مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك


مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماهدخول

القانون المصرى

محمد جمعه موسى للمحاماه *جمهوريه مصر العربيه - محافظه البحيره - رشيد *01005599621- 002-01227080958-002

descriptionالجرائم الدولية الماسة بأمن وسلامة الملاحة الدولية  فى القانون الدولى العام          دكتور محمد عبد المنعم عبد الغنى خبير القانون الدولى Emptyالجرائم الدولية الماسة بأمن وسلامة الملاحة الدولية فى القانون الدولى العام دكتور محمد عبد المنعم عبد الغنى خبير القانون الدولى

more_horiz
مقدمــة:





تصاعدت قى الآونة الأخيرة
حدة عمليات القرصنة البحرية فى أعالى البحار الأمر الذى أصبح يمثل مساساً وتهديداً
للملاحة البحرية الدولية ولحركة التجارة فى المياه الدولية.





وجدير بالذكر أنه إذا كان
النظام القانونى لمناطق أعالى البحار يقرر عدم خضوع هذه المناطق لسيادة أى دولة
وبالتالى لا تدخل فى إختصاص أى قانون وطنى؛ وإذا كان الأمر كذلك إلا أن هذا لا
يعنى ترك هذه المناطق الشاسعة مسرحاً للجرائم والفوضى؛ وإلا انتفى الهدف الذى من
أجلـه تقرر مبدأ حرية أعالى البحار؛ مع ما يستلزمه هذا المبدأ من ضرورة توطيد أمن
وسلامة جميع السفن التى تجوب مناطق أعالى البحار.





ويًلاحظ أن جريمة القرصنة
البحرية لاتهدد دولة معينة بالتحديد بل تهدد أمن وسلامة الأسرة الدولية ككل؛ الأمر
الذى جعل من القرصان عدواً للجنس البشرى؛ وأفعالـه موجهة ضد المجتمع الدولى وبالتالى
كان حرياً وصف السلوك غير المشروع الصادر منه بأنه يشكل جريمة دولية إذ من شأنه
المساس بالمصلحة الدولية الجديرة بالحماية الجنائية التى يقررها القانون الدولى
الجنائى.





ونظراً للآثار الجسيمة التى
تترتب على جريمة القرصنة البحرية من المساس بأمن وسلامة الملاحة البحرية الدولية
فضلاً عن الآثار الاقتصادية فقد استقر العرف الدولى منذ أمد بعيد على تخويل الدول
حق إلقاء القبض على سفن القرصنة التى تجوب أعالى البحار أو المناطق التى لا تخضع
لولاية دولة ما. كما أن لدول المجتمع الدولى الحق فى إلقاء القبض على الأشخاص المتهمين
باقتراف جريمة القرصنة البحرية ومحاكمتهم وعقابهم.





وقد ظل الأمر على هذا
المنوال يجد أساسه القانونى فى العرف الدولى إلى أن تم تجريم القرصنة البحرية
بموجب إتفاقية جنيف بشأن أعالى البحار لعام 1958. ثم بموجب إتفاقية الأمم المتحدة
لقانون البحار لعام 1982.





وليس بخاف على أحد ماتخلفه
أعمال القرصنة البحرية من مساس وتهديد لأمن وسلامة الملاحة البحرية للدول ككل
فضلاً عن الآثار الاقتصادية الناجمة عن تهديد حركة التجارة الدولية بالملاحة
الدولية. ولا ريب أن أكثر الدول تضرراً من الأثار السيئة الناجمة عن أعمال القرصنة
هى الدول النفطية، وإن كانت هذه الآثار يمكن أن تصيب أى من الدول المتقدمة
إقتصادياً.





لذلك يتعين على كافة الدول
لاسيما المتقدمة منها أن تتعاون لمواجهة وقمع أعمال القرصنة المذكورة فى أعالى
البحار أو فى إمكان آخر لا يخضع لولاية أى دولة.





وإدراكاً منا لهذا الهدف فسوف
نحاول فى هذا البحث دراسة بعض الأفكار التى من شأنها إلقاء مزيد من الضوء على
جريمة القرصنة البحرية كجريمة دولية من شأنها المساس بمصلحة دولية جديرة بالحماية
الجنائية الدولية التى يقررها القانون الدولى الجنائى والتى تتمثل فى سلامة وأمن
الملاحة البحرية فى أعالى البحار وذلك من خلال أربعة مباحث على النحو التالى:





المبحث الأول: الجذور التاريخية لجريمة القرصنة البحرية.


المبحث الثانى: التنظيم القانونى لجريمة القرصنة البحرية.


المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية لجريمة القرصنة البحرية.


المبحث الرابع: الجهود الدولية لمواجهة ومكافحة جريمة
القرصنة البحرية.








* *
*





المبحث الأول


الجذور التاريخية
لجريمة القرصنة البحرية





سفينة تـَمْخـُرْ عُبابْ
البحر ترفع علماً خاصاً بها يعبر عن هويتها وعن طبيعة نشاطها الإجرامى، وقد تميّز
العلم المذكور بلونه الأسود بالجمجمة المرسومة عليه.





والقـُرصان ذلك الرجل
المغامر الذى يركب البحر؛ إنتظاراً لتلك السفن المحملة بالبضائع حتى يسطو عليها
ويستولى على ماتحمله. ويقتل من يتعرض له.. ويحول بينه وبين الفوز بغنيمته. ذلك هو
الشكل الكلاسيكى للقرصان البحرى بزيه المميز غطاء رأسه الذى يشتهر به منذ أقدم
الصعور.





تـُرى هل مازالت هناك تلك
السفن وهؤلاء القراصنة؟.


لاشك أن الإجابة تكون
بالإيجاب.





لقد كان قرصان البحر فى
الماضى سبباً لقلق التجار حيث كانت سفنهم تتعرض إما للغرق وإما لمخاطر القرصنة.





وتجدر الإشارة إلى أن
قراصنة البحار لازالوا من أسباب أرق الكثير من الدول وبصفة خاصة فى منطقة جنوب شرق
آسيا حيث السواحل البحرية الممتدة.





وإطلالة سريعة على الجذور
التاريخية للقرصنة البحرية نجد أنها تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة.





ويلاحظ أن مصطلح "قرصان"
قد استخدم فى عام 140 قبل الميلاد من قبل المؤرخ الرومانى بوليبيوس؛ وقد ذكرها
كذلك المؤرخ اليونانى بلوتارك فى حوالى عام مائة بعد الميلاد وذلك ليعبر به عن
أقدم تعريف واضح للقرصنة؛ فقد وصف القراصنة بأنهم أولئك الأشخاص الذين يهاجمون
بدون سلطة قانونية السفن وكذلك المدن الساحلية.





وقد وصفت
القرصنة لأول مرة فى عدد من الأعمال الأدبية القديمة مثل الإلياذة والأوديسه
اللتان كتبهما الشاعر اليونانى القديم. ويلاحظ أنه منذ زمن طويل لم يكن هناك تعريف
خالٍ من الغموض لمصطلح ومفهوم القرصنة؛ ولم يعتبر غزاة الشمال فى القرنين التاسع
والحادى عشر الميلاديين من القراصنة. وإنما كانوا يدعو "الفايكنج".





ولقد ذاع فى إنجلترا فى
العصور الوسطى مفهوم آخر للقرصنة فحواه أنهم من لصوص البحر. ويُلاحظ أن عمليات
القرصنة البحرية قد تزايدت فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر([1]).
أما فى القرن الثامن عشر الميلادى فقد ظهر مفهوم ومصطلح قرصان وينحصر فى وصف
القراصنة بأنهم أشخاص خارجون عن القانون. وتحوى قصص القراصنة الكثير من الطرائف
فقد تم أسر قيصر من قبل قوات القراصنة قرب جزيرة فارماكوزا؛ وذلك بعد وقت قصير من
فراره من جنود سولا فى عام 75 قبل الميلاد؛ وقد قام بعد الإفراج عنه عقب احتجازه
شهراً ونصف الشهر باتخاذ سفناً من ميناء موليتوس وقام بأسر القراصنة. وقد ذكر
المؤرخ "بلوتارك" إن قيصر أمر بدافع من الرحمة بذبحهم قبل الصلب".





وقد
بلغت القرصنة ذروتها خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر؛ وبنهاية القرن السابع
عشر ومع نمو القوة المركزية القوية فى اليابان فى ظل التكنوجاوا شوجونيت (1603 –
1867)؛ وقد تم القضاء على معظم القراصنة فى الصين فى فترة حكم أسره شمى يانج.





وفى
القرن التاسع عشر ونظراً لزيادة حجم السفن التجارية؛ وتطور دوريات الحراسة البحرية
فى معظم الطرق الرئيسية على المحيط؛ فضلاً عن الاعتراف العام من قبل الحكومات
بالقرصنة فقد أدى ذلك كلـه إلى حدوث تراجع ملحوظ فى حجم القرصنة.





أما
فى القرن العشريين فقد ظهرت القرصنة البحرية فى بحر الصين الجنوبى ويلاحظ أن
عمليات اختطاف السفن قد أخذت شكلاً جديداً من أشكال القرصنة. وما ذلك إلا بفعل
التطور.





كذلك
فقد تعرض زوجين بريطانيين ـ رجل وأمرأة معاً ـ للهجوم فى صيف عام 1996م بينما كانا
يبحران حول جزيرة كارفبو اليونانية بالبنادق والقنابل اليدوية. وقبل تلك الواقعة
بشهور هاجم رجال مسلحون الناقلة (سوكى)، وذلك عندما كانت على بعد ساعات قليلة من
سنغافورة؛ وقد أوثق القراصنة طاقم ناقلة الأنابيب ووضعوهم فى قارب نجاة وأبحروا
بهم؛ وقد تم إنقاذ الطاقم إلا أن الناقلة قد إختفت بعد ذلك.





أما
فى القرن الحادى والعشرين فحدث ولا حرج .. فقد ازدادت جرائم القرصنة البحرية فى
أعالى البحار.. وهاهى وسائل الإعلام المحلية والدولية على مختلف أنواعها
تطالعنا كل لحظة بما يقترفه القراصنة
الصوماليون من جرائم قرصنة فى خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية ضد السفن التى
تجوب تلك المناطق، وذلك على نحو ماسيرد تفصيلاً بصدر البحث.





موقف
الشريعة الإسلامية من جريمة القرصنة البحرية:






لا
ريب أن القرصنة لا تتفق مع الإسلام لأنه يترتب عليها ابتزاز الأموال والاعتداء على
السلامة الجسدية وحياة الأشخاص كما أنها تمثل عائقاً خطيراً أمام حرية الملاحة
البحرية الدولية وقد أطلق أبن عابدين على القراصنة اسم "اللصوص والقطاع"([2]).





ويُلاحظ
أن فقهاء المسلمين يحرمون الاعتداء على السفن فى البحر ولو كانت مملوكة لأهل
الحرب؛ فقد أكد فقهاء المسلمين على عدم جواز الإعتداء على السفن فى البحر ولو كانت
مملوكة لأهل دار الحرب غير المسلمين؛ يقول الإمام أحمد "إذا ركب القوم فى
البحر فاستقبلهم فيه تجار مشركون من أرض العدو ويريدون بلاد الإسلام لم يعرضوا
لـه، ولم يقاتلوهم؛ وكل من دخل بلاد المسلمين من أرض الحرب بتجارة بويع (لم يتم
البيع له) ولم يسأل عن شئ".





وقد
أكد فقهاء المسلمين على ضرورة محاربة القرصنة بكل السبل وذلك أنهم قراصنة: "وإن
جاءت البوارج وقال أهل المركب عن هذه بوارج الهند، ولم يرتب المسلمون فى ذلك
وغنمهم أهل المركب وأطمأن قلب هذا المسلم أنهم هم العدو ورأى فيهم علامات أهل
الشرك، وهم فى الموضوع الذى قد أعتاد أهل الحرب من أهل الشرك يقطعون فيها السبل
ويسلبون الناس، وصح ذلك معه وتقرر فى قلبه فلا بأس عليه فى ذلك".





وتجدر
الإشارة إلى أنه مما يبرهن على محاربة القرصنة، ماحدث فى عهد عثمان – رضى اللـه
عنه – عندما بلغه أن قوماً من الحبشة أغاروا على بعض سواحل المسلمين وأصابوا منهم
أموالاً، وسبوا منهم سبياً كثيرا فاغتم لذلك عثمان غماً شديداً، ثم أرسل إلى جماعة
من الصحابة وغيرهم من المسلمين فدعاهم واستشارهم فى غزو الحبشة فأشار عليه المسلمون
ألا يغزوهم فى بلادهم، ولا يعجل عليهم حتى يبعث
إلى ملكهم فيسألـه عن ذلك فإن كان الذى فعلـه أصحابه عن أمره ورأيه هيأ لـه
المراكب؛ وأرسل إليه بالجند والمقاتلة، وإن كان ذلك من ساقها(عوام الناس) أغاروا
على سواحل المسلمين عن غير أمر ملكهم فرأيه أن يشحن السواحل بالخيل والرجال حتى
يكونوا على حذر. فعمل عثمان على ذلك، ثم دعا محمد بن مسلمه الأنصارى فوجهه إلى ملك
الحبشة فى عشرة نفر من المسلمين يسألـه عما فعل بأصحابه، وكتب إليه عثمان فى ذلك
كتاباً فلما قدم محمدم بن مسلمة بكتاب عثمان وقرأه أنكر ذلك أشد الإنكار، وقال
مالى بذلك من علم ثم أرسل إلى قرى الحبشة فى طلب السبى فجمعهم بأجمعهم؛ ودفعهم إلى محمد بن مسلمة
فأقبل بهم إلى عثمان وخبره بما كان من إنكار ملك الحبشة، وطلب السبي، فشحن عثمان
السواحل بعد ذلك بالرجال وقواهم بالسلاح والأموال فكانوا ممتنعين من الحبشة وغيرهم.





كذلك
فقد ذكر المسعودى (فى التنبيه والإشراف) أنه فى عهد المعتصم قبض على سفن ومراكب
هندية كثيرة منها سفن القراصنة الذين كانوا يمارسون عمليات القتل والسلب والسرقة
فى المنطقة التى كانت تقع بين واسط والبصره وعمان وساحل فارس.





ويذكر
البلاذري أن السبب المباشر لفتح بلاد السند يعود إلى إرسال ملك سيلان إلى الحجاج
بين يوسف الثقفى بعض الفتيات المسلمات اللائى ولدن فى مملكته، وكن يتيمات، بسب موت
آبائهن التجار فى الجزيرة، ولكن حدث أن قبائل البوارج ـ وهم قرصان البحر فى المحيط
الهندى ـ هاجموا السفنية التى تحمل هؤلاء الفتيات واتخذوهن سبايا فغضب الحجاج،
وطالب فى الحال من زعيم البوارج بإطلاق سراح الفتيات، ولكنه لم يلب طلب الحجاج
إمعاناً منه فى السخرية بما طلب منه، فأرسل الحجاج جيشاً بقيادة القائد الشاب محمد
بن القاسم الثقفى، وتبع هذا الجيش أسطول بحرى ساعد بن القاسم أيضاً.





ويحكى
ابن حيان أنه فى سنة أربع وثلاثين ومائتن: غزى الأمير عبد الرحمن أسطولاً من
ثلاثمائة مركب إلى أهل جزيرتى ميوركة ومنوركة (أسبانيا) لنقضهم العهد وإضرارهم بمن
يمر إليهم من مراكب المسلمين، ففتح اللـه للمسلمين عليهم، وأضفرهم به.





أيضاً
من المعلوم أن الرشيد قد بلغ نفوذه حداً أدى
إلى التأثير فى أعمال خوارج البحر المسلمين وإحجامهم عن مهاجمة الشواطئ
الفرنجية والإيطالية. ولذلك فقد كتب البابا "ليون الثالث" بعد وفاته إلى
"شارلمان" أنه إذا كان خوارج البحر المسلمين لا يحترمون بعد حرمة
الشواطئ الفرنجية، فذلك لأن نفوذ الخليفة فى نفوسهم قد غاص بعد وفاته.





وقد
جاء فى مرسوم السلطان قايتباى إلى عمالـه بالتطبيق للشروط المتفق عليها مع فلونسا مايلى:


"جرى
العرف أنه إذا نهب قراصنة المسيحيين سفن المسلمين فى البحر ثم جاءت سفنهم إلى
موانينا فإن تجارنا وعمالنا يجبرونهم على دفع تعويض عما لحق بالمسلمين من أضرار
بواسطة القراصنة المسيحيين – فنأمرك أيها الأمير أن تبطل هذا، وألا يجبر هؤلاء
التجار على دفع التعويض أيَّا كان، ولايؤخذوا بجريرة القراصنة المسيحيين، ويوضع
هذا الأمر موضع التنفيذ مثل ماهو متبع مع البنادقة (نسبة إلى البندقية بإيطاليا)
تماماً وإذا وجدت سفنهم فى أى مكان تابع للسلطان وهاجمتها سفن القراصنة فعليكم مد
يد العون لها، ومساعدتها فى كل ما تطلبه .. لذلك نأمرك أيها السيد الأمير إتباع
ذلك معهم مثل ماهو متبع مع طائفة البنادقة".([3])





نخلص
من ذلك أن الشريعة الإسلامية قد حرمت وحاربت القرصنة وليس ذلك بمستغرب، فالشريعة
الإسلامية تحترم الملكية الخاصة وتحرم الطلم أياً كان نوعه ومكانه، سواء الظلم فى
البر أو القرصنة فى البحر. كما أن لفقهاء المسلمين أمثلة رائعة فى ردع القرصنة
واحترام الإتفاقيات الدولية وقد سبق
الإشارة إليها.












(1) انظر موقع: www.Arabbusiness.com.






(1) انظر: الأستاذ الدكتور/ أحمد أبو الوفا –
كتاب الإعلام بقواعد القانون الدولى والعلاقات الدولية فى شريعة الإسلام – الجزء
السابع – البحار والأنهار الدولية – طبعة أولى- دار النهضة العربية – ص 178.







(1) انظر: الأستاذ الدكتور/ أحمد أبو الوفا –
مصدر سابق – ص 183.

descriptionالجرائم الدولية الماسة بأمن وسلامة الملاحة الدولية  فى القانون الدولى العام          دكتور محمد عبد المنعم عبد الغنى خبير القانون الدولى Emptyرد: الجرائم الدولية الماسة بأمن وسلامة الملاحة الدولية فى القانون الدولى العام دكتور محمد عبد المنعم عبد الغنى خبير القانون الدولى

more_horiz
المبحث
الثانى



التنظيم
القانونى لجريمة القرصنة البحرية






تجدر
الإشارة بادئ ذي بدء إلى أنه إذا كان التنظيم القانونى لمناطق أعالى البحار يقضى
بألا تخضع هذه المناطق لسيادة دولة ما.. وبالتالى لا تدخل فى إختصاص أى قانون
وطنى؛ إلا أن ذلك لا يعنى ترك هذه المناطق الشاسعة مسرحاً للجرائم والفوضى؛ وإلا
انتفى الغرض الذى من أجلـه تقرر مبدأ حرية أعالى البحار مع ما يقتضيه هذا المبدأ
من ضرورة توطيد أمن وسلامة كل السفن التى تمخر عباب مناطق أعالى البحار.






وإذا
كانت القرصنة تمثل خطراً يهدد سلامة الملاحة الدولية والحركة التجارية فى المياه
الحرة، فإنها تـُعد بهذه المثابة جريمة من الجرائم التى تمس مبدأ حرية أعالى
البحار، فهى لا تهدد سلامة وأمن دولة معينة بالذات؛ وإنما تهدد أمن وسلامة المجتمع
الدولى بأسره. ولذا فقد أعتبر القرصان عدواً للجنس البشرى
Hostis
humanis generis ، كما أن أفعالـه موجهة ضد الجماعة الدولية.





ويُلاحظ
أن العرف الدولى قد استقر منذ القدم على تخويل الدول حق إلقاء القبض على سفن
القراصنة سواء كانت فى أعالى البحار أو فى المناطق التى تقع خارج المياه الإقليمية
لها، كما أن لها الحق فى إلقاء القبض على الأشخاص ومحاكمتهم وتوقيع الجزاء عليهم
نظير ما اقترفوه من أعمال القرصنة.






وقد
كان هذا الحق يجد أساسه فى العرف حتى تم تجريم أعمال القرصنة ولأول مرة بصدور
إتفاقية جنيف الخاصة بأعالى البحار سنة 1958، ثم أخيراً بموجب إتفاقية الأمم
المتحدة لقانون البحار لسنة 1982([1]).






ويجدر
بنا بعد ماسبق بيانه أن نتناول القرصنة البحرية كجريمة دولية وذلك من حيث بيان
وإيضاح المقصود بها، فإذا ما إنتهينا من ذلك عرجنا على تحديد أركانها ثم الآثار
القانونية مع الإشارة إلى الوضعية الدولية لقضية القرصنة البحرية فى السواحل
الصومالية.
























ماهية
القرصنة البحرية وكنها فى الفقه الدولى والمواثيق الدولية:






أولاً:
ماهية القرصنة فى الفقه الدولى: (المحاولات الفقهية لتعريف القرصنة البحرية):






لم
يتفق الفقه الدولى على تعريف موحد للقرصنة البحرية. فقد ذهب الفقيه (
Pella)
إلى أن جريمة القرصنة البحرية هى "أفعال عنف يتم إرتكابها بدافع المكاسب
الخاصة، وهى موجهة ضد الأشخاص بذواتهم، أو من أجل سلب أموالهم، فى أماكن لا تخضع
لسيادة أى دولة معينة، ومن شأن هذه الأفعال الإخلال بسلامة هذه الأماكن والمساس
بأمنها"([2]).






ويلاحظ أن هذا التعريف لم
يقصر أعمال القرصنة على العنف فحسب؛ بل تمتد هذه الأفعال لتشمل كل الأعمال، سواء
كانت سلب أو نهب أو قتل أو جرح أو غيرها من أعمال العنف متى ارتكبت فى أى مكان لا
يخضع لسيادة أى دولة كالبحر العالى أو الفضاء الجوى.






أما الفقيه فوشى (Fauchille) ([3])،
فقد ذهب إلى تعريف جريمة القرصنة بأنها تتمثل فى قطع الطريق فى البحر، وأن هذه
الجريمة تتكون فى رأيه إذا توافرت ثلاثة عناصر أساسية: أولها: وجود سفينة على
متنها مجموعة الأشخاص يرتكبون أفعال عنف غير مشروعة، وثانيها: أن يكون هذا العنف
موجهاً ضد جميع السفن المُبحرة بدون تفرقة، وثالثها: أن ترتكب أفعال العنف فى عرض
البحر.






ويذهب رأي فى الفقه العربى([4])
إلى تعريف جريمة القرصنة البحرية بأنها "عبارة عن إتيان أعمال إكراه أو
إنتواء تلك الأعمال فى البحر دون وكالة مشروعة وخارج نطاق اختصاص أية دولة
متمدينة". ويستطرد هذا الرأي موضحاً أن التوفيق قد أصاب إتفاقية جنيف وعلى
نمطها المشروع غير الرسمى ـ إذ اشترطت أن تكون أعمال العنف فى البحر العام أو مكان
يقع خارج ولاية أية دولة.






ويرى جانب من الفقه([5])
كذلك أن تلك الجريمة تتمثل فى الأعمال التى تنطوى على ممارسة أفعال عنف لتحقيق
أغراض شخصية. ويستطرد موضحاً أن أعمال العنف التى ترتكب لتحقيق أهداف سياسية لا
تندرج تحت نطاق أعمال القرصنة.






كذلك فقد ذهب بعض الفقه إلى
تعريف القرصنة بأنها كل إعتداء مسلح يقع فى عرض البحر من مركب لحسابه الخاص.
والغرض الذى يرمى إليه القرصان عادة هو السلب ونهب السفن أياً كانت جنسيتها أو خطف
وسلب الأشخاص الموجودين عليها أو الأمرين معاً([6]).






ويرى بعض الفقه أن اصطلاح
القرصنة ينصرف إلى مايقوم به الأفراد فى البحر العالى من أعمال العنف غير المشروعة
ضد الأشخاص والأموال، والمستهدفة ـ لزوماً ـ تحقيق منفعة مادية خاصة للقائمين بها([7]).















ثانياً: ماهية القرصنة البحرية فى الإتفاقيات
والمواثيق الدولية:






(1) مفهوم القرصنة البحرية فى اتفاقية جنيف سنة
1958:






لم تتضمن إتفاقية جنيف لعام
1958 أى تعريف للقرصنة البحرية. بل اقتصرت فحسب على تعداد الأفعال التى تعد من
قبيل القرصنة.






ولقد تناول إتفاق جنيف سنة
1958 تعريف القرصنة فى المادة (15) تنص على أن: "تتكون القرصنة من أى من
الأعمال التالية([8]):






(1)
أى عمل غير قانونى
من أعمال العنف أو الاحتجاز أو التجريد يرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب
سفينة خاصة أو طائرة خاصة، ويكون موجهاً:



أ‌-
فى البحار العامة ضد
سفينة أو طائرة أخرى أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو الطائرة.



ب‌- ضد أى سفينة أو طائرة أو شخص فى مكان يقع خارج ولاية أى دولة.





(2)
أي عمل من أعمال
الإشتراك الطوعى([9])
فى تشغيل سفينة أو طائرة مع العلم بوقائع تكسب تلك السفينة أو الطائرة صفة
القرصنة.






(3)
أي عمال ينطوى على
التحريض على ارتكاب أحد الأعمال الموصوفة فى الفقرتين الفرعيتين 1، 2 (من هذه
المادة) أو يستهدف عن عمد تسهيل إرتكابها".






(2) ماهية
القرصنة البحرية فى إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982:






لم تتضمن أيضًا إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982
أي تعريف للقرصنة البحرية وإنما عددت فحسب كسابقتها الأفعال التى تعد من قبيل
القرصنة. ولقد نصت المادة 101 من الإتفاقية على تعريف القرصنة على النحو الآتى:



(‌أ)
أي عمل غير قانونى
من أعمال([10])
العنف أو الاحتجاز أو أى عمل سلبى يرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة
خاصة أو طائرة خاصة، ويكون موجهاً:



1- فى أعالى البحار ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو
ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو على متن تلك الطائرة.



2- ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات فى مكان يقع خارج
ولاية أية دولة.



(‌ب) أي عمل من أعمال الاشتراك الطوعى فى تشغيل سفينة أو طائرة مع
العلم بوقائع تضفى على تلك السفينة أو الطائرة صفة القرصنة.



(‌ج) أي عمل يحرض على ارتكاب أحد الأعمال الموصوفة فى إحدى الفقرتين الفرعيتين (أ) أو (ب) أو يسهل عن
عمد إرتكابها.






ويلاحظ أنه بإمعان النظر
فيما حوته تلك المادة رقم (101) من الإتفاقية المذكورة نجد أنها تكاد تكون منقولة
حرفياً عن المادة رقم (15) من اتفاقية جنيف لأعالى البحار سنة 1958.






أركان جريمة القرصنة البحرية:





يستخلص من التعريفين
الواردين بالإتفاقيتين السابقتين أن لجريمة القرصنة البحرية أركان تتمثل فيما يلى:






أولاً: الركن المادى:
وفحواه اقتراف أى عمل غير قانونى من أعمال العنف أو الإحتجاز أو أى عمل من أعمال
السلب يصدر عن طاقم السفينة أو المسافرين على متنها.






ويلاحظ أنه لا يهم أن تكون
هذه الأعمال موجهة للمال أو الأشخاص؛ كما أنه لايعتد بما إذا كانت جسمانية أم مجرد
الحد من حرية الضحايا.. ومثال ذلك أن تعترض سفينة سبيل سفينة أخرى وتجبرها تحت
تهديد السلاح أن تتوجه إلى ناحية معينة حيث تقوم بسلبها، أو أن تفرض عل الركاب
مغادرة السفينة ثم تقوم بأغراقها.






وجدير بالذكر أن مجرد إتيان
فعل من أفعال العنف والإكراه لا يكفى وحده
ليكون ركناً من أركان جريمة القرصنة؛ فمن يقتل شخصاً على ظهر سفينة، أو يسلبه
مالـه ، لا يعد قرصاناً، وإنما يعد مخالفاً لأحكام قانون علم السفينة. لذلك فإنه
يتعين لكى تكون أعمال الإكراه ركناً فى جريمة القرصنة أن ترتكب ضد سفينة؛ أو أن
تكون السفينة – كعنصر سلبى أو إيجابى فى الأفعال هى التى تجعل من هذه الأفعال
ركناً فى الجريمة.






وترتيباً على ذلك فإنه إذا
ما أرتكبت أفعال العنف أو السلب كما سلف، فإن الركن الأول لجريمة القرصنة يعد
متوافراً، وذلك بغض النظر عما إذا كانت هذه الأفعال موجهة ضد علم دولة معينة
بالذات، أو أن تكون موجهة ضد كافة الأعلام دون تمييز؛ لأن الهدف من محاربة القرصنة
البحرية هو القضاء على كل ما من شأنه أن يهدد الأمن فى البحر وسلامة المرور فيه.






وتجدر الإشارة إلى أن بعض
الفقه([11])
لا يشترط أن يشتمل فعل العنف على جريمة سرقة أو بعبارة أخرى أن يكون الفعل جريمة
سرقة، فقد شاب الحكم الصادر عن محكمة هونج كونج العوارَّ القانونى، وذلك عندما
عُرض عليها أمر بعض رعايا الصين المتهمين بالاعتداء على سفينة فى البحر العام،
فقضت ببراءتهم لأنهم لم يرتكبوا سرقة حتى يعدوا قراصنة.






صور الركن المادى:


الشروع فى جريمة القرصنة البحرية:





يثور التساؤل عما إذا كان
الشروع كصورة من صور الركن المادى متصوراً فى جريمة القرصنة البحرية أم لا، ويجاب
على ذلك بأنه كما أن اقتراف الجريمة كاملة يعاقب عليه؛ فإن الشروع فيها يكون جريمة
كذلك، إذ لا يشترط أن يقترف القرصان عملاً من أعمال الإكراه فعلاً بل يكفى أن يكون
قد خرج إلى البحر العام بقصد إرتكاب تلك الأفعال.






الاعتياد على إرتكاب جريمة القرصنة البحرية:





ويثور التساؤل كذلك عما إذا
كانت جريمة القرصنة البحرية من جرائم العادة أم لا تعد كذلك.






يُلاحظ أن جريمة القرصنة
ليست من جرائم العادة؛ ولذلك فإن ارتكاب أى فعل تتوافر به الجريمة وذلك دون اشتراط
تكرار الأفعال أو الاعتياد عليها.









جريمة القرصنة البحرية جريمة مستمرة:





وهذا يعنى أن السفينة التى
قامت بغرض إرتكاب الجرائم فى البحر تـُـعـَـْد سفينة قرصنة فى كل لحظة من لحظات
رحلتها.






مفترضات جريمة القرصنة البحرية:





اشتراط اقتراف جريمة
القرصنة البحرية فى البحر العام كمفترض لتوافر تلك الجريمة:



يفرق الفقه الجنائى بين
أركان الجريمة من ناحية ومفترضات الجريمة من ناحية أخرى، فأركان الجريمة هى
العناصر الأساسية اللازمة للوجود القانونى لها. أما مفترضات الجريمة فيقصد بها
الظروف والعناصر التى يلزم توافرها فى مرحلة سابقة أو معاصرة للواقعة المادية
المرتكبة حتى تتوافر لتلك الأخيرة مقومات الجريمة.






ويلاحظ أن مفترضات الجريمة
أو مفترضات الواقعة كما يميل جانب من الفقه الجنائى إلى تسميتها هى تلك العناصر
القانونية إيجابية كانت أم سلبية والسابقة على إرتكاب الجريمة ويتوقف على وجودها
من عدمه توافر جريمة من نوع معين.






ولذلك يرى الباحث أن اشتراط
ارتكاب فعل القرصنة البحرية فى البحر العام أو البحر العالى يُعَدْ أمراً جوهرياً
وشرطاً لا غنى عنه للحكم بتوافر جريمة القرصنة البحرية من عدمه. فإشتراط ارتكاب
واقعة القرصنة بالبحر العام إذن يعد شرطاً مفترضاً لتلك الجريمة. فالبحر العام أو
البحر العالى كما هو معلوم هو مجموعة المساحات البحرية الممتدة خارج نطاق المياه
الداخلية والبحر الإقليمي للدول المختلفة([12]).






إذن يتعين أن تكون أعمال
القرصنة قد ارتكبت فى البحر العام؛ فجريمة القرصنة الدولية لا تقع إلا فى عرض
البحار فإذا حصل إعتداء من سفينة على أخرى فى البحر الإقليمى لدولة ما أو من سفينة
على شواطئ دولة من الدول. كان العقاب على هذا الإعتداء من إختصاص الدولة التى وقع
فى مياهها أو على شواطئها دون غيرها([13]).






النطاق المكانى لجريمة القرصنة البحرية:





تكاد تجمع آراء الفقه
الدولى على وجوب اشترط ارتكاب جريمة القرصنة البحرية فى أعالى البحار. أو فى مكان
يقع خارج ولاية أية دولة([14]).






ويستنتج من ذلك أن فعل
العنف الذى يقع على سفينة فى المياه الإقليمية لدولة من الدول أو فى شوائطها
الداخلية لايمكن اعتباره بمثابة جريمة قرصنة بحرية وفقاً للمفهوم القانونى الدقيق
والراجح.






أيضاً لم يقتصر الأمر على
إجماع الفقه الدولى على اشتراط وقوع فعل القرصنة البحرية فى أعالى البحار أو فى
مكان يقع خارج ولاية أية دولة، إذ أن الإتفاقيات الدولية الخاصة بالبحار قد نحت
هذا المنحى واستلزمت وجوب اقتراف جريمة القرصنة البحرية فى أعالى البحار أو فى
مكان يقع خارج ولاية أية دولة.






فالمادة (15) من إتفاق جنيف
سنة 1958 بصدد تعريفها وحصرها لأعمال القرصنة قد استلزمت أن يكون العمل غير
القانونى موجهاً فى البحار العامة.. أو فى مكان يقع خارج ولاية أى دولة.






أيضاً المادة (101) من
اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 فقد استلزمت أن يكون العمل غير
المشروع من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أى عمل سلب يرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم
أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة ويكون موجهاً:



1- فى أعالى البحار.


2- ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال فى مكان يقع خارج ولاية
أية دولة.






المساهمة ( أو الاشتراك) فى جريمة القرصنة
البحرية:






لقد حرصت إتفاقية الأمم
المتحدة لقانون البحار لهام 1982 على النص صراحة فى المادة (101) "التى حصرت
الأعمال التى تدخل فى نطاق القرصنة" على المساهمة الجنائية فقد تضمن نص
المادة (101) من الإتفاقية المذكور النص على أنه يعد عملاً غير مشروع من أعمال
العنف أى عمل من أعمال الاشتراك التطوعى فى استخدام سفينة أو طائرة مع العلم
بوقائع تضفى على تلك السفينة أو الطائرة صفة القرصنة. كذلك فقد نصت الفقرة (ج) من
المادة (101) المشار إليها على أى عمل (يحرض) على ارتكاب أحد الأعمال الموصوفة فى
إحدى الفقرتين الفرعيتين (أ) و(ب) أو يسهل عن عمد ارتكابها. فقد اعتبر النص
الاشتراك فى التحريض أو أعمال القرصنة.






وتكمن الحكمة فى ذلك لعدم
إفلات أى شخص من المحاكمة والعقاب وصولاً للحفاظ على أمن وسلامة الملاحة البحرية
الدولية.






ثانياً: الركن المعنوى لجريمة القرصنة البحرية:


يثور التساؤل عما إذا كانت
مجرد أعمال العنف غير المشروعة التى يقترفها القراصنة كافية للقول بوجود جريمة
القرصنة البحرية مادامت قد أرتكبت فى البحر العام أو فى مكان يخرج من ولاية دولة
بذاتها ـ أم أنه لابد من توافر نية خاصة فى الجريمة؟






لقد ذهب بعض الفقه إلى
القول بالإكتفاء بالمظهر المادى للفعل غير المشروع دون الغوص فى أعماقه وبحث
دوافعه وذلك لأنه يصعب التفرقة بين الجريمة السياسية وبين جرائم القانون العادى.






ويذهب بعض الفقه الآخر إلى
أن الفعل لا يكون قرصنة إلا إذا كان الدافع لإرتكابه تحقيق مصلحة شخصية بقصد تحقيق
الكسب والنفع الخاص, ولذلك يشترط هذا الرأى الفقهى فى تعريفه للقرصنة أن تكون بنية
السلب والنهب.






ونرى أن جريمة القرصنة
جريمة عمدية يكتفى بشأنها بالقصد الجنائى العام وهو ارتكاب الأفعال مع العلم بأنها
تهدد الأمن والسلم فى البحر العام. ونرى أن اشتراط بعض الفقه توافر النية الخاصة
أمر من شأنه إعفاء بعض الحالات من العقاب رغم خطورتها على أمن وسلامة الملاحة
البحرية فى البحار وهو أمر يؤدى إلى نتيجة غير مقبولة وهى إعفاء بعض أعمال القرصنة
من العقاب بدعوى أن الباعث عليها سياسى.






وقد استلزمت إتفاقية جنيف
لعام 1958 وكذلك إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 أن يهدف العمل إلى
تحقيق أغراض خاصة، ولا ريب أن هذا إتجاه محمود وفقاً لما سلفه بيانه.






نخلص من كل ذلك إلى أن
جريمة القرصنة البحرية باعتبارها جريمة عمدية يكفى فى شأنها توافر القصد العام وهو
ارتكاب الأفعال المكونة لها مع العلم بأنها تهدد الأمن فى البحر العام بما يُعَدْ
مساساً بالمصلحة الدولية وإنتهاكاً لأحكام القانون الدولى.












ثالثاً: الركن الدولى لجريمة القرصنة البحرية: (الطبيعة القانونية لجريمة
القرصنة البحرية):



يثور التساؤل عما إذا كانت
جريمة القرصنة البحرية (التى لم تضع لها الإتفاقيات الدولية (سواء إتفاقية جنيف
1958ـ أو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982) أى تعريف لها، إذ اقتصر
دورها على بيان وتحديد الأعمال غير المشروعة التى تدخل فى نطاق القرصنة) تعد جريمة
دولية أم لا تعد كذلك.






ونرى أن جريمة القرصنة
البحرية تعد وبحق جريمة دولية وبيان ذلك أن الركن الدولى وبحسبانه فى نظرنا الركن
الوحيد المميز للجريمة الدولية عن الجرائم العادية المنصوص عليها فى القوانين
الوطنية. وتجدر الإشارة إلى أن الفقه الدولى قد اعتمد أكثر من معيار للركن الدولى
ولا يتسع المقام لاستعراضها تفصيلاً.






ولكننا نورد المعيار الذى
نعتمده لما يتصف به من تطور ومرونة يتميز بها القانون الدولى العام ويتمثل هذا
المعيار فى المصلحة الدولية فهو معيار مرن ومن شأنه تحقيق أمن واستقرار وصالح
المجتمع الدولى.






ونرى ضرورة وحتمية الأخذ
بمعيار المساس "بالمصلحة الدولية" وذلك للتفرقة بين الجريمة الدولية
والجريمة الوطنية. فالجريمة تعد دولية إذا كان من شأن السلوك غير المشروع المكون
لها المساس بالمصلحة الدولية التى يحميها القانون الدولى الجنائى، بينما تكون
داخلية إذا لم يكن من شأن ذلك السلوك المساس بمصلحة دولية يحرص المجتمع الدولى على
حمايتها وعدم المساس بها([15]).






ولعل التساؤل أيضاً قد يثور
عن ضابط أو معيار المصلحة الدولية أو بعبارة أخرى متى تكون المصلحة دولية؟.






ويجاب عن ذلك أنه إذا كانت
المصلحة محل الحماية الجنائية الدولية تمس كيان المجتمع الدولى فى مجموعه أو
الغالبية العظمى من أشخاصه فإنها تكون والأمر كذلك مصلحة دولية عامة؛ أما إذا لم
تمس هذا الكيان فى مجموعة أو غالبيته، فإنه ينتفى عنها وصف المصلحة الدولية
العامة.






إذن فمعيار المصلحة وفقاً
لهذا الرأى هو المعيار الوحيد الذى يصلح للتمييز بين الجرائم الدولية والجرائم
العادية.






فالمصلحة الدولية الجديرة
بالحماية الجنائية التى يسبغها عليها القانون الدولى الجنائى؛ تتمثل فى الحفاظ على
الركائز الأساسية لكيان المجتمع الدولى أو بالدعائم المعززة لهذه الركيزة. ولذلك
فالسلوك الماس بمقتضيات الحسن والكمال فى العلاقات الدولية دون بلوغه فى الجسامة
حد ذلك الإخلال لا يلزم وصفه بالجريمة الدولية كما هو الشأن بالنسبة للاستقبال
الفاتر والساخر من جانب ممثلى دولة ما لرئيس دولة أخرى قدم من دولته لزيارتهم([16]).






وبتطبيق ماسبق على جريمة
القرصنة البحرية نرى أنها تعد جريمة دولية، إذ لا ريب أن أعمال العنف التى يقترفها
القراصنة تعد سلوكاً غير مشروع ومن شأنه المساس بالمصلحة الدولية الجديرة بالحماية
الجنائية ألا وهى أمن وسلامة الملاحة البحرية فى عرض البحار أو في أي مكان لا يخضع
لولاية دولة ما.






فأي مساس بحق المجتمع الدولى
فى الحفاظ على أمن وسلامة الملاحة البحرية فى أعالى البحار أو أ ى مكان لا يخضع
لولاية دولة ما من شأنه أن يضفى على السلوك غير المشروع وصف الجريمة الدولية.






فالمصلحة محل الحماية
الجنائية الدولية وهى سلامة وأمن الملاحة البحرية تمس كيان المجتمع الدولى فى
مجموعة أو الغالبية العظمى من أشخاصه ومن ثم تكون مصلحة دولية عامة جديرة بأن يضفي
عليها القانون الدولى الجنائى حمايته.






محل المسئولية الجنائية لجريمة القرصنة
البحرية:






لم يتفق الفقه الدولى على
تحديد محل المسئولية الجنائية لجريمة القرصنة البحرية, فقد ذهب رأي فى الفقه إلى
القول أن الدول هى الشخص الوحيد محل المسئولية الجنائية الدولية. بينما ذهب رأي
فقهي آخر وأنصاره أصحاب المذهب المختلط أنه يمكن أن يكون محلاً للمسئولية الجنائية
كل من الدول والفرد.






وذهب رأي آخر إلى القول أن
الفرد هو الشخص الوحيد محل المسئولية الجنائية فى الجريمة الدولية.






وللحق فإن إتفاقية الأمم
المتحدة لقانون البحار لعام 1982 قد أعفتنا من الدخول فى غمار ذلك الجدل الفقهى
الذى ثار بشأن الجريمة الدولية حيث ورد النص صراحة فى المادة (101) من تلك
الإتفاقية بصدد تحديدها للأفعال التى تدخل فى نطاق القرصنة، أن القرصنة تشكل أى
عمل من الأعمال الآتية:



"أي
عمل غير مشروع من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أى عمل سلب يرتكب لأغراض خاصة من قبل
طاقم أو ركاب سفينة خاصة". إذن فمحل المسئولية الجنائية لجريمة القرصنة
البحرية هو الفرد فحسب.










([1]) وقد دخلت الإتفاقية العامة لقانون البحار
المبرمة بتاريخ أول ديسمبر سنة 1982 تحت رعاية الأمم المتحدة – دائرة النفاذ
رسمياً وغدت جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولى الوضعى وذلك بتاريخ 16 نوفمبر 1994،
وهو كما يرى بعض الفقه يعد يوماً مشهوداً فى تاريخ القانون الدولى العام.



انظر
الأستاذ الدكتور/ على ابراهيم – القانون الدولى العام – الجزء الثانى – ص 285 –
دار النهضة العربية – 1997 – القاهرة.







(2) Pella, V., la repression
de la piraterie, Hague Recueil, 1926, P. 169.







(1) Fauchille trait de droit international
public, T.I. paris, (1923).







([4]) انظر أستاذنا الدكتور الفقيه/ محمد طلعت
الغنيمى – القانون الدولى البحرى فى أبعاده الجديدة- ص 182-183 منشأة المعارف-
الاسكندرية، بدون سنة نشر.



ولسيادته
كذلك/ الغنيمى الوجيز- فى قانون السلام – الجزء الثانى ص 554-555 منشأة المعارف
بالاسكندرية.







([5]) انظر: أستاذنا الدكتور/ محمد السعيد الدقاق،
وأستاذنا الدكتور/ مصطفى سلامة فى مؤلفهما "القانون الدولى العام" ص
371، سنة 2000- دار الهدى للمطبوعات – الاسكندرية.







([6]) انظر أستاذنا الدكتور/ على صادق أبو هيف –
القانون الدولى العام – ص 386- الطبعة الثانية عشر – منشأة المعارف – الاسكندرية –
بدون سنة نشر.







([7]) انظر: أستاذنا الدكتور/ محمد سامى عبد الحميد
– أصول القانون الدولى العام – الجزء الثالث – الحياة الدولية – ط ثانية – دار
المطبوعات الجامعية – الاسكندرية – ص 340.







([8]) انظر: الأستاذ الدكتور/ ابراهيم محمد العنانى
– القانون الدولى العام – دار الفكر العربى 75-76 وص 342.







([9]) يرى أستاذنا الدكتور/ محمد طلعت الغنيمى أن
الأسلم عنده هو " الإرادى أو القصدى (
Voluntary) ويبرر ذلك سيادته أن
الطوع فيه معنى الإنقياد بينما مقصود النص هو العمل الذى يؤدى بإرادة حرة عن قصد
من فاعله). انظر أستاذنا الدكتور محمد طلعت الغنيمى، القانون الدولى البحرى فى
أبعاده الجديدة – مصدر سابق – ص182.







([10]) انظر: الأستاذ الدكتور/ الشافعى محمد بشير –
القانون الدولى العام فى السلم والحرب – ط سادسة – مكتبة الجلاء الجديدة –
المنصورة – بدون سنة نشر – ص 474 – 475.







([11]) انظر: أستاذنا الدكتور/ محمد طلعت الغنيمى –
مصدر سابق – ص 183 – 184.







([12]) انظر: أستاذنا الدكتور/ محمد السعيد الدقاق –
وأستاذنا الدكتور/ مصطفى سلامة، مرجع سابق ص 361.







([13]) انظر: أستاذنا الدكتور على صادق أبو هيف –
القانون الدولى العام – مرجع سابق ص 388.







([14]) انظر: أستاذنا الدكتور/ أحمد أبو الوفا محمد –
القانون الدولى للبحار على ضوء أحكام المحاكم الدولية والوطنية وسلوك الدول
وإتفاقية 1982 – الطبعة الأولى سنة 1988 – 1989 ص 402-403 القاهرة.







([15]) انظر: د. محمد عبد المنعم عبد الغنى – الجرائم
الدولية – دراسة فى القانون الدولى الجنائى – رسالة دكتوراة - ص 334 – كلية الحقوق
– جامعة الإسكندرية- سنة 2007.







([16]) انظر: د. محمد عبد المنعم عبد الغنى – القانون
الدولى الجنائى – دراسة فى النظرية العامة للجريمة الدولية – دار الجامعة الجديدة
- الاسكندرية– سنة 2008 – ص 135.

descriptionالجرائم الدولية الماسة بأمن وسلامة الملاحة الدولية  فى القانون الدولى العام          دكتور محمد عبد المنعم عبد الغنى خبير القانون الدولى Emptyرد: الجرائم الدولية الماسة بأمن وسلامة الملاحة الدولية فى القانون الدولى العام دكتور محمد عبد المنعم عبد الغنى خبير القانون الدولى

more_horiz
الآثار القانونية لجريمة القرصنة البحرية:





إذا ماتوافرت الأركان
القانونية لجريمة القرصنة البحرية الدولية ووجدت أسباب جدية تبرر الشك فى أن سفينة
ما هى سفينة قرصنة فإنه وفقاً للمواد (105 – 107 من إتفاقية الأمم المتحدة لقانون
البحار لعام 1982 – المشابهتين فى مضمونهما 19، 20، 21 من إتفاقية جنيف 1958) يكون
لكل دولة بواسطة سفنها الحربية أو أية سفن مخصصة لخدمة حكومية أن تقوم بضبط سفينة
القرصنة فى البحر العالى أو آية منطقة تخرج عن حدود ولاية أية دولة. ويكون لمحاكم
تلك الدولة أن تحكم بالعقوبات الواجب توقيعها والإجراءات الواجب إتخاذها فيما
يتعلق بالسفينة والأموال الموجودة عليها؛ مع حفظ حقوق الغير حسن النية. ويراعى أنه
لتجنب أى ضبط تعسفي أو تحكمي ـ تتحمل الدولة التى تقوم بالضبط المسئولية عن أية
خسارة أو ضرر إزاء دولة السفينة إذا كان الضبط قد تم دون مبررات كافية([1]).
(مواد 105 – 107 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982).






إذن فقيام السفينة الحرية
بإيقاف إحدى السفن بدعوى الإشتباه فى قيامها بالقرصنة دون ما مبرر سائغ يقوم عليه
هذا الإشتباه، من الأمور التى قد تؤدى إلى مسئولية الدولة التى تتبعها هذه السفينة
قبل الدولة التى تنتمى إليها السفينة التى أوقفت. وذلك وفقاً لنص المادة (106) من
اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وتنص هذه المادة الأخيرة؛ وهى مشابهة فى
صياغتها ومضمونها لمثيلتها الواردة فى إتفاقية جنيف، على أنه "عندما تضبط سفينة أو طائرة بشبهة
القرصنة دون مبررات كافية، تتحمل الدولة التى قامت بعملية الضبط إزاء الدولة التى
تحمل السفينة أو الطائرة جنسيتها، مسئولية أية خسائر أو أضرار يسببها هذا الضبط([2]).


















الوضعية القانونية الدولية لقضية القرصنة
البحرية فى السواحل الصومالية:






ذكرت وسائل الإعلام المحلية
أمس الخميس 4 سبتمبر أن قراصنة صوماليين اختطفوا قارباً مصرياً تجاه ساحل دولة
القرن الأفريقي. وهذا هو الحادث الأخير ضمن حوادث القرصنة المتزايدة على الساحل
الصومالى فى الشهور الأخيرة.






وقد ذكر الراديو المحلى
نقلاً عن مسئولي منطقة شمال شرق الصومال أن القراصنة المسلحين بالأسلحة الثقية
أخذوا القارب بعدياً عن الساحل فى وقت متأخر من أمس الأربعاء وتوجهوا إلى مدينة
إيل الساحلية وسط الصومال التى يتخذها القراصنة قاعدة لهم. وقد كان القارب الذى لا
يعرف نوعه ولا عدد طاقمه ولا المسافرين على متنه يحمل العلم المصرى.






هذا من ناحية ومن ناحيةأخرى
فقد تمت مهاجمة أكثر من 30 سفينة هذا العام من بينها 11 سفينة فى الشهرين الماضيين
فقط، مما جعل خط الساحل الممتد واحداً من أخطر المناطق فى العالم.






كذلك فقد اختطف القراصنة
الصوماليين يختاً سياحياً فرنسياً يحمل فرنسيين أمس الأربعاء، وقد طالبوا بفدية
قدرها خمسة ملايين دولار أمريكى لإطلاق سراح السائحين واليخت([3]).






أعلنت وزارة الداخلية
اليمنية مساء أمس الأحد 5 اكتوبر الحالى قيام قراصنة صوماليين بالإفراج عن ثلاث
سفن تجارية، إثنتان منهما ماليزية وواحدة مصرية كانوا قد اختطفوها خلال شهرى أغسطس
وسبتمبر الماضيين وأوردت الوزارة معلومات تلقتها عن المركز الدولى لمكافحة القرصنة
فى كوالالمبور بماليزيا تشير إلى أن القراصنة أطلقوا سراح السفن بعد الإتفاق مع
مالكيها على فدية مالية لم يكشف عن حجمها حفاظاً على سرية الصفقة.






وكان القراصنة الصوماليون
قد هاجموا خلال هذا العام 33 سفينة أثناء عبورها قـُبالة الساحل الصومالى ؛ كان
آخرها السفينة الأوكرانية التى اختطفت نهاية شهر سبتمبر؛ وأثارت ضجة دولية حول
القرصنة البحرية فى المنطقة وخطرها على سلامة الملاحة الدولية.






تلك هى الأنباء وغيرها
الكثير التى لازالت وسائل الإعلام المختلفة تقوم ببثها آناء الليل وأطراف النهار.






ولعل التساؤل الحيوى
والجوهرى الذى سرعان ما يتبادر إلى الذهن ألا وهو هل الجرائم التى يقترفها هؤلاء
الصوماليين تعد وفقاً للقانون الدولى للبحار ـ جرائم قرصنة بحرية أم جرائم عادية،
ورد النص عليها فى اتفاقيات دولية أخرى؟






تجدر الإشارة أن الإجابة
على هذا التساؤل تتوقف على ما إذا كانت تلك الجرائم أو بعبارة أخرى الأعمال غير
المشروعة قد ارتكبت فى أعالي البحار أو بعبارة أدق فى عرض البحر العام أو فى مكان
ولا يخضع لولاية أية دولة، أم اقترفت فى المياه الإقليمية الصومالية!!






فإذا ما ثبت أن السُفن
المُختطفة قد هُوجمت من قبل القراصنة أثناء إبحارها أو توقفها بالبحر العام. أو فى
مكان لا يخضع لولاية دولة ما. ففى هذه الحالة تعد أعمال العنف غير المشروعة
الصادرة من القراصنة "جريمة قرصنة بحرية". أما إذا كان الأمر خلاف ذلك
أى تمت مهاجمة واختطاف السفن أثناء إبحارها أو توقفها فى المياه الإقليمية
الصومالية، فتلك الواقعة المتضمنة لأعمال العنف غير المشروعة ضد السفن لا تعد
جريمة قرصنة بحرية وإنما تـُعد جريمة ماسة بسلامة وأمن الملاحة البحرية ورد النص
عليها فى إتفاقية القضاء على الأفعال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية والتى
أبرمت فى 10 مارس عام 1988 (بمدينة روما).



حيث أنها قد تضمنت تعريفاً
للجرائم المرتكبة والتى تتلخص فى استخدام القوة أو التهديد بها بضد سفينة ما أو
الأشخاص الموجودين فوقها.






وتجدر الإشارة أنه إذا
ماثبت وقوع إرتكاب جريمة القرصنة البحرية من قبل القراصنة الصوماليين فى عرض البحر
العام أو فى مكان لايخضع لولاية دولة ما فإن الاختصاص بمحاكمة وعقاب هؤلاء
القراصنة ينعقد لقضاء الدولة التى قامت سفينتها الحربية بضبط هؤلاء القراصنة. وما
ذلك إلا تطبيقاً لمبدأ عالمية الاختصاص أو الإختصاص العالمى. ووفقاً لما ورد النص
عليه فى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.






أما إذا ماثبت ارتكاب تلك
الجريمة فى المياه الإقليمية الصومالية فإن الاختصاص بمحاكمة وعقاب المتهمين ينعقد
لدولة الصومال.






نخلص من كل ذلك أنه يتعين
وقوع أعمال العنف فى البحر العالى أو فى مكان لايدخل فى ولاية أى دولة حتى تعد من
قبيل القرصنة؛ ولذلك فإنه لا يعتبر من قبل القرصنة كما سبق الإشارة مايقع من أعمال
العنف غير المشروعة فى البحر الإقليمى أو البحر الداخلى لاحدى الدول؛ وذلك أياً
كانت شخصية القائمين بهذه الأعمال، وبغض النظر
عن أهدافهم.






المبحث الثالث


الآثار الإقتصادية لجريمة
القرصنة البحرية



(القرصنة البحرية فى
الصومال – كنموذج)






لا غرو أن جريمة القرصنة
البحرية تخلف من ورائها آثاراً اقتصادية لا يمكن إنكارها. وهاهو شبح المخاطر
الاقتصادية ماثلاً أمام أعيُننا بشأن أعمال القرصنة البحرية التى يقترفها القراصنة
الصوماليون فى خليج عدن الذى يتحكم فى المدخل
الجنوبى للبحر الأحمر وقناة السويس، وهو واحد من أهم طرق الملاحة البحرية
فى العالم؛ ويقدر عدد السفن التى تعبره سنوياً بما بين ستة عشر ألفاً وعشرين ألف
سفينة وحوالى 30 % من الملاحة النفطية العالمية.






وهو يشكل كذلك طريقاً
رئيسياً للتجارة بين أوربا وآسيا، ويكاد يكون الطريق الوحيد بين روسيا والدول
المطلة على البحر الأسود إلى غرب أفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا. كما أنه يكاد يكون
الطريق الوحيد لتجارة الدول التى تطل على البحر الأحمر وليس لها منفذ على البحار
الأخرى.






ولقد أشار تقرير المعهد
الملكى للدراسات الاستراتيجية بلندن (شاتام هاوس) إلى أنه إذا أصبحت كلفة التأمين
باهظة وإذا أصبح التهديد كبيراً جداً، فإن لشركات الملاحة يمكن أن تتجنب خليج عدن
وتسلك الطريق الأطول عبر أوربا وأمريكا الشمالية ورأس الرجاء الصالح.






وأضاف المعهد أن ذلك سيؤدى
إلى زيادة تكاليف التشغيل والشحن الإجمالية فى وقت يمثل فيه سعر النفط مبعث قلق
رئيسى؛ مؤكداً أنه يجب التفكير بجدية فى العمل على منع أى شئ من شأنه أن يسهم فى
ارتفاع الأسعار بشكل أكبر.






ويخشى أن تؤثر أعمال
القرصنة على وصول المعونات الإنسانية التى يقدمها برنامج الغذاء العالمى للصومال؛
وعلى نشاط الصيد فى المنطقة.






الآثار الاقتصادية للقرصنة البحرية قبالة
السواحل الصومالية والمصالح العربية:






يعد البحر الأحمر وخليج عدن
الطريق الوحيد لتجارة الدول العربية المطلة عليهما كالأردن والسودان وجيبوتى، وهو
طريق شديد الأهمية لتجارة كل من مصر والسعودية بالرغم من أن لكل منهما إطلالة على
بحار غير كالبحر المتوسط بالنسبة لمصر والخليج بالنسبة للسعودية.






وجدير بالذكر أن كل من
اليمن والصومال يطلان على المحيط الهندى؛ وأن أى إرتباك أو بعبارة أخرى إضطراب فى
الملاحة فى البحر الأحمر وخليج عدن قد يؤثر سلبياً بشكل واضح على مصالح تلك الدول.






أما الملاحية البترولية فإن
30 % منها يمر بالبحر الأحمر؛ وهكذا فإن الدول العربية البترولية لا بد أن تتأثر
باضطراب الملاحة فى هذا الممر خاصة دول الخليج العربية التى يمر بها جزء كبير من
صادراتها البترولية إلى أوربا عبره.






ولذلك يتضح ما لهذا الممر
من أهمية قصوى لكل من العراق والكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات وعُمان.






أيضاً تجدر الإشارة إلى أن
الملاحة فى قناة السويس تتأثر بارتباك واضطراب الملاحة فى البحر الأحمر وخليج عدن
لأنهما يعتبران إمتداداً للقناة؛ إذ يتعين أن تمر السفن العابرة لقناة السويس
بالبحر الأحمر إما قبل العبور أو بعده؛ وبالتالى فإن دخل مصر من القناة سيتأثر بما
يحدث من قرصنة فى البحر الأحمر وقناة السويس.






وليس بخاف أن احتمال سلوك
السفن طريق رأس الرجاء الصالح سوف يؤثر كثيراًُ على دخل قناة السويس وكذلك موانئ
اليمن والصومال.






ويُلاحظ أن أعمال القرصنة
أو بعبارة أدق جرائم القرصنة البحرية تؤدى إلى مخاطر على 65798 صياداً يمتلكون 16
ألف قارب صيد توفر 2890 فرصة عمل جديدة سنوياً، وقد وصل الأمر إلى اختطاف سفينة
صيد كبيرة وقد طالب مختطفوها بفدية مقدارها ثلاثمائة ألف دولار.






كذلك تؤدى جرائم القرصنة
البحرية إلى ارتفاع أسعار الأسماك والثروة السمكية وذلك نتيجة لتحميل تكاليف
الفدية المدفوعة، وتكاليف إجراءات تأمين ملاحة الصيد باستخدام جهاز لاسلكى مرتبط
بجهاز تتبع بنظام مراقبة السفن عبر الأقمار الصناعية، وهو يؤثر بدوره بلا شك على
التنمية بالمنطقة وبالتالى على الإستقرار فيها.













([1]) انظر: أستاذنا الدكتور/ أحمد أبو الوفا –
القانون الدولى للبحار – مصدر سابق – ص 405 – 407.







([2]) انظر: أستاذنا الدكتور/ محمد سامى عبد
الحميد- أصول القانون الدولى العام – الجزء الثالث – الحياة الدولية – مصدر سابق –
ص 346.







([3]) انظر الموقع الإكترونى : http://arabic.people.com.cn/

descriptionالجرائم الدولية الماسة بأمن وسلامة الملاحة الدولية  فى القانون الدولى العام          دكتور محمد عبد المنعم عبد الغنى خبير القانون الدولى Emptyرد: الجرائم الدولية الماسة بأمن وسلامة الملاحة الدولية فى القانون الدولى العام دكتور محمد عبد المنعم عبد الغنى خبير القانون الدولى

more_horiz
المبحث الرابع


الجهود الدولية
لمواجهة ومكافحة جريمة القرصنة البحرية






فى الحادى عشر من شهر يوليو
لعام 2007 وجه رئيسا منظمتين تابعتين للأمم المتحدة نداءاً مشتركاً للقيام باتخاذ
إجراءات دولية جماعية منسقة من أجل مواجهة تهديدات القرصنة والسطو المسلح قبالة
سواحل الصومال؛ وذلك بسب تنامى القلق إزاء الأخطار التى تتعرض لها السفن التجارية
ومراكب الصيد وغيرها من سلب النقل البحرية بما فيها المستخدمة لتوصيل المساعدات
الإنسانية التى يحتاج إليها مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال فى الصومال.






وقد حذر الأمين العام
للمنظمة الدولية للملاحة البحرية، فيسميوس ميتروبوليس والمدير التنفيذى لبرنامج
الأغذية العالمى للأمم المتحدة؛ السيدة/ جوزيت شيران من أن عمليات القرصنة التى
تقع قبالة السواحل الصومالية تهدد الممرات البحرية الموجودة فى المنطقة، كما يمكن
أن تشكل تهديداً لخط إمدادات المساعدات الغذائية الضعيفة الموجة للصوماليين الذين
مزقت حياتهم الصراعات الأهلية وعدم الإستقرار السياسى والكوارث الطبيعية العديدة
طوال خمس عشر عاما الماضية.






وفى شهر يونيو الماضى؛ أعرب
مجلس المنظمة الدوليية؛ فى اجتماع لندن، عن قلقه إزاء هذه التطورات التى عرضها
الأمين العام ميتروبوليس. كما وافق المجلس على اقتراحات بشأن اتخاذ مزيد من
الإجراءات لإشراك المجتمع الدولى فى مواجهة أعمال القرصنة والسطو المسلح المستمرة
فى المنطقة؛ وبوجه خاص، الموجه منها ضد السفن التى تحمل على متنها المساعدات
الإنسانية المقدمة إلى الصومال.






وتطبيقاً لذلك فقد فوض مجلس
المنظمة الدولية السيد/ ميتروبوليس فى التقدم بطلب للأمين العام للأمم المتحدة –
بان كى مون، لجذب إنتباه مجلس الأمن للأمم المتحدة مرة أخرى إلى وضع قضية القرصنة
فى الصومال، حيث يمكن لمجلس الأمن بدوره أن يطلب من الحكومة الإتحادية الإنتقالية
فى الصومال إتخاذ التدابير اللازمة.






ويمكن أن تتضمن هذه
الإجراءات القبول بدخول أى سفن إلى المياه الإقليمية للصومال أثناء قيامها بعمليات
ضد القراصنة أو المشتبه فى قيامهم بأعمال قرصنة أو سطو مسلح يهدد الأوضاع الأمنية
فى عرض البحر. ويقع هذا القبول تحت نص المادة (107) من قانون البحار الخاص
بإتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.






وقد أدت هذه الجهود إلى أن
صَوْت مجلس الأمن بالإجماع فى السابع من أكتوبر على قرار يدعو الدول إلى نشر سفن
وطائرات عسكرية وذلك لمحاربة القرصنة بشكل فعال فى عرض البحر قـُبالة السواحل
الصومالية.






ويدعو المجلس فى القرار رقم
1838 الذى أتخذ بناء على تصويت بالإجماع جميع الدول التى لديها سفن وطائرات عسكرية
تعمل فى المنطقة إلى استخدام الوسائل اللازمة لقمع أعمال القرصنة فى عرض البحر
بشكل متسق مع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 وكذلك فى المجال
الجوى قبالة السواحل الصومالية.






وقد دعا مجلس الأمن الدول
القادرة على ذلك إلى التعاون مع الحكومة الاتحادية المؤقتة فى الصومال لدخول
المياه الإقليمية الصومالية واستخدام "جميع الوسائل اللازمة" لقمع أعمال
القرصنة والسرقة المسلحة فى البحار بشكل متسق مع القانون البحرى.






كما يدعو الدول والمنظمات
الإقليمية إلى مواصلة اتخاذ الإجراءات لحماية قوافل برنامج الغذاء العالمى الذى
يعد برنامجاً "مهماً للغاية" لتوفير مساعدات إنسانية لأولئك المُضارين
فى الصومال حسبما قال المجلس.






وأكد المجلس من جديد فى
القرار الذى قدمت مشروعه فرنسا على "إدانة وشجب جميع أعمال القرصنة والسرقة
المسلحة فى البحار على السفن قبالة سواحل الصومال".






وقال المجلس أنه "قلق
للغاية بشأن تفشى أعمال القرصنة والسرقة المسلحة الأخيرة فى البحار ضد السفن
قـُبالة سواحل الصومال؛ كما أنه قلق بشأن التهديدات الخطيرة التى تواجه تسليم
المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن وفعال للصومال، وبشأن عمليات الإبحار الدولية
وسلامة الطرق البحرية التجارية وأنشطة الصيد التى تجرى وفقاً للقانون الدولى".



كما أشار المجلس بقلق إلى
"أن أعمال القرصنة المتزايدة تنفذ باستخدام تنظيم وأساليب هجوم معقدة".






وفى قرار مماثل هو القرار
رقم 1816 الذى صدر فى الثانى من يونيو حث المجلس المكون من خمسة عشر عضوا السفن
الحربية للدول على دخول المياه الإقليمية الصومالية ومحاربة القرصنة بشكل فعال
قبالة سواحل الصومال.






إذن يتضح من ذلك أن اهتمام
الدوائر الدولية بمكافحة جريمة القرصنة البحرية قد بلغ ذروته وذلك بصدور قرارات
مجلس الأمن أرقام 1814، 1816، 1838. وقد تضمن القرار رقم 1816 كما سبق الذكر مبدأ
جواز دخول السفن الحربية إلى المياه الإقليمية الصومالية بموافقة حكومتها لمكافحة
القرصنة البحرية، بينما يطالب القرار رقم 1838 الدول بأن تتعاون مع حكومة الصومال
كما أسلفنا.






ويُلاحظ أن الولايات
المتحدة الأمريكية صارت تدفع لمدة أسابيع فى سبتمبر سنة 2008 باتجاه ترتيبات أمنية
لنشر المزيد من السفن الحربية فى المنفذ الجنوبى للبحر الأحمر وخليج عدن، لموجهة
خطر القرصنة.



وتبدى اليمن ودولاً أخرى
مخاوف ومعارضة شديدة لهذه التوجهات بينما اتجهت دول الإتحاد الأوربى إلى إقرار خطة
عمل للتصدى لأعمال القرصنة البحرية قـُبالة السواحل الصومالية لاستئصال أنشطة
القراصنة.






دور جامعة الدول العربية فى مكافحة جريمة
القرصنة البحرية:






عقد مجلس السلم والأمن
العربى على مستوى المندوبين الدائمين اجتماعاً بمقر الجامعة وذلك لمناقشة قضية
القرصنة البحرية أمام السواحل الصومالية. وقد كان الاجتماع الأول قد تأجل بعد أن
اعتذر مندوب مصر فى الجامعة عن الحضور، بالإضافة لإمتناع مندوب الصومال عن الحضور.



ويضم مجلس الأمن والسلم
العربى فى عضويته كلاً من سوريا والسعودية والجزائر وجيبوتى والسودان، ودعى إلى
الاجتماع كلاً من مصر واليمن والصومال. ويناقش المجلس قضية القرصنة البحرية أمام
السواحل الصومالية من قبل بعض الميليشيات الصومالية؛ وكذلك متابعة كيفية تنفيذ
ماورد فى قرار مجلس الأمن الدولى رقم 1838 الصادر فى أكتوبر سنة 2008 بشأن التعاون
الإقليمى والدولى لمكافحة عملية القرصنة البحرية أمام السواحل الصومالية.






ويلاحظ أن الدولة العربية
المعنية بالأمر وهى الصومال واليمن ومصر قد وضعت تصورات معينة للتعامل مع هذه
الأزمة التى تشكل خطراً على حرية الملاحة فى البحر الأحمر وبالتبعية على قناة
السويس وماينجم عن ذلك من تهديد لاقتصاديات الدول العربية.






خاتمــة:


تناولنا بالبحث والدراسة
جريمة القرصنة البحرية باعتبارها تمثل مساساً وتهديداً لأمن وسلامة الملاحة فى
أعالى البحار. وقد أوضح البحث الجذور التاريخية لجريمة القرصنة البحرية. وقد تبين
لنا كذلك أن الإتفاقيات الدولية بشأن أعالى البحار (إتفاقية جنيف لعام 1958-
واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982) لم تعرف القرصنة البحرية، وأوردت
فحسب حصراً للأعمال غير المشروعة التى تدخل فى عداد القرصنة. ولذلك فقد تصدى الفقه
الدولى لبيان وتحديد مفهوم القرصنة محدداً شروطها وأركانها، وهو ما أوضحه البحث
الماثل.






ولقد تبين لنا أن للقرصنة
شروطاًُ وأركاناً يتعين توافرها للجزم بأن هنالك جريمة قرصنة قد ارتكبت وذلك وفقاً
للحكم القانونى الدقيق وتتمثل هذه الشروط فى ثلاثة شروط أوضحها البحث فى موضعها.






ونظراً لما تخلفه أعمال
القرصنة فى أعالى البحار من آثار اقتصادية لايمكن إنكارها ناجمة من المساس بأمن
وسلامة الملاحة الدولية بفعل أعمال القرصنة البحرية غير المشروعة. فقد تناول البحث
بالدراسة تلك الآثار الاقتصادية التى لحقت بالدول ككل.






ونظراً لأن الأمل يحدونا فى
تعاون كل الدول فى مواجهة وقمع أعمال القرصنة فى أعالى البحار أو فى أى مكان آخر
لا يخضع لولاية أية دولة فقد أوضحت الدراسة الجهود الدولية لمواجهة ومكافحة وقمع
جريمة القرصنة البحرية.









* *
*




privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد