الدفع بوجود مانع من موانع المسئولية في
جرائم الأسلحة والذخائر
         
لابد لقيام الجريمة من ركنين أحدهما مادي والآخر معنوي، وبالتالي لا يكفي لقيام المسئولية الجنائية إسناد الجريمة ماديا الى شخص ما، بل يجب أن تثبت قبله معنويا أيضا، وبمعنى آخر لا يكفي أن تكون الجريمة من فعل يديه، بل يجب أيضا أن تكون صادرة عن إدراكه وإرادته، وإذا توافر هذين الركنين قامت المسئولية الجنائية وحق العقاب على الجاني، أما إذا انعدم ركن منهما فلا جريمة وإذن فلا مسئولية ولا عقاب، والأسباب المعدمة للمسئولية الجنائية تختلف من حيث تأثيرها، فبعضها بعيد الأثر يرفع الصفة الجنائية عن الفعل فيصبح الفعل مباحا، وهى التي تسمى بأسباب الإباحة، وبعضها رغم بقاء الفعل جريمة يمنع من قيام المسئولية الجنائية قبل الجاني، وهى التي تسمى بموانع المسئولية، وهناك نوع ثالث من الأسباب يبقى الفعل في حالتها جريمة وتقوم المسئولية الجنائية أصلا، وإنما لحكمة يراعيها المشرع يعفى الجاني من توقيع العقاب، وتسمى هذه الأسباب بموانع العقاب Causes de non punibilité فموانع العقاب لا تؤثر في قيام الجريمة وإنما تمنع من معاقبة الجاني عليها. مثال ذلك. حالة من يبادر في جريمة الاتفاق الجنائي بإخبار الحكومة بوجود الاتفاق وبمن اشتركوا فيه (م48 عقوبات) والراشي أو الوسيط إذا أخبر عن الرشوة (م108 عقوبات)، وأثر موانع العقاب يترتب على موانع العقاب عدم توقيع العقاب على الجاني، وإن كانت لا تمنع من القضاء بالتعويض، وهى تشبه موانع المسئولية في هاتين الحالتين، ولكن موانع العقاب - بخلاف موانع المسئولية - لا تؤثر على قيام المسئولية الجنائية، فأركان الجريمة متوافرة، وتقوم المسئولية الجنائية قبل الجاني بمجرد ارتكابه الجريمة، وإنما لاعتبارات خاصة تعلو ضرورة العقاب، كالعمل على التوفيق وإبقاء صلات الود بين الأقارب أو تسهيل اكتشاف الجرائم يتغاضى المشرع عن معاقبة الجاني، وموانع المسئولية هى الأسباب التي من شأنها إسقاط المسئولية الجنائية عن الجاني، لأنها تؤثر في شرطي تحملها وهما الإدراك وحرية الاختيار، فتفقدهما أو تفقد أحدهما، وهذه الأسباب شخصية تتصل بالفاعل ولا شأن لها بالجريمة التي تبقى على أصلها من التحريم، ويترتب على ذلك نتيجتان: الأولى: أن مانع المسئولية لا ينتج أثره إلا فمن توافر فيه من الجناة، أما غيره من الفاعلين للجريمة معه والشركاء فيها فتبقى مسئوليتهم عنها كاملة، والنتيجة الثانية: أنه مادامت الصفة الجنائية للفعل باقية فقد يلزم الفاعل بتعويض ما ينتج عنه من الضرر (انظر المادتين 164، 168 من القانون المدني) على الرغم من عدم مسئوليته عنه جنائيا، وأسباب امتناع المسئولية في التشريع الجنائي المصري أربعة هى: الإكراه وحالة الضرورة (م 61 عقوبات) الجنون أو العاهة العقلية (م62 عقوبات) الغيبوبة الناشئة عن تعاطي المواد المخدرة والمسكرة (م 62 عقوبات)، وعدم التمييز لحداثة السن (م94 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996)، والأسباب الثلاثة الأولى عارضة، لأنها تقوم على خلاف الأصل في الإنسان يمر بها كل شخص قبل أن تكتمل ملكاته الذهنية ببلوغ سن التمييز. (راجع الدكتور / عبد الأحد جمال الدين، والدكتور / جميل الصغير - المرجع السابق ص566 وما بعدها)
... والذي يعنينا في جرائم المباني من موانع المسئولية اثنان من الدفوع وهى الدفوع المتعلقة بحالة الضرورة والدفع بعدم مسئولية الجاني للجنون والعاهة العقلية، وسوق نلقي الضوء عليهما على الترتيب التالي:
أولا: الدفع بعدم المسئولية لتوافر حالة الضرورة
يراد بحالة الضرورة Etat de necéssité وضع مادي للأمور ينشأ بفعل الطبيعة أو بفعل إنسان موجه الى الغير، وينذر بضرر جسيم على النفس، يتطلب دفعه ارتكاب جريمة على إنسان برئ. (الدكتور / رمسيس بهنام - المرجع السابق ص566)
وحالة الضرورة لا تفقد من يقع فيها قدرته على الاختيار فقدا تاما، وإنما تضعفهما الى حد كبير بأن تضعه بين أمرين: إما الامتناع عن ارتكاب الفعل الجرمي ويتحمل الخطر المهدد به، وإما ارتكاب الجريمة لتلافي الخطر فيختار أهون الضررين مرتكبا جريمة الضرورة. (الدكتور / محمد ذكي أبو عامر - المرجع السابق ص230)
وقد قضت محكمة النقض بأن: من المقرر أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله، ويشترط في حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هى الوسيلة الوحيدة، لدفع الخطر الحال به. لما كان ذلك الحكم المطعون فيه تساند في قضائه بامتناع مسئولية المطعون ضده الى أنه لجأ الى إقامة البناء بدون ترخيص لضرورة وقاية نفسه وماله بسبب خارج عن إرادته لا يد له فيه ولا في قدرته منعه، وهو تهدم البناء بسبب هطول الأمطار، فإن هذا الذي اتخذه الحكم أساسا لقضائه ينفي المسئولية الجنائية لا يصلح في ذاته سببا للقول بقيام حالة الضرورة الملجئة الى ارتكاب جريمة إقامة البناء بدون ترخيص وبأن إعادة البناء كانت الوسيلة الوحيدة لدفع خطر حال على النفس أو وشيك الوقوع، وإذا كان الحكم قد اتخذ من واقعة تهدم البناء على هذا النحو ذريعة للقول بقيام حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية ن فقد كان يتعين عليه أن يستظهر الصلة بين واقعة تهدم البناء بسبب هطول الأمطار والضرورة التي ألجأت المطعون ضده إلى إقامته على خلاف أحكام القانون، وأن يستجلي هذا الأمر ويستظهره بأدلة سائغة للوقوف على ما إذا كانت الجريمة التي ارتكبها المطعون ضده هى الوسيلة الوحيدة لدفع خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله، أو أنه كان في وسعه أن يتجنب ارتكابها بالتجائه إلى وسائل أخرى يتمكن بهات من وقاية نفسه أو غيره من ذلك الخطر الجسيم الحال بفرض قيامه مما قصر الحكم في بيانه. (الطعن رقم 1133 لسنة 45ق جلسة 2/11/1975 س16 ص675)
وقضت أيضا بأن: الأصل في القانون أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هى التي تحيط بشخص، وتدفعه الى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس، على وشك الوقوع به أو بغيره، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله. (نقض جنائي 28/11/1967 مجموعة أحكام محكمة النقض 18 - 3 - 1166 - 252) وبأنه " الأصل أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هى التي تحيط بشخص، وتدفعه الى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس، على وشك الوقوع به أو بغيره، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله، فليس للمرء أن يرتكب أمرا محرما، ثم يقارف جريمة في سبيل النجاة مما ارتكبه. (نقض جنائي 6/1/1961 مجموعة أحكام محكمة النقض 30 - 1 - 24 - 6)