم بالدفاع عن نفسه، أما إذا حضر محام عن متهم بجنحة ثم انصرف قبل نظر الدعوى وذلك بناء على أن المحكمة أخبرته بأن لديها قضية كبيرة قد تستغرق الجلسة كلها ثم نظرت المحكمة القضية ولم ينسبها المتهم إلى أن له محامياً ولم يطلب أيضاً أن يتم التأجيل وذلك لحضور محاميه بل قام هو بالترافع بنفسه فإن هذا لا يعتبر إخلال بحق الدفاع ولا يحق لهذا المتهم أن يتضرر لدى محكمة النقض من عدم تأجيل محكمة الموضوع الدعوى من تلقاء نفسها فإنه هو الملزم بالحرص على مصلحته وطالما أنه لم يقم بتنبيه المحكمة إلى تمسكه بحضور محاميه عنه فعليه أن يتحمل وحده وزر تفريطه فى هذا الموضوع.
وإذا كان حضور محام مع المتهم بجنحة هو أمر لم يوجبه القانون إلا أنه إذا عهد المتهم إلى محام بمهمة الدفاع فإنه يتعين على المحكمة أن تقوم بالاستماع إلى مرافعته أو أن تتيح له الفرصة وذلك لكى يتمكن من القيام بمهمته.
فالأصل أن حضور محام عن المتهم بجنحة هو أمر غير واجب قانوناً ولكن متى عهد إلى محام بالدفاع عنه فإنه يتعين على المحكمة أن تسمعه متى كان حاضراً فإذا لم يحضر فإن المحكمة لا تتقيد بسماعه ما لم يثبت أن غيابه كان لعذر قهرى.
وإذا كان القانون لا يستوجب حضور محام مع المتهم بجنحة أو مخالفة فإنه لا يجوز أن ينبنى على سكوت المتهم عن المرافعة فى الجنح الطعن على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع مادام لا يدعى أن المحكمة قد منعته من المرافعة الشفوية بالجلسة فلا يجوز أن ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بدعوى الخطأ فى تطبيق القانون أو الإخلال بحق الدفاع فهذا يكون غير سديد.
وقد نص قانون الإجراءات الجنائية فى المادة 237 منه على أن المتهم بفعل جنحة يجب عليه أن يقوم بالحضور بنفسه إذا ما استوجب هذا الفعل عقوبة الحبس، ويجوز فى الأحوال الأخرى أن يرسل وكيلاً عنه.
كذلك نصت هذه المادة أيضاً على أنه إذا كانت الجريمة المسندة إلى المتهم عقوبتها الحبس أو الغرامة وحكماً ابتدائياً بالغرامة واستأنف المتهم وحده هذا الحكم ولم تستأنفه النيابة جاز أن ينوب عن المتهم وكيله أمام المحكمة الاستئنافية والتى لا تملك أن تؤيد حكم الغرامة أو تعدله لمصلحة المتهم فهى لا تستطيع الحكم بالحبس.
وإذا كان الأصل أن حضور محام عن المتهم بجنحة غير واجب قانوناً إلا أنه متى عهد المتهم إلى محام بالدفاع عنه فإنه يتعين على المحكمة أن تسمعه متى كان حاضراً فإن لم يحضر فإن المحكمة لا تتقيد بسماعه ما لم يثبت لها أن غيابه كان لعذر قهرى، أما إذا التفتت المحكمة عن طلب التأجيل فإن ذلك يكون بعد أن قدرت فى حدود حقها وعلى ضوء الظروف التى مرت بها الدعوى أن تخلق المحامى لم يكن لعذر قهرى يلزمها معه أن تمنحه مهلة أخرى للحضور كما أنها لم تمنع المحامى الحاضر عن إبداء دفاعه بل هو الذى قام بالإحجام عنه بعد أن طلب فى الجلسة السابقة أجلاً للاطلاع والاستعداد أجيب إليه.
فالمحامى ينبغى عليه أن يقوم بتحضير أوجه دفاعه قبل الجلسة التى أعلن موكله وفقاً للقانون بالحضور إليها فإذا طرأ عليه عذر قهرى منعه من أن يقوم بواجبه هذا فهنا ينبغى عليه أن يقوم بتوضيح عذره هذا للمحكمة وتقوم هى متى تبنت صحة عذره بمنحه الوقت الكافى وذلك ليقوم بتحضير دفاعه.
والمحكمة لها مطلق الحرية فى قبول أو عدم قبول طلب التأجيل للاستعداد فلها أن ترفض هذا الطلب وذلك فى حالة ما إذا تراءى لها أنه لا عذر للمتهم فى عدم تحضير دفاعه فى المدة التى أوجب القانون إعطاءه إياها من تاريخ الإعلان ويوم الجلسة فحضوره دون استعداد لا شأن للمحكمة فيه ولا فرق هنا بين المتهم ومحاميه إذا كان وجود المحامى أثناء المحاكمة غير واجب كما هو الحال فى مواد الجنح والمخالفات.
وإذا كان الأصل أن حضور محام عن المتهم بجنحة غير واجب قانوناً فإنه ليس من الإخلال بحق الدفاع أن يقصر المحامى مرافعته على موكله المتهم بالجناية دون موكله الآخر المتهم بالجنحة طالما أن المحكمة لم يقع منها ما يمنعه من القيام بواجب المرافعة عن موكليه كليهما بل كان ذلك راجعاً إلى تصرفه هو..
فإذا كان المدافع عن المتهم قد قدم بالجلسة المحددة لنظر المعارضة أمام المحكمة الاستئنافية شهادة مرضية وقرر أن المتهم مريض وطلب تأجيل الدعوى لكن المحكمة لم تستجب لهذا الطلب وقضت فى المعارضة باعتبارها كأن لم تكن ولم تشر فى حكمها المطعون فيه إلى ذلك العذر ولم تبد رأياً فيه مثبتة أو تنفيه فإنها تكون قد أخلت بحقه فى الدفاع مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
ويجب علينا أن نشير إلى أن حضور محام فى الجلسة الأولى المحددة لنظر المعارضة عن المعارض المحكوم عليه بالحبس فى جنحة مستوجبة لهذه العقوبة لا يقوم مقام حضور المعارض شخصياً، فإذا غاب المعارض عن الجلسة الأولى وحضر عنه محام طلب التأجيل لمرضه فأجابته المحكمة إلى طلبه وقامت بتأجيل القضية إلى جلسة أخرى أعلن لها المعارض فلم يحضر أيضاً فهنا لا تستطيع المحكمة فى هذه الجلسة أن تقضى فى موضوع المعارضة بل لها أن تقضى باعتبار المعارضة كأنها لم تكن.
فإذا كان المعارض منهما بجنحة تستوجب العقوبة بالحبس ولم يحضر فحكمت المحكمة باعتبار معارضته كأن لم تكن فإن حكمها يكون صحيحاً ولو حضر المحامى عنه وطلب التأجيل فرفضت صلبه لأن حضور المحامى فى مثل الدعوى لا يغنى عن حضور المتهم وعدم التأجيل هو من سلطة المحكمة. فالقانون يستلزم أن يكون المتهم حاضراً بنفسه بالجلسة عندما يوجه إليه طلب التعويض وإلا وجب تأجيل الدعوى وتكليف المدعى بالحق المدنى بإعلان المتهم بطلباته ولا يغنى عن ذلك حضور محاميه إذا كان متهماً فى جنحة معاقب عليها بالحبس.
وإذا قام المحامى الحاضر عن المتهم بتقديم شهادة مرضية للمتهم بالجلسة وطلب تأجيل نظر الدعوى وكانت المحكمة قد رفضت التأجيل دون أن تقدر صحة ذلك العذر فإنها هنا تكون قد أخلت بحقه فى الدفاع.
أما القانون الصادر فى 19 من أكتوبر سنة 1925 فإن المادة 5 منه تقضى يجعل بعض الجنايات جنحاً تجرى إجراءات المحاكم فى مثل هذه الجنايات على حسب الأحكام التى ينص القانون على اتباعها لدى الفصل فى سواد الجنح فيجوز محاكمة المتهمين فيها بغير حضور محام يدافع عنهم، كما أن حضور محام لدى محكمة الجنح للدفاع عن متهم بجناية أحيلت محاكمته عليها عملاً بقانون 19 أكتوبر سنة 1925 ليس بواجب وعدمه لا يطعن فى سلامة الحكم، نخلص من هذا القانون إلى أنه لا يحتم حضور مدافع عن المتهم إلا أمام محكمة الجنايات فى مواد الجنايات أما إذا كانت الجناية محالة من قاضى الإحالة إلى محكمة الجنح عملاً بالقانون الصادر فى 19 أكتوبر سنة 1925 فإن إجراءات المحاكمة الخاصة بالجنح هى التى يجب اتباعها وليس فى هذه الإجراءات ما يوجب حضور مدافع عن المتهم.
وطالما أن المتهم قد يؤدى عليه فى الجلسة فحضر ولم يقل أنه لم محامياً يتولى الدفاع عنه وقام هو بالدفاع عن نفسه بنفسه فإن إجراءات المحاكمة تكون قد وقعت صحيح، وطالما أن المحامى كان موجود فى قاعة الجلسة ولم يسمع النداء على المتهم ولم يتنبه عند نظر القضية فلم يتقدم بدفاعه فإن ذلك لا يعيب الحكم.
وطالما أنه لم ينبه أحد المحكمة قبل صدور الحكم على المتهم إلى أنه وكل محامياً ليتولى الدفاع عنه بالجلسة فإن القول بخطأ المحكمة لفصلها فى الدعوى دون أن تسمع المحامى لا يكون له ما يبرره.
وقد نصت المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "يسقط الحق فى الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجميع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائى أو التحقيق بالجلسة فى الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه".
وبالإضافة إلى ذلك فإن القانون لا يوجب حضور محام مع المتهم بجنحة أو مخالفة، لذلك فإن المحكمة غير ملزمة بإعادة الدعوى للمرافعة لمجرد سماع دفاع من المتهم كان فى مقدوره إبداؤه حين حضر أمامها، ولا يجوز أن ينبنى على سكوت المتهم على المرافعة فى الجنح والطعن على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع مادام أنه لا يدعى أن المحكمة منعته من المرافعة الشفوية بالجلسة.
ولا يجوز أن ينبنى على سكوت المتهم أو محاميه عن المرافعة الطعن على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع طالما أن المتهم لا يدعى أن المحكمة منعته من المرافعة الشفوية، ومن المقرر أن سكوت الطاعن أو المدافع عنه عن المرافعة لا يصح أن ينبنى عليه طعن طالما أن المحكمة لم تمنعهما من مباشرة حقهما فى القطاع.
كذلك نص القانون على أن قيام محام واحد بالدفاع عن متهمين بجنحة عند تعارض المصلحة لا يعتبر إخلالاً بحق الدفاع، فتولى محام واحد الدفاع عن متهمين بجنحة حتى عند اختلاف مصلحة أحدهما عن مصلحة الآخر لا يسوغ النعى على المحكمة أنها أخلت بحق المتهم فى الدفاع، فحضور المحامين للدفاع عن المتهمين فى مواد الجنح والمخالفات ليس لازماً بمقتضى القانون بل الواجب أن يحضر المتهم أمام المحكمة مستعداً للمرافعة عن نفسه بنفسه أو بمن يختاره من المحامين ومادام المتهم كان فى مقدوره أن يبدى هو دفاعه، ولم يدع أن أحد منعه من إبداء دفاعه فلا يكون هناك أى وجه لما يدعيه من الإخلال بحقه فى الدفاع.
وأخيراً فإن القانون لا يحتم بالضرورة حضور محام عن المتهم بجنحة بل يكفى أن يدافع المتهم عن نفسه.