الطعن رقم 1793 لسنة 16 بتاريخ 11/11/1946
القصد الجنائي في جرائم التخريب والإتلاف العمدية, سواء ما اعتبره القانون منها جنايات كتخريب مباني الحكومة (المادة 90) وإتلاف الخطوط التلغرافية (المادة 165) وتعطيل وسائل النقل العامة (المادة 167) وإحداث الغرق (المادة 359) وإتلاف البضائع والأمتعة بالقوة الإجبارية (المادة 366), وما اعتبره جنحاً كإتلاف المباني والآثار المعدة للنفع العام والزينة وتخريبها (المادة 162) وتخريب آلات الزراعة وزرائب المواشي (المادة 354) وقتل الحيوان وسمه وإيذائه (المادتان 355 و357) وإتلاف المحيطات والحدود (المادة 358) وهدم العلامات المساحية أو إتلافها (المادة 362) وإتلاف الدفاتر والمضابط والسجلات العامة أو الخاصة (المادة 365) وإتلاف المزروعات والأشجار (المادة 367) - القصد الجنائي في عموم هذه الجرائم ينحصر في تعمد ارتكاب الفعل الجنائي المنهي عنه بأركانه التي حددها القانون, ويتلخص في اتجاه إرادة الفاعل إلى إحداث الإتلاف أو التخريب أو التعطيل أو الإغراق وعلمه بأنه يحدثه بغير حق. وعبارة "بقصد الإساءة" التي ذكرت في المادة 361 لم تأت في الواقع بزيادة على معنى القصد الجنائي المطلوب في جرائم الإتلاف العمدية الذي تقدم بيانه, لأن تطلب نية الإضرار حيث لا يتصور تخلف الضرر هو تحصيل لحاصل وذكر لمفهوم, إذ نية الإضرار تتوفر قانوناً لدى المتهم متى كان يعلم أن عمله يضر أو يمكن أن يضر بغيره. وهذا هو دائماً حال مرتكب جرائم التخريب والإتلاف العمدية, فمن يتلف مالاً لغيره عن قصد وبغير حق يضر بهذا الغير ويسيء إليه قصداً وعمداً, فقصد الإساءة قائم به بهذا. ولم يشترط القانون أن تكون هذه الإساءة مصحوبة أو غير مصحوبة بمقصود آخر قريب أو بعيد كجلب منفعة بغير حق أو إرضاء مطمع, سيما وأن الإساءة ليست من المقاصد بقدر ما هي وسيلة من الوسائل تستخدم لتحقيق أغراض ومقاصد مادية أو غير مادية لمن لا يتورعون عن تحقيق غاياتهم ومقاصدهم بإيذاء الخلق في النفس أو المال. فمن يتعمد التوسل بفعل مسيء ضار بالغير مع علمه أنه لا حق له فيه - كما هو الشأن فيمن يتعمد التخريب والإتلاف - يصدق عليه وصف مرتكب الإساءة كما يصدق على فعله أنه حصل للإساءة. ولا يهم بعد هذا أن يكون قد رمى من وراء ذلك إلى تحقيق منفعة لنفسه أو لسواه, لأن هذا كله من قبيل البواعث والدوافع التي لا شأن لها بالقصد الجنائي. وهكذا يتطابق في جرائم التخريب والتعييب والإتلاف العمد وقصد الإساءة بحكم أن تعمد مقارفة الفعل الضار بأركانه يتضمن حتماً نية الإضرار. ولعل هذا هو ما حدا واضع القانون على استعمال كلمة "عمداً" في المادة 359 في مقابل اللفظ الفرنسي (Mechamment) الذي استعمله في المادة 361 عند تباينه جناية إحداث الغرق.
وحمل عبارة "بقصد الإساءة" على المعنى الذي تتطابق فيه مع العمد لا يخشى منه أن يقوم عليه التعارض بين حكم المادة 361 ع وحكم الفقرة الأولى من المادة 389 الواردة في باب المخالفات, لأن هذه الفقرة ليست إلا نصاً احتياطيا وضع على غرار الفقرة الأولى من المادة 479 من قانون العقوبات الفرنسي ابتغاء أن يتدارك بها ما عساه أن يفلت من صور الإتلاف من العقوبة عملاً بنصوص القانون الأخرى المتعلقة بالتخريب والتعييب والإتلاف, فلا انطباق لهذه المادة حينما ينطبق نص آخر من نصوص القانون الخاصة بالتخريب والإتلاف