حقوق الملكية الفكرية هي الحقوق التي يتمتع بها الشخص على نتاج إبداعاته
العقلية، الفكرية أو الذهنية. هذه الحقوق متعددة بتعدد النشاط المرتبط به الشخص
سواء كان صناعيا، علميا، أدبيا، أو فنيا.






تتخذ قوانين حماية الملكية الفكرية أهميتها من ارتباطاتها بكافة مجالات
الحياة في وقتنا الحاضر. فهذه القوانين والتشريعات على صلة وذات تأثير مباشر على
العديد من المجالات خاصة الصحة، التعليم، الغذاء، البيئة والدواء بالإضافة للتطور
والتقدم الصناعي والتكنولوجي. إلا أن ارتباط هذه القوانين والتشريعات أيضا بأمور
أخرى خاصة تلك التي تتعلق بالإبتكارية والإبداع وأثرهما في إثراء المجتمع وتقدمه
التكنولوجي والمعلوماتي، أعطى لهذا الموضوع زخما وأهمية كبرى في وقتنا الحاضر. ووضعه
على خارطة القضايا التي تبحث وتناقش بصورة مستمرة على كافة المستويات المحلية والإقليمية
والدولية.






وتبعا لذلك فإنه أصبح من الطبيعي أن نرى أن قياس مستويات تقدم الدول سواء في
المجال الصناعي أو التكنولوجي في يومنا هذا يعتمد بشكل أساسي على مقدار ما تنتجه
الدولة ومواطنيها من حقوق ملكية فكرية وخاصة تلك التي تتعلق بحماية حقوق الاختراع
وحقوق المؤلف على حد سواء.






إن قوانين وتشريعات حماية الملكية الفكرية تضم تحت مظلتها أنواعا عدة من
القوانين والتشريعات. فعائلة الملكية الفكرية تشتمل على قوانين حماية حقوق المؤلف،
قوانين حماية حقوق براءات الاختراع، قوانين حماية حقوق العلامات التجارية، قوانين
حماية المنافسة غير المشروعة، قوانين حماية المؤشرات الجغرافية، قوانين حماية
الرسوم والنماذج الصناعية، قوانين حماية التصاميم والدوائر المتكاملة وقوانين
حماية المصنفات الزراعية وإلى آخره من القوانين الأخرى العديدة ذات الصلة بالموضوع.






تسلط هذه الورقة الضوء على التطور التاريخي لأنظمة حماية الملكية الفكرية
وأهم التحديات التي تواجه الدول العربية في هذا المجال وخاصة تلك التي تتعلق بقيام
عدد من الدول العربية بالتفاوض وتوقيع عدد من الاتفاقيات في مجال الشراكة
الاقتصادية والتجارة الحرة الثنائية مع عدد من دول العالم المتطورة اقتصاديا
وبصورة خاصة دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. فهذه الاتفاقيات
ثنائية الأطراف –وإن كان لها فوائد اقتصادية أحيانا- لها جوانب وآثار اجتماعية
وسياسية واقتصادية جمة بالإضافة إلى أن لهذه الاتفاقيات آثار مباشرة على أنظمة
حماية الملكية الفكرية السائدة في الدول العربية متمثلة في تأثيرها السلبي
وأضرارها بقطاعات اقتصادية واجتماعية هامة في هذه الدول وبصورة خاصة في مجالات
الصحة والتعليم والحصول على وتوفير الدواء بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية.









التطور التاريخي لقوانين حماية الملكية الفكرية:





يعود ظهور النظام القانوني لحماية الملكية الفكرية الحديث كما هو معروف في
الوقت الحاضر للقرن الخامس عشر حيث ظهر أول قانون لحماية الاختراع في مدينة
البندقية[1]
في العام 1475. ومن ثم توالى ظهور قوانين حماية الملكية الفكرية على المستوى
الوطني حتى تم وضع أول قانون بريطاني لحماية حق المؤلف والمسمى بقانون (
Statute of Anne) في العام 1709.[2]





بعد ظهور هذه القوانين والتشريعات على المستوى الوطني وازدياد ظاهرة
القرصنة
(Piracy) لهذه الحقوق
على المستويين الإقليمي والدولي، توجهت الأنظار نحو ضرورة قيام تعاون إقليمي ودولي
بين الدول في هذا المجال. وبعد محادثات ومفاوضات امتدت لعدة سنوات، تم بعد جهد
توقيع أول معاهدة دولية تُعنى بحماية حق المخترع والعلامات التجارية في العام 1883
وذلك في معاهدة باريس لحماية الملكية الصناعية. وبعد عدة سنوات فقط من توقيع
معاهدة باريس، تم توقيع أول معاهدة دولية تعنى بحماية حق المؤلف في العام 1886 وهي
اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية.





معاهدتا باريس وبيرن شكلتا حجر الأساس لحماية حقوق الملكية الفكرية على
المستوى الدولي لمدة طويلة من الزمن، حيث قامت هاتان الاتفاقيتان بإرساء مبدأ
المعاملة الوطنية بالمثل تاركتا في الوقت ذاته الحرية للدول الأعضاء بالقيام بوضع
التشريعات التي تناسب تقدم وتطور هذه الدول دون فرض أي التزامات أخرى عليها.






أما بالنسبة لاتفاقية GATT التي وضعت في العام 1947 فلم تشتمل
إلا على عدة نصوص تتعلق بحماية الملكية الفكرية وخاصة تلك التي تتعلق بالعلامات
التجارية تاركة بذلك المجال للدول الأعضاء بسن التشريعات التي تراها ملائمة لحماية
الملكية الفكرية دون إحداث أي تغيير جذري على اتفاقيتي باريس وبيرن اللتين تمت
مراجعتهما وتعديلهما بعد عدة اجتماعات بين الدول الأعضاء كان آخرها في مؤتمر
ستوكهولم في العام 1967. وفي ذات العام تم إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية
(WIPO) التي أصبحت تعنى بالشكل الرئيسي بتطبيق
الاتفاقيات الدولية ومساعدة البلدان في تحديث وتطوير قوانين حماية الملكية
الفكرية.[3]






وبدراسة التطور التاريخي لحماية حقوق الملكية الفكرية يبدو جليا أن هذا
الموضوع لم تتم معالجته والتعامل معه بصورة شمولية إلا من خلال وبعد الجولة
الثامنة من مفاوضات الجات
GATT والتي استمرت في الفترة مابين عامي 1986 و1994 (جولة الأوراغوي)
والتي شهدت ميلاد منظمة التجارة العالمية
(WTO) في العام 1995 ودعاماتها الثلاثة المتمثلة في اتفاقيات الجات (GATT)[4]،
الجاتز (
GATS)[5]
وتريبس
(TRIPS) لحماية
الملكية الفكرية.






تعتبر اتفاقية حماية الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة (TRIPS)، الاتفاقية
الأهم والأشمل التي وقعت على الإطلاق في مجال حماية الملكية الفكرية.[6]
وتحتوي
TRIPS على التدابير التي تؤسس للحد
الأدنى من المعايير الدولية الضرورية لحماية كل قطاع من قطاعات حقوق الملكية
الفكرية وبالتالي فإن أي دولة تريد الانضمام لمنظمة التجارة الدولية عليها أن تقوم
بسن القوانين والتشريعات على المستوى الوطني والتي تضمن الحد الأدنى من المعايير
المحددة في ظل اتفاقية تريبس
ومنظمة التجارة العالمية.





اتفاقية تريبس توفر الحماية لكل من حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها،
براءات الاختراعات، العلامات التجارية، المؤشرات الجغرافية، التصاميم الصناعية
والدوائر المتكاملة والأسرار التجارية والمعلومات السرية غير المفصح عنها.






كما تمتاز الاتفاقية عن سابقاتها من اتفاقيات حماية
الملكية الفكرية بإيجاد آلية للتقاضي وفض النزاعات متمثلة في الآلية المنصوص عليها
في منظمة التجارة العالمية
(WTO Dispute
Settlement Procedure)





التطور التاريخي لقوانين حماية الملكية الفكرية بالوطن العربي:





أولت عدد من الدول العربية اهتماما بقوانين وتشريعات حماية الملكية الفكرية
منذ زمن. فتونس مثلا كانت من الدول المؤسسة
لاتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية والتي وقعت في العام 1886. كما وسادت قوانين الملكية الفكرية العثمانية التي
صدرت خلال الجزء الثاني من القرن التاسع عشر في منطقة الشرق الأوسط لمدة طويلة من
الزمن.[7]






وبعد دراسة وتفحص أنظمة حماية الملكية الفكرية السائدة والمعمول بها حاليا
في الوطن العربي، نجد أن لدى معظم هذه الدول أنظمة وقوانين لحماية الملكية الفكرية
وبخاصة تلك القوانين الرئيسية المتعلقة بحماية حق المؤلف وحماية براءة الاختراع
والعلامات التجارية.






أما فيما يتعلق بانضمام الدول العربية للاتفاقيات الدولية في مجال حماية
الملكية الفكرية فيمكن القول أيضا بأن عددًا كبيرًا من هذه الدول أعضاء في أهم هذه
الاتفاقيات والمعاهدات خاصة معاهدتي باريس للملكية الصناعية وبيرن لحماية حق
المؤلف والحقوق المجاورة
.وتعد مصر الرائدة في
عقد الاتفاقيات حيث انضمت إلى 11 اتفاقية من أصل 24 اتفاقية، ثم يأتي المغرب بـ 10
اتفاقيات، فتونس ب 9 اتفاقيات، ثم الجزائر بـ 8 اتفاقيات.






الجدير بالذكر أن الدارس لتاريخ تطور أنظمة حماية الملكية الفكرية في الوطن
العربي لا بد وأن يلاحظ أنه في معظم الأحيان، كان تطبيق وتشديد الحماية على هذه
القوانين ناتج عن تأثيرات خارجية ولم ينبع من الداخل نتيجة لوجود رؤية واضحة
للتعامل مع هذه القوانين ضمن منظومة وطنية تشجع الابتكار وتُنمي المعلوماتية في
المجتمع. فعلى سبيل المثال قام الاستعمار بداية وبصورة مباشرة بتطبيق قوانين حماية
الملكية الفكرية التي تطبق في البلد المستعمر. وكمثال لذلك، فقد بقي قانون حماية
حق المؤلف العثماني للعام 1910 مطبقا في الأردن وفلسطين حتى تاريخ فرض الوصاية
البريطانية في العام 1921 والتي قامت بدورها بإلغاء القوانين العثمانية وتطبيق
قوانين حق المؤلف السارية في المملكة المتحدة في ذلك الوقت. بينما قام الاستعمار
الفرنسي بتطبيق القانون المنظم لحماية حقوق الملكية الصناعية الصادر في العام 1857
على الأراضي المغربية الواقعة تحت الاحتلال في العام 1916.






ويلاحظ انه حتى بعد حصول هذه الدول على استقلالها استمرت الضغوطات
والتأثيرات الخارجية عليها من أجل تشديد وتطبيق حماية هذه الحقوق من قبل الدول
الصناعية المتقدمة كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي حيث تمثلت هذه
الضغوطات عن طريق متطلبات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وقيام عدد من الدول
العربية بإبرام اتفاقيات التجارة الحرة والشراكة الاقتصادية ذات الطبيعة الثنائية
مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي تحتوي على فصول تركز بصورة
مباشرة على حماية حقوق الملكية الفكرية.






بالرغم مما سبق ذكره فإنه عندما نتكلم عن أنظمة حماية حقوق الملكية الفكرية
في الوطن العربي نلاحظ بأننا لا نتكلم عن أنظمة ذات سمات مشابهة وعلى ذات الدرجة
من المعايير خاصة عند مقارنتها بنظام الملكية الفكرية العالمي والمتمثل بشكل رئيسي
في اتفاقية تريبس. بل نرى أن هناك تفاوتا بين الدول العربية في هذا المجال وتبعا
لذلك فإنه من الممكن تقسيم أنظمة حماية الملكية الفكرية الحالية بالدول العربية
بالنسبة لتطابقها ومعايير اتفاقية تريبس إلى ثلاثة مجموعات من الدول على النحو
التالي :-






1/ المجموعة الأولى والتي تشمل الدول
العربية غير الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.[8]
ومن أهم سمات أنظمة حماية الملكية الفكرية في دول هذه المجموعة أنها تحوي أنظمة
ذات متطلبات ومعايير أدنى من تلك التي توجد في ظل النظام العالمي المتعدد الأطراف
والمتمثل باتفاقية تريبس.






2/ المجموعة الثانية والتي تشمل الدول
العربية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.[9]
وتبعا لما ذكر سابقا، فإن على الدول الراغبة في الانضمام لمنظمة التجارة العالمية
الالتزام بمعايير اتفاقية تريبس وهو شرط أساسي للانضمام للمنظمة، بالتالي فإن معظم
الدول العربية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية لديها أنظمة حماية ملكية فكرية
تلبي متطلبات النظام العالمي المتعدد الأطراف والمتمثل باتفاقية تريبس.






3/ المجموعة الثالثة والتي تشمل الدول
العربية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية والموقعة على اتفاقيات تجارة حرة
(FTAs) Free Trade Agreements أو شراكة
اقتصادية ثنائية
(AA)
Association Agreements مع كل من الولايات المتحدة
الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.[10]
وتمتاز أنظمة حماية الملكية الفكرية في هذه الدول بأنها ذات متطلبات ومعايير أشد
وأكثر حزما وصرامة من تلك المعايير والمتطلبات الموجودة تحت ظل النظام العالمي
المتعدد الأطراف والمتمثل باتفاقية تريبس، وتبعا لذلك فإنه يطلق على أنظمة حماية
الملكية الفكرية في هذه الدول تسمية
(TRIPS-PLUS).





وبشكل ملخص، TRIPS-PLUS تعني قيام
أي دولة بتطبيق معايير أعلى مما هو مطلوب باتفاقية تريبس أو قيامها بالتخلي عن حق
اكتسبته تحت مظلة هذه الاتفاقية.[11]
فعندما نقارن مابين اتفاقية تريبس والقانون العماني لحماية حق المؤلف، نجد أن
اتفاقية تريبس تعطي الحماية لحق المؤلف لمدة خمسين (50) سنة بعد الوفاة بينما نجد
إن بعضها كالقانون القانون العماني مثلا يعطي حماية لحق المؤلف بعد الوفاة لمدة
سبعين (70) سنة وذلك بحسب اتفاقية التجارة الحرة الثنائية الموقعة بين عمان
والولايات المتحدة في العام 2006.






ماهية اتفاقية تريبس وأثارها على الدول العربية:





تعتبر اتفاقية تريبس واحدة من أكثر الاتفاقيات الدولية إثارة للجدل خاصة
فيما يتعلق بالالتزامات المفروضة من خلالها تجاه الدول النامية بما في ذلك الدول
العربية.






اتفاقية تريبس ـ التي كان الدافع والمحرك الرئيسي خلفها هو الشركات
المتعددة الجنسيات وخاصة شركات الأدوية وشركات برامج الكمبيوتر والسينما الموجودة
بالدول المتقدمة والتي أدركت أن عمليات التقليد وتزييف منتجاتها التي تحصل بشكل
كبير في الدول النامية والأقل نموا ألحقت بها
خسائر ببلايين الدولارات سنويا ـ لها آثار تمتد في شتى مناحي الحياة سواء
تلك المتعلقة بالصحة والتعليم والغذاء والدواء والنمو والتطور الاقتصادي والإبداع
الفكري.[12]






لذلك لم يكن من المستغرب أن نرى أن المفاوضات التي دارت حول هذا الموضوع
كانت من أصعب المفاوضات على الإطلاق خلال جولة الأورواغوي إلا أنه في نهاية الأمر
ونظرًا للتفاوت وانعدام التوازن بين الأطراف المتفاوضة وتحت تأثير الضغوط الشديدة
التي مارستها الدول الصناعية مثل وقف المساعدات والدعم المادي والسياسي للدول
النامية وربطها بتفعيل وتطبيق أنظمة حماية الملكية الفكرية لعب دورا كبيرا في
التوصل لاتفاقية تريبس. بالإضافة لذلك، الوعود التي قطعتها تلك الدول الصناعية
والتي تتعلق بزيادة نفاذ بضائع الدول النامية إلى أسواقها خاصة في مجالي الزراعة
والنسيج بالإضافة للتأكيدات والتعهدات التي أخذتها الدول المتقدمة على نفسها بعدم
اللجوء إلى الضغط الفردي والثنائي لتسوية و فض النزاعات التجارية، كل ذلك ساهم في
نهاية المطاف في ميلاد هذه الاتفاقية وإدخال موضوع الملكية الفكرية ضمن منظومة
التجارة العالمية الجديدة المتعددة الإطراف.[13]






بالرغم من أن اتفاقية تريبس تميل بشكل واضح لمصالح الجهات والأطراف التي
تمتلك حقوق الملكية الفكرية (في معظم الأحيان الأفراد والشركات الموجودة في الدول
الصناعية المتقدمة)، إلا أن الاتفاقية تركت الباب مفتوحًا في عدة مجالات ونواحي
للدول للقيام بتطبيق هذه الاتفاقية الأمر الذي قد يخفف من الآثار السلبية الناشئة
عن تطبيق قوانين الملكية الفكرية في الدول النامية وذلك شريطة أن يتم استخدام
وتفعيل هذه المجالات بشكل مخطط له ومنظم. الأمر الذي قد يساعد في تحقيق الأهداف
الرئيسة لنظام الملكية الفكرية والتي تشمل تشجيع المنافسة العادلة، وخلق التوازن
في المجتمع بين مختلف الأطراف وتعزيز النمو والتقدم الاقتصادي بالإضافة إلى تشجيع
الابتكار والاختراع ونقل المعرفة.






تمثل اتفاقية
التريبس جزء من "حزمة" يتعين على الدول الساعية للحصول على عضوية منظمة
التجارة العالمية الالتزام بها. ومن ثم، يتعين على الدول الساعية للانضمام إلى
منظمة التجارة العالمية قبول كافة الالتزامات والعمل على تنفيذها وفقًا لما تنص
عليه اتفاقيات التريبس والجاتس والجات.






وعلى ذلك،
يتطلب الأمر ضرورة العمل على دمج تلك الالتزامات الخاصة باتفاقية التريبس في نسيج
التشريعات المحلية حتى قبل الشروع في التوقيع على الانضمام إلى المنظمة. وبهدف
العمل على منح القدرة على مجاراة أعباء التكاليف قصيرة الأجل وتمكين الدول الأعضاء
من اتخاذ الإجراءات التمهيدية الخاصة بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية، فقد تم الاتفاق
على منح فترات انتقالية خلال جولة الأورجواى الخاصة بمفاوضات التجارة التي انعقدت
عام 1994. وتتناسب تلك الفترات مع مستوى النمو والازدهار الاقتصادي لكل دولة. وعلى
ذلك، فقد تم منح فترات انتقالية تتراوح بين خمس وعشر سنوات للدول النامية والدول
الأقل نموًا على التوالي، وذلك بغية تعديل أوضاع آليات الحماية الخاصة بحقوق
الملكية الفكرية لديهم لتتسق مع معايير اتفاقية التريبس، بينما تم منح الدول
المتقدمة عام واحد لتنفيذ البنود المتعلقة باتفاقية التريبس.






تعريف وظهور مفهوم "ما بعد التريبس" (TRIPS-Plus)





لقد عمدت
اتفاقية التريبس إلى إرساء حدود دنيا من المعايير الدولية المتعلقة بحماية حقوق
الملكية الفكرية. وعلى الرغم من أن الدول الأعضاء الموقعين على تلك الاتفاقية لا
يمكنهم الانتقاص من تلك المعايير أو الهبوط بسقف الحماية، فإنه لا يوجد ما يمنع
هذه الدول من تطبيق ودمج مستويات أعلى وأكثر صرامة من تلك الحماية المتوفرة ضمن
اتفاقية التريبس إذا رأت هذه الدول أن في ذلك الأمر مصلحة لها طالما أنها تعمل على
تطبيق المبادئ العامة الخاصة بالدولة الأجدر بالرعاية
(MFN) وتلك الخاصة
بالمعاملة الوطنية وفقًا لما هو منصوص عليه في إطار الاتفاقية. وعلاوة على ذلك،
فإن اتفاقية التريبس تخول الدول الأعضاء حرية التصرف في دمج معاييرهم وإجراءاتهم
الخاصة فيما يتعلق بكيفية تطبيق الاتفاقية داخل دوائر نفوذهم بما يتناسب مصالح و
ظروف هذه الدول.






وعلى الرغم مما
سبق، فإنه إذا ما قامت أي من الدول بتطبيق وتنفيذ مستويات ومعايير من حماية لحقوق
الملكية الفكرية ذات نطاق أكثر اتساعًا بصورة أكبر من تلك التي تتطلبها اتفاقية
التريبس أو العمل على استئصال أي من الخيارات المخولة لها بموجب الاتفاقية، فإنه
يمكن القول إن تلك الدولة تطبق نظام حماية يفوق متطلبات اتفاقية التريبس

(TRIPS-Plus)
. كما ينطبق هذا أيضا في حالة
قيام أية دولة بتفسير بنود اتفاقية التريبس في ظل مفهوم أضيق بشكل يضمن التزام تلك
الدول بالاتفاقية وفقًا لأقصى مستويات التطبيق.






لوحظ خلال
الأعوام القليلة الماضية أن عددًا من الدول مدفوعة باعتبارات عدة، قامت بتعديل ورفع مستويات حماية حقوق الملكية
الفكرية من جراء الضغوط التي مارستها عليها بعض الدول الصناعية سواء تحت مظلة
منظمة التجارة العالمية أومن خلال بعض الاتفاقيات الثنائية للتجارة الحرة. وقد حظي
المنحى الأخير بتأييد كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من خلال
الاتفاقيات التي عقدوها في الآونة الأخيرة بشأن التجارة الحرة والشراكات
الاقتصادية. وفى هذا السياق، هناك دائمًا سؤال يطرح نفسه مفاده ما يلي: ما هي
مكونات و بنود وضعية ما بعد التريبس في ظل اتفاقيات التجارة الحرة والاستثمار
الثنائية فيما يتعلق بتلك الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الدول العربية مؤخرًا؟






ومنشأ مفهوم "ما بعد التريبس" (TRIPS-Plus)





يمكن القول أنه
بشكل عام لا يمكن الوقوف على تعريف محدد لمصطلح "وضعية ما بعد التريبس"
(TRIPS-Plus). ففي واقع الأمر، لا يزال المصطلح في طور النشوء حيث ثبت أنه يختلف
باختلاف الدولة والحالة المنظورة. ويمكن النظر إلى ذلك الأمر في ضوء البنود
المستحدثة التي نصت عليها اتفاقيات التجارة الحرة التي عقدت في الآونة الأخيرة في
هذا المجال، حيث أن كل تلك البنود في مجملها تبدو على أنها تضيف الكثير إلى نظام
الحماية السائد في هذا المضمار عن سابقاتها. وفيما يلي بعض الأمثلة التي يمكن أن
تصبغ أي من الاتفاقيات بصبغة وضعية ما بعد التريبس
(TRIPS-Plus) و التي تميز
اتفاقيات التجارة الثنائية التي تم توقيعها بين الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي من ناحية وبين بعض الدول العربية من ناحية أخرى.






في البداية تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية التريبس تعطي للدول الأعضاء الحق في إعفاء
واستثناء براءات الاختراع وامتيازات حقوق الاستغلال المرتبطة بإ
نتاج
النباتات أو الحيوانات خلاف الأساليب والطرق غير البيولوجية والبيولوجية الدقيقة
من تشريعاتها الوطنية الخاصة بامتيازات حقوق الاستغلال وبراءات الاختراع.
وفي هذا السياق نجد أن بعض الدول ونتيجة لاتفاقيات التجارة الحرة تنازلت عن ذلك
الحق عن طريق توفير حماية لبراءات الاختراع وامتيازات حقوق الاستغلال المرتبطة
بمصادر نباتية وحيوانية. ولعل أحد الأدلة على ذلك التوجه هو اتفاقية التجارة الحرة
المبرمة بين الولايات المتحدة وكل من البحرين والمغرب حيث تلزم الاتفاقية هذه
الدول بتوفير الحماية لبراءات الاختراع وامتيازات حقوق الاستغلال سالفة الذكر ضمن
نطاق أضيق من ذلك المنصوص عليه في اتفاقية التريبس على الرغم من أن ذلك الأمر لا
يشترط من قبل هذه الدول في ظل منظمة التجارة العالمية.






ثانيًا قد يرتبط تأثير وضعية ما بعد التريبس بمد فترات معينة من فترات الحماية
إلى آجال أبعد من تلك التي تتطلبها اتفاقية التريبس، فضلا عن الاستغناء عن
امتيازات محددة سبق تحصيلها تتعلق بالتمتع بفترات السماح الانتقالية من قِبل دول
بعينها. ولعل من أوضح الأمثلة الدالة على السيناريو السابق ما عكسته اتفاقية
التجارة الحرة المنعقدة بين الولايات المتحدة وعمان التي اشترطت أن يكون الأساس
الذي يتم حساب أجل حقوق المؤلف وفقًا له هو حياة الكاتب مضافًا إليها سبعين عامًا،
وهو الأمر الذي يشكل تمديدًا لما نصت عليه اتفاقية التريبس التي رأت أن تمتد فترة
الحماية طيلة حياة الكاتب ثم تستمر لمدة خمسين عامًا بعدها.






وبالإضافة إلى
ما سبق، فإن اتفاقية التريبس تشترط مدة حماية عشر سنوات كحد أدنى لفترات الحماية
الخاصة بالتصاميم الصناعية. بيد أنه وفقًا لعدد من اتفاقيات التجارة الحرة التي تم
إبرامها، فإن تلك المدة قد تم مدها إلى فترة تصل إلى خمسة عشرة عامًا على أقل
تقدير، وهو الأمر الذي يسفر عن خلق أنظمة حماية تفوق ما تتطلبه اتفاقية التريبس.






ويمكن استجلاء
تأثير وضعية ما بعد التريبس
(TRIPS-Plus) من خلال النتائج المتمثلة في
تنازل بعض الدول النامية عن التمتع بالامتيازات المتعلقة بالفترات الانتقالية
المسموح بها تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، وهو الأمر الذي يظهر بوضوح في
العديد من اتفاقيات التجارة الحرة والشراكات الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، في ظل
اتفاقية الشراكة الاقتصادية المبرمة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، قام الأردن
بتطبيق فترات سماح انتقالية اقصر أجلاً من تلك التي تمنحها اتفاقية التريبس فيما
يتعلق بتوفير الحماية لبراءات الاختراع وامتيازات حقوق الاستغلال.






ثالثًا قد تشترط بعض البنود المدرجة ضمن أنظمة ما بعد التريبس على الدول الانضمام
إلى اتفاقيات أو معاهدات دولية معينة ترتبط بمجال معين من مجالات حماية حقوق
الملكية الفكرية. وقد ظهر ذلك التأثير في الاشتراط الذي تضمنته كل من اتفاقية
التجارة الحرة بين كل من الولايات المتحدة والأردن فضلا عن اتفاقية الشراكة
الاقتصادية بينها وبين الاتحاد الأوروبي. فكلا هاتين الاتفاقيتين تستلزم انخراط
الأردن في عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل معاهدات الوايبو الخاصة بشبكة
المعلومات الدولية (الانترنت). علاوة على ذلك، فإنه كان من المنتظر أن تتقدم
الأردن للانضمام إلى الميثاق الدولي لحماية السلالات النباتية الجديدة (
(UPOV وكذلك الانضمام إلى
التوصية المشتركة حول الاشتراطات المرتبطة بحماية العلامات التجارية المعروفة عام
1999. وهناك شروط مماثلة يمكن الوقوف عليها في العديد من اتفاقيات التجارة الحرة
التي تم توقيعها مع دول عربية أخرى مثل المغرب وعمان والبحرين، حيث تعكس تلك
الاشتراطات بطبيعتها الصبغة المميزة لوضعية ما بعد التريبس
(TRIPS-Plus).





رابعًا، وفيما يتعلق بمسألة توفير الحماية للعلامات التجارية، تعمد اتفاقية
التريبس إلى تبنى تعريف واسع النطاق لما يمكن أن يشكل "علامة تجارية"،
كما أنها تورد العديد من الأمثلة لما يمكن أن يسجل كعلامة تجارية. وتعمد اتفاقيات
التجارة الحرة اللاحقة إلى دمج أنواع مستحدثة من العلامات بغية تسجيلها مثل
العلامات البصرية والعطرية إلى جانب العلامات الصوتية، مما يسفر عن خلق مستويات من
الحماية أعلى من تلك المنصوص عليها في اتفاقية التريبس
(TRIPS-Plus).





علاوة على ما
سبق، فإن اتفاقية التريبس تتضمن بنود خاصة تحوى التزامات إضافية في مجال حماية
المؤشرات الجغرافية. وفى الوقت الراهن، تعمل العديد من اتفاقيات التجارة الحرة على
إلزام الدول الأعضاء بالتعاطي مع المؤشرات الجغرافية على أنها علامات تجارية مسجلة
لأغراض الحماية والتسجيل والتنفيذ. وغالبًا ما تسفر تلك المعاملة عن مزيد من
إجراءات الحماية فيما يتعلق بالعلامات الجغرافية الشهيرة الخاصة بالدول المتقدمة
دون تلك الخاصة بالدول النامية.






كذلك فإن
الحماية الممنوحة للعلامات التجارية المشهورة من بين مثيلاتها من العلامات
التجارية المعروفة يتم أيضًا دعمها في ظل تلك الاتفاقيات الخاصة بالتجارة الحرة عن
طريق توسيع نطاق تلك الحماية ليشمل ليس فقط البضائع المماثلة، وإنما يتعدى ذلك إلى
البضائع غير المتماثلة وفقًا للإطار التعريفي الذي يتم وضعه من خلال العلامات
المشهورة أو المعروفة في ظل هذه الاتفاقيات.






خامسا يمكن القول إن الالتزام الذي تسعى العديد من اتفاقيات التجارة الحرة
واتفاقيات الاستثمار الثنائية إلى إقراره من حيث دفع الدول الأعضاء للتمسك
"بأعلى سقف للمعايير" الخاصة بحماية الملكية الفكرية والعمل على تنفيذها
يضع تلك الاتفاقيات في إطار يعكس وضعية ما بعد التريبس. فعلى الرغم من أن تلك
المستويات لم يتم تعريفها بدقة في ظل تلك الاتفاقيات، فالبعض يرى أن تلك المعايير
قد تم النص عليها بهدف تمهيد الطريق لإبرام معاهدة ثنائية أو متعددة الأطراف في
مرحلة لاحقة. وعلى ذلك، فإن الآثار الناجمة عن تلك البنود قد لا يتم استشعارها
لأول وهلة، بيد أنه من المرجح بشدة أن يحدث ذلك في مراحل لاحقة فيما يتعلق بالعديد
من المسائل بما في ذلك الأمور المرتبطة بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة (
FDI).





سادسا إن القيام بفرض إجراءات بديلة لتسوية النزاعات في ظل تلك الاتفاقيات بخلاف
تلك الإجراءات التي أقرتها منظمة التجارة العالمية يعد أيضًا من الفقرات التي تعكس
وضعية ما بعد التريبس
(TRIPS-Plus). فقد دأبت عدد من اتفاقيات
التجارة الحرة على طرح إجراءات جديدة لتسوية النزاعات التي قد تنشأ عند تنفيذ أو
تفسير أي من تلك الاتفاقيات. وتستند تلك
الاتفاقيات في الغالب على آليات ملزمة للتحكيم. فبالالتفاف حول الآليات التي
أقرتها منظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات، تعمل تلك الاتفاقيات للتجارة
الحرة على الانتقاص المتزايد من قدرة الإطار متعدد الأطراف لتسوية النزاعات ودفع الدول
الأقل قدرة على الالتزام بإجراءات أكثر تعقيدًا وتكلفة لتسوية النزاعات (خاصة إذا
ما أخذنا بعين الاعتبار افتقار تلك الدول للموارد وصعوبة التقاضي في مثل هذه
المحافل). وهذا الأمر من شأنه وضع الدول النامية بما فيها الدول العربية في موقف
يفرض على هذه الدول خيارات أقل وشروط أكثر تقييدًا فيما يتعلق بتنفيذ تلك
الاتفاقيات.






التحديات التي تواجـه الـدول العربية


في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية:





تواجه الدول العربية عدة تحديات في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية وخاصة
فيما يتعلق بعلاقة هذا النظام بنقل وإتاحة المعرفة في هذه البلدان وبالتالي
الاستفادة من هذا النظام على الوجه الأمثل.






والجدير ذكره أن هذه التحديات نابعة من مصادر عدة منها ما هو وطني وما هو
إقليمي ومنها ما هو دولي. وفيما يلي موجز لأهم هذه التحديات التي تواجه الوطن
العربي في هذا المجال:






أولا: اتفاقيات الشراكة الاقتصادية والتجارة الحرة ثنائية الأطراف:





من أهم وأخطر التحديات التي تواجه الدول العربية في مجال حماية الملكية
الفكرية هي تلك الناتجة عن قيام عدد من الدول العربية بالتفاوض وتوقيع عدد من
الاتفاقيات في مجال الشراكة الاقتصادية والتجارة الحرة الثنائية مع عدد من دول
العالم المتطورة اقتصاديا وبصورة خاصة دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
الأمريكية.[14]






وتكمن خطورة هذه الاتفاقيات في أنها تؤدي لتعديل أنظمة حماية الملكية
الفكرية في الدول العربية والتي هي أطراف في مثل هذه الاتفاقيات وذلك عن طريق
زيادة سقف الحماية المطلوبة لمختلف أنواع الملكية الفكرية لآفاق وحدود تفوق
وتتجاوز تلك المطلوبة من الدول النامية ومنها العربية في ظل النظام العالمي
المتعدد الأطراف مما يؤدي بدوره لحرمان هذه الدول من الاستفادة من المرونة
الموجودة في ظل هذا النظام، الشيء الذي يحمل هذه الدول أعباء إضافية مادية
واجتماعية أخرى تطال جميع أفراد المجتمع وتمتد آثارها لأجيال قادمة.[15]






ثانياً : الضعف والنقص التشريعي في قوانين حماية الملكية الفكرية:





مع أن قوانين الدول العربية تحوي العديد من الاستثناءات والقواعد التي تسهل
وتساهم في عملية نقل ونشر العلم والمعرفة في هذه الدول، إلا أن هذه القوانين ما
زالت تعاني من نقص وقصور تشريعي في تعاملها مع هذه الاستثناءات، وهنا تكمن واحدة
من أهم التحديات التي تواجه الدول العربية في هذا المجال.






وبناءً على ذلك فإن هناك حاجة ملحة لسن الأنظمة التي تكمل عمل هذه القوانين
الموجودة فعلياً وذلك عن طريق تفصيل و توضيح الأمور الإجرائية التي من شأنها أن
تسهل عملية تطبيق هذه القوانين والعمل بها. هذا الأمر من شأنه أيضاً أن يعطي الفرد
والمؤسسات صورة واضحة عن طريق إتباع الإجراءات الملائمة لتفعيل هذه القواعد
القانونية التي ما تزال غائبة عن الواقع العملي. فعلى سبيل المثال معظم القوانين
العربية ذات العلاقة لا توضح الكيفية، الإجراءات أو الجهة التي يجب أن يتم تقديم
طلب الحصول على ترخيص إجباري عن طريقها، ومن ثم دراسة هذا الطلب وإقراره أو رفضه.






والجدير ذكره أن غياب هذه الأنظمة هو مشكلة عامة تواجه معظم الدول النامية
والدول الأقل نمواً. فقد وجدت إحدى الدراسات أن واحدة من أهم العوائق التي تمنع
الأفراد والمؤسسات في معظم الدول النامية من الاستفادة وتفعيل المرونة الموجودة في
قوانين براءة الاختراع الوطنية تعزى لغياب الأنظمة والتعليمات التفصيلية التي توضح
كيفية وإجراءات استعمال هذه المرونة في داخل الدولة.[16]
كما توجد هناك حاجة وملحه لسن تشريعات
وسياسات لها دور تكميلي لقوانين الملكية الفكرية مثل قوانين وسياسات المنافسة غير المشروعة والحد من الاحتكار.





أخيراً، لا بد من التنويه للدور الذي يلعبه القضاء في هذا المجال. فوجود قضاء متطور وحيوي سيكون
قادر على التدخل وحماية الإفراد وإيجاد التوازن بين مختلف المصالح يعد من أهم
الركائز الاساسية التي يعتمد عليها كل نظام
ملكية فكرية فعال ومتوازن.[17]





ثالثا: غياب موضوع الملكية الفكرية من الأجندة الوطنية:





يلاحظ المرء عند دراسة قوانين وتشريعات الدول العربية والنشاطات المتعلقة
بالملكية الفكرية بهذه الدول غياب هذا الموضوع عن الأجندات الوطنية خاصة فيما
يتعلق بعلاقة هذا الموضوع بقطاعات هامة كالصحة والتعليم والتنمية.






وهذا الغياب أدى بحد ذاته لانعدام النقاش في الآثار (سواء إيجابية كانت أو
سلبية) المترتبة على حماية الملكية الفكرية وخاصة تلك الحماية الإضافية المدرجة في
ظل الاتفاقيات التجارية الثنائية الأطراف.






وتبعا لذلك فإن هناك حاجة ملحة لإدراج هذا الموضوع ضمن سلم الأولويات
الوطنية وذلك بطرق شتى منها تحفيز النقاش الوطني حول جوانب هذا الموضوع وآثاره
الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة لتوعية أفراد المجتمع والمؤسسات العامة للاستفادة
من وتفعيل القواعد القانونية التي من شأنها تشجيع وتسهيل نقل المعرفة والعلم لجميع
أفراد المجتمع.[18]






بالإضافة لذلك، لابد من أن تتطور طريقة التعامل مع هذا الموضوع على المستوى
الوطني وبالتالي عدم الاكتفاء بالنظر لهذا الموضوع على أنه قانوني بحت بل يجب
النظر أيضا للأبعاد والآثار المترتبة على حماية هذه الحقوق سواء كانت اجتماعية أو
اقتصادية أو سياسية.






ويندرج ضمن هذا أيضا زيادة الاستثمار المخصص في مجال تدريب وتطوير القدرات
الوطنية في هذا المجال وخلق مؤسسات وطنية متخصصة سواء كانت في مجال الصحة، التعليم،
البحث العلمي وحتى القضاء. والأهم من ذلك هو زيادة التنسيق وتبادل الخبرات
والمخزون المعلوماتي بين مختلف هذه الجهات والأفراد (بما فيها منظمات العمل
المدني) حتى يتمكن الجميع من الاستفادة بأكبر صورة ممكنة.






وأخيرا لا بد من تقدير الدور الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني وأيضا
المؤسسات الدولية العاملة في هذا المجال مثل منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم
المتحدة الإنمائي خاصة فيما يتعلق بنشر الوعي على المستوى الوطني وتبادل المعلومات
والخبرات في هذا المجال.






رابعا: غياب الرؤية والتنسيق العربي المشترك


علـى المستويين الإقليمـي والدولـي:





إن هذا التحدي المتمثل بغياب التنسيق والموقف العربي الإقليمي والدولي
المشترك له آثار كبيرة وسلبية على قدرة الدول العربية على تفعيل والاستفادة من
نظام الملكية الفكرية في التنمية ونشر العلم والمعرفة فيما بينها. فعدد كبير من
الدول العربية لا يوجد لديها ممثلين دائمين في المنظمة العالمية للملكية الفكرية
وكذلك في منظمة التجارة العالمية، وإن وجدوا فإنهم في الغالب غير متفرغين في هذا
المجال، ومثقلين بالأعباء.






أضف لذلك الموقف السلبي للتعامل مع موضوع الملكية الفكرية في المحافل
الدولية والذي سببه غياب التنسيق العربي الموحد الأمر الذي جعل من الدول العربية
دول متلقية لقوانين وتشريعات الملكية الفكرية ليس لها دور في النقاش وتقديم
المقترحات وصياغة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.






ويظهر هذا جليا إذا ما قارنا الدول العربية بتلك الأفريقية التي استطاعت أن
تلعب دورا نشطا في هذا المجال على الصعيد الإقليمي عن طريق إنشاء منظمة حماية
الملكية الفكرية الأفريقية وعلى الصعيد الدولي عن طريق تقديم المقترحات والمشاركة
الفعالة في جداول اجتماعات المنظمات العالمية المتخصصة في هذا المجال وخاصة
المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية.






وهذا الرأي يتماشى في هذا الخصوص مع ما أوصت به لجنة حقوق
الملكية الفكرية
في تقريرها عام 2002 على:





يتعيّن
على الدول النامية والمنظمات المانحة إن تعمل معا لضمان "تحالف" عمليات
إصلاح الملكية الفكرية كما يجب مع مجالات سياسة التنمية المرتبطة بها. وكذلك، هناك
حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتشجيع المساهمة من قبل أصحاب الشأن القوميين في
إصلاحات الملكية الفكرية. وفي توفيرها للمساعدات الفنية، يجب إن تأخذ المنظمات
المانحة بعين الاعتبار الحاجة إلى بناء قدرات المؤسسات المحلية للاضطلاع بالأبحاث
في سياسة الملكية الفكرية وفتح حوار مع أصحاب الشأن، بالإضافة إلى توفير خبراء
دوليين ونصيحة قانونية.[19]














[1] القانون أعطى مدة حماية عشر سنوات للمخترع. انظر


May C.،The Venetian Moment: New Technologies،
legal Innovation and the Institutional Origins of Intellectual Property’
، [i]Prometheus
، 20 (2): 159-179: 2002.






[2] للمزيد انظر


Sherman B. and
Bently L.
، The Making of Modern Intellectual Property
Law: The British Experience
،
1760–1911
، Cambridge:
Cambridge University Press
،
2002
،









[3] للمزيد انظر


May C.، The World Intellectual Property Organisation: Resurgence and the
Development Agenda
، Routledge، New York، 2007،






[4] الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة.






[5] الاتفاقية العامة للتعرفه والخدمات.






[6] للمزيد انظر


Correa، C.، Intellectual
Property Rights
، the WTO and Developing Countries، Zed Books، Third World Network، 2000.






[7] يونس عرب.، "نظام الملكية الفكرية في الوطن
العربي".
www.arablaw.com






[8] الدول التي تشملها
المجموعة الأولى هي: الجزائر، العراق، السودان، اليمن، لبنان، فلسطين وسورية.







[9] هذه المجموعة وكما ذكرنا تشتمل على الدول
العربية التالية: البحرين، جيبوتي، مصر، الأردن، الكويت، موريتانيا، المغرب، قطر،
عمان، المملكة العربية السعودية، تونس ودولة الأمارات العربية المتحدة.
حول أخر المعلومات بشان الدول الأعضاء في
المنظمة ونشاطاتها انظر موقع المنظمة على الانترنت تحت عنوان :- www.wto.org.







[10] الدول العربية التي وقعت على اتفاقيات تجارة حرة
ثنائية مع الولايات المتحدة هي الأردن، عمان، البحرين و المغرب.







[11] انظر


El Said M.،
‘The Road From TRIPS-Minus to TRIPS to TRIPS-Plus: Implications of IPRs for the
Arab World’
، The Journal of World Intellectual Property،
8
، 1،
2005
، 53–66.






[12] للمزيد انظر محمد رؤوف حامد، حقوق الملكية
الفكرية: ماذا بعد الدوحة؟ مجلة التنمية و التقدم، العدد 26، ديسمبر 2002. أيضا
انظر



Braithwaite J. and Drahos P.، Global
Business Regulation
، London:
Cambridge University Press
،
2000.







[13] للمزيد انظر


Drahos P.،
‘Developing Countries and International Intellectual Property Standard-Setting’
، The
Journal of World Intellectual Property
5، 5،
2002
، 765-89.






[url=https://mousalawyer.yoo7.com/#_ftnref14][b][f