القتل والإصابة الخطأ
تناول تشريعنا أحكام القتل والإصابة الخطأ فى المواد 238 و244 من قانون العقوبات والتى نص فيهما على الأتى :
نصت المادة 238 من قانون العقوبات على الآتى : من تسبب خطأ فى موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتى جنية أو بأحدى هاتين العقوبتين .
نصت المادة 244  من قانون العقوبات على الآتى : من تسبب خطأ فى جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيا مسكراً أومخدراً عند أرتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقعت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك .
وتكون العقوبة بالحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص فإذا توافر ظرف أخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين .
والبين من هذين النصين إنهما يتطلبان فى الجريمتين معا قيام ثلاثة أركان وهى :
1. قتل المجنى عليه أو إيذائه ( النشاط الإجرامى )
2. صدور خطأ غير عمدى من الجانى ( النتيجة الإجرامية ) وهو الأثر الناجم عن السلوك الإجرامى والذى يعتد به المشرع فى التكوين القانونى للجريمة
3. قيام السببية بين القتل أو الإصابة من جانب وبين الخطأ من جانب (العلاقة السببية ) .
وسنعالج كل ركن منها فى مبحث مستقل .
 
 
 
المبحث الأول : قتل المجنى عليه أو إيذاؤه
 
ينبغى أن تتحقق نتيجة معينة بذاتها هى وفاة المجنى عليه وجرحه أو إيذاؤه ويمكن القول أن النتيجة الأولى التى يعاقب عليها القانون هى جرح المجنى عليه أو إحداث أى أذى به ( م 244 ع ) فإذا ما أسفرت الإصابة عن وفاته كان ذلك ظرفا مشددا قانونيا ، وطبقا للمادة ( 238 ع ) وإذا لم تتحقق هذه النتيجة ولا تلك فلا قيام للجريمة ، مهما توافر من خطأ الجانى ، ومهما كان هذا الخطأ جسيما .
ويرجع فى تعريف الجروح " أي إصابة تصيب المجنى عليه فى سلامة جسمه أو صحته مهما كانت ضئيلة ، ويستوى أن تكون من الظاهر أم من الباطن (2 ) ، وكان الفقه والقضاء يقولان بأنها تشمل أيضا الأمراض المختلفة ، ثم تدخل الشارع فى سنة 1935 معدلاً المادة ( 320 ع ) بأن أضاف إليها الأمراض صراحة ، فأنهى بذلك الخلاف القديم حولها ، وينبغى القول بذلك فيما يتعلق بقانوننا ، فإن النصوص انصرفت دائما إلى المساواة بين الجرح والضرب ، وبين الأمراض المختلفة .
وكانت هذه المساواه صريحة فيما يتعلق بالجرائم العمدية فالمادة ( 265 ع ) تتحدث عن إعطاء مواد ضارة أو جواهر غير قاتلة ، إذا نشأ عنها مرض أو عجز وقتى عن العمل ، وهى تحيل القارئ بدورها إلى المواد (240 - 242 ع ) وليس هناك ما يشعر أن النص أراد غير ذلك فيما يتعلق بالجريمة الغير عمديه وذلك خصوصا بعد تعديل المادتين ( 238 ، 244 ع ) بالقانون رقم 120 لسنة 1962 ، وقد أصبح نصهما يشمل صراحة الإصابة وهو تعبير يصح أن ينصرف بسهولة إلى كافة الأمراض بما فى ذلك الأمراض الباطنية كما ينصرف بطبيعة الحال إلى الجرح الخارجى فالإصابة أوسع نطاقا من الجرح وأيضا من تعبير الإصابة الذى كانت تستعمله المادة ( 244 ع ) قبل تعديلها بالقانون الآنف الإشارة إليه ولذا آثرنا وصف الجريمة بأنها جريمة  " الإصابة الخطأ " لأن كلمة الإصابة أوسع مدلولا من غيرها .
ولا يختلف وصف الواقعة تبعا لجسامة الإصابة ، بل يستوى هنا أن ينشأ عن الإصابة عاهة مستديمة ، أم مرض ، أم عجز عن الأشغال الشخصية لمدة تزيد على عشرين يوما ، أم لا تبلغ هذه الدرجة من الجسامة ، فالوصف القانونى واحد مادام ينجو المجنى عليه من الموت ، وإن كان لجسامة الإصابة تأثيرها فى الواقعة ، كظرف قانونى مشدد فى الجرح غير العمدى بحسب المادة (244 ع فقرة 2) معدلة .
على أنه ينبغى القول بأن جريمتى المادتين ( 238 ، 244ع ) وإن كانتا من طبيعة واحدة إلا أنهما تعالجان جريمتين متغايرتين لكل منهما كيانها الخاص .
أولاهما : هى جريمة القتل خطأ المبينة بالمادة  238 ع .
ثانيهما : جريمة الإصابة خطأ المبينة بالمادة 244 ع .
وهما - بحسب عبارة محكمة النقض - وإن تماثلنا فى ركنى الخطأ وعلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة ، إلا أن مناط التمييز بينهما هو فى النتيجة المادية الضارة ، فهى القتل فى الأولى والإصابة فى الثانية (1) .
ولم يعتبر الشارع القتل ظرفا مشددا فى جريمة الإصابة الخطأ ، بل ركنا فى جريمة القتل الخطأ مما لا محل معه لاعتبار المجنى عليهم فى جريمة القتل الخطأ فى حكم المصابين فى جريمة الإصابة الخطأ ، وقد انتهت محكمة النقض بسبب ذلك إلى نتيجة هامة فى شأن عدم جواز التداخل بين عقوبات المادتين ( 238 ، 244 ع ) عند توافر بعض الظروف المشددة للعقاب على ما سيرد بيانه فيما بعد عند الكلام فى عقوبات القتل والإصابة خطأ فى الفصل المقبل (2) .
____________________________
(1)  د/ روؤف عبيد المرجع السابق ـ صـ 164
(2) راجع نقض 19/2/1968 أحكام النقض س 19 رقم 42 صـ233
 
القتل غير العمدى
لم يعرف قانون العقوبات ماهية الخطأ ، ويمكن تعريفه بأنه " أخلال الجانى بواجبات الحيطة والحذر التى يفرضها القانون عند أقدامة على فعل بحيث لا يحول دون تحقق النتيجة الإجرامية معتقدا أنها لن تحدث أو التى لم يتوقعها ، وذلك على الرغم من أنه كان يستطيع ذلك ، وعلى الرغم من عدم قبوله لهذه النتيجة (1) .
كما قيل فى تعريف آخر بأنه " كل فعل أو ترك إرادى تترتب عليه نتائج لم يردها الفاعل مباشرة ولا بطريق غير مباشر ، ولكنه كان فى وسعه تجنبها " .
ولا شبهة فى أن الخطأ قد يكون بفعل سلبى متى كان على الممتنع التزام قانونى أو تعاقدى بالتدخل فامتنع عنه ، عن إهمال أو تفريط ، كما قد يكون بفعل إيجابي ، وقد ذكرت المادة ( 238 ع ) كل صوره وهى الإهمال ، أو الرعونة ، أو عدم الاحتراز ، أو عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة .
صـور الخطـأ
1. الإهمال : هو تقصير الجانى فى إدراك مدى ما يترتب على تصرفى من نتائج فى وقت يتطلب منه بعض الحيطة والحذر " .
" أو أنه ينصرف غالبا الى الحالة التى يحصل فيها الخطأ عن ترك أو امتناع حيث يسلك الفاعل طريقا دون حذر أو عناية أو تبصر فى العواقب "  (2).
وقد قضى بأنه : من المتفق عليه أنه يلزم لتحقق جريمة القتل الخطأ المنصوص عليها بالمادة 202 عقوبات أن يكون الخطأ الذى أرتكبه الجانى هو السبب الذى أدى إلى حدوث القتل بحيث لو أمكن تصور حدوثه ولو لم يقع هذا الخطأ فلا جريمة ولا عقاب . وتطبيق هذه القاعدة يستدعى حتماً استبعاد كافة صور القتل التى يقطع فيها عقل كل إنسان فى مركز الجانى لأسباب صحية مقبولة بأن نتائج الإهمال محصور مداها محددة نهايتها وأنها لا تصل إلى إصابة أحد ولا إماتته . إذ فى هذه الصورة لا يكون القتل ناشئاً عن خطئه بل يكون ناشئاً عن سبب آخر لا شأن للمهمل به وليس مسئولاً عن نتيجته . (3)
وقد قضى أيضا ًبأنه : إذا كانت واقعة الإهمال التى رفعت بها الدعوى على المتهم هى أنه لم يتنبه إلى وجود المجنى عليه على القضبان الحديدية أثناء قيادة القطار ، فإنه إذ كان المجنى عليه قد قصر فى حق نفسه تقصيراً جسيماً بنومه على القضبان التى هى معدة لسير القطارات عليها ، وكان ذلك - لمخالفته للمألوف بل للمعقول - لا يمكن أن يرد على بال أى سائق ، وكان لا يوجد من واجب يقضى بأن يستمر السائق طوال سير القطار فى إطلاق زمارته ولو لم يكن تحت بصره فى طريقه أشخاص أو أشباح - إذ كان ذلك كذلك فإن المحكمة إذا أدانت هذا السائق فى هذه الظروف يكون واجباً عليها ، خصوصاً وقد تمسك المتهم أمامها فى صدد عدم إطلاق الصفارة بأن اللائحة العمومية للسكة الحديدية لا تلزمه بإطلاقها ، أن تتحدث فى غير ما غموض عن رابطة السببية بين عدم إطلاقه الزمارة وبين إصابة المجنى عليه ، فتبين كيف كان واجباً عليه وقت الحادث أن يطلق الزمارة ، وكيف كان عدم إطلاقها سبباً فيما وقع وأنه لو كان أطلقها لتنبه المجنى عليه من نومه الذى كان مستغرقاً فيه و استطاع النجاة قبل أن يفاجئه القطار ويصيبه ، فإذا هى لم تفعل فإن حكمها يكون قاصر البيان متعيناً نقضه .(4)  
2. الرعونة : كلمة تشير إلى الطيش والخفة ، أو الأقدام على عمل على الرغم من عدم توافر الخبرات اللازمة للأداء هذا العمل  .
أو هو اندفاع الجانى بارتكابه سلوكا دون تروى أو حذر ينجم عنه ازهاق روح أنسان (5) .
وقد قضى بأن : ركن الخطأ هو العنصر المميز فى الجرائم غير العمدية وأنه يجب لسلامة القضاء بالإدانة فى جريمة الإصابة الخطأ - حسبما هى معرفة فى المادة 244 من قانون العقوبات - أن يبين الحكم كنه الخطأ الذى وقع من المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والإصابة به بحيث لا يتصور وقوع الإصابة بغير هذا الخطأ ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى إدانة الطاعن استنادا إلى أنه قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر وعن رعونة وعدم احتراز دون أن يبين كيفية وقوع الحادث وسلوك الطاعن أثناء قيادته للسيارة وكيف أنه كان من شأن هذه القيادة تعريض الأشخاص والأموال للخطر وأوجه الرعونة وعدم الاحتراز ، ويورد الدليل على كل ذلك مردوداً إلى أصل ثابت فى الأوراق كما لم يبين الحكم موقف المجنى عليهم ومسلكهم أثناء وقوع الحادث وأثر ذلك على قيام رابطة السببية كما أغفل بيان إصاباتهم من واقع تقرير فنى باعتبار أن ذلك من الأمور الفنية البحتة فإن الحكم المطعون فيه يكون أيضاً معيباً بالقصور فى التسبيب . (6)
3. عدم الاحتراز : هو مباشرة الجانى نشاطا بالنسبة لامر معين يتطلب نوعا خاصا من المعرفة والخبرة أو الحيطة ، وهو ما لم يتوافر لدى ارتكابه لنشاطه هذا .
أو هو أقدام الجانى على فعل يعلم طبيعته ويدرك خطورته وما يمكن أن يترتب عليه من أضرار (7) .
وقد قضى بأن : العيار الذى أطلقه الجانى أصاب المجنى عليه ، وذلك بسبب رعونته وعدم احترازه ، دون إيضاح لموقف المجنى عليه من الجانى وقت وقوع الحادث ودون أن يعنى ببيان كيف كانت الرعونة أو عدم الاحتراز سببا فى وقوعه ، فأنه لا يكون قد بين الواقعة وكيفية حصولها وبالتالى معيبا بالقصور . (Cool
4.عدم مراعاة وأتباع القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة .
فهو يفيد معنى عدم تنفيذها على الوجه المطلوب ، وبالتالى يقتضى مسئولية المخالف عما قد يقع بسبب مخالفته من إصابات ولو لم يصدر منه أى نوع آخر من أنواع الخطأ لأنه خطأ قائم بذاته ، ويدخل تحت لفظة القرارات واللوائح والأنظمة كل ما تصدره جهات الإدارة المختلفة من تعليمات لحفظ النظام والأمن والصحة فى صورة قوانين ولوائح أو منشورات
هذا وقد أضاف نص المادتين ( 238 ، 244 ع ) بعد تعديلهما بالقانون رقم 120 لسنة 1962 لفظة القرارات ، وهى تشير إلى القرارات الفردية .
كما أضافت المادتين كلمة " الأنظمة " وهى تشير الى كافة النظم الداخلية التى توضع بمعرفة الأشخاص الاعتبارية التى تتبع القانون العام أو الخاص على حد سواء ، والتى تهدف الى تنظيم سير العمل فيها بشرط أن يقبلها من يعمل فيها .
ويستفاد هذا القبول من طبيعة العلاقة التى تربط بالشخص الاعتباري ويستوى فى ذلك أن تكون علاقة عقدية ، أم تنظمية . 
وتحقق أية صورة للخطأ من إهمال أو رعونة أو عدم احتراز كاف بذاته لترتيب مسئولية المخطئ ولو ثبت أنه اتبع القوانين والقرارات والأنظمة واللوائح بدقة وعناية (9) كما أن كل صورة من هذه الصور تعد خطأ قائما بذاته تترتب عليه مسئولية فاعله ولو لم يقع منه خطأ آخر (10) .
وقد قضى بأن : عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة - اعتباره خطأ مستقلاً فى جرائم القتل والإصابة الخطأ .
لما كان من المقرر أن عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة وإن أمكن اعتباره خطأ مستقلاً بذاته فى جرائم القتل والإصابة الخطأ إلا أن هذا مشروط بأن تكون هذه المخالفة هى بذاتها سبب الحادث بحيث لا يتصور وقوعه لولاها ، وكان من المقرر أيضاً أنه يجب قانوناً لصحة الحكم فى جريمة القتل الخطأ أن يبين فيه وقائع الحادث وكيفية حصوله وكنه الخطأ الذى وقع من المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والقتل .
لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد اتخذ من مجرد قيادة الطاعن للسيارة مسرعاً ما يوفر الخطأ فى جانبه دون أن يستظهر قدر الضرورة التى كانت توجب عليه السير بسرعة معينة تفادياً لوقوع الحادث ، كما لم يبين الحكم موقف المجنى عليهم ومسلكهم أثناء وقوع الحادث وأثر ذلك على قيام رابطة السببية ، كما أغفل بيان إصابات المجنى عليهم ، وكيف أنها أدت إلى وفاة أحدهم من واقع تقرير فنى باعتبار أن ذلك من الأمور الفنية البحتة فإن الحكم يكون معيباً بالقصور . (11)
وسنعالج ركنا الخطأ فى مطلبين :
المطلب الأول : خصائص الخطأ .       
المطلب الثانى : تطبيقات عملية للخطأ .
__________________________
(1) د/ مدحت رمضان ـ دروس فى شرح قانون العقوبات ـ ص 288
(2) راجع م/ جندى عبد الملك ـ الموسوعة الجنائية ـ جـ 5 صـ 845 .
(3) الطعن رقم 261 لسنة  47 ق ، بجلسة 30/1/1970 .
(4) الطعن رقم 724 لسنة 15 ق ، بجلسة 23/4/1945 .
(5) د/ محمود احمد طه ـ شرح قانون العقوبات ـ صـ 225 .
(6) طعن رقم 700 لسنة 57 ق ، بجلسة 17/3/1988 .
(7) راجع فى ذلك م/ السيد خلف ـ التجريم والعقاب فى قانون العقوبات ـ صـ 207
(Cool الطعن رقم 125 لسنة 15 ق - جلسة 2/11/1964 .
(9) نقض 27/2/1951 أحكام النقض س 2 رقم 254 ص 670 .
(10) نقض 14/10/1963 أحكام النقض س 14 رقم 112 ص 603 .
(11) الطعن رقم 4029 لسنة 64ق - جلسة 25/1/2000 .
 
خصائص الخطاء
الفرع الأول : انعدام القصد الجنائى فيه
 
القتل أو الإصابة خطأ جريمة غير عمدية ، بمعنى أنه ينتفى فيها القصد الجنائى العام المطلوب فى الجرائم العمدية ، وهو إرادة ارتكاب الجريمة ، مع العلم بأركانها المطلوبة قانونا ، ففيها تنصرف إرادة الجانى إلى ارتكاب الفعل المادى دون نية تحقيق أى وضع إجرامي معين ، أو ترتيب أى ضرر مما يحظره القانون ويعاقب عليه ، فالجانى يريد هنا ارتكاب الفعل دون النتيجة ، حين أنه فى الجرائم العمدية يريد ارتكاب الفعل وتحقيق نتيجته المحظورة أيضا (1) .
لذا قضى بأنه : إذا كان المتهم بعد أن تسبب من غير قصد ولا تعمد فى إصابة المجنى عليه بإصابات نشأت عن إهماله وعدم احتياطه فى قيادة سيارة ، ثم علقت ملابس المجنى عليه بالعربة ومع علم المتهم بذلك فإنه قد استمر فى فراره وجره على الأرض فيكون ما ارتكبه المتهم على هذا النحو هو جريمة إحداث جرح عمد منطبقة على المادة (242ع ) فضلا عن انطباق جريمة الجرح بإهمال المنطبقة على المادة (244ع ) وجلى هنا أن الجانى قد أراد ارتكاب الفعل بما يؤدى إليه حتما من المساس بجسم المجنى عليه وهو ما جعل الواقعة تنقلب من جريمة غير عمدية إلى أخرى عمدية (2) .
وبعبارة أخرى أن الركن المعنوى فى هذا النوع من الجرائم هو إرادة ارتكاب الفعل أو الترك الخاطئ مجردة عن أى قصد جنائى خاص أو عام ، وبالتالى إذا انعدم قصد القتل أو الإصابة كانت الواقعة قتلا أو إيذاء خطأ بشرط توافر عنصر الخطأ غير العمدى ، وإذا انعدم الخطأ كانت الواقعة قضاء وقدرا لا تبعة فيها على أحد ، ومن ذلك أن ينهار منزل على ساكنيه بفعل زلزال أو فيضان فيقتلهم أو يصيبهم ، أو أن يموت المريض بسبب إجراء جراحة له دون خطأ من الجراح .
وينبغى عدم الخلط بين انعدام القصد الإرادة والقصد الجنائى ، فالإرادة الآثمة شرط للمسئولية الجنائية فى جميع الجرائم عمدية كانت أم غير عمدية ، ويترتب على انعدامها امتناع المسئولية فى النوعين معا ، كما فى انتقاء الاختيار الناجم عن حالة الضرورة "م 61 " وكما فى فقد التمييز والإدراك للجنون أو العاهة العقلية ، والسكر أو الغيبوبة القهرية "م 62 " وبالنسبة للطفل أو للصغير الغير المميز ، أما القصد الجنائى فأنه شرط المسئولية فى الجرائم العمدية وحدها .
نتائج انعدام القصد :
1- انتفاء الشروع فيها : ذلك أن الشروع يتطلب توافر قصد إتمام الجريمة بكافة أركانها ، لا مجرد إرادة الفعل أو الترك ، ومادام هذا القصد ينبغى أن يكون منتفيا كما فى الجريمة الغير العمدية ولو كانت تامة ، فهو كذلك أيضا ومن باب أولى فى الشروع ، فالخطأ ولو كان جليا وأوقف أو خاب أثره فى إحداث إيذاء ما لأسباب لا دخل لإرادة المخطئ فيها ، لا يمكن اعتباره مع ذلك شروعا فى هذا الإصابة .
ومن ناحية الركن المادى يمكن الوصول إلى نفس النتيجة ، ذلك أنه أما أن يترتب على الخطأ العمدى إيذاء المجنى عليه وحينئذ تقع الجريمة تامة ، وأما لا يترتب عليه أى إيذاء وحينئذ فلا جريمة مهما كان الخطأ جسيما .
على أن الخطأ الذى لا يصح وصفه شروعا فى جريمة غير عمدية يمكن أن يكون جريمة مستقلة ، قد تكون عمدية مثل ممارسة مهنة الطب بدون ترخيص أو مخالفة لوائح المرور ، أو غير عمدية مثل الحريق بإهمال ( م 258/4 ع ) .
2. انتفاء الاشتراك فيها : ذلك أن الاشتراك فى أية جريمة يتطلب توافر قصد معاونة الفاعل الأصلى على إتمام الجريمة ، فإذا انعدم ذلك القصد فى فعل هذا الأخير فى الجرائم الغير عمديه فهو معدوم من باب أولى فى فعل الشريك الذى يستعير منه صفته الإجرامية .
ومن ثم كانت المساهمة فى أى فعل أو ترك خاطئ كفيلة بجعل صاحبها فاعلا أصليا إذا ما ترتبت عليه النتيجة التى يعاقب عليها القانون ، وذلك مع أن الفعل أو الترك الخاطئ قد يتخذ مظهر التحريض أو الاتفاق أو المساعدة فى خطأ صادر من إنسان آخر ، كراكب السيارة الذى يأمر سائقها بتجاوز السرعة المقررة لها ، فلما يفعل يصيب أحد المارة أو يقتله ، فالاثنان يعتبران فاعلين أصليين فى الجريمة غير العمدية ولا وجه للمفاضلة بين الأخطاء أو للمقارنة بين درجاتها (3) . 
فاعتبار فاعلين أصليين فى القتل الخطأ سائق السيارة ، ومالكها الذى سلمها له وهو يعلم بأنه غير مرخص له بالقيادة ولا يحسنها  (4) .
كما اعتبر فاعلا أصليا فى إصابة خطأ شخصا كان يلاحظ عمالا يقومون بهدم منزل وهو واقف فى الطريق العام فأمرهم بإلقاء خشبة فى الطريق ، بعد إن ظن خلو الطريق من المارة ولكنها سقطت على سيدة جالسة فى مكان قريب فأصابتها ، فساوى بذلك بين خطئه وبين خطأ العمال الذين نفذوا أمره بإلقاء الخشبة بغير تبصر (5) .
3. انتفاء الظروف المشددة التى تتصل بالقصد : ذلك أنه طالما كان الفرض هو انعدام القصد الجنائى كلية فى هذا النوع من الجرائم ، فلا محل لقيام ظروف مشددة تتصل به ، أو تفترض وجوده كالإصرار السابق أو الترصد أو التأهب لارتكاب جريمة أخرى ، وإن كان من المتصور وجود ظروف مشددة متصلة بمدى جسامة الخطأ أو بمدى جسامة النتائج التى ترتبت على هذا الخطأ .
___________________________
(1) د/ روؤف عبيد ـ المرجع السابق ـ صـ  169
(2) نقض 19/4/1948 مجموعة عاصم كتاب 3 رقم 92 صـ138
(3) د/ محمود نجيب حسنى ـ المساهمة الجنائية ـ صـ 171 .
(4) نقض 17/11/1953 أحكام النقض س 5 رقم 29 ص 86  .
(5) استئناف طنطا فى 4/6/1964 مجموعة أحكام النقض سنة 15 رقم 108 ص 215 .
 
 
الفرع الثانى : شخصية الخطأ
يعرف القانون المدنى صوراً شتى للمسئولية عن أفعال الغير فمثلا تنص المادة 173/1 منه على أن " كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص فى حاجة إلى الرقابة ، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية ، يكون ملزما بتعويض الضرر الذى يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع " كما تنص المادة 174 منه على أنه " يكون المتبوع مسئولا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه فى حالة تأدية وظيفته أو بسببها " .
كما يعرف كذلك صوراً للمسئولية عن حيازة الأشياء ، فالمادة 176 منه تجعل " حارس الحيوان ولو لم يكن مالكا مسئولا عما يحدثه الحيوان من ضرر ولو ضل أو تسرب " والمادة 177/1 تجعل " حارس البناء ولو لم يكن مالكا له مسئولا عما يحدثه انهدام البناء من ضرر " والمادة 178 تجعل " كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو آلات ميكانيكية مسئولا عن تحدثه هذه الأشياء من ضرر " ، فهذه المواد تقيم قرائن قانونية على إهمال المسئول مدنيا وتستوجب مساءلته على هذا الأساس ، وهذه القرائن على نوعين ، نوع قاطع لا يقبل إثبات العكس كما هى الحال فى المسئولية عن فعل التابع "م 174 " ونوع غير قاطع أى يقبل إثبات العكس كما هى الحال فى المسئولية عن فعل القاصر والمجنون " م 173 " وعن حراسة الحيوان " م 176 " والبناء " م 177 " والآلات الميكانيكية " م 178 " ، وهى مواد تنظيم فى الواقع عملية الإثبات أو بالأدق تنقل عبئه من المدعى إلى المدعى عليه .
أما القانون الجنائى فلا يعرف خطأ ً مفترضاً من أى نوع كان ، ولا توجد به قرائن قانونية للإثبات من نوع ما ذكرنا ، قاطعة كانت أم غير قاطعة ، ومن يدعى بصدور خطأ من الجانى مكلف بإثباته وبكونه خطأ شخصيا منه تسبب عنه إيذاء المجنى عليه أو وفاته ، وللمحكمة مطلق الحرية فى تقدير الدليل ، وفى النهاية قبوله أو استبعاده (1) .
وقد قضى بأن : صاحب المركب لا يعتبر مسئولا جنائيا أو مدنيا عما يصيب الناس من أضرار عن خطأ الملتزم بتسييره إلا إذا كان العمل جاريا تحت ملاحظته وإشرافه الخاص ، فإذا كان هو قد سلم المركب إلى غيره على مقتضى الالتزام الذى حصل عليه من الجهة الإدارية فإن مساءلته هو تكون ممتنعة إلا أن تكون يده لازالت مبسوطة عليه وعلى سير العمل فيه ، أما إذا كانت قد غلت أو ارتفعت فلا وجه لمساءلته " (2)
والأب لا يسأل جنائيا عن خطأ أبنه القاصر إلا ثبت صدور خطأ شخصى منه هو أيضا ، وقد قضى بذلك : فى واقعة والد سلم ولده الذى لم يبلغ العاشرة من عمره عجلا اعتاد على النطح ليقوده فنطح المجنى عليه وقتله ، فاعتبر الوالد مسئولا عن القتل خطأ ، لأنه كان عليه أن يقدر أن ولده الصغير لا يقوى على كبح جماح العجل حال هياجه (3) .
وكثيرا ما تدين المحاكم حارس الحيوان ، إذا ما ترك حيوانه العقور طليقا فأصاب أحدا ، وحارس البناء إذا أهمل فى صيانته فانهار وسبب إصابة لإنسان .
وقضى أيضاً : بإدانة مدير ماكينة طحين لأنه لم يضع حاجزا حول عمودها المتحرك البارز من البناء ، والذى كان سببا فى قتل شخص وإصابة آخر " (4) .
وقد قضى أيضاً : إن صاحب العمل لا يعتبر مسئولا جنائيا عما يصيب الناس من الأضرار بسب عدم اتخاذ الاحتياطات المعمولة التى تقيم ذلك ، إلا أذا كان العمل جاريا تحت ملاحظته وإشرافه الخاص ، فإن عهد به كله أو بعضه الى مقاول متخصص يقوم بمثل هذا العمل عادة تحت مسئوليته فهو الذى يسأل عن نتائج خطئه (5) ، ولم يكن ذلك كله تطبيقا للقرائن المدنية التى أشرنا إليها ، بل لثبوت الخطأ الشخصى فى نطاق القواعد العامة فى الإثبات الجنائى دون غيرها .
________________________
(1)  د/ روؤف عبيد الرجع السابق ـ ص 175.
(2) نقض 30/6/1969 أحكام النقض س 20 رقم 194 ص 993 .
(3) طنطا الإبتدائية فى 23/1/1924 المحاماه ـ س 4 ، ص 760 .
(4) نقض 26/4/1931 القواعد القانونية ج 2 رقم 238 ص 220 .
(5) الطعن رقم 141 لسنة 33 ق جلسة 8/6/1982 .
 
الفرع الثالث : مدى الخطأ
أنقسم الرأى فى شأن تحديد مدى الخطأ المطلوب لترتيب المسئولية الجنائية إلى اتجاهين رئيسيين .
 
أولاً : إزدواج الخطأ إلى جنائى ومدنى
أن الخطأ المدنى المستوجب التعويض مستقل فى كيانه ووجوده عن الخطأ الجنائى المستوجب العقوبة فى الجرائم غير العمدية دون تلازم بينهما فقد يسأل المضطر مدنيا (م 168 مدنى) ومثله الصغير والمجنون (م 164/2مدنى) ولا يسألون جنائيا ، وقد يسأل السيد عن أعمال تابعه (م 174/1 مدنى) والوالد عن أفعال من هم تحت رعايته مدنيا (م 173 مدنى) ، ولا يسالان جنائيا .
هذا إلى أنه قد تترتب على التفرقة بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير نتيجة هامة فى العمل ، من ناحية حجية الشيء المقضى به جنائيا وأثره فى القاضى وهو يفصل فى الدعوى المدنية ، فالقاعدة أن الحكم الجنائى يقيد هذا الأخير من ناحية القول بتوافر الخطأ وبثبوت الواقعة فإذا قيل بازدواج الخطأ جاز أن يقضى ببراءة المتهم لعدم كفاية مقدار الخطأ الصادر منه لمساءلته جنائيا ، ومع ذلك يقضى عليه بالتعويض المدنى ، أما إذا قيل بوحدة الخطأ فى الحالين فإن الحكم بالبراءة لعدم توافر الخطا الجنائى يستتبع بالضرورة رفض الدعوى المدنية ، ومن ثم يقول أنصار ازدواج الخطأ أنه يستحسن أحيانا أن يباح للقاضى الجنائى أن يحكم بالبراءة لتفاهة الخطأ اكتفاء بالتعويض المدنى ، أما إذا قيل أن الخطأ واحد فى النطاقين معا وضع القاضى أمام أمرين كلاهما مكروه ، فهو أما أن يقضى بالعقوبة الجنائية دائما - رغم تفاهة الخطأ - صيانة لمصلحة المضرور ، وأما أن يقضى بالبراءة ، وحينئذ يضيع حتما على هذا الأخير حقه فى التعويض رغم ثبوت الخطأ والضرر معا (1) .
وقد وجد القول بازدواج الخطأ صدى فى بعض أحكامنا ، ومن ذلك أن سيدة أهملت فى صيانة منزلها فسقط على شخص قتله ، وحكم ببراءتها لانعدام الخطأ المستوجب المسئولية الجنائية ، ولكن المحكمة المدنية رأت إلزامها بتعويض ورثة القتيل ، كما رددت محكمة النقض فى بعض قضائها القول بأنه " لأجل وجود الجنحة يجب أن يكون الفعل أو الخطأ أشد خطورة من الفعل الذى تترتب عليه المسئولية المدنية . (2)
ثانياً : وحدة الخطأ فى النطاقين معاً
هذه التفرقة بين الخطأين الجنائى والمدنى محل لاعتراضات جدية من كثيرين فيعاب عليها ابتداءً أنها تحكمية لا ضابط لها ، إذ متى يكون الخطأ يسيرا يفلت فيه الجانى من المسئولية الجنائية ، ومتى لا يكون إن المعيار موضوعى بحت وجلى أن مدى الخطأ يمكن أن يتفاوت من ناحية تقدير الناس له تفاوتا كبيرا ويعاب عليها أيضا بأنها قد تؤدى إلى إفلات البعض من عواقب خطئهم أو إهمالهم ، غير متحملين سوى المسئولية المدنية وحدها ، والتى لا تثقل عادة كاهل الأغنياء ، وخصوصا مع انتشار نظم التأمين المختلفة ، حين أن القول بوحدة الخطأ أمر يزيد الترابط فيما بين القانونين الجنائى والمدنى فى مكافحة صور الإهمال المختلفة بطريقة فعالة .
كما أخذ على القول بازدواج الخطأ أن النصوص القانونية فى الميدانين الجنائى والمدنى معا واسعة تشمل كل صورة ، وقد لا تسمح بعمب تفرقة يكون من جرائها حدوث تناقض بين الحكم الجنائى عندما يقضى بالبراءة ، والحكم المدنى عندما يقضى بالتعويض عن نفس الخطأ الواقع من نفس الشخص .
أما عن القول بأن المسئولية المدنية يمكن أن توجد مستقلة عن الجنائية كما هى الحال فى مسئولية السيد - مدنيا لا جنائيا - عن أعمال تابعة ، والوالد عن أعمال ولده ، فهو أمر لا يرجع إلى تفاوت فى درجة الخطأ بين المسئوليتين المدنية والجنائية ، وإنما إلى أن القانون المدنى يقيم فى مثل هذه الأحوال قرائن قانونية معينة على إهمال المسئول فى مراقبة من هم تحت رعايته كما مر بنا القول ، حين يجهل القانون الجنائى الخطأ المفترض بقرائن ، فكأن كل الفارق بين القانونين هو فى عبء إثبات الخطأ وطريقته لا فى درجته أو نوعه .
أى الرأيين هو السائد ؟
يميل الرأى الشائع فى فقهنا المصرى إلى تفضيل القول بوحدة الخطأ ، وبأن أى قدر منه يكفى للمسئولية الجنائية ، مهما كان يسيرا على أن هناك جانبا ملحوظا يأخذ بنظرية ازدواج الخطأ ويدافع عنها .
أما محكمتنا العليا فبعد القول بازدواج الخطأ فى بعض أحكامها القديمة مالت منذ سنة 1939 حتى الآن إلى الأخذ بنظرية وحدة الخطأ فى نطاق المسئوليتين الجنائية والمدنية فى أكثر من حكم  (3) ، بما يترتب على ذلك من " أن الحكم الجنائى متى نفى الخطأ عن المتهم وقضى بالبراءة يكون فى ذات الوقت قد نفى الأساس المقامة عليه الدعوى المدنية ، ولا تكون المحكمة فى حاجة لأن تتحدث فى حكمها على هذه الدعوى وتورد فيه أسباباً خاصة بها (4) .
________________________________
(1)  د/ روؤف عبيد ـ المرجع السابق ص 174 .
(2)  نقض 23/9/1916 مج س 18 عدد 27 .
(3) نقض 14/12/1939 المحاماة س 20 رقم 294 ص 261 .
(4) نقض 29/4/1946 س 27 ملحق 2 رقم99 .
 
 
الفرع الرابع : معيار الخطأ
 
أولا : المعيار الشخصى
يرى البعض أن المعيار فى تقدير توافر الخطأ ينبغى أن يكون شخصيا بحتا ويعبر عنه أحيانا بالتقدير الواقعى ومقتضاه وجوب النظر إلى شخص المسند إليه الخطأ وظروفه الخاصة ، فإذا تبين من المقارنة بين ما صدر منه من تصرف مشوب بشبهة الخطأ ، وبين ما كان يمكن أن يصدر منه فى نفس الظروف من تصرف آخر كان يعد عاديا فى نظر المجتمع ، أنه كان بمقدوره تفاديه ، وبالتالى تفادى ما أحدثه بالغير من إيذاء أو قتل غير متعمد عد مقصرا ، وإلا فلا محل للقول بالتقصير ولا بالخطأ ، ذلك أن المجتمع لا يمكن أن يطالب إنسانا بقدر من الحيطة أو الذكاء فى تصرفاته وفى حركاته أو سكناته يتجاوز ما تحتمله ظروفه الاجتماعية كالثقافة والسن والخبرة ، والصحية كالمرض والصحة .
وينبغى ملاحظة : إن صفات الجانى الخلقية كالحمق والطيش والأستهتار لاتوضع فى الاعتبار عند النظر الى الظروف الشخصية المحيطة بمسلكة ، لان أساس الخطأ فكرة خلقية معنوية قوامها تعارض مسلك الشخص مع قواعد النظام الخلقى والقانون ، بينما كان يستطيع أن يسلك سلوكا مشروعا ، ولذلك فإن الاعتداء بالصفات الخلقية للجانى فى تحديد معيار الخطأ يهدم فكرة الخطأ من أساسها (1)  .
ويؤخذ على المعيار الشخصى
1 . أنه قد يؤدى إلى مساءلة معتاد الحذر والانتباه إذا صدرت منه هفوة بسيطة ، حين أنه قد يفلت من المسئولية كلية من اعتاد التقصير بالنظر إلى ظروفه الخاصة .
2. لا يتطلب من الإنسان أن يبذل جهدا معقولا حتى يرتفع إلى مستوى رب الأسرة المعنى بشئون نفسه بدلا من أن يترك نفسه على سجيتها ، فهو من ثم لا يحقق لمواطنيه حماية كافية مما قد يلحقهم فى سلامة أجسامهم بسبب رعونته أو عدم تبصره كتلك التى يحققها على نحو أوفر المعيار الموضوعى 
3. الغموض وصعوبة التطبيق إذ يقتضى دراسة وافية لشخص المتـهم بالخطأ ، وملاحظة كافية لظروفه الخاصة من ثقافة ، وحالة عقلية ، واجتماعية ، وصحية ، قبل إمكان تقرير مسئوليته  .
ثانياً : المعيار الموضوعى
هو عدم مطابقة سلوك الجانى للسلوك المألوف للشخص المعتاد ، أى الشخص المتوسط الذكاء والأنتباه والتفكير من نفس المجموعة الاجتماعية أو المجموعة البيئية أو المهنية التى ينتمى اليها الجانى ، فإذا التزم المتهم فى مسالكة القدر من الحيطة والأنتباه الذى يلتزمة هذا الشخص المعتاد فلا مجال لمساءلته عن مسلكة حتى ولو أرتفعت أمكانياته الشخصية عن مستوى أمكانيات الشخص المعتاد بحيث تمكنة من تفادى وقوع النتيجة غير المشروعة ، أما إذا نزل عن هذا القدر من الحيطة والانتباه فإن مساءلته تكون واجبة حتى ولو كان الجانى قد أعتاد فى مسلكة النزول عن هذا القدر ، إذ لا يقره القانون على ما ألفه من إهماله (2) .
ويعتد المعيار الموضوعى بالظروف الخارجية للواقعة فتعتد بعناية الشخص المعتاد الذى يوجد فى نفس الظروف الخارجية التى حدثت فيها الواقعة دون الظروف الشخصية التى يوجد فيها النتهم واهم الظروف الخارجية ظرف المكان كأن تكون القيادة السريعة فى مكان مزدحم بالناس فى طريق ضيق غير ممهد وظروف الزمان كأن تكون القيادة ليلاً (3) .
ويفضل الأخذ بالمعيار الموضوعى ، ونعتقد أن روح تشريعنا تميل إليه فى أكثر من موضع ، وبالأخص عند تقدير توافر رابطة السببية بين الفعل المادى والنتيجة المعاقب عليها ، وقد عرفنا أن الرأى السائد فقها وقضاء مستقر على ذلك ، فلا محل لعمل مغايرة بين طريقة تقدير الخطأ من جهة وبين طريقة تقدير توافر رابطة السببية بينه وبين ما حدث من إصابة أو قتل من جهة أخرى فإنه إلى انتقاء الحكمة منها لا يبدو أن شارعنا الجنائى قد أرادها أو افترض إمكان حصولها (4) .
ويلاحظ فى نفس الوقت أن الأخذ بهذا المعيار المادى فى تقدير قيام الخطأ لا يتعارض مطلقا مع إمكان النظر إلى الاعتبارات الشخصية البحت عن تقدير العقوبة ، ولكن بعد إذ يكون مبدأ مسئولية الجانى قد تقرر على وجه ثابت من المقارنة التى أشرنا إليها بين التصرف المسند إليه ، وبين ما كان يصح أن يكون تصرفا مقبولا من رب الأسرة المعنى بشئون نفسه
___________________________
(1)  د/ فوزية عبد الستار ـ شرح قانون العقوبات ـ ص 85 .
(2) د/ أدوار غالى ـ القتل والإصابة الخطأ ـ ص 16 .
(3) م/ معوض عبد التواب  ـ القتل والإصابة الخطأ ـ ص 22 .
(4) د/ رءوف عبيد ـ المرجع السابق ـ ص 176 .