"المتعة"
الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط.
النص في القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979
القانون رقم 44 لسنة 1979 مطابقة.
النص في القانون رقم 25 لسنة 1929
القانون رقم 25 لسنة 1929 لا نظير لها.
المذكرة الإيضاحية
لما كان من المستقر عليه شرعاً أن الطلاق حق للزوج وكان القانون القائم لا يوجب المتعة للمطلقة بعد الدخول وحبسها أنها استحقت المهر كله بالدخول ولها نفقة العدة أما المتعة فهي مستحبة ولا يقضي بها.
وإذ تراخت المروءة في هذا الزمن وانعدمت لا سيما بين الأزواج إذا أنقطع حبل المودة بينهما وأصبحت المطلقة في حاجة إلى معونة أكثر من نفقة العدة تعينها من الناحية المادية على نتائج الطلاق وفي المتعة ما يحقق المعونة، وفي الوقت نفسه تمنع الكثيرين من التسرع في الطلاق.
ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر المطلقة وكانت مواساتها من المروءة التي تطلبتها الشريعة وكان من أسس تقديرها قول الله تعالى: )وَمَتٌِعُوهُنٌََ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقتِرِ قَدْرُهُ( من الآية 236 من سورة البقرة وكان لإيجاب المتعة هو مذهب الشافعي الجديد حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول أن لم تكن الفرقة منها أو بسببها وهو قول لأحمد اختاره ابن تيمية كما أن إيجابها مذهب أهل الظاهر وهو قول لمالك أيضاً (المهذب للشيرازي فقه شافعي - جـ2 - ص 7-8 والمحلي لابن حزم - جـ1 - ص 245 - 249).
وعلى هذا وضع نص المادة 18 مكرر بمراعاة ضوابط أقوال هؤلاء الأئمة وللقاضي أن ينظر في تقديرها عدا ما سبق إلى ظروف الطلاق وإلى إساءة استعمال هذا الحق ووضعه في موضعه ولا تقل في تقديرها عن نفقة سنتين وتخفيفا على المطلق في الأداء أجاز النص الترخيص له في سداد جملة المقرر للمتعة على أقساط.
سند وجوب النص
ويستند النص المطروح إلى عموم قوله تعالى )لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلقتُمُ النِسَاء مَا لَمْ تَمَسٌُوهُنٌَ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنٌُ فَرِيضَةً وَمَتٌِعُوهُنٌَ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقٌَاً عَلَى المُحْسِنِينَ(( ) وقوله تعالى : ) يَا أَيٌُهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمٌَ طَلقتمُوهُنٌَ من بل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سَرَاحاً جَمِيلاً(( ).
التعليق
• نص الفقهاء على أن الرجل إذ طلق زوجته في مرض موته اعتبر بذلك فاراً من إرثها فيه وقالوا أنه يعامل بنقيض مقصوده فأفتوا باستحقاقها لنصيبها في تركته، أما إذا ماتت هي قبله فإنه يعامل بإقراره ولا يرث فيها، ومن هذا نستطيع أن نتبين أن الفقهاء عاقبوا المتعسف في استعمال حق الطلاق وأنهم بهذا يكونوا قد فوتوا عليه قصد المضارة وأعطوا المطلقة الحق الذي كان يقصد إضاعته، وهذا يشير إلى أن الطلاق لا يلجا إليه إلا عند وجود الحاجة التي تقتضيه، والناس قديما كانوا أكثر تمسكا بالدين وفهما لمقاصده وأخذا بأحكامه فكان لهم من هذا وازع على رعاية الله في هذا الحق وعدم إساءة استعماله وكان ذلك كفيلاً إلا يطلق أحدهم إلا إذا وجد ما يقتضي الطلاق ولذا فإنهم لم يكونوا في حاجة إلى تدخل الحاكم لمراقبة استعمال هذا الحق ومجازاة المسيء على إساءته بالحكم عليه بما يعوض وقع الإساءة على نفس الآخر، على غير ما صارت إليه أخلاق الناس وظروف المجتمع في الوقت الحاضر.
وتعويض المطلقة نص عليه الفقهاء ومنهم من أوجبه وعممه في كل صور الطلاق كالظاهرية ومنهم من أوجبه في كل طلاق بعد الدخول كالشافعية.
سبب تقرير الحق في المتعة
ومن هذا يبين أن المتعة في حقيقتها ما هي إلا تعويض للمطلقة على ما أصابها بسبب الطلاق من غضاضة وليرفع عنها وصف الإساءة ولتكون المتعة بمنزلة الشهادة بأن الطلاق ليس لعلة فيها وإنما لعذر يخص المطلق.
تعريف المتعة
• وعلى ذلك فالمتعة - في ضوء المفهوم المتقدم - هي مبلغ من المال أو ما يقوم مقامه يلزم به المطلق الذي أساء استعمال حقه في الطلاق( ).
وهي بهذا المعنى صور خاصة لجبر الضرر المعنوي والألم النفسي الذي يصيب المرأة من جراء الطلاق الواقع، عليها فهي ليست تعويضاً بالمعنى المتداول للتعويض وإلا لتعيين القول بإمكان المطلقة به إذا ثبت الخطأ في جانبها وحيث لا يكون التعويض عن طلاق طبقاً لما اتجهت إليه أحكام محكمة النقض( ).
فالغاية منها - كما قدمنا - هي جبر خاطر يعطي للمطلقة لتخفيف ما عساه يصيبها من ألم ومعاناة ناتجة عن طلاق لا دخل لها فيه ولا يرجع سببه إليها.
المحكمة من تشريع المتعة
• وعلى ذلك يمكن القول بأن الحكمة من تشريع المتعة هي جبر خاطر المطلقة ومواساتها ومعونتها على مواجهة تبعات الطلاق( ) ولا يعد على ما شاع به القول جزاء على إساءة استعمال الزوج لحقه في الطلاق.
• والمتعة - بالمعنى السابق - هي أحد الحقوق المالية الثلاثة التي تجب للمرأة على زوجها وأولها المهر الذي يجب لها مقابل استيفاء الزوج ما يقتضيه عقد الزواج من منافع الزوجية، وثانيهما النفقة التي تجب لها نظير احتباسها لمصلحة الزوج وثالثها المتعة والتي تجب لها جبرا وترفيها وتخفيفا لما يصيبها من أسف وحسرة ووحشة بسبب استعمال الرجل حقه الذي منحه الله إياه وحرمها منه.
شروط استحقاق المتعة
• وقد اشترط النص لاستحقاق المتعة أربعة شروط( ) :
الشـــرط الأول : أن تكون الزوجة مدخولاً بها( ) في زواج صحيح( )، فلا تجب المتعة للمخطوبة كما لا تجب لمن كان زواجها فاسداً أو باطلاً ثم طلقت كمن تزوجت معتوها أو أحد محارمها، ويجب أن تكون الزوجة مدخولاً بها حقيقة أو مختلى بها دون دخول قياساً لأن النص القرآني أوجبها أصلاً للمطلقة دون مسيس أي قبل الدخول( ).
هل المختلى بها دون دخول تستحق المتعة؟
• واشتراط النص لاستحقاق المتعة الدخول الحقيقي إنما هو شرط لجواز التقاضي بها إما احتساب مقدار مبلغ المتعة فإنه يكون عن مدة الزوجية كلها بصرف النظر عن تاريخ الدخول، وعلى ذلك فإذا تم العقد وتراخى الدخول إلى وقت لاحق احتسب مبلغ المتعة من يوم العقد وليس من يوم الدخول، أي أن الدخول ما هو إلا شرط للمطالبة القضائية والاستحقاق وليس عنصرا من عناصر التقدير.
والشرط الثاني: أن يقع الطلاق بين الزوجين أياً كان نوعه رجعياً أو بائناً( )، فتستحق المطلقة المتعة أيا كان نوع الطلاق باعتبار أن العبرة في استحقاقها هي بالطلاق ذاته باعتباره الواقعة القانونية المنشئة لالتزام الزوج بها( ) وعلى ذلك فليس بلازم ثبوت انقضاء فترة العدة قبل رفع الدعوى بالمتعة فللمطلقة رجعياً إقامة الدعوى بها فور إيقاع الطلاق، وتستحق المتعة حق ولو أعادها المطلق إلى عصمته، أما من تم التفريق بينها وبين زوجها بغير طلاق كحالات فسخ الزواج أو القضاء ببطلانه فلا حق لها في المتعة( ) كما أن انتهاء الزوجية بالوفاة يسقط حق الزوجة في المتعة أيضاً.
والشرط الثالث : أن يكون الطلاق قد وقع بغير رضا صريح أو ضمني من الزوجة( )، واستخلاص توافر رضا الزوجة من عدمه مسألة موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع.
• ومن الرضا الصريح اتفاق الزوجة مع الزوج على إيقاع الطلاق ومن الرضا الضمني تطليق الزوجة نفسها حال كون العصمة بيدها.
هل يعد الطلاق على الإبراء قرينة على الرضا بالطلاق؟
• ويعد قرينة على الرضا بالطلاق إبراء الزوج في الطلاق على مال وحضور الزوجة مجلس الطلاق وموافقتها عليه إلا أنها قرائن قابلة لإثبات العكس.
قرينة الطلاق الغيابي على توافر شروط استحقاق المتعة:
• كما يعد طلاق الزوجة غيابياً قرينة على أن الطلاق لم يكن برضاها وهي قرينة قابلة إثبات العكس أيضاً( ).
التنازل عن الحق في المتعة:
• ويتعين الإشارة إلى أن إقرار الزوجة - شفوياً أو كتابياً - بأن الطلاق قد تم برضاها وأنها تتنازل عن حقوقها الشرعية، يترتب عليه إسقاط حق الزوجة في المتعة( ) رغم أنه تنازل سابق على الطلاق وعلى نشوء حق الزوجة في المتعة - وبالمخالفة لقاعدة عدم جواز التنازل عن الحق قبل نشوء الحق فيه - وذلك لاقترانه بالإقرار بأن الزوجة هي التي طلبت الطلاق وأنه قد وقع برضائها وبما يؤدي إليه ذلك الإقرار من الدلالة على تخلف شرط عدم الرضا بالطلاق كأحد شرطي استحقاق المتعة وبما يسقط معه حق الزوجة في المتعة لإقرارها بتخلف شرط عدم الرضا ورغم أن التنازل عن المتعة سابقا على وقوع الطلاق باعتباره الواقعة المنشئة للحق فيها.
والشرط الرابع : ألا يكون الطلاق قد وقع بسبب يرجع إلى الزوجة أي ألا تكون الزوجة هي المتسببة في الطلاق( ).
الطلاق الغيابي قرينة على تخلف شرط السبب من جانب الزوجة
• ويعد طلاق الزوجة غيابياً قرينة أيضاً على أن الطلاق قد وقع بغير سبب منها وذلك إلى أن يقيم المطلق الدليل على عكس ذلك( ).
• ومن الحالات التي تعد فيها الزوجة متسببة في الطلاق القضاء بتطليقها للضرر إعمالاً لحكم المادة السادسة أو الحادية عشر مكرر ثانياً من القانون مع إسقاط بعض حقوقها المالية إذ تعتبر في هذه الحالة مشاركة في سبب الطلاق وكذا إذا كان التطليق ببدل تلتزم به الزوجة، إلا أن طلاق الزوج للزوجة لثبوت غشها في أمر بكارتها بوثيقة الزواج لا يسقط حقها في المتعة( ) حيث يشترط في السبب أن ينشأ بعد الزواج على حين أن الغش المدعى به يعد سابقاً عليه.
حدود حق المطلقة على الإبراء في تعويض المتعة
• تقدم أنه يتعين توافر شرطي عدم الرضا وانعدام السبب في حق المطلقة حتى تستحق تعويض المتعة وعلى ذلك فالطلاق على مال أو الطلاق مع الإبراء لا تجب به متعة لأن مناط وجوبها طلاق يستبد به الزوج فتغتم به المرأة وتتأذى والمرأة في الطلاق على مال ترغب فيه كما يرغب الرجل وتدفع بدلاً لتحقق هذه الرغبة فكيف تكون معطية وآخذة فهو طلاق يتم برضا من الزوجة فلا تستحق به متعة لتخلف أحد شرطي وجوبها وهو انعدام الرضا، إلا أن ذلك لا يسقط حق المطلقة على الإبراء في إقامة الدعوى بطلب المتعة رغم سبق الإبراء إذا ما كان القصد هو إثبات عكس القرينة المستفادة منه ذلك أن الراجح في المذهب الحنفي أن للزوجة أن تفتدي نفسها بعوض تطلب معه من الزوج تطليقها عليه، والراجح أيضاً أنه إذا ثبت فساد ذلك العوض لمخالفته للنظام العام أو الآداب أو لكونه قد جاء وليد إكراه أو نحوه وقع الطلاق عليه رجعياً( ).
• وعلى ذلك فإذا ما طلبت المطلقة على الإبراء المتعة تعين على المدعية إثبات توافر شرطي الاستحقاق وأولها أن الطلاق قد وقع بغير رضاها والذي لن يتأتى إثباته إلا بإثبات أن إبراءها للزوج من الحقوق الشرعية أو المتعة لم يكن برضا منها أو كان وليد إكراه معدم للرضا فإذا ما تيسر للمدعية إثبات ذلك وأن الطلاق كان بسبب يرجع إلى الزوج تعين القضاء بالمتعة ولا عبرة بتحول الطلاق في هذه الحالة على طلاق رجعي باعتبار أن المتعة حق للمطلقة سواء كان طلاقها رجعياً أو بائناً( ).
حدود حق المطلقة قضائيا في المتعة
• ويتعين الإشارة إلى أن قضاء محكمة النقض على أن الحكم بتطليق الزوجة دون بدل في دعوى الطلاق المقامة منها لا يدل بذاته على أن التطليق برضاء الزوجة أو بسبب من قبلها( ).
• وخلاصة الأمر أنه إذا قيل بأن الإبراء من المتعة أو من كافة الحقوق الشرعية يعني الرضا بالطلاق إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون قرينة
• تقبل إثبات العكس مما يتعين معه على المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات شرطي عدم الرضا وانعدام السب في جانب المطلقة فإذا نجحت المدعية في إثبات ذلك اعتبر إبرائها قد صدر مشوباً بعيب في الرضا مما يبطل الإبراء ويتحول معه الطلاق الواقع عليها إلى طلاق رجعى وتستحق معه المتعة، وعلى ذلك يمكن القول أنه لا يكون للمطلقة الحق في المطالبة بالمتعة في الطلاق على مال إلا بإدعاء الإكراه لنفى الرضا بالطلاق.
• وقد ثار الخلاف حول مدى استحقاق المطلقة بحكم من المحكمة للمتعة المفروضة بالمادة 18 مكرر وانصب ذلك الخلاف على ما إذا كان طلب الزوجة للتطليق يعد من جانبها دليلاً على الرضى المسبق بوقوع الطلاق مما يفقدها أحد شرطي استحقاقها للمتعة أم أن طلب الطلاق لا يعد في ذاته بمثابة رضا من جانب الزوجة لكونها قد تكون أكرهت على سلوك هذا السبيل دفعا لإساءة الزوج لها ورفعا للضرر الواقع عليها.
وقد جرت بعض الأحكام على أن قيام الزوجة بطلب التطليق لأحد الأسباب الواردة بالقانون لا يسقط حقها في طلب المتعة المقررة للمطلقة قانوناً إذا استوفت الزوجة بقية شروط استحقاقها.
رأينا في مدى استحقاق المطلقة بحكم قضائي للمتعة
• ونحن نرى أن المطلقة عن طريق المحكمة لا تستحق المتعة المقررة قانوناً بالمادة 18 مكرر ذلك أن الراجح الذي نراه من صياغة نص المادة 18 مكرر سالفة الذكر يؤدى إلى ذلك القول لأسباب عديدة هى:
أولاً: أن النص قد اشترط لوجوب المتعة للزوجة أن يطلقها زوجها في قوله "إذا طلقها زوجها" وقد يقال في الرد على ذلك أن حكم القاضي بالتطليق يقوم مقام الطلاق الحاصل من الزوج، وهذا صحيح من ناحية انتهاء الزوجية بينهما إلا أن الجدير بالذكر أن الطلاق حق للزوج يوقعه بإرادته المنفردة ولا يعقل القول أن القاضي عند الحكم بالتطليق كان نائباً عن الزوج في إيقاع الطلاق لأن الخصومة القضائية رفعت إليه وانعقدت أمامه وهو لا يمكن أن يكون خصماً وحكماً في أن واحد لأن القاضي يعمل إرادة القانون ولا يعمل إرادة الزوج فدوره، لا يتعدى الفصل في الخصومة بين الزوجين.
ثانياً: أن نص المادة 18 مكرر تقرر في تقدير المتعة مراعاة حال المطلق لأن لفظ المطلق الوارد في النص هو اسم فاعل، أي الذي صدر منه الطلاق وأن يسراً وعسراً وهذه العبارة أيضاً تدل على وقوع الطلاق من الزوج دون غيره، والنظر في تقدير المتعة يجرى على حالة يسراً وعسراً، ولا يتفق ذلك مع حكم القاضي بالتطليق، لأنه لا يقع بإرادة القاضي وإنما هو تفريق للزوجين وفسخ لعقد الزواج بينهما في معناه الصحيح وبيانا لإرادة القانون في حالة توافرت فيها شروط أعمال النص القانوني.
ثالثاً: أنه لم يكن خافيا على المشرع ولم يغيب عن ذهنه وقت صياغة نص المادة 18 مكرر سالفة الذكر أن بعض حالات الطلاق والفرقة بين الزوجين تكون بأحكام قضائية، ولو كان المشرع يريد أن يجعل حكم هذه المادة شاملاً لهذه الحالات وما أكثرها لكان أن صاغ لفظ الطلاق الوارد في النص بالبناء على المجهول فتكون الصياغة على النحو التالي "للزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقت بدون رضاها ولا بسبب من قبلها" ونرى أن عطف لفظ الزوج على لفظ الطلاق يعنى أنه خصص هذا الحكم لحالة وقوع الطلاق من الزوج فقط وقد عبرت عن ذلك المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 44 لسنة 1979 بقولها أن تقرير المتعة للمطلقة إلى جانب ما يحقق لها من العون المادي في الوقت نفسه يمنع الكثيرين من التسرع في الطلاق، والتسرع لا يتصور إلا من قبل الزوج وغير متصور من قبل القاضي.
رابعاً: أن ذهاب الزوجة إلى القاضي طالبة منه تطليقها من زوجها فيه الدليل على رضائها مسبقاً بالطلاق لأن إقامتها الدعوى به عمل إرادي لا يتفق مع العلة من تقرير المتعة وهى جبر خاطر المطلقة ومواساتها عما أصابها من ألم وجزع من طلاقها الذي لم يكن لها يد فيه، أما وقد لجأت على القضاء طالبة تطليقها فلا يحق لها المتعة لأنها شاركت بفعلها في وقوع الطلاق.
خامساً: أن اشتراط النص استحقاق الزوجة التي طلقها زوجها للمتعة أن لا يكون الطلاق راجعا إلى سبب من قبلها معناه وجوب المتعة عند تحقق الفرض العكسي، بل هو شرط سلبي في حق الزوجة معناه أن لا تتسبب من جانبها في حصول الطلاق، فإن كانت هي المتسببة في الطلاق لم تستحق المتعة، فكأن القانون علق التزام الزوج الذي طلق زوجته على شرط فاسخ هو أن لا يكون الطلاق راجعاً إلى سبب من قبل الزوجة.
سادساً: أن قول أحمد من المذهب الشافعي والذي يستند إلى تشريع المتعة وضعيا إليه أوجبها بشرطين هما عدم الرضا والسبب( ) رغم كون المذهب إنما يوجبها بإطلاق بصرف النظر عن الرضا أو السبب وهو ما يعنى وجوب توافر الشرطين في المطلقة وتكليفها - بإثبات توافرهما. كما أنه إذا كان مناط استحقاق المتعة هو الطلاق المستند به فإن إيقاع من القاضي في حالات الطلاق بناء على طلب الزوجة إلا يتصف الطلاق بهذه الصفة الموجبة لاستحقاق المتعة حيث لا يتصور أن يستبد القاضي بالطلاق الذي يوقعه على الزوجة في دعوى الطلاق
التي ترفعها إليه فضلا عن أنه إذا كانت المتعة هى المبلغ الذي تحصل عليه الزوجة جبراً لخاطرها عن التعسف في استخدام حق الطلاق فلا يتصور تعسفه في إيقاع الطلاق على الزوجة وخاصة أنه إنما يقضى به بناء على طلبها ذلك أنه إذا كان من المتصور أن يسيىء الزوج استخدام إرادته في إيقاع الطلاق فكيف يتصور أن يقع القاضي في ذلك عند القائلين بحلول إرادة القاضي محل إرادة الزوج في إيقاع الطلاق جبرا عنه في دعاوى الطلاق بناء على طلب الزوجة( ).
أما القائلين بأن لجوء الزوجة إلى طلب الطلاق لا يعبر عن رضا من جانبها بوقوعه الأمر الذي لا يسقط حقها في المتعة لكون لجوئها إلى القضاء بطلب للطلاق إنما كان نتيجة إساءة الزوج إليها وإضراره بها مما يعد معه إكراها دافعاً لها إلى اللجوء إلى المحكمة بطلب الطلاق نافيا لشرط الرضا في هذه الحالة وهذا القول مردود بأن إساءة الزوج يمكن للزوجة دفعها بشكايته لولى الأمر (القاضي) جنائيا لتعذيره - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون - إذا ما اتخذت الإساءة صورة الاعتداء وإنزال العقاب ضده على فعلته، أما طلب الطلاق فأنه دال بذاته على اتجاه إرادة الزوجة ورضاها المسبق به.
وكانت محكمة استئناف القاهرة قد ذهبت إلى أحقية المطلقة بحكم من المحكمة في الحصول على تعويض المتعة( ).
وقد تبنت محكمة النقض الرأي الأول وقضت في أحكامها الحديثة بحق المطلقة بحكم قضائي في المتعة شأنها شأن المطلقة بإرادة الزوج( ).
• ويعد الحكم الصادر بالطلاق دليلاً على أن الطلاق قد تم بغير رضا الزوجة أو بسبب يرجع إليها وهو ما يكفى بذاته لحمل الحكم بالقضاء المتعة لها( )، إلا أنه إذا ثبت من تقرير المحكمين في دعوى التطليق أن الزوجة قد أصرت على الطلاق وعجزت عن إثبات إضرار الزوج بها اعتبر ذلك رضا منها بالطلاق بما يسقط حقها ـ من ثم ـ في استحقاق المتعة( ).
حدود حق الذمية في استحقاق المتعة
• وإذا أسلمت الزوجة قبل الطلاق وأبى الزوج الإسلام فسخ القاضي العقد بينهما واستحقت المطلقة المتعة( ) كما تستحق المتعة الذمية المطلقة التي أسلم زوجها وأوقع عليها الطلاق واستصدر حكماً بإثبات هذا الطلاق إذا ما توافرت شروط الاستحقاق باعتبار أن الطلاق قد تم بإرادة الزوج المنفردة.
• وتستحق المتعة باستيفاء شروطها سواء كانت الزوجة قد سمى لها صداق أو لم يسمى لها وحيث تسمية المهر لا تشترط للمطالبة بالمتعة.
استحقاق المتعة في حالة تكرار الطلاق
• ولا يسقط حق المطلقة في المتعة - في رأينا - بتكرار الطلاق فكلما طلقت المرأة استحقت المتعة، فلو عاد المطلق وأعادها إلى عصمته بأن عقد عليها ثم طلقها ثانية استحقت المتعة عليه وهكذا إلا أن البعض يذهب إلى سقوط حق المطلقة في المطالبة بالمتعة إذا أعاد المطلق مطلقته إلى عصمته على سند أن إعادة المطلق مطلقته إلى عصمته ينطوي على جبر لخاطرها ومواساة لها يرفع عنها ضرر الطلاق بما يسقط استحقاقها للمتعة، إلا أن هذا النظر لا يفرق بين ما إذا كانت إعادة المطلق مطلقته إلى عصمته من طلاق رجعى أم بعد طلاق بائن ومعاودة العقد على المطلقة بعقد ومهر جديدين، إذ لو جاز اعتبار قيام المطلق رجعيا برد المطلقة إلى عصمته جبرا لخاطرها فهل يمكن اعتماد ذات النظر في الطلاق البائن ومعاودة الزواج من المطلقة بعقد جديد بعد مدة تطول أو تقصر؟( ) كما أن زواج المرأة من أكثر من رجل وطلاقها منهم يوجب لها المتعة على كل منهم استقلالا( ).
• إلا أنه إذا طلق الزوج زوجته على الإبراء ثم أعادها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين ثم طلقها ثانية فلا يجوز احتساب مدة الزواج الأول ضمن مدة الزوجية في تقدير المتعة حيث لا يجوز سوى احتساب المدة الثانية وحدها لعدم استحقاقها للمتعة عن الطلاق الأول لوقوعه على الإبراء بما ينتفي معه شرط عدم الرضى باعتباره أحد سببي استحقاق المتعة( ).
أثر مدة الزوجية في استحقاق المتعة
• وتستحق المتعة للمطلقة مهما قصرت مدة الزواج ولو لم يستمر سوى شهر أو بضع شهر أو يوماً أو بعض يوم( ).
إثبات استحقاق المتعة
• ويقع عب إثبات توافر شروط الحق في المطالبة بالمتعة - بحسب الأصل - على عاتق المطلقة إعمالاً للقاعدة الشرعية "البينة على من أدعى واليمين على من أنكر"( )، فيتعين على المدعية إقامة الدليل على سبق الزواج والطلاق وهما واقعتان تثبتان بالوثائق الرسمية كما يكون عليها أن تقيم الدليل على أن الطلاق لم يكن برضا منها أو بسبب يرجع إليها.
• للمطلقة إثبات كافة شروط استحقاق المتعة بكافة طرق الإثبات الشرعية وأهمها البينة الشرعية والقرائن( ) والإقرار واليمين وغيرها( )، فإذا كانت وسيلة الإثبات هو البينة الشرعية وجب أن تكون من رجلين أو رجل وامرأتين( ).
• وإذا دفع المدعى عليه استحقاق المدعية للمتعة بأن الطلاق وقع برضائها وبسبب يرجع إليها اعتبر مدعياً فيما يتعلق بدفاعه وانتقل عبء إثبات الرضا والسبب في الطلاق إليه الذي له إثباته بكافة طرق الإثبات أيضاً.
• ويعد طلاق الزوجة غيابياً قرينة على أن الطلاق قد وقع بغير رضاها ولا بسبب يرجع إليها يخول للمحكمة القضاء بالمتعة دون استلزام إثبات آخر( ).
• ومؤدى ذلك أنه في حالة الطلاق الغيابي فإن المطلقة المدعية لا تكلف بإثبات توافر شرطي استحقاق المتعة باعتبار أنهما يعدان متوافران في جانبها افتراضا إعمالاً للقرينة المذكورة وفى هذه الحالة يقع على المطلق - عبء إثبات أن الطلاق وقع برضا المدعية أو لأسباب ترجع عليها.
• وعلى ذلك يجرى العمل بالمحاكم على إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفى عناصرها ولإعطاء الزوج فرصة نفى توافر شرطي الاستحقاق فإذا لم تقدم المدعية شهودها وكان الطلاق غيابيا اعتبر الشرطان متوافران إلى جانبها فرضا فإذا قدم الزوج شهوده قدرت المحكمة شهادتهما في نفى توافر شرطي الاستحقاق أما إذا لم يقدم شهودا اعتبر مصادقاً على طلبات المدعية كما أن حضور الزوجة مجلس الطلاق يعد قرينة على أن الطلاق قد وقع برضاها أيضاً إلا إذا أقامت الزوجة الدليل على أن حضورها مجلس الطلاق لم يكن برضا منها به.
• ويتعين إقامة الدليل على توافر كافة شروط استحقاق المتعة فإذا تمسك المطلق أمام محكمة الموضوع بأن طلاقه للمدعية كان بسبب يرجع إليها وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك فإذا لم تحقق المحكمة هذا الدفاع وأقامت قضاءها باستحقاق المدعية للمتعة على مجرد وقوع الطلاق غيابياً فإن حكمها يكون قاصراً( ).
مدى استحقاق الزوجة الناشز للمتعة
• وإذا تركت الزوجة مسكن الزوجية هاجرة إياه وقضى بنشوزها فطلقها الزوج وطالبته بالمتعة فدفع دعواها بأن السبب في الطلاق يرجع إليها وساق دليلا على ذلك الحكم الصادر بنشوزها فإن الحكم الصادر بالنشوز لا يشكل سوى قرينة تساند إدعاء المدعى عليه يجوز للمطلقة المدعية إثبات ما يدحضها بأن تقيم الدليل على أن الطلاق لم يكن برضا منها أو بسبب يرجع إليها بل أن محكمة النقض ذهبت في هذا الخصوص إلى أبعد من ذلك واعتبرت أن الحكم الصادر بعدم قبول اعتراض الطاعة لا يحاج به في دعوى المتعة( )، كما اعتبرت أن ترك الزوجة لمنزل الزوجية ومعها كافة منقولاتها باتفاق مع الزوج أفرغ في محضر رسمي لا يدل بذاته على أن الطلاق الذي أوقعه الزوج عليها بعد ذلك كان برضاها( )، وعلى ذلك فإن قيام الزوجة بهجر مسكن الزوجية لا يعد دليلاً على أن الطلاق الذي أوقعه الزوج عليها كان بسبب يرجع إليها (هجرها لمسكن الزوجية) مما يسقط حقها في استحقاق المتعة وذلك إلا إذا كان ذلك الترك هو السبب المباشر الذي أدى إلى فصم عرى الزوجية ففي هذه الحالة يعتبر الترك مسقطا لحق الزوجة في المتعة، وتقدير ما إذا كان هجر الزوجة لمسكن الزوجية هو السبب المباشر للطلاق من عدمه من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع( ).
• كما ذهبت أحكام محكمة النقض أيضاً إلى أن الحكم الصادر بعدم قبول الاعتراض على إنذار الطاعة لا يحاج به في دعوى المتعة( ).
• ولئن كان لا يجوز للزوجة ـ قبل الطلاق ـ التنازل عن المتعة المستحقة إعمالاً لقاعدة عدم جواز التنازل عن حق لم ينشأ في الذمة بعد، إلا أنها يجوز لها ـ بعد الطلاق التنازل عن المتعة سواء كانت قد قضي لها بها أو لم يقضي( ).
تاريخ تقدير المتعة وتقسيطها
• وتاريخ تقدير قيمة أو مقدار المتعة هو تاريخ وقوع الطلاق وليس تاريخ المطالبة أو التداعي بها وذلك باعتبار أن إيقاع الطلاق هو الواقعة المنشئة للحق في المتعة، وعلى ذلك فإذا ما تراخت المطلقة في المطالبة بتعويض المتعة - اطمئنانا منها بعدم تقادم المطالبة في الحق بها ولم يكن هناك حكم بالنفقة قد سبق صدوره ضد المطلق وجب النظر والاعتداد بيسار المطلق في تاريخ وقوع الطلاق وبصرف النظر عما يكون قد طرأ على حالته المالية من زيادة في تاريخ المطالبة بها خاصة وأن النص على تقدير المتعة بنفقة سنتين يفيد الالتزام في تقديرها بوقت استحقاق تلك النفقة وهو ما لا يتجاوز وقت وقوع الطلاق فضلاً عن أن إطلاق إجازة تقدير المتعة طبقاً لحالة المطلق المالية وقت المطالبة بها يفتح الباب أمام الزوجة المشاكسة بتعمد التراخي في المطالبة بالمتعة لعدة سنين حتى يزداد يسار المطلق وهو ما يؤدي من جهة ثالثة إلى التفرقة بين المطلقة التي بادرت إلى المطالبة بالمتعة فور إيقاع الطلاق وتلك التي تتراخي في المطالبة رغم إتحاد مركزيهما القانوني وهو ما لم يقل به أحد، وقد ذهب قضاء محكمة النقض في حكم حديث لها إلى ما يؤيد هذا التأصيل وفيه قالت المحكمة أنه يعتد في تقدير المتعة بظروف الطلاق ومدة الزوجية ويراعي في فرضها حال المطلق يسراً أو عسراً وقت الطلاق وهو الوقت الذي تستحق فيه باعتبارها أثرا مترتبا عليه جبر خاطر المطلقة ولتستعين به على مواجهة ما ينجم عنه من نتائج وأعباء مادية، ولا عبرة في تقدير المتعة بتغير حال المطلق إلى العسر أو اليسر بعد الطلاق أو بحالة وقت الحكم بفرضها إذ لا ينفك سبب الالتزام عن الآثار المترتبة عليه. (راجع الطعن رقم 56 لسنة 62 ق - جلسة 25/12/1995 والطعن رقم 26 لسنة 65 ق - جلسة 11/07/2000)
هل يجوز المطالبة بالمتعة في تركة المطلق المتوفى ؟
• وإذا طلق الزوج زوجته ثم توفيت الزوجة فلا يجوز لورثتها إقامة الدعوى ضد الزوج لمطالبته بالمتعة المستحقة لمورثتهم لكون المتعة من الحقوق الشخصية للمرأة المطلقة المترتبة على الطلاق التي لا تنتقل إلى الخلف العام، وكذا إذا توفى الزوج بعد الطلاق فلا يجوز لمطلقته إقامة الدعوى ضد ورثته للمطالبة بالمتعة، أما إذا توفى بعد صدور الحكم لها بالمتعة استحقت المتعة في تركته وحق للمطلقة مطالبة ورثته بما قضي لها به منها إعمالاً لقاعدة إلا تركة إلا بعد سداد الديون.
حق الزوجة العاقر في المتعة
• ويثور التساؤل حول حق المرأة التي يطلقها زوجها بسبب عقمها في استحقاق المتعة وهل يعد عقم المرأة سبباً من جانبها يتخلف معه أحد شرطي استحقاقها للمتعة؟.
• ونحن نرى أن عقم الزوجة وعدم قدرتها على الإنجاب لا يعد سبباً في جانبها يسقط حقها في استحقاق المتعة إذا طلقها زوجها لهذا السبب، ذلك أنه يشترط في السبب الذي يتحقق في جانب الزوجة ويسقط بتوافره حقها في المتعة أن يكون سبب غير مشروع كثبوت اعتداء الزوجة على الزوج أو إتيانها من التصرفات ما يشكل جريمة ضده، وعلى ذلك فإن عقم الزوجة لا يسوغ اعتباره سبباً يسقط حق الزوجة في المتعة لكونه مما يخرج عن إرادتها باعتباره أمراً لا يد لها فيه( ). وقياساً على أن عدم الإنجاب لا يعد سبباً يجيز التطليق وفقاً لحكم المادة التاسعة من القانون رقم 25 لسنة 1920 المعدل( ).
تحديد مقدار المتعة
• وتقدر المتعة بنفقة سنتين على الأقل، والمقصود بالسنة في هذا المقام السنة الميلادية وليست الهجرية إعمالاً لحكم المادة 23 من القانون.
• ويجب إلا يقل المبلغ المحكوم به كمتعة عن نفقة سنين كحد أدنى( ) إلا أن للمحكمة أن تحكم بما يجاوز هذه المدة بالنظر على حالة المطلق المالية الاجتماعية وظروف الطلاق ومدة الزوجية، كما يجوز أن تفرض المتعة لمدى حياة المطلقة وخاصة أن مفهوم نص المادة يتسع لذلك( ).
أثر الطعن على حكم المتعة فيما يتعلق بشروط الاستحقاق دون مقدار المفروض
• ويتعين الإشارة في هذا المقام أنه إذا استأنف المطلق أو المطلقة الحكم الصادر بفرض المتعة وتضمن الاستئناف النعي على شروط الاستحقاق دون النعي على مقدار المفروض فلا يجوز لمحكمة الطعن التعرض بالزيادة أو النقصان أو التعديل لمقدار المفروض إعمالاً للقاعدة الأصولية المنصوص عليها في المادة 232 مرافعات والتي مؤداها أن الاستئناف بنقل الدعوى على محكمة الاستئناف في حدود ما رفع عنه الاستئناف فقط وحتى لا تقضي محكمة الطعن بما لم يطلبه الخصوم.
مفهوم ظروف الطلاق ومدة الزوجية في تقدير المتعة
• والمقصود بعبارة ظروف الطلاق الواردة بالنص وجوب أن تدخل المحكمة في تقديرها عند الحكم في دعوى المتعة الأسباب الشخصية التي دفعت الزوج على إيقاع الطلاق ومدى تعسف الزوج في استخدام هذا الحق بحيث يتعين على المحكمة زيادة المبلغ المحكوم به كمتعة كلما تكشف لها من بحث ظروف الطلاق تعسف الزوج في استخدام هذا الحق.
• كما يتعين على المحكمة عند تقدير المتعة المحكوم بها مراعاة المدة التي استغرقتها الزوجية، إلا أنه يجدر التنويه إلى أنه وكما يمكن أن يعد قصر مدة الزوجية سبباً داعياً لضآلة المبلغ المحكوم به على سبيل المتعة فأنه يمكن أن يعد أيضا وفي نفس الوقت سبباً لزيادة هذا المبلغ - بمراعاة ظروف الطلاق، كما أن الزواج الذي لم يستمر سوى بضع أسابيع أدعى إلى زيادة المبلغ المحكوم به كمتعة لعمق الألم النفسي الذي سيخلفه الطلاق السريع في نفسية المطلقة ووضعها بين أهليها.
• وتقدر المتعة طبقاً لحالة المطلق المالية في تاريخ الطلاق وليس في تاريخ إقامة الدعوى أو الحكم فيها كما تقدم القول( ).
تقسيط المتعة
• وقد أجاز النص إمكان قيام المحكمة بالترخيص للمطلق في سداد المتعة المحكوم بها على أقساط( ) إلا أن ذلك يجب أن يكون بناء على طلب المدعى عليه بما يمتنع معه على المحكمة الحكم بالتقسيط من تلقاء نفسها( ) حتى لا يعيب حكمها عيب القضاء بما لم يطلبه الخصوم كما يجوز طلب التقسيط عند التنفيذ( ) بنا على قرار يصدر من قاضي التنفيذ المختص.
• وكما يجوز طلب التقسيط أمام محكمة أول درجة فإن ذلك يجوز أمام محكمة الاستئناف دون أن يعد ذلك طلباً جديداً وفقاً لحكم المادة 58 من القانون رقم (1) لسنة 2000.
هل يشترط للقضاء بالمتعة سبق الحصول على حكم بالنفقة
• وقد أثارت صياغة المادة 18 مكرر خلافاً في العمل حول مدى حجية الحكم الصادر بالنفقة بالنسبة لدعوى المتعة ومدى وجوب أو جواز الاستناد أو التمسك بما ورد بحكم النفقة واتخاذه أساسا لتقدير المتعة المستحقة على المطلق وذلك باعتبار أن النص المذكور وقد وردت صياغته متضمنة عبارة (... متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل...) وقد تفرغت أحكام المحاكم في تفسير هذا النص إلى ثلاث اتجاهات اعتبر إحداها أنه يستوي للقضاء بالمتعة صدور أو عدم صدور الحكم للمطلقة بالنفقة وذهب إلى تقدير يسار المطلق لتحديد مقدار المتعة المستحقة باتخاذ إجراءات الإثبات المعتادة( ) مع الاسترشاد بحكم النفقة أن وجد لا فرق بين ما إذا كان ابتدائياً أو نهائياً، بينما ذهب اتجاه آخر إلى اعتبار أن صدور حكم قضائي بتحديد نفقة المطلقة يعد مسألة أولية يتعين الفصل فيها لزوم الفصل في دعوى المتعة إعمالاً لحكم المادة 129 مرافعات، وقد ذهبت تلك الأحكام في سبيل تطبيق هذا النظر إلى وقف دعوى المتعة إلى حين الفصل في دعوى النفقة بحكم نهائي إذا ما تبين أن هذه الدعوى الأخيرة مطروحة على القضاء بين الخصمين( ).
بينما ذهب اتجاه ثالث إلى القول بعدم قبول دعوى المتعة لرفعها قبل الأوان إذا ما تبين عدم قيام المدعية بالمتعة بسبق رفع الدعوى بالنفقة( ).
ونحن نرى أن هذه المشكلة يتعين النظر إليها من خلال "نظرية قوة الأمر المقضي للأحكام القضائية" ذلك أنه من المقرر أن الحكم إذا ما صار نهائياً غير قابل للطعن عليه بطريق من طرق الطعن الاعتيادية اكتسب ما اصطلح على تسميته بقوة الأمر المقضي باعتبار أنه قد أضحى في مرتبة يعد معها عنوانا للحقيقة القانونية( ) إلى أن يطرأ عليه ثمة تعديل فيما يتعلق بالأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية باعتبارها ذات حجية مؤقتة، وإذا كان من المقرر أن كل حكم حائز قوة الأمر المقضي يكون بطبيعته حائزاً لحجية الأمر المقضي( ) فإن مقتضى ذلك أن الحكم الصادر بالنفقة يكون واجب الاحترام من الكافة ولا يجوز القضاء على خلافه في أي نزاع يكون هذا الحكم مستند لأي من الخصوم فيه( ) إلا أنه لما كان من المقرر في ذات الوقت أن الحجية التي تثبت للأحكام الصادرة بالنفقات هي بطبيعتها حجية مؤقتة لأنها مما يقبل التغيير والتبديل ويرد عليها الزيادة والنقصان بسبب تغير الظروف كما يرد عليها الإسقاط بسبب تغير دواعيها إلا أن هذه الحجية المؤقتة تظل باقية طالما أن دواعي النفقة وظروف الحكم بها لم تتغير مما يعتبر معه الحكم الذي ينكر هذه الحجية مخالفا للقانون يجوز الطعن فيه بطريق النقض عملاً بالمادة 426 مرافعات( ) وعلى ذلك يمكن القول أنه يتعين عند نظر دعوى المتعة التفرقة بين حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون هناك حكماً صادراً للمدعية بالنفقة فيتعين في هذه الحالة اتخاذه أساساً لتقدير المتعة وهنا يفرق بين حالتين الأولى، أن لا يكون هذا الحكم قد اكتسب قوة الأمر المقضي أي لم يصبح نهائياً فيتعين على محكمة المتعة تأجيل نظر الدعوى إلى حين صيرورة الحكم الصادر بالنفقة نهائياً منعا لتناقض الأحكام، والثانية أن يكون حكم النفقة قد اكتسبت قوة الأمر المقضي بأن أصبح نهائياً فيتعين على محكمة المتعة في هذه الحالة القضاء بما قضى به الحكم المذكور من نفقة واتخاذه أساساً لتحديد مقدار المتعة المقضي بها( ) مع الاستعانة بعناصر التقدير الأخرى الواردة بالنص وذلك إلا إذا ادعى أيضاً أحد طرفي الدعوى تغير الحالة المالية للمطلق( ) حيث يتعين الوقوف على ما آل إليه حال المطلق بعد صدور حكم النفقة يسراً أو عسراً( ) للقضاء بالمتعة على ضوء الحالة المالية الثابتة للمدعى عليه في تاريخ استحقاق المتعة( )، ودون اعتداد بما قضى به الحكم الصادر بالنفقة( ) وهو ما يكلف المدعي بتغير الحالة المالية بإثباته.
الحالة الثانية : وفيها لا يكون هناك حكماً بالنفقة للمطلقة أما لعدم حصولها على حكم بالنفقة أو لغير ذلك من الأسباب، وفي هذه الحالة يتعين على المحكمة المختصة بدعوى المتعة اتخاذ إجراءات إثبات درجة يسار المطلق توصلا إلى تحديد مقدار ما كانت تستحقه المطلقة من نفقة لتتخذه المحكمة فقط أساساً لتقدير المتعة المستحقة( ) دون أن يكون لهذا القضاء حجية في خصوص استحقاق المطلقة للنفقة على المطلق( ).
لذلك نحن نرى أن الأحكام التي تذهب إلى الحكم بعدم قبول دعوى المتعة لرفعها قبل الحصول على حكم بالنفقة تنطوي على قضاء معيب حيث جعلت حصول المطلقة على حكم بالنفقة من أسباب استحقاق المتعة وليس من وسائل تقديرها باعتبار أن هذه الأحكام تذهب إلى رفض دعوى المتعة إلى حين الحصول على حكم بالنفقة بحجة رفعها قبل الأوان الذي تراه تلك الأحكام أن يكون تالياً لرفع دعوى النفقة أو الحصول على حكم نهائي بها، نقول أن هذا الاتجاه معيب لأنه إنما يعني سقوط حق تلك التي لم ترغب لسبب أو لآخر في رفع دعوى بالنفقة في الحصول على تعويض المتعة وهو نظر لا يقول به منصف، وما يؤكد ذلك أن المشرع تمشيا مع ما نذهب إليه قد أورد - تحسبا لهذا الاحتمالات - في معرض تناوله لكيفية تقدير المتعة عددا من الركائز الأخرى - أضافها بواو العطف لتأكيد ضرورة مراعاتها - يتعين إدخالها في الاعتبار عند تقدير المتعة بجانب - أو بديل عن - حجم النفقة وهي حالة المطلق يسراً أو عسراً وكذا ظروف الطلاق ومدة الزوجية طولاً أو قصراً( ) وهو الأمر الذي تؤكده من ناحية أخرى صياغة المادة 18 مكرر من القانون وحيث جرى النص على استحقاق المتعة بما يقدر بنفقة سنتين وليس بما يماثل نفقة سنتين أو بما يطابق سنتين وهو ما يؤكد قصد المشرع من النص على لفظ نفقة العدة إنما هو كضابط للتقدير ليس إلا.
وخلاصة الأمر:
- أنه في حالة صدور حكم نهائي بالنفقة تعين على محكمة المتعة اتخاذه أساساً لتقدير المتعة المستحقة للمطلقة مع عدم إغفال عناصر التقدير الأخرى.
- وفي حالة وجود دعوى نفقة مطروحة على القضاء تعين على محكمة المتعة تأجيل دعوى المتعة إلى حين الفصل نهائياً في دعوى النفقة وذلك تحسبا لعدم تناقض الأحكام ليس إلا واحتراما لقوة الأمر المقضي لحكم النفقة.
- وفي حالة عدم وجود دعوى أو حكم بالنفقة تعين على محكمة المتعة اتخاذ إجراءات إثبات يسار المطلق والقضاء بالمتعة استناداً إلى ذلك.
مدى قوة دين المتعة وتقادمه
• استقر أن الطلاق أياً كان نوعه يعد الواقعة القانونية المنشئة لالتزام الزوج بالمتعة، وعلى ذلك فإن حق المطلقة في المتعة إنما يثبت لها من تاريخ وقوع الطلاق إذا ما توافرت الشروط القانونية لاستحقاقها، وإذا كانت الشريعة الإسلامية لا تعترف بالتقادم المكسب أو المسقط للحق مهما طال الزمن( ) فإن البحث في تقادم دين المتعة يكون على غير محل أو سند خاصة وبعد أن صدر القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية خلوا من نص مماثل لنص المادة 375 من المرسوم بالقانون رقم 78 لسنة 1391 الصادر باللائحة الشرعية والذي كان يحظر على المحاكم سماع الدعاوى إذا ما انقضت مدة خمسة عشرة سنة من تاريخ ثبوت الحق فيها أي من تاريخ الطلاق( ) دون رفع الدعوى بها مع تمكن المطلقة من رفعها وعدم العذر الشرعي مع الإنكار للحق في تلك المدة.
مدى صحة إطلاق لفظ النفقة على المتعة
• والمتعة لا تعتبر من النفقات( ) ذلك أن النفقة تعد الحق المالي الثاني الذي يجب للمرأة على زوجها حين أن المتعة تشكل الحق الثالث من هذه الحقوق.
عدم جواز الحبس في متجمد المتعة
• فالنفقة إنما تكون مقابل الاحتباس الثابت للزوج على الزوجة حين أن المتعة هي فضلاً عن أن المشرع لم يدخل المتعة - ضمن الأنواع المنصوص عليها فيه والتي وردت به على سبيل الحصر وعلى ذلك يمكن القول بعدم جواز الحبس في متجمد المتعة( ).
المحكمة المختصة نوعياً بنظر دعوى المتعة
• وينعقد الاختصاص النوعي بنظر دعاوى المتعة لمحكمة الأسرة إعمالاً لحكم المادة الثالثة من القانون رقم 10 لسنة 2004.
المحكمة المختصة محلياً بنظر دعوى المتعة
• كما أن المحكمة المختصة محلياً بنظر الدعوى هي محكمة موطن المدعى عليه وحده دون محكمة موطن المدعية والتي أقيمت أمامها أول دعوى بين الزوجين إعمالاً لمقتضى المادة الخامسة عشر من القانون رقم 1 لسنة 2000 قد حددت في متنها الحالات والشروط التي يتعين توافرها لإمكان إقامة الدعوى أمام محكمة موطن أي من المدعي أو المدعى عليه باعتبارها استثناء على الأصل العام، وإذا كان نص المادة الأخيرة قد أورد أنواع الدعاوى التي يمكن إقامتها أمام محكمة موطن أي من المدعي أو المدعى عليه على سبيل الحصر فإن دعوى المتعة لم يرد النص بها ضمن تلك الدعاوى حتى يمكن القول بجواز إقامة الدعوى بها أمام محكمة موطن أي من المدعي أو المدعى عليه( ) خاصة وأنه لا يمكن القول بأن دعوى المطالبة بالمتعة تدخل ضمن مفهوم النفقات والأجور لاختلاف طبيعة كل منهما عن المتعة كما لا تدخل المتعة ضمن نص الفقرة د من المادة المذكورة وهي "التطليق والخلع والإبراء والفرقة بين الزوجين" لما هو مستقر فقهاً وقضاءاً من أن مفهوم تلك الفقرة لا ينصرف إلا للطلاق ذاته إثباتا أو نفيا أو طلبا ولا يمتد ليشمل الآثار المترتبة عليه خاصة وأن المشرع لو أراد اعتبار المتعة من المسائل التي تختص بها محكمة موطن أي من المدعية أو المدعى عليه لأضاف إلى عبارة "الطلاق والخلع والمبارأة" عبارة "والآثار المترتبة عليهم"، يضاف إلى ما تقدم أن نص المادة الخامسة عشر وقد اشترط لينعقد الاختصاص المحلي بنظر الدعاوى المنصوص عليها فيها لمحكمة موطن أي من المدعي أو المدعى عليه أن تكون المدعية أم أو زوجة أو حاضنة رفقا بها وشفقة عليها وتلك الصفات لا تتوافر للمطلقة في دعوى المطالبة بالمتعة بما يخرج تلك الدعوى من الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه عملاً بالقاعدة العامة في شأن الاختصاص المحلي والتي تصدرت نص المادة (15) سالفة الذكر.
مدى انتقال الحق من المطالبة بالمتعة للورثة
• ويتعين الإشارة من الخاتمة إلى ما سبق تقريره من أن الحق في المطالبة بالمتعة لا ينتقل إلى ورثة المطلقة المتوفاة فلا يجوز للورثة إقامة الدعوى ضد المطلق بعد وفاة مطلقته والمطالبة بالمتعة وإثبات أن الطلاق الذي سبق وفاتها قد وقع بدون رضاها وبغير سبب من جانبها وذلك باعتبار أن المتعة من الحقوق الشخصية المقررة للمطلقة إذا ما توافرت لها شروط استحقاقها. ولما كانت الدعوى لا تقام إلا بين الأحياء وكانت المدعية في دعوى المطالبة بالمتعة قد توفيت فإن الحق في تلك المطالبة لا ينتقل لورثتها إذ لا حق شخصي لهم في المتعة، إلا أننا نرى أنه إذا كانت المطلقة قد سبق لها قبل وفاتها الحصول على حكم قضائي نهائي بتقرير حقها في المتعة بمبلغ معين فإن هذا الحق يحكم اعتباره ديناً أضحى مستقراً في ذمة المطلق لصالح المدعية فإنه ينتقل إلى ورثتها كأحد عناصر التركة التي يجوز لهم مطالبة المطلق بأدائه باعتبارهم خلفاً عاما لمورثهم.
• أما إذا توفيت المطلقة أو المطلق خلال تداول الدعوى بالمتعة أمام المحكمة فإن أي من ورثتهم لا يحق لهم تلافي انقطاع سير الخصومة بالحلول في الدعوى محل المتوفى لذات العلة وهي أن المتعة حق لصيق بشخصية المطلقة ولا تستحق إلا للمطلقة كالتزام بما لا يجوز معه أن يحل الخلف العام لأيهم محله في حالة وفاته.
الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط.
النص في القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979
القانون رقم 44 لسنة 1979 مطابقة.
النص في القانون رقم 25 لسنة 1929
القانون رقم 25 لسنة 1929 لا نظير لها.
المذكرة الإيضاحية
لما كان من المستقر عليه شرعاً أن الطلاق حق للزوج وكان القانون القائم لا يوجب المتعة للمطلقة بعد الدخول وحبسها أنها استحقت المهر كله بالدخول ولها نفقة العدة أما المتعة فهي مستحبة ولا يقضي بها.
وإذ تراخت المروءة في هذا الزمن وانعدمت لا سيما بين الأزواج إذا أنقطع حبل المودة بينهما وأصبحت المطلقة في حاجة إلى معونة أكثر من نفقة العدة تعينها من الناحية المادية على نتائج الطلاق وفي المتعة ما يحقق المعونة، وفي الوقت نفسه تمنع الكثيرين من التسرع في الطلاق.
ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر المطلقة وكانت مواساتها من المروءة التي تطلبتها الشريعة وكان من أسس تقديرها قول الله تعالى: )وَمَتٌِعُوهُنٌََ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقتِرِ قَدْرُهُ( من الآية 236 من سورة البقرة وكان لإيجاب المتعة هو مذهب الشافعي الجديد حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول أن لم تكن الفرقة منها أو بسببها وهو قول لأحمد اختاره ابن تيمية كما أن إيجابها مذهب أهل الظاهر وهو قول لمالك أيضاً (المهذب للشيرازي فقه شافعي - جـ2 - ص 7-8 والمحلي لابن حزم - جـ1 - ص 245 - 249).
وعلى هذا وضع نص المادة 18 مكرر بمراعاة ضوابط أقوال هؤلاء الأئمة وللقاضي أن ينظر في تقديرها عدا ما سبق إلى ظروف الطلاق وإلى إساءة استعمال هذا الحق ووضعه في موضعه ولا تقل في تقديرها عن نفقة سنتين وتخفيفا على المطلق في الأداء أجاز النص الترخيص له في سداد جملة المقرر للمتعة على أقساط.
سند وجوب النص
ويستند النص المطروح إلى عموم قوله تعالى )لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلقتُمُ النِسَاء مَا لَمْ تَمَسٌُوهُنٌَ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنٌُ فَرِيضَةً وَمَتٌِعُوهُنٌَ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقٌَاً عَلَى المُحْسِنِينَ(( ) وقوله تعالى : ) يَا أَيٌُهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمٌَ طَلقتمُوهُنٌَ من بل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سَرَاحاً جَمِيلاً(( ).
التعليق
• نص الفقهاء على أن الرجل إذ طلق زوجته في مرض موته اعتبر بذلك فاراً من إرثها فيه وقالوا أنه يعامل بنقيض مقصوده فأفتوا باستحقاقها لنصيبها في تركته، أما إذا ماتت هي قبله فإنه يعامل بإقراره ولا يرث فيها، ومن هذا نستطيع أن نتبين أن الفقهاء عاقبوا المتعسف في استعمال حق الطلاق وأنهم بهذا يكونوا قد فوتوا عليه قصد المضارة وأعطوا المطلقة الحق الذي كان يقصد إضاعته، وهذا يشير إلى أن الطلاق لا يلجا إليه إلا عند وجود الحاجة التي تقتضيه، والناس قديما كانوا أكثر تمسكا بالدين وفهما لمقاصده وأخذا بأحكامه فكان لهم من هذا وازع على رعاية الله في هذا الحق وعدم إساءة استعماله وكان ذلك كفيلاً إلا يطلق أحدهم إلا إذا وجد ما يقتضي الطلاق ولذا فإنهم لم يكونوا في حاجة إلى تدخل الحاكم لمراقبة استعمال هذا الحق ومجازاة المسيء على إساءته بالحكم عليه بما يعوض وقع الإساءة على نفس الآخر، على غير ما صارت إليه أخلاق الناس وظروف المجتمع في الوقت الحاضر.
وتعويض المطلقة نص عليه الفقهاء ومنهم من أوجبه وعممه في كل صور الطلاق كالظاهرية ومنهم من أوجبه في كل طلاق بعد الدخول كالشافعية.
سبب تقرير الحق في المتعة
ومن هذا يبين أن المتعة في حقيقتها ما هي إلا تعويض للمطلقة على ما أصابها بسبب الطلاق من غضاضة وليرفع عنها وصف الإساءة ولتكون المتعة بمنزلة الشهادة بأن الطلاق ليس لعلة فيها وإنما لعذر يخص المطلق.
تعريف المتعة
• وعلى ذلك فالمتعة - في ضوء المفهوم المتقدم - هي مبلغ من المال أو ما يقوم مقامه يلزم به المطلق الذي أساء استعمال حقه في الطلاق( ).
وهي بهذا المعنى صور خاصة لجبر الضرر المعنوي والألم النفسي الذي يصيب المرأة من جراء الطلاق الواقع، عليها فهي ليست تعويضاً بالمعنى المتداول للتعويض وإلا لتعيين القول بإمكان المطلقة به إذا ثبت الخطأ في جانبها وحيث لا يكون التعويض عن طلاق طبقاً لما اتجهت إليه أحكام محكمة النقض( ).
فالغاية منها - كما قدمنا - هي جبر خاطر يعطي للمطلقة لتخفيف ما عساه يصيبها من ألم ومعاناة ناتجة عن طلاق لا دخل لها فيه ولا يرجع سببه إليها.
المحكمة من تشريع المتعة
• وعلى ذلك يمكن القول بأن الحكمة من تشريع المتعة هي جبر خاطر المطلقة ومواساتها ومعونتها على مواجهة تبعات الطلاق( ) ولا يعد على ما شاع به القول جزاء على إساءة استعمال الزوج لحقه في الطلاق.
• والمتعة - بالمعنى السابق - هي أحد الحقوق المالية الثلاثة التي تجب للمرأة على زوجها وأولها المهر الذي يجب لها مقابل استيفاء الزوج ما يقتضيه عقد الزواج من منافع الزوجية، وثانيهما النفقة التي تجب لها نظير احتباسها لمصلحة الزوج وثالثها المتعة والتي تجب لها جبرا وترفيها وتخفيفا لما يصيبها من أسف وحسرة ووحشة بسبب استعمال الرجل حقه الذي منحه الله إياه وحرمها منه.
شروط استحقاق المتعة
• وقد اشترط النص لاستحقاق المتعة أربعة شروط( ) :
الشـــرط الأول : أن تكون الزوجة مدخولاً بها( ) في زواج صحيح( )، فلا تجب المتعة للمخطوبة كما لا تجب لمن كان زواجها فاسداً أو باطلاً ثم طلقت كمن تزوجت معتوها أو أحد محارمها، ويجب أن تكون الزوجة مدخولاً بها حقيقة أو مختلى بها دون دخول قياساً لأن النص القرآني أوجبها أصلاً للمطلقة دون مسيس أي قبل الدخول( ).
هل المختلى بها دون دخول تستحق المتعة؟
• واشتراط النص لاستحقاق المتعة الدخول الحقيقي إنما هو شرط لجواز التقاضي بها إما احتساب مقدار مبلغ المتعة فإنه يكون عن مدة الزوجية كلها بصرف النظر عن تاريخ الدخول، وعلى ذلك فإذا تم العقد وتراخى الدخول إلى وقت لاحق احتسب مبلغ المتعة من يوم العقد وليس من يوم الدخول، أي أن الدخول ما هو إلا شرط للمطالبة القضائية والاستحقاق وليس عنصرا من عناصر التقدير.
والشرط الثاني: أن يقع الطلاق بين الزوجين أياً كان نوعه رجعياً أو بائناً( )، فتستحق المطلقة المتعة أيا كان نوع الطلاق باعتبار أن العبرة في استحقاقها هي بالطلاق ذاته باعتباره الواقعة القانونية المنشئة لالتزام الزوج بها( ) وعلى ذلك فليس بلازم ثبوت انقضاء فترة العدة قبل رفع الدعوى بالمتعة فللمطلقة رجعياً إقامة الدعوى بها فور إيقاع الطلاق، وتستحق المتعة حق ولو أعادها المطلق إلى عصمته، أما من تم التفريق بينها وبين زوجها بغير طلاق كحالات فسخ الزواج أو القضاء ببطلانه فلا حق لها في المتعة( ) كما أن انتهاء الزوجية بالوفاة يسقط حق الزوجة في المتعة أيضاً.
والشرط الثالث : أن يكون الطلاق قد وقع بغير رضا صريح أو ضمني من الزوجة( )، واستخلاص توافر رضا الزوجة من عدمه مسألة موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع.
• ومن الرضا الصريح اتفاق الزوجة مع الزوج على إيقاع الطلاق ومن الرضا الضمني تطليق الزوجة نفسها حال كون العصمة بيدها.
هل يعد الطلاق على الإبراء قرينة على الرضا بالطلاق؟
• ويعد قرينة على الرضا بالطلاق إبراء الزوج في الطلاق على مال وحضور الزوجة مجلس الطلاق وموافقتها عليه إلا أنها قرائن قابلة لإثبات العكس.
قرينة الطلاق الغيابي على توافر شروط استحقاق المتعة:
• كما يعد طلاق الزوجة غيابياً قرينة على أن الطلاق لم يكن برضاها وهي قرينة قابلة إثبات العكس أيضاً( ).
التنازل عن الحق في المتعة:
• ويتعين الإشارة إلى أن إقرار الزوجة - شفوياً أو كتابياً - بأن الطلاق قد تم برضاها وأنها تتنازل عن حقوقها الشرعية، يترتب عليه إسقاط حق الزوجة في المتعة( ) رغم أنه تنازل سابق على الطلاق وعلى نشوء حق الزوجة في المتعة - وبالمخالفة لقاعدة عدم جواز التنازل عن الحق قبل نشوء الحق فيه - وذلك لاقترانه بالإقرار بأن الزوجة هي التي طلبت الطلاق وأنه قد وقع برضائها وبما يؤدي إليه ذلك الإقرار من الدلالة على تخلف شرط عدم الرضا بالطلاق كأحد شرطي استحقاق المتعة وبما يسقط معه حق الزوجة في المتعة لإقرارها بتخلف شرط عدم الرضا ورغم أن التنازل عن المتعة سابقا على وقوع الطلاق باعتباره الواقعة المنشئة للحق فيها.
والشرط الرابع : ألا يكون الطلاق قد وقع بسبب يرجع إلى الزوجة أي ألا تكون الزوجة هي المتسببة في الطلاق( ).
الطلاق الغيابي قرينة على تخلف شرط السبب من جانب الزوجة
• ويعد طلاق الزوجة غيابياً قرينة أيضاً على أن الطلاق قد وقع بغير سبب منها وذلك إلى أن يقيم المطلق الدليل على عكس ذلك( ).
• ومن الحالات التي تعد فيها الزوجة متسببة في الطلاق القضاء بتطليقها للضرر إعمالاً لحكم المادة السادسة أو الحادية عشر مكرر ثانياً من القانون مع إسقاط بعض حقوقها المالية إذ تعتبر في هذه الحالة مشاركة في سبب الطلاق وكذا إذا كان التطليق ببدل تلتزم به الزوجة، إلا أن طلاق الزوج للزوجة لثبوت غشها في أمر بكارتها بوثيقة الزواج لا يسقط حقها في المتعة( ) حيث يشترط في السبب أن ينشأ بعد الزواج على حين أن الغش المدعى به يعد سابقاً عليه.
حدود حق المطلقة على الإبراء في تعويض المتعة
• تقدم أنه يتعين توافر شرطي عدم الرضا وانعدام السبب في حق المطلقة حتى تستحق تعويض المتعة وعلى ذلك فالطلاق على مال أو الطلاق مع الإبراء لا تجب به متعة لأن مناط وجوبها طلاق يستبد به الزوج فتغتم به المرأة وتتأذى والمرأة في الطلاق على مال ترغب فيه كما يرغب الرجل وتدفع بدلاً لتحقق هذه الرغبة فكيف تكون معطية وآخذة فهو طلاق يتم برضا من الزوجة فلا تستحق به متعة لتخلف أحد شرطي وجوبها وهو انعدام الرضا، إلا أن ذلك لا يسقط حق المطلقة على الإبراء في إقامة الدعوى بطلب المتعة رغم سبق الإبراء إذا ما كان القصد هو إثبات عكس القرينة المستفادة منه ذلك أن الراجح في المذهب الحنفي أن للزوجة أن تفتدي نفسها بعوض تطلب معه من الزوج تطليقها عليه، والراجح أيضاً أنه إذا ثبت فساد ذلك العوض لمخالفته للنظام العام أو الآداب أو لكونه قد جاء وليد إكراه أو نحوه وقع الطلاق عليه رجعياً( ).
• وعلى ذلك فإذا ما طلبت المطلقة على الإبراء المتعة تعين على المدعية إثبات توافر شرطي الاستحقاق وأولها أن الطلاق قد وقع بغير رضاها والذي لن يتأتى إثباته إلا بإثبات أن إبراءها للزوج من الحقوق الشرعية أو المتعة لم يكن برضا منها أو كان وليد إكراه معدم للرضا فإذا ما تيسر للمدعية إثبات ذلك وأن الطلاق كان بسبب يرجع إلى الزوج تعين القضاء بالمتعة ولا عبرة بتحول الطلاق في هذه الحالة على طلاق رجعي باعتبار أن المتعة حق للمطلقة سواء كان طلاقها رجعياً أو بائناً( ).
حدود حق المطلقة قضائيا في المتعة
• ويتعين الإشارة إلى أن قضاء محكمة النقض على أن الحكم بتطليق الزوجة دون بدل في دعوى الطلاق المقامة منها لا يدل بذاته على أن التطليق برضاء الزوجة أو بسبب من قبلها( ).
• وخلاصة الأمر أنه إذا قيل بأن الإبراء من المتعة أو من كافة الحقوق الشرعية يعني الرضا بالطلاق إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون قرينة
• تقبل إثبات العكس مما يتعين معه على المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات شرطي عدم الرضا وانعدام السب في جانب المطلقة فإذا نجحت المدعية في إثبات ذلك اعتبر إبرائها قد صدر مشوباً بعيب في الرضا مما يبطل الإبراء ويتحول معه الطلاق الواقع عليها إلى طلاق رجعى وتستحق معه المتعة، وعلى ذلك يمكن القول أنه لا يكون للمطلقة الحق في المطالبة بالمتعة في الطلاق على مال إلا بإدعاء الإكراه لنفى الرضا بالطلاق.
• وقد ثار الخلاف حول مدى استحقاق المطلقة بحكم من المحكمة للمتعة المفروضة بالمادة 18 مكرر وانصب ذلك الخلاف على ما إذا كان طلب الزوجة للتطليق يعد من جانبها دليلاً على الرضى المسبق بوقوع الطلاق مما يفقدها أحد شرطي استحقاقها للمتعة أم أن طلب الطلاق لا يعد في ذاته بمثابة رضا من جانب الزوجة لكونها قد تكون أكرهت على سلوك هذا السبيل دفعا لإساءة الزوج لها ورفعا للضرر الواقع عليها.
وقد جرت بعض الأحكام على أن قيام الزوجة بطلب التطليق لأحد الأسباب الواردة بالقانون لا يسقط حقها في طلب المتعة المقررة للمطلقة قانوناً إذا استوفت الزوجة بقية شروط استحقاقها.
رأينا في مدى استحقاق المطلقة بحكم قضائي للمتعة
• ونحن نرى أن المطلقة عن طريق المحكمة لا تستحق المتعة المقررة قانوناً بالمادة 18 مكرر ذلك أن الراجح الذي نراه من صياغة نص المادة 18 مكرر سالفة الذكر يؤدى إلى ذلك القول لأسباب عديدة هى:
أولاً: أن النص قد اشترط لوجوب المتعة للزوجة أن يطلقها زوجها في قوله "إذا طلقها زوجها" وقد يقال في الرد على ذلك أن حكم القاضي بالتطليق يقوم مقام الطلاق الحاصل من الزوج، وهذا صحيح من ناحية انتهاء الزوجية بينهما إلا أن الجدير بالذكر أن الطلاق حق للزوج يوقعه بإرادته المنفردة ولا يعقل القول أن القاضي عند الحكم بالتطليق كان نائباً عن الزوج في إيقاع الطلاق لأن الخصومة القضائية رفعت إليه وانعقدت أمامه وهو لا يمكن أن يكون خصماً وحكماً في أن واحد لأن القاضي يعمل إرادة القانون ولا يعمل إرادة الزوج فدوره، لا يتعدى الفصل في الخصومة بين الزوجين.
ثانياً: أن نص المادة 18 مكرر تقرر في تقدير المتعة مراعاة حال المطلق لأن لفظ المطلق الوارد في النص هو اسم فاعل، أي الذي صدر منه الطلاق وأن يسراً وعسراً وهذه العبارة أيضاً تدل على وقوع الطلاق من الزوج دون غيره، والنظر في تقدير المتعة يجرى على حالة يسراً وعسراً، ولا يتفق ذلك مع حكم القاضي بالتطليق، لأنه لا يقع بإرادة القاضي وإنما هو تفريق للزوجين وفسخ لعقد الزواج بينهما في معناه الصحيح وبيانا لإرادة القانون في حالة توافرت فيها شروط أعمال النص القانوني.
ثالثاً: أنه لم يكن خافيا على المشرع ولم يغيب عن ذهنه وقت صياغة نص المادة 18 مكرر سالفة الذكر أن بعض حالات الطلاق والفرقة بين الزوجين تكون بأحكام قضائية، ولو كان المشرع يريد أن يجعل حكم هذه المادة شاملاً لهذه الحالات وما أكثرها لكان أن صاغ لفظ الطلاق الوارد في النص بالبناء على المجهول فتكون الصياغة على النحو التالي "للزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقت بدون رضاها ولا بسبب من قبلها" ونرى أن عطف لفظ الزوج على لفظ الطلاق يعنى أنه خصص هذا الحكم لحالة وقوع الطلاق من الزوج فقط وقد عبرت عن ذلك المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 44 لسنة 1979 بقولها أن تقرير المتعة للمطلقة إلى جانب ما يحقق لها من العون المادي في الوقت نفسه يمنع الكثيرين من التسرع في الطلاق، والتسرع لا يتصور إلا من قبل الزوج وغير متصور من قبل القاضي.
رابعاً: أن ذهاب الزوجة إلى القاضي طالبة منه تطليقها من زوجها فيه الدليل على رضائها مسبقاً بالطلاق لأن إقامتها الدعوى به عمل إرادي لا يتفق مع العلة من تقرير المتعة وهى جبر خاطر المطلقة ومواساتها عما أصابها من ألم وجزع من طلاقها الذي لم يكن لها يد فيه، أما وقد لجأت على القضاء طالبة تطليقها فلا يحق لها المتعة لأنها شاركت بفعلها في وقوع الطلاق.
خامساً: أن اشتراط النص استحقاق الزوجة التي طلقها زوجها للمتعة أن لا يكون الطلاق راجعا إلى سبب من قبلها معناه وجوب المتعة عند تحقق الفرض العكسي، بل هو شرط سلبي في حق الزوجة معناه أن لا تتسبب من جانبها في حصول الطلاق، فإن كانت هي المتسببة في الطلاق لم تستحق المتعة، فكأن القانون علق التزام الزوج الذي طلق زوجته على شرط فاسخ هو أن لا يكون الطلاق راجعاً إلى سبب من قبل الزوجة.
سادساً: أن قول أحمد من المذهب الشافعي والذي يستند إلى تشريع المتعة وضعيا إليه أوجبها بشرطين هما عدم الرضا والسبب( ) رغم كون المذهب إنما يوجبها بإطلاق بصرف النظر عن الرضا أو السبب وهو ما يعنى وجوب توافر الشرطين في المطلقة وتكليفها - بإثبات توافرهما. كما أنه إذا كان مناط استحقاق المتعة هو الطلاق المستند به فإن إيقاع من القاضي في حالات الطلاق بناء على طلب الزوجة إلا يتصف الطلاق بهذه الصفة الموجبة لاستحقاق المتعة حيث لا يتصور أن يستبد القاضي بالطلاق الذي يوقعه على الزوجة في دعوى الطلاق
التي ترفعها إليه فضلا عن أنه إذا كانت المتعة هى المبلغ الذي تحصل عليه الزوجة جبراً لخاطرها عن التعسف في استخدام حق الطلاق فلا يتصور تعسفه في إيقاع الطلاق على الزوجة وخاصة أنه إنما يقضى به بناء على طلبها ذلك أنه إذا كان من المتصور أن يسيىء الزوج استخدام إرادته في إيقاع الطلاق فكيف يتصور أن يقع القاضي في ذلك عند القائلين بحلول إرادة القاضي محل إرادة الزوج في إيقاع الطلاق جبرا عنه في دعاوى الطلاق بناء على طلب الزوجة( ).
أما القائلين بأن لجوء الزوجة إلى طلب الطلاق لا يعبر عن رضا من جانبها بوقوعه الأمر الذي لا يسقط حقها في المتعة لكون لجوئها إلى القضاء بطلب للطلاق إنما كان نتيجة إساءة الزوج إليها وإضراره بها مما يعد معه إكراها دافعاً لها إلى اللجوء إلى المحكمة بطلب الطلاق نافيا لشرط الرضا في هذه الحالة وهذا القول مردود بأن إساءة الزوج يمكن للزوجة دفعها بشكايته لولى الأمر (القاضي) جنائيا لتعذيره - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون - إذا ما اتخذت الإساءة صورة الاعتداء وإنزال العقاب ضده على فعلته، أما طلب الطلاق فأنه دال بذاته على اتجاه إرادة الزوجة ورضاها المسبق به.
وكانت محكمة استئناف القاهرة قد ذهبت إلى أحقية المطلقة بحكم من المحكمة في الحصول على تعويض المتعة( ).
وقد تبنت محكمة النقض الرأي الأول وقضت في أحكامها الحديثة بحق المطلقة بحكم قضائي في المتعة شأنها شأن المطلقة بإرادة الزوج( ).
• ويعد الحكم الصادر بالطلاق دليلاً على أن الطلاق قد تم بغير رضا الزوجة أو بسبب يرجع إليها وهو ما يكفى بذاته لحمل الحكم بالقضاء المتعة لها( )، إلا أنه إذا ثبت من تقرير المحكمين في دعوى التطليق أن الزوجة قد أصرت على الطلاق وعجزت عن إثبات إضرار الزوج بها اعتبر ذلك رضا منها بالطلاق بما يسقط حقها ـ من ثم ـ في استحقاق المتعة( ).
حدود حق الذمية في استحقاق المتعة
• وإذا أسلمت الزوجة قبل الطلاق وأبى الزوج الإسلام فسخ القاضي العقد بينهما واستحقت المطلقة المتعة( ) كما تستحق المتعة الذمية المطلقة التي أسلم زوجها وأوقع عليها الطلاق واستصدر حكماً بإثبات هذا الطلاق إذا ما توافرت شروط الاستحقاق باعتبار أن الطلاق قد تم بإرادة الزوج المنفردة.
• وتستحق المتعة باستيفاء شروطها سواء كانت الزوجة قد سمى لها صداق أو لم يسمى لها وحيث تسمية المهر لا تشترط للمطالبة بالمتعة.
استحقاق المتعة في حالة تكرار الطلاق
• ولا يسقط حق المطلقة في المتعة - في رأينا - بتكرار الطلاق فكلما طلقت المرأة استحقت المتعة، فلو عاد المطلق وأعادها إلى عصمته بأن عقد عليها ثم طلقها ثانية استحقت المتعة عليه وهكذا إلا أن البعض يذهب إلى سقوط حق المطلقة في المطالبة بالمتعة إذا أعاد المطلق مطلقته إلى عصمته على سند أن إعادة المطلق مطلقته إلى عصمته ينطوي على جبر لخاطرها ومواساة لها يرفع عنها ضرر الطلاق بما يسقط استحقاقها للمتعة، إلا أن هذا النظر لا يفرق بين ما إذا كانت إعادة المطلق مطلقته إلى عصمته من طلاق رجعى أم بعد طلاق بائن ومعاودة العقد على المطلقة بعقد ومهر جديدين، إذ لو جاز اعتبار قيام المطلق رجعيا برد المطلقة إلى عصمته جبرا لخاطرها فهل يمكن اعتماد ذات النظر في الطلاق البائن ومعاودة الزواج من المطلقة بعقد جديد بعد مدة تطول أو تقصر؟( ) كما أن زواج المرأة من أكثر من رجل وطلاقها منهم يوجب لها المتعة على كل منهم استقلالا( ).
• إلا أنه إذا طلق الزوج زوجته على الإبراء ثم أعادها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين ثم طلقها ثانية فلا يجوز احتساب مدة الزواج الأول ضمن مدة الزوجية في تقدير المتعة حيث لا يجوز سوى احتساب المدة الثانية وحدها لعدم استحقاقها للمتعة عن الطلاق الأول لوقوعه على الإبراء بما ينتفي معه شرط عدم الرضى باعتباره أحد سببي استحقاق المتعة( ).
أثر مدة الزوجية في استحقاق المتعة
• وتستحق المتعة للمطلقة مهما قصرت مدة الزواج ولو لم يستمر سوى شهر أو بضع شهر أو يوماً أو بعض يوم( ).
إثبات استحقاق المتعة
• ويقع عب إثبات توافر شروط الحق في المطالبة بالمتعة - بحسب الأصل - على عاتق المطلقة إعمالاً للقاعدة الشرعية "البينة على من أدعى واليمين على من أنكر"( )، فيتعين على المدعية إقامة الدليل على سبق الزواج والطلاق وهما واقعتان تثبتان بالوثائق الرسمية كما يكون عليها أن تقيم الدليل على أن الطلاق لم يكن برضا منها أو بسبب يرجع إليها.
• للمطلقة إثبات كافة شروط استحقاق المتعة بكافة طرق الإثبات الشرعية وأهمها البينة الشرعية والقرائن( ) والإقرار واليمين وغيرها( )، فإذا كانت وسيلة الإثبات هو البينة الشرعية وجب أن تكون من رجلين أو رجل وامرأتين( ).
• وإذا دفع المدعى عليه استحقاق المدعية للمتعة بأن الطلاق وقع برضائها وبسبب يرجع إليها اعتبر مدعياً فيما يتعلق بدفاعه وانتقل عبء إثبات الرضا والسبب في الطلاق إليه الذي له إثباته بكافة طرق الإثبات أيضاً.
• ويعد طلاق الزوجة غيابياً قرينة على أن الطلاق قد وقع بغير رضاها ولا بسبب يرجع إليها يخول للمحكمة القضاء بالمتعة دون استلزام إثبات آخر( ).
• ومؤدى ذلك أنه في حالة الطلاق الغيابي فإن المطلقة المدعية لا تكلف بإثبات توافر شرطي استحقاق المتعة باعتبار أنهما يعدان متوافران في جانبها افتراضا إعمالاً للقرينة المذكورة وفى هذه الحالة يقع على المطلق - عبء إثبات أن الطلاق وقع برضا المدعية أو لأسباب ترجع عليها.
• وعلى ذلك يجرى العمل بالمحاكم على إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفى عناصرها ولإعطاء الزوج فرصة نفى توافر شرطي الاستحقاق فإذا لم تقدم المدعية شهودها وكان الطلاق غيابيا اعتبر الشرطان متوافران إلى جانبها فرضا فإذا قدم الزوج شهوده قدرت المحكمة شهادتهما في نفى توافر شرطي الاستحقاق أما إذا لم يقدم شهودا اعتبر مصادقاً على طلبات المدعية كما أن حضور الزوجة مجلس الطلاق يعد قرينة على أن الطلاق قد وقع برضاها أيضاً إلا إذا أقامت الزوجة الدليل على أن حضورها مجلس الطلاق لم يكن برضا منها به.
• ويتعين إقامة الدليل على توافر كافة شروط استحقاق المتعة فإذا تمسك المطلق أمام محكمة الموضوع بأن طلاقه للمدعية كان بسبب يرجع إليها وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك فإذا لم تحقق المحكمة هذا الدفاع وأقامت قضاءها باستحقاق المدعية للمتعة على مجرد وقوع الطلاق غيابياً فإن حكمها يكون قاصراً( ).
مدى استحقاق الزوجة الناشز للمتعة
• وإذا تركت الزوجة مسكن الزوجية هاجرة إياه وقضى بنشوزها فطلقها الزوج وطالبته بالمتعة فدفع دعواها بأن السبب في الطلاق يرجع إليها وساق دليلا على ذلك الحكم الصادر بنشوزها فإن الحكم الصادر بالنشوز لا يشكل سوى قرينة تساند إدعاء المدعى عليه يجوز للمطلقة المدعية إثبات ما يدحضها بأن تقيم الدليل على أن الطلاق لم يكن برضا منها أو بسبب يرجع إليها بل أن محكمة النقض ذهبت في هذا الخصوص إلى أبعد من ذلك واعتبرت أن الحكم الصادر بعدم قبول اعتراض الطاعة لا يحاج به في دعوى المتعة( )، كما اعتبرت أن ترك الزوجة لمنزل الزوجية ومعها كافة منقولاتها باتفاق مع الزوج أفرغ في محضر رسمي لا يدل بذاته على أن الطلاق الذي أوقعه الزوج عليها بعد ذلك كان برضاها( )، وعلى ذلك فإن قيام الزوجة بهجر مسكن الزوجية لا يعد دليلاً على أن الطلاق الذي أوقعه الزوج عليها كان بسبب يرجع إليها (هجرها لمسكن الزوجية) مما يسقط حقها في استحقاق المتعة وذلك إلا إذا كان ذلك الترك هو السبب المباشر الذي أدى إلى فصم عرى الزوجية ففي هذه الحالة يعتبر الترك مسقطا لحق الزوجة في المتعة، وتقدير ما إذا كان هجر الزوجة لمسكن الزوجية هو السبب المباشر للطلاق من عدمه من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع( ).
• كما ذهبت أحكام محكمة النقض أيضاً إلى أن الحكم الصادر بعدم قبول الاعتراض على إنذار الطاعة لا يحاج به في دعوى المتعة( ).
• ولئن كان لا يجوز للزوجة ـ قبل الطلاق ـ التنازل عن المتعة المستحقة إعمالاً لقاعدة عدم جواز التنازل عن حق لم ينشأ في الذمة بعد، إلا أنها يجوز لها ـ بعد الطلاق التنازل عن المتعة سواء كانت قد قضي لها بها أو لم يقضي( ).
تاريخ تقدير المتعة وتقسيطها
• وتاريخ تقدير قيمة أو مقدار المتعة هو تاريخ وقوع الطلاق وليس تاريخ المطالبة أو التداعي بها وذلك باعتبار أن إيقاع الطلاق هو الواقعة المنشئة للحق في المتعة، وعلى ذلك فإذا ما تراخت المطلقة في المطالبة بتعويض المتعة - اطمئنانا منها بعدم تقادم المطالبة في الحق بها ولم يكن هناك حكم بالنفقة قد سبق صدوره ضد المطلق وجب النظر والاعتداد بيسار المطلق في تاريخ وقوع الطلاق وبصرف النظر عما يكون قد طرأ على حالته المالية من زيادة في تاريخ المطالبة بها خاصة وأن النص على تقدير المتعة بنفقة سنتين يفيد الالتزام في تقديرها بوقت استحقاق تلك النفقة وهو ما لا يتجاوز وقت وقوع الطلاق فضلاً عن أن إطلاق إجازة تقدير المتعة طبقاً لحالة المطلق المالية وقت المطالبة بها يفتح الباب أمام الزوجة المشاكسة بتعمد التراخي في المطالبة بالمتعة لعدة سنين حتى يزداد يسار المطلق وهو ما يؤدي من جهة ثالثة إلى التفرقة بين المطلقة التي بادرت إلى المطالبة بالمتعة فور إيقاع الطلاق وتلك التي تتراخي في المطالبة رغم إتحاد مركزيهما القانوني وهو ما لم يقل به أحد، وقد ذهب قضاء محكمة النقض في حكم حديث لها إلى ما يؤيد هذا التأصيل وفيه قالت المحكمة أنه يعتد في تقدير المتعة بظروف الطلاق ومدة الزوجية ويراعي في فرضها حال المطلق يسراً أو عسراً وقت الطلاق وهو الوقت الذي تستحق فيه باعتبارها أثرا مترتبا عليه جبر خاطر المطلقة ولتستعين به على مواجهة ما ينجم عنه من نتائج وأعباء مادية، ولا عبرة في تقدير المتعة بتغير حال المطلق إلى العسر أو اليسر بعد الطلاق أو بحالة وقت الحكم بفرضها إذ لا ينفك سبب الالتزام عن الآثار المترتبة عليه. (راجع الطعن رقم 56 لسنة 62 ق - جلسة 25/12/1995 والطعن رقم 26 لسنة 65 ق - جلسة 11/07/2000)
هل يجوز المطالبة بالمتعة في تركة المطلق المتوفى ؟
• وإذا طلق الزوج زوجته ثم توفيت الزوجة فلا يجوز لورثتها إقامة الدعوى ضد الزوج لمطالبته بالمتعة المستحقة لمورثتهم لكون المتعة من الحقوق الشخصية للمرأة المطلقة المترتبة على الطلاق التي لا تنتقل إلى الخلف العام، وكذا إذا توفى الزوج بعد الطلاق فلا يجوز لمطلقته إقامة الدعوى ضد ورثته للمطالبة بالمتعة، أما إذا توفى بعد صدور الحكم لها بالمتعة استحقت المتعة في تركته وحق للمطلقة مطالبة ورثته بما قضي لها به منها إعمالاً لقاعدة إلا تركة إلا بعد سداد الديون.
حق الزوجة العاقر في المتعة
• ويثور التساؤل حول حق المرأة التي يطلقها زوجها بسبب عقمها في استحقاق المتعة وهل يعد عقم المرأة سبباً من جانبها يتخلف معه أحد شرطي استحقاقها للمتعة؟.
• ونحن نرى أن عقم الزوجة وعدم قدرتها على الإنجاب لا يعد سبباً في جانبها يسقط حقها في استحقاق المتعة إذا طلقها زوجها لهذا السبب، ذلك أنه يشترط في السبب الذي يتحقق في جانب الزوجة ويسقط بتوافره حقها في المتعة أن يكون سبب غير مشروع كثبوت اعتداء الزوجة على الزوج أو إتيانها من التصرفات ما يشكل جريمة ضده، وعلى ذلك فإن عقم الزوجة لا يسوغ اعتباره سبباً يسقط حق الزوجة في المتعة لكونه مما يخرج عن إرادتها باعتباره أمراً لا يد لها فيه( ). وقياساً على أن عدم الإنجاب لا يعد سبباً يجيز التطليق وفقاً لحكم المادة التاسعة من القانون رقم 25 لسنة 1920 المعدل( ).
تحديد مقدار المتعة
• وتقدر المتعة بنفقة سنتين على الأقل، والمقصود بالسنة في هذا المقام السنة الميلادية وليست الهجرية إعمالاً لحكم المادة 23 من القانون.
• ويجب إلا يقل المبلغ المحكوم به كمتعة عن نفقة سنين كحد أدنى( ) إلا أن للمحكمة أن تحكم بما يجاوز هذه المدة بالنظر على حالة المطلق المالية الاجتماعية وظروف الطلاق ومدة الزوجية، كما يجوز أن تفرض المتعة لمدى حياة المطلقة وخاصة أن مفهوم نص المادة يتسع لذلك( ).
أثر الطعن على حكم المتعة فيما يتعلق بشروط الاستحقاق دون مقدار المفروض
• ويتعين الإشارة في هذا المقام أنه إذا استأنف المطلق أو المطلقة الحكم الصادر بفرض المتعة وتضمن الاستئناف النعي على شروط الاستحقاق دون النعي على مقدار المفروض فلا يجوز لمحكمة الطعن التعرض بالزيادة أو النقصان أو التعديل لمقدار المفروض إعمالاً للقاعدة الأصولية المنصوص عليها في المادة 232 مرافعات والتي مؤداها أن الاستئناف بنقل الدعوى على محكمة الاستئناف في حدود ما رفع عنه الاستئناف فقط وحتى لا تقضي محكمة الطعن بما لم يطلبه الخصوم.
مفهوم ظروف الطلاق ومدة الزوجية في تقدير المتعة
• والمقصود بعبارة ظروف الطلاق الواردة بالنص وجوب أن تدخل المحكمة في تقديرها عند الحكم في دعوى المتعة الأسباب الشخصية التي دفعت الزوج على إيقاع الطلاق ومدى تعسف الزوج في استخدام هذا الحق بحيث يتعين على المحكمة زيادة المبلغ المحكوم به كمتعة كلما تكشف لها من بحث ظروف الطلاق تعسف الزوج في استخدام هذا الحق.
• كما يتعين على المحكمة عند تقدير المتعة المحكوم بها مراعاة المدة التي استغرقتها الزوجية، إلا أنه يجدر التنويه إلى أنه وكما يمكن أن يعد قصر مدة الزوجية سبباً داعياً لضآلة المبلغ المحكوم به على سبيل المتعة فأنه يمكن أن يعد أيضا وفي نفس الوقت سبباً لزيادة هذا المبلغ - بمراعاة ظروف الطلاق، كما أن الزواج الذي لم يستمر سوى بضع أسابيع أدعى إلى زيادة المبلغ المحكوم به كمتعة لعمق الألم النفسي الذي سيخلفه الطلاق السريع في نفسية المطلقة ووضعها بين أهليها.
• وتقدر المتعة طبقاً لحالة المطلق المالية في تاريخ الطلاق وليس في تاريخ إقامة الدعوى أو الحكم فيها كما تقدم القول( ).
تقسيط المتعة
• وقد أجاز النص إمكان قيام المحكمة بالترخيص للمطلق في سداد المتعة المحكوم بها على أقساط( ) إلا أن ذلك يجب أن يكون بناء على طلب المدعى عليه بما يمتنع معه على المحكمة الحكم بالتقسيط من تلقاء نفسها( ) حتى لا يعيب حكمها عيب القضاء بما لم يطلبه الخصوم كما يجوز طلب التقسيط عند التنفيذ( ) بنا على قرار يصدر من قاضي التنفيذ المختص.
• وكما يجوز طلب التقسيط أمام محكمة أول درجة فإن ذلك يجوز أمام محكمة الاستئناف دون أن يعد ذلك طلباً جديداً وفقاً لحكم المادة 58 من القانون رقم (1) لسنة 2000.
هل يشترط للقضاء بالمتعة سبق الحصول على حكم بالنفقة
• وقد أثارت صياغة المادة 18 مكرر خلافاً في العمل حول مدى حجية الحكم الصادر بالنفقة بالنسبة لدعوى المتعة ومدى وجوب أو جواز الاستناد أو التمسك بما ورد بحكم النفقة واتخاذه أساسا لتقدير المتعة المستحقة على المطلق وذلك باعتبار أن النص المذكور وقد وردت صياغته متضمنة عبارة (... متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل...) وقد تفرغت أحكام المحاكم في تفسير هذا النص إلى ثلاث اتجاهات اعتبر إحداها أنه يستوي للقضاء بالمتعة صدور أو عدم صدور الحكم للمطلقة بالنفقة وذهب إلى تقدير يسار المطلق لتحديد مقدار المتعة المستحقة باتخاذ إجراءات الإثبات المعتادة( ) مع الاسترشاد بحكم النفقة أن وجد لا فرق بين ما إذا كان ابتدائياً أو نهائياً، بينما ذهب اتجاه آخر إلى اعتبار أن صدور حكم قضائي بتحديد نفقة المطلقة يعد مسألة أولية يتعين الفصل فيها لزوم الفصل في دعوى المتعة إعمالاً لحكم المادة 129 مرافعات، وقد ذهبت تلك الأحكام في سبيل تطبيق هذا النظر إلى وقف دعوى المتعة إلى حين الفصل في دعوى النفقة بحكم نهائي إذا ما تبين أن هذه الدعوى الأخيرة مطروحة على القضاء بين الخصمين( ).
بينما ذهب اتجاه ثالث إلى القول بعدم قبول دعوى المتعة لرفعها قبل الأوان إذا ما تبين عدم قيام المدعية بالمتعة بسبق رفع الدعوى بالنفقة( ).
ونحن نرى أن هذه المشكلة يتعين النظر إليها من خلال "نظرية قوة الأمر المقضي للأحكام القضائية" ذلك أنه من المقرر أن الحكم إذا ما صار نهائياً غير قابل للطعن عليه بطريق من طرق الطعن الاعتيادية اكتسب ما اصطلح على تسميته بقوة الأمر المقضي باعتبار أنه قد أضحى في مرتبة يعد معها عنوانا للحقيقة القانونية( ) إلى أن يطرأ عليه ثمة تعديل فيما يتعلق بالأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية باعتبارها ذات حجية مؤقتة، وإذا كان من المقرر أن كل حكم حائز قوة الأمر المقضي يكون بطبيعته حائزاً لحجية الأمر المقضي( ) فإن مقتضى ذلك أن الحكم الصادر بالنفقة يكون واجب الاحترام من الكافة ولا يجوز القضاء على خلافه في أي نزاع يكون هذا الحكم مستند لأي من الخصوم فيه( ) إلا أنه لما كان من المقرر في ذات الوقت أن الحجية التي تثبت للأحكام الصادرة بالنفقات هي بطبيعتها حجية مؤقتة لأنها مما يقبل التغيير والتبديل ويرد عليها الزيادة والنقصان بسبب تغير الظروف كما يرد عليها الإسقاط بسبب تغير دواعيها إلا أن هذه الحجية المؤقتة تظل باقية طالما أن دواعي النفقة وظروف الحكم بها لم تتغير مما يعتبر معه الحكم الذي ينكر هذه الحجية مخالفا للقانون يجوز الطعن فيه بطريق النقض عملاً بالمادة 426 مرافعات( ) وعلى ذلك يمكن القول أنه يتعين عند نظر دعوى المتعة التفرقة بين حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون هناك حكماً صادراً للمدعية بالنفقة فيتعين في هذه الحالة اتخاذه أساساً لتقدير المتعة وهنا يفرق بين حالتين الأولى، أن لا يكون هذا الحكم قد اكتسب قوة الأمر المقضي أي لم يصبح نهائياً فيتعين على محكمة المتعة تأجيل نظر الدعوى إلى حين صيرورة الحكم الصادر بالنفقة نهائياً منعا لتناقض الأحكام، والثانية أن يكون حكم النفقة قد اكتسبت قوة الأمر المقضي بأن أصبح نهائياً فيتعين على محكمة المتعة في هذه الحالة القضاء بما قضى به الحكم المذكور من نفقة واتخاذه أساساً لتحديد مقدار المتعة المقضي بها( ) مع الاستعانة بعناصر التقدير الأخرى الواردة بالنص وذلك إلا إذا ادعى أيضاً أحد طرفي الدعوى تغير الحالة المالية للمطلق( ) حيث يتعين الوقوف على ما آل إليه حال المطلق بعد صدور حكم النفقة يسراً أو عسراً( ) للقضاء بالمتعة على ضوء الحالة المالية الثابتة للمدعى عليه في تاريخ استحقاق المتعة( )، ودون اعتداد بما قضى به الحكم الصادر بالنفقة( ) وهو ما يكلف المدعي بتغير الحالة المالية بإثباته.
الحالة الثانية : وفيها لا يكون هناك حكماً بالنفقة للمطلقة أما لعدم حصولها على حكم بالنفقة أو لغير ذلك من الأسباب، وفي هذه الحالة يتعين على المحكمة المختصة بدعوى المتعة اتخاذ إجراءات إثبات درجة يسار المطلق توصلا إلى تحديد مقدار ما كانت تستحقه المطلقة من نفقة لتتخذه المحكمة فقط أساساً لتقدير المتعة المستحقة( ) دون أن يكون لهذا القضاء حجية في خصوص استحقاق المطلقة للنفقة على المطلق( ).
لذلك نحن نرى أن الأحكام التي تذهب إلى الحكم بعدم قبول دعوى المتعة لرفعها قبل الحصول على حكم بالنفقة تنطوي على قضاء معيب حيث جعلت حصول المطلقة على حكم بالنفقة من أسباب استحقاق المتعة وليس من وسائل تقديرها باعتبار أن هذه الأحكام تذهب إلى رفض دعوى المتعة إلى حين الحصول على حكم بالنفقة بحجة رفعها قبل الأوان الذي تراه تلك الأحكام أن يكون تالياً لرفع دعوى النفقة أو الحصول على حكم نهائي بها، نقول أن هذا الاتجاه معيب لأنه إنما يعني سقوط حق تلك التي لم ترغب لسبب أو لآخر في رفع دعوى بالنفقة في الحصول على تعويض المتعة وهو نظر لا يقول به منصف، وما يؤكد ذلك أن المشرع تمشيا مع ما نذهب إليه قد أورد - تحسبا لهذا الاحتمالات - في معرض تناوله لكيفية تقدير المتعة عددا من الركائز الأخرى - أضافها بواو العطف لتأكيد ضرورة مراعاتها - يتعين إدخالها في الاعتبار عند تقدير المتعة بجانب - أو بديل عن - حجم النفقة وهي حالة المطلق يسراً أو عسراً وكذا ظروف الطلاق ومدة الزوجية طولاً أو قصراً( ) وهو الأمر الذي تؤكده من ناحية أخرى صياغة المادة 18 مكرر من القانون وحيث جرى النص على استحقاق المتعة بما يقدر بنفقة سنتين وليس بما يماثل نفقة سنتين أو بما يطابق سنتين وهو ما يؤكد قصد المشرع من النص على لفظ نفقة العدة إنما هو كضابط للتقدير ليس إلا.
وخلاصة الأمر:
- أنه في حالة صدور حكم نهائي بالنفقة تعين على محكمة المتعة اتخاذه أساساً لتقدير المتعة المستحقة للمطلقة مع عدم إغفال عناصر التقدير الأخرى.
- وفي حالة وجود دعوى نفقة مطروحة على القضاء تعين على محكمة المتعة تأجيل دعوى المتعة إلى حين الفصل نهائياً في دعوى النفقة وذلك تحسبا لعدم تناقض الأحكام ليس إلا واحتراما لقوة الأمر المقضي لحكم النفقة.
- وفي حالة عدم وجود دعوى أو حكم بالنفقة تعين على محكمة المتعة اتخاذ إجراءات إثبات يسار المطلق والقضاء بالمتعة استناداً إلى ذلك.
مدى قوة دين المتعة وتقادمه
• استقر أن الطلاق أياً كان نوعه يعد الواقعة القانونية المنشئة لالتزام الزوج بالمتعة، وعلى ذلك فإن حق المطلقة في المتعة إنما يثبت لها من تاريخ وقوع الطلاق إذا ما توافرت الشروط القانونية لاستحقاقها، وإذا كانت الشريعة الإسلامية لا تعترف بالتقادم المكسب أو المسقط للحق مهما طال الزمن( ) فإن البحث في تقادم دين المتعة يكون على غير محل أو سند خاصة وبعد أن صدر القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية خلوا من نص مماثل لنص المادة 375 من المرسوم بالقانون رقم 78 لسنة 1391 الصادر باللائحة الشرعية والذي كان يحظر على المحاكم سماع الدعاوى إذا ما انقضت مدة خمسة عشرة سنة من تاريخ ثبوت الحق فيها أي من تاريخ الطلاق( ) دون رفع الدعوى بها مع تمكن المطلقة من رفعها وعدم العذر الشرعي مع الإنكار للحق في تلك المدة.
مدى صحة إطلاق لفظ النفقة على المتعة
• والمتعة لا تعتبر من النفقات( ) ذلك أن النفقة تعد الحق المالي الثاني الذي يجب للمرأة على زوجها حين أن المتعة تشكل الحق الثالث من هذه الحقوق.
عدم جواز الحبس في متجمد المتعة
• فالنفقة إنما تكون مقابل الاحتباس الثابت للزوج على الزوجة حين أن المتعة هي فضلاً عن أن المشرع لم يدخل المتعة - ضمن الأنواع المنصوص عليها فيه والتي وردت به على سبيل الحصر وعلى ذلك يمكن القول بعدم جواز الحبس في متجمد المتعة( ).
المحكمة المختصة نوعياً بنظر دعوى المتعة
• وينعقد الاختصاص النوعي بنظر دعاوى المتعة لمحكمة الأسرة إعمالاً لحكم المادة الثالثة من القانون رقم 10 لسنة 2004.
المحكمة المختصة محلياً بنظر دعوى المتعة
• كما أن المحكمة المختصة محلياً بنظر الدعوى هي محكمة موطن المدعى عليه وحده دون محكمة موطن المدعية والتي أقيمت أمامها أول دعوى بين الزوجين إعمالاً لمقتضى المادة الخامسة عشر من القانون رقم 1 لسنة 2000 قد حددت في متنها الحالات والشروط التي يتعين توافرها لإمكان إقامة الدعوى أمام محكمة موطن أي من المدعي أو المدعى عليه باعتبارها استثناء على الأصل العام، وإذا كان نص المادة الأخيرة قد أورد أنواع الدعاوى التي يمكن إقامتها أمام محكمة موطن أي من المدعي أو المدعى عليه على سبيل الحصر فإن دعوى المتعة لم يرد النص بها ضمن تلك الدعاوى حتى يمكن القول بجواز إقامة الدعوى بها أمام محكمة موطن أي من المدعي أو المدعى عليه( ) خاصة وأنه لا يمكن القول بأن دعوى المطالبة بالمتعة تدخل ضمن مفهوم النفقات والأجور لاختلاف طبيعة كل منهما عن المتعة كما لا تدخل المتعة ضمن نص الفقرة د من المادة المذكورة وهي "التطليق والخلع والإبراء والفرقة بين الزوجين" لما هو مستقر فقهاً وقضاءاً من أن مفهوم تلك الفقرة لا ينصرف إلا للطلاق ذاته إثباتا أو نفيا أو طلبا ولا يمتد ليشمل الآثار المترتبة عليه خاصة وأن المشرع لو أراد اعتبار المتعة من المسائل التي تختص بها محكمة موطن أي من المدعية أو المدعى عليه لأضاف إلى عبارة "الطلاق والخلع والمبارأة" عبارة "والآثار المترتبة عليهم"، يضاف إلى ما تقدم أن نص المادة الخامسة عشر وقد اشترط لينعقد الاختصاص المحلي بنظر الدعاوى المنصوص عليها فيها لمحكمة موطن أي من المدعي أو المدعى عليه أن تكون المدعية أم أو زوجة أو حاضنة رفقا بها وشفقة عليها وتلك الصفات لا تتوافر للمطلقة في دعوى المطالبة بالمتعة بما يخرج تلك الدعوى من الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه عملاً بالقاعدة العامة في شأن الاختصاص المحلي والتي تصدرت نص المادة (15) سالفة الذكر.
مدى انتقال الحق من المطالبة بالمتعة للورثة
• ويتعين الإشارة من الخاتمة إلى ما سبق تقريره من أن الحق في المطالبة بالمتعة لا ينتقل إلى ورثة المطلقة المتوفاة فلا يجوز للورثة إقامة الدعوى ضد المطلق بعد وفاة مطلقته والمطالبة بالمتعة وإثبات أن الطلاق الذي سبق وفاتها قد وقع بدون رضاها وبغير سبب من جانبها وذلك باعتبار أن المتعة من الحقوق الشخصية المقررة للمطلقة إذا ما توافرت لها شروط استحقاقها. ولما كانت الدعوى لا تقام إلا بين الأحياء وكانت المدعية في دعوى المطالبة بالمتعة قد توفيت فإن الحق في تلك المطالبة لا ينتقل لورثتها إذ لا حق شخصي لهم في المتعة، إلا أننا نرى أنه إذا كانت المطلقة قد سبق لها قبل وفاتها الحصول على حكم قضائي نهائي بتقرير حقها في المتعة بمبلغ معين فإن هذا الحق يحكم اعتباره ديناً أضحى مستقراً في ذمة المطلق لصالح المدعية فإنه ينتقل إلى ورثتها كأحد عناصر التركة التي يجوز لهم مطالبة المطلق بأدائه باعتبارهم خلفاً عاما لمورثهم.
• أما إذا توفيت المطلقة أو المطلق خلال تداول الدعوى بالمتعة أمام المحكمة فإن أي من ورثتهم لا يحق لهم تلافي انقطاع سير الخصومة بالحلول في الدعوى محل المتوفى لذات العلة وهي أن المتعة حق لصيق بشخصية المطلقة ولا تستحق إلا للمطلقة كالتزام بما لا يجوز معه أن يحل الخلف العام لأيهم محله في حالة وفاته.