رسالتنا
إليكم..........
ميزان
مجموعة القانون من اجل حقوق الإنسان " هي هيئة أردنية غير حكومية تأسست عام
1998 لتحقيق المزيد من التقدم على طريق الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ،
واستجابة لحاجات المجتمع الاردني الى مزيد من الجهود المؤسسية الرامية الى تعزيز
واحترام حقوق الانسان وتوفير الضمانات القانونية لها ونشر الوعي والتعريف بها ودراسة ومراجعة التشريعات واقتراح التعديلات
على القوانين ومن اجل تحقيق اهدافها تنفذ ميزان وبدعم من الاتحاد الاوروبي برنامج
حماية "الناس وحقوق الانسان " الذي يهدف إلى توفير الحماية القانونية
وذلك من خلال تقديم الارشاد والمساعدة القانونية المجانية الى طالبيها من الفئات
المستضعفة وغير القادرة من المجتمع الاردني مثل الاطفال والنساء وكبار السن، كما يهدف
برنامج حماية الى نشر الوعي القانوني من خلال اصدار عدد من الكتيبات التعريفية
بحقوق الانسان والومضات الاعلانية في التلفزيون والراديو ، ويهدف البرنامج ايضا
الى دراسة التشريعات وتشجيع الحوار حول القوانين ومشاريع القوانين للمساهمة في
الجهود المبذولة لتطوير التشريعات في الاردن للوصول الى قوانين مؤائمة للمعايير
الدولية لحقوق الانسان والتي يتم مناقشتها والمصادقة عليها من قبل البرلمان ،
ولتحقيق هذا الهدف تأتي هذه الدراسة التي أعدها أحد الخبراء المتخصصين في موضوع
الدراسة آملين ان تنال هذه الدراسة المطروحة للنقاش اهتمامكم وان تزودونا بارائكم
حولها على العناوين التالية :
هاتف :
5690691
فاكس :
5690681
البريد
الالكتروني : mizan@nets.jo
كما سنقوم بنشر هذه الدراسة على
الموقع الالكتروني لميزان www.mizangroup.org
المحامية ايفا أبو حلاوة
المديرة التنفيذية
تصريح تم طباعة هذه الدراسة بدعم من الاتحاد الاوروبي
وصندوق السفارة الهولندية لحقوق الانسان ، ان محتويات هذه الدراسة هو من مسؤولية
ميزان وحدها ولا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الاوروبي .
Disclaimer: this brochure has been produced with the
generous support of the European Union and the Netherlands Embassy’s Human Rights fund. The content of this brochure is the sole
responsibility of Mizan and dose not necessarily reflect the view of the
European Union.
بسم
الله الرحمن الرحيم
(( قانون الأحداث
الأردني ))
دراسة تحليلية من واقع التطبيق العملي
مقارنة
بالاتفاقيات الدولية
اعداد
سهير امين محمد طوباسي
قاضي محكمة عمان الابتدائيه
قاضي محكمة صلح الاحداث سابقاً
عمان
1424هـ
- 2004م
قائمة المحتويات
الموضوع الصفحـة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمه 3
المبحث الأول : الأصول الإجرائية
لمحاكمة الأحداث في نطاق
القانون الأردني والاتفاقيات الدولية . 6
المطلب الأول : نطاق تطبيق قانون الأحداث 6
أولا : تعريف الحدث 6
ثانياً :الفئات
العمرية للأحداث 8
ثالثاً : المسؤولية
الجزائية للأحداث 9
المطلب الثاني : إجراءات محاكمة الأحداث 10
أولا
: الضمانات القانونية لمحاكمة الأحداث 10
ثانياً :المحكمة المختصة بنظر قضايا الأحداث 19
ثالثا : إجراءات
المحاكمة العملية 21
المبحث الثاني : التدابير الإصلاحية للأحداث 23
المطلب الأول :التدابير التي توقع على الأحداث
وفقاً للقانون 23
أولا
: التدابير القانونية وفقاًً للقانون الداخلي 23
ثانياً
: التدابير وفقاً للاتفاقيات الدولية 26
ثالثاً
: الإفراج عن الأحداث 31
المطلب الثاني :الأحداث المحتاجون للحماية
والرعاية 34
أولا
:تعريف الحدث المحتاج للحماية والرعاية 34
ثانياً
: إجراءات المحكمة في التعامل مع المحتاج للحماية والرعاية 35
ثالثاًَ
: تدابير الحماية والرعاية 35
الخاتمه والتوصيات 38
قائمة المراجع 40
مقدمـة :
تشكل فئتي الصغار والشباب أغلبية
مجتمعنا الأردني , وهذه الفئات بلا شك هي نواة البنية الأساسية للمجتمع وعدّة
مستقبله وأمل غده 0
ولهذا , فقد عُني بها المُشرع الأردني
وافرد لها من النصوص ما يحميها ويصون حرياتها ويدافع عن حقوقها , وفي نفس الوقت
ولان لظاهرة جنوح هذه الفئة خطورتها على أمن المجتمع , وتماسك بنيانه وتطوره ,
ولأن جنوح الأحداث أو انحرافهم يعد من القضايا التي لها دور هام في الدراسات
الاجتماعية والقانونية على السواء – بالرغم
من الجهود المبذولة رسمياً وشعبياً لمكافحة هذه الظاهرة والحد منها – فقد ازداد
اهتمام الدولة بمشكلة جنوح الأحداث من أبنائها؛
إذ قامت بسن التشريعات الملائمة لهذه المشكلة , وعملت على تطوير هذه
التشريعات وتعديلها , لتواكب التطور الاجتماعي وما رافقه من تطورات في ميادين
الحياة المختلفة , ولتوائم ما نشأ وأُقرّ من معاهدات واتفاقيات إقليمية ودولية في
هذا الشأن 0
صدر أول قانون للأحداث في المملكة
الأردنية الهاشمية عام 1954م , وهو قانون إصلاح الأحداث رقم 16 لسنة 1954م , ثم
صدر بعد ذلك قانون الأحداث رقم 24 لسنة 1968م الساري المفعول(1) ,
والذي توالت عليه تعديلات عدة كان آخرها بموجب القانون رقم 52 لسنة 2002م , وزيادة
في حرص المُشرع الأردني على حماية الأحداث ولتغطية بعض الجوانب القانونية التي لم
يتعرض لها قانون الأحداث فقد صدر قانون مراقبة سلوك الأحداث المؤقت رقم 51 لسنة
2001م(2) 0
ويعد قانون الأحداث من القوانين المكملة
لقانون العقوبات العام , ولذا فهو جزء من قوانين العقوبات التكميلية التي تُلحق
برزمة قوانين الجزاء 0
وتبرز أهمية قانون الأحداث في تحديد
تعريف الحدث وتوضيح مفهومه القانوني , وبيان أهم القواعد الإجرائية الخاصة
بالتحقيق مع الأحداث ومحاكمتهم , ومدى ضمانات هذه المحاكمة 0
(1)
منشور
على الصفحة ( 555 ) من عدد الجريدة الرسمية رقم (( 2089 )) تاريخ 16/4/1968 0
(2) منشور على الصفحة ( 4246 ) من عدد الجريدة
الرسمية رقم (( 4508 )) تاريخ 1/10/2001م 0
وانتهجت السياسة الجنائية الحديثة في
تعاملها مع ظاهرة جنوح الأحداث نهجاً حديثاً , تمثل باتجاهات واضحة نصت عليها
قواعد دولية , اقرّتها معظم الدول وضمنّتها تشريعاتها الوطنية , وهدفت بشكل أساسي
الى حماية الحدث من الجريمة ووقايته ومنع تكراره لها في حال وقوعها , حيث أن أساس
التعامل مع الأحداث اصبح حمايتهم واصلاحهم وليس عقابهم(1) 0
وتعد قواعد الأمم المتحدة النموذجية
الدنيا لادارة شؤون قضايا الأحداث
(( قواعد بكين ))21) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام 1985م , وكذلك قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من
حريتهم من أول المعاهدات التي حدّدت معالم هذه السياسة
الحديثة , حيث ينظر إلى قضاء الأحداث - وفقاً لهذه القواعد – على انه جزء من
الإطار الشامل للعدالة الاجتماعية , يكون عوناً على حماية فئة صغار السن , وأوجبت
على القاضي الذي يتولى الفصل في مثل هذه القضايا ان يكون مُتخصصاً وعلى دراية
كافية في العلوم الاجتماعية والإنسانية ومطّلع على مشاكل الأحداث وطرق معاملتهم ,
وتلتزم الدول الأعضاء في معاهدة بكين بتطبيق قواعد بكين على الأحداث بحيادية ودون تمييز من اجل تلبية احتياجات الأحداث
المنحرفين وحماية حقوقهم الأساسية, وفي ذات الوقت تلبية احتياجات المجتمع 0
ويجب طبقاً لهذه السياسة الحديثة ان
تنتفي سمة الصراع بين الاتهام والدفاع عن إجراءات محاكمة الأحداث أمام المحاكم
المختصة , حيث لا بد أن يشارك الجميع للوصول الى افضل تدبير يناسب حالة الحدث من
اجل إصلاحه وإعادة تأهيله , حيث ان فحص شخصيته واعطاء تقرير عنها يعد من الأمور
الجوهرية في محاكمة الحدث 0
وألغت السياسة الجنائية الحديثة في
التعامل مع الأحداث صفة العقوبة عن الجزاء المترتب على الحدث الجانح عند مخالفته
للقانون , أعطتها بدلاً من ذلك صفة التدبير , الأمر الذي جعلها ذات صفة وقائية
اكثر منها عقابية 0
ومكنّت هذه السياسة إعطاء قاضي الأحداث
سلطات واسعة لاختيار التدبير الملائم لكل حالة على حدة إعمالاً لمبدأ تفريد
العقوبة 0
(1)
عبد
الكريم درويش , مستقبل الحدث الجانح كما يريده المجتمع , بحث في المجلة العربية
لعلوم الشرطة , عدد 22, القاهرة , 1963 , ص 40 0
( 2) قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
رقم ( 40/33 ) الصادر في شهر تشرين الثاني 1985 0
وَيُعَدُ الإشراف على الحدث أثناء
تنفيذه لتلك التدابير المقررة عليه , واعادة النظر بها من الشروط الأساسية اللازمة
لنجاح أي نظام لمعاملة الأحداث(1) 0
ومن أهم ملامح هذه السياسة الحديثة أيضا
إيجاد أفراد شرطة متخصصين في مجال التحقيق بقضايا الأحداث , بحيث يكون لها دورُ
وقائي يضفي على الدور العلاجي , ولتحقيق هذا الأمر لا بد من تدريب وتعليم خاصين
لشرطة الأحداث , من اجل أداء مهمتهم على اكمل وجه(2) , بل ينبغي إنشاء
وحدات شرطية متخصصة لهذا الغرض بحيث يكون معظم عناصرها من الإناث وان يرتدي فيها
المحققون لباساً مدنياً بدلاً من الزي الرسمي(3) 0
وللوقوف على تفاصيل أدق فيما يتعلق بهذه
النواحي فقد قمت بتقسيم دراستي هذه إلى مبحثين رئيسين , تناولت في المبحث الأول
الأصول الإجرائية لمحاكمة الأحداث من حيث نطاق تطبيق القانون , وإجراءات المحاكمة
, معرجاً على تعريف الحدث ونطاق المسؤولية الجزائية المترتبة عليه , وضماناته
القانونية أثناء إجراءات محاكمته أمام المحكمة المختصة , وفي المبحث الثاني تناولت
التدابير الإصلاحية للحدث , سواء تلك التي نص عليها قانون الأحداث الأردني , أو
تلك التي قررتها الاتفاقيات الدولية , ومعرجاً على تعريف الحدث المحتاج للحماية
والرعاية , واجراءات المحكمة في التعامل مع هذه الفئة وفقاً لقواعد القانون , ثم
ضمنّت دراستي هذه خلاصة شملت بعض التوصيات في مجال النصوص القانونية , والتي رأيت
في انها من الاهمية بمكان بحيث كان لا بد من طرحها 0
(1)
البشري
الشوربي , رعاية الاحداث في الاسلام والقانون المصري , منشأة المعارف , الاسكندرية
, 1985 , ص 585 0
(2)
John .P. Kerrey . Police
work with Juveniles .USA .1962. P 54 0
(3)
George w. and others , Juveniles delinguncy and
youth crime ; the Police role.USA.1964.P5 0
المبحث
الأول
الأصول
الإجرائية لمحاكمة الأحداث في نطاق
القانون
الأردني والاتفاقيات الدولية
المطلب
الأول
نطاق
تطبيق قانون الأحداث
تعد
قوانين الأحداث – كما ذكرت سابقاً – من القوانين المُكملة لقانون العقوبات العام ,
أي أنها جزء من قوانين العقوبات التكميلية التي تلحق بقوانين الجزاء , ويدور نطاق
تطبيقها في فلك فئة عمرية معينة حدّدها القانون بنفسه في معظم الأحوال , كما فعل
التشريع الأردني(1) , وقد يحددها قانون العقوبات العام , وقد قسّم
القانون الفئة العمرية التي يطبق قانون الأحداث عليها إلى فئات عمرية عدة , وافرد
لكل منها مسؤولية جزائية خاصة , ولهذا فانه وللبحث في النطاق التطبيقي لقانون
الأحداث فلا بد ان نبحث في مواضيع تعريف الحدث , والفئات العمرية ومسؤوليتهم
الجزائية 0
اولاً : تعريف الحدث
.
يعرّف
الحدث بأنه فتي السن , قال الزهري شاب حدث أي فتي السن(2) , والحدث قانوناً هو كل شخص أتم السابعة من
عمره ولم يتم الثامنة عشرة ذكراً
كان أم أنثى(3) 0
وتناولت
قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضايا الأحداث (( قواعد بكين )) تعريف الحدث بأنه ((
طفل أو شخص صغير السن يجوز بموجب النظم القانونية ذات العلاقة مسائلته عن جرم
بطريقة تختلف عن مسائلة البالغ )) كما تناولت تعريفه قواعد الأمم المتحدة بشأن
حماية الأحداث المجردين من حريتهم بأنه (( كل شخص
(1)
كما
فعل المُشرع الأردني في المادة ( 2 ) من قانون الأحداث حيث عرّف الحدث والولد
والمراهق والفتى , كما اخرج المُشرع في المادة ( 36 ) من ذات القانون كل من تقل
سنّه عن السابعة الشمسية عند اقترافه الفعل الجرمي من العقاب 0
(2)
جمال
الدين بن منظور , لسان العرب المحيط , ص 582 0
(3)
المادة
(2) من قانون الأحداث وكذلك عرّفته المادة ( 2 ) من قانون مراقبة سلوك الأحداث
المؤقت رقم 51 لسنة 2001م 0
دون
الثامنة عشرة من العمر(1) ))0
أما فقهاء القانون فلم يعطوا اهتماماً
لتعريف الحدث كما أعطوا الاهتمام لدراسة ظاهرة جنوح الأحداث , حيث جاءت معظم
تعاريفهم عند الحديث عن الحدث الجانح , فعرّف بعض الفقه الحدث بأنه : الشخص الذي
يقع ضمن المسؤولية الجنائية ولم يصل لسن الأهلية المدنية(2) , وصفة
الحدث تطلق على كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره , وليس كما هو شائع كل شخص ارتكب أو اتهم بارتكاب
جرم , إذ أن الجنوح أو الجناح
يعني الخروج على القانون(3) , أو نمطاً سلوكياً حرّمه القانون وعاقب
على ارتكابه , أو بمعنى آخر هو صفة تستعمل لوصف بعض الأعمال الإجرامية البسيطة
أو المخالفات القانونية(4)
0
وحيث أن السن في كافة التشريعات الدولية
هو مناط المسؤولية الجزائية , فقد حدد المُشرع بشكل عام – كما فعل المُشرع الأردني
– مراحل المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي وجعلها ثلاثة ووائم المُشرع بين كل
مرحلة منها والمسؤولية الجزائية الملقاة على عاتق من تنطبق عليه , وهذه المراحل هي
:
أولاً : مرحلة اللامسؤولية الجزائية , وهي المرحلة التي لا يسأل
فيها الحدث عن أي جرم يرتكبه حيث ان هذه السن – كما قررّه فقهاء المسلمين – قد جعل
حداً أدنى للتمييز , ولا يتصور التمييز قبله(5) , ويكون الحدث في هذه
الحالة طفلاً صغيراً جداً ويفترض عدم قدرته على فهم ماهية العمل الجنائي وعواقبه ,
وهذا الافتراض قوي جداً بحيث أن كثيراً من الشرائع تعتبره عاماً لا يقبل التقييد(6)
ومرحلة انعدام المسؤولية في القانون الأردني هي المرحلة التي تسبق بلوغ الحدث سن
السابعة حيث انه لا يلاحق جزائياً من لم يكن قد أتم السابعة من عمره حين إقتراف
الفعل(7) والسنة المعتبرة هنا
هي السنة الشمسية( 0
(1)
(
قواعد هافانا ) قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم ( 45/113 ) الصادر في كانون
الاول 1990م 0
(2)
احمد
عبد العزيز الالفي , معاملة الشبان الجانحين , ص 32 0
(3)
عبد
الكريم درويش , مرجع سابق , ص 40 0
(4)
جندي
عبد الملك , الموسوعة الجنائية , دار الكتب العربية, القاهرة 1931, ج1 , ص272 0
(5)
د.ابراهيم
بن مبارك الجوير , التربية الاسلامية ودورها في علاج الاحداث الجانحين , الرياض
,1990 , ص 18 0
(6)
المرجع
السابق , ص 19 0
(7)
المادة
(36/1) من قانون الاحداث 0
( المادة ( 2 ) من قانون الاحداث 0
ثانياً : مرحلة المسؤولية الجزائية الناقصة : وهي محور اهتمامنا في هذه
الدراسة أو بمعنى آخر هي نطاق تطبيق قانون الأحداث عملياً , حيث أن السن ما بين
إتمام السابعة وحتى نهاية السابعة عشرة هو السن المعني بتطبيق القانون عليه في هذه
المرحلة , وهو ما يسمى بمرحلة الحداثة أو الحدث 0
ثالثاً :مرحلة المسؤولية الجزائية الكاملة : وهي المرحلة التي تلي مرحلة
فئة الحدث وتبدأ بتمام الشخص الطبيعي لسن الثامنة عشرة الشمسية من عمره 0
ولا بد هنا من التنويه إلى أن السن
المعتبرة في هذه المرحلة ( مرحلة المسؤولية الجزائية الناقصة ) كما في غيرها من
المراحل هو السن وقت ارتكاب الأفعال المادية للجرم وليس وقت الملاحقة القضائية أو
إصدار الحكم 0
ثانياًًً : الفئات
العمرية للأحداث .
قسمت بعض التشريعات الأحداث إلى فئتين
اثنتين , في حين قسمتها بعضها الأخرى إلى
فئات ثلاث كما فعل المُشرع الأردني , حيث قسم القانون الأحداث في المادة الثانية
منه إلى الفئات التالية :
أ-
الولد : وهو كل من أتم السابعة من عمره ولم يتم الثانية
عشرة 0
ب-
المراهق : وهو كل من أتم الثانية عشرة من عمره ولم يتم
الخامسة عشرة من عمره
ج- الفتى : وهو كل من أتم الخامسة عشرة من عمره
ولم يتم الثامنة عشرة 0
وتكمن
أهمية التقسيم التي أتاها المُشرع الأردني من أن مقدرة الحدث على فهم ماهية العمل
الجنائي الذي قام به وخطورته على المجتمع تتفاوت من سن لآخر , ففي الوقت الذي لا
يسائل فيه جزائياً كل من لم يكن قد أتم السابعة من عمره فإننا لا نستطيع أن نوقع
جزاءات قاسية بحق الأحداث الذين أتموا السابعة من أعمارهم للتو , ولذا فان المُشرع
قد حدد العقوبة كجزاء يتلائم وفعل الحدث من جهة وينسجم ومقدرته على فهم عواقب
الجريمة التي ارتكبها قياساً لذلك السن , ولهذا فان المُشرع الأردني – وحسناً فعل – قد قسم مرحلة المسؤولية الناقصة إلى
الفئات العمرية الثلاث التي ذكرت , حيث
افرد
للولد عقوبة تختلف عن عقوبة المراهق , وافرد للمراهق عقوبة تختلف عن عقوبة الفتى , بحيث تتناسب قساوة التدبير طردياً
وعمر الحدث فكلما ازدادت سِنَّه ازدادت قساوة التدبير سيما وانه يفترض مع تقدم
السن زيادة الوعي والفهم والإدراك وتبصر
العواقب لكل ما يقدم الحدث عليه مما حدا بالمُشرع تخفيف وطأة التدابير
المنصوص عليها في القانون لكل فئة 0
وليست
التدابير محور الاهتمام من هذه الناحية فحسب لأن التدابير التي توقع على الحدث
تختلف من فئه عمرية إلى أخرى بحيث يكون التدبير اكثر صرامة كلما زاد سن الحدث
واقترب من مرحلة البلوغ 0
ثالثاً : المسؤولية
الجزائية للحدث .
قلنا
في الفقرة الثانية من هذا المطلب بأن المُشرع قد اخذ بعين الاعتبار مقدرة الحدث
على فهم ماهية العمل الجنائي ( الجرم الذي ارتكبه ) ومدى خطورته على المجتمع, حيث قسّم تبعاً لذلك الأحداث إلى فئات عمرية
ثلاث كما فعل في المادة الثانية من قانون الأحداث , وقد اتبع المُشرع هذا التقسيم
تفريداً آخر في الشق العقابي حيث لم يساوي بين هذه الفئات الثلاث في العقوبة عندما
يرتكب حدث من هذه الفئات جرماً ما , كما سيأتي بيانه عند البحث في التدابير التي
توّقع على الأحداث .
إلا أن المُشرع عندما تدرج في العقاب إنما كان
ضمناً يعترف بتدرج المسؤولية أيضا , بحيث اعتبر الولد ليس اهلاً للمسؤولية, فنص
صراحةً على عدم جواز توقيع عقوبة عليه , واكتفى بتوقيع تدابير حماية بحقه إدراكا
من المُشرع واعترافاً بان الطفل في هذه السن المتقدمة لا يعي خطورة أفعاله وما
يترتب عليها من آثار , وحبذا لو أن المُشرع قد رفع ابتداءاً سن المسؤولية الجزائية
للحدث بحيث جعلها اثنا عشر عاماً بالحد الأدنى , ذلك أن الحدث قبل ذلك السن لا
يدرك كنه أفعاله ,كما لا يمكن أن يدرك إجراءات المحاكمة بحقه كذلك , ويعرضه لتجربة
المرور بإجراءات التقاضي وما يرافقها من قسوة وصدمه وهو في سن غضة جداً , ثم يتدرج
في العقوبة التي توّقع على باقي فئات الأحداث.
المطلب
الثاني
إجراءات
محاكمة الأحداث
أولاً : الضمانات القانونية
لمحاكمة الأحداث ومدى توافقها مع ضمانات المحاكمة العادلة طبقاً للاتفاقيات
الدولية 0
لقد نصت المادة
الأولى من المبادئ العامة لقواعد بكين(1) في فقرتها الرابعة على انه (
يُفهم قضاء الأحداث على انه جزء لا يتجزأ من عملية التنمية الوطنية لكل بلد , ضمن
إطار شامل من العدالة الاجتماعية لجميع الأحداث , بحيث يكون في الوقت نفسه عوناً
على حماية صغار السن , والحفاظ على نظام سِنّي في المجتمع ) , كما نصت الفقرة
السادسة من ذات المادة على انه ( يجري تطوير وتنسيق خدمات قضاء الأحداث بصورة
منهجية بغية تحسين وتدعيم كفاءة الموظفين العاملين في هذه الخدمات , بما في ذلك
الأساليب التي يطبقونها والمناهج التي يتبعّونها والمواقف التي يتخذونها ) , وعليه
فإنه ووفقاً لقواعد بكين التي تمثل وجهة نظر المجتمع الدولي فيما يخص قضايا
الأحداث فإنه يجب أن ينظر إلى قضاء الأحداث على انه جزء من الإطار الشامل للعدالة
الاجتماعية , يكون عوناً على حماية صغار السن ولا يهدف إلى عقابهم ووفقاً لذلك
فإنه يجب أن تنتفي عن الإجراءات أمام محكمة الأحداث سمة الصراع بين الاتهام
والدفاع(2) , وانما يجب أن يشترك الجميع في الوصول إلى افضل تدبير
يناسب حالة الحدث ويؤدي إلى تأهيله وتطويره.
وقد نصت المادة
السابعة من ذات الاتفاقية على حقوق الأحداث الموقوفين قيد المحاكمة فنصت على انه (
تُكفل في جميع مراحل الإجراءات ضمانات إجرائية أساسية مثل افتراض البراءة , والحق
في الإبلاغ بالتهم الموجهة , والحق في التزام الصمت , والحق في الحصول على خدمات
محامي , والحق في حضور أحد الوالدين أو الوصي , والحق في مواجهة الشهود واستجوابهم
والحق في الاستئناف أمام سلطة أعلى )0
(1) قواعد
الأمم المتحدة النموذجية لإدارة شؤون قضايا الأحداث .
(2) البشري الشوربجي , مرجع سابق , ص 585 .
وهذه الحقوق تمثل العناصر الأساسية للمحاكمة
العادلة المعترف بها دولياً في الاتفاقيات الدولية , والمتعلقة باجراءات المحاكمة
العادلة أمام المراجع القضائية المختصة 0
وفي سبيل تحقيق الحماية اللازمة للحدث أمام
القضاء , فقد نصت قواعد بكين على مجموعة من الشروط التي يتوجب توافرها في قضاء
الأحداث , والتي تتعهد الدول الموقعة على الاتفاقية بالالتزام بها , وهي :
(1) وجود
سلطة مختصة لإصدار الأحكام وفقاً لنص المادة ((14)) من قواعد بكين والتي نصت على
انه ( حين لا تكون قضية المجرم الحدث قد حولت إلى خارج النظام القضائي يتوجب أن تنظر في أمره
السلطة المختصة (( محكمة , هيئة قضائية ,
هيئة ادارية , مجلس )) أو غير ذلك , وفقاً لمبادئ المحاكمة المنصفة
والعادلة , ويتوجب أن تساعد الإجراءات على تحقيق المصلحة الفضلى للحدث وان تتم في
جو من التفهم يتيح للحدث أن يشارك فيها , وان يعبر عن نفسه بحرية ) 0
ويلاحظ
هنا أن الاتفاقية قد تركت للنظام الداخلي لكل دولة حرية اختيار السلطة التي تنظر
في قضايا الأحداث , وفقاً لنظامها القانوني , إلا أنها وضعت شرطاً أساسيا يتوجب
على كافة الدول الالتزام به , وهو مراعاة شروط المحاكمة العادلة ووضع مصلحة الحدث
الفضلى أساسا في إجراءات هذه السلطة0
(2) أهداف
قضاء الأحداث : حيث انه وفقاً للمادة الخامسة من قواعد بكين فيجب أن يولي نظام
قضاء الأحداث الاهتمام لرفاه الحدث ويكفل أن تكون اية ردود فعل تجاه المجرمين
الأحداث متناسبة دائماً مع ظروف الجرم والمجرم معاً 0
(3 ) حق
الحدث في الحصول على مستشار قانوني وحضور الوالدين والأوصياء : حيث نصت المادة ( 15 ) من قواعد بكين على أن (
للحدث الحق في أن يمثله طوال سير الإجراءات القضائية مستشاره القانوني أو أن يطلب
أن تنتدب له المحكمة محامياً مجاناً , حيث ينص قانون البلد على جواز ذلك 0
وللوالدين أو الوصي حق الاشتراك في الإجراءات ,
ويجوز للسلطة المختصة أن تطلب حضورهم لصالح الحدث , على انه يجوز لها أن ترفض
اشتراكهم في الإجراءات اذا كان هناك اسباباً تدعو إلى اعتبار هذا الاستبعاد
ضرورياً لصالح الحدث 0
(4) تقارير
التقصي الاجتماعي : وقد نصت المادة ( 16 ) من ذات القانون على انه ( يتعين في جميع
الحالات باستثناء الحالات التي تنطوي على جرائم قانونية وقبل أن تتخذ السلطة
المختصة قراراً نهائياً يسبق إصدار الحكم إجراء تقصي سليم للبيئة والظروف التي يعيش
فيها الحدث أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة , كي يتسنى للسلطة المختصة إصدار
حكم في القضية عن تبصر ) 0
(5) تجنب
التأخير غير الضروري في البت في قضايا الأحداث :نصت المادة ( 20 )من قواعد بكين على انه ( ينظر في
كل قضية منذ البداية على نحو كامل دون أي
تأخير غير ضروري )0
(6) الحاجة
إلى التخصص المهني والتدريب : فقد نصت المادة (22) من ذات القواعد على انه (
يستخدم التعليم المهني والتدريب أثناء الخدمة ودورات تجديد المعلومات وغيرها من
أساليب التعليم المناسبة من اجل تحقيق واستمرار الكفاءة المهنية اللازمة لجميع
الموظفين الذين يتناولون قضايا الاحداث ) 0
كما نصت المادة ( 30/4 ) منها على انه ( يخطط
تقديم الخدمات في مجال إدارة شؤون
قضايا الأحداث وينفذ بصورة منهجية كجزء لا يتجزأ من الجهود الإنمائية الوطنية )0
أما المُشرع الأردني فقد نهج في مجال العدالة
الجنائية للأحداث منهجاً متقدماً وموفقاً , حيث قام بتضمين قانون الأحداث الساري
المفعول عدداً من ملامح السياسة الجنائية الحديثة في التعامل مع قضايا الأحداث
التي تنسجم في اطارها العام ومتطلبات قواعد بكين , حيث نص على إنشاء محكمة خاصة
للنظر في جرائم الأحداث , وافرد لها إجراءات خاصة تسمح لها بالانعقاد أيام العطل
الأسبوعية والرسمية والفترات المسائية , إذا اقتضت مصلحة الحدث ذلك 0
ويدخل ضمن تشكيل المحكمة مكتب الدفاع الاجتماعي
الذي يشتمل على متخصصين في الطب الشرعي والإرشاد النفسي والاجتماعي كلما أمكن ذلك
, وتتسم جلساتها بالسرية , كما أعطاها القانون طابع الاستعجال واوجب على المحكمة
قبل البت في الدعوى أن تحصل من مراقب السلوك على تقرير خطي يحتوي على المعلومات
المتعلقة بأحوال الحدث وذويه المادية والاجتماعية والأخلاقية ودرجة ذكاؤه والبيئة
التي نشأ فيها والتدابير المقترحة لإصلاحه 0
كما
استوجب القانون الأردني حضور ولي أمر الحدث جلسات المحاكمة والتحقيق معه , ورتب
البطلان على عدم حضور ولي أمر الحدث إجراءات محاكمته, أو عدم دعوته لحضورها 0
ويجدر
بالذكر انه في حال تعذر إحضار ولي أمر الحدث فلا بد من حضور مراقب السلوك إجراءات
المحاكمة بدلاً عنه , كما أن حضور المحامي يسد محل حضور ولي أمر الحدث 0
وتعتبر قضايا الأحداث من القضايا المستعجلة بنص
القانون , حيث انه يتوجب على المحكمة سرعة البت في القضية المنظورة أمامها , وعدم
إطالة أمد المحاكمة بما لا يخل بتحقيق العدالة , وساتناول تالياً تفصيل ضمانات
محاكمة الأحداث في القانون الأردني وهذه الضمانات هي :
إليكم..........
ميزان
مجموعة القانون من اجل حقوق الإنسان " هي هيئة أردنية غير حكومية تأسست عام
1998 لتحقيق المزيد من التقدم على طريق الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ،
واستجابة لحاجات المجتمع الاردني الى مزيد من الجهود المؤسسية الرامية الى تعزيز
واحترام حقوق الانسان وتوفير الضمانات القانونية لها ونشر الوعي والتعريف بها ودراسة ومراجعة التشريعات واقتراح التعديلات
على القوانين ومن اجل تحقيق اهدافها تنفذ ميزان وبدعم من الاتحاد الاوروبي برنامج
حماية "الناس وحقوق الانسان " الذي يهدف إلى توفير الحماية القانونية
وذلك من خلال تقديم الارشاد والمساعدة القانونية المجانية الى طالبيها من الفئات
المستضعفة وغير القادرة من المجتمع الاردني مثل الاطفال والنساء وكبار السن، كما يهدف
برنامج حماية الى نشر الوعي القانوني من خلال اصدار عدد من الكتيبات التعريفية
بحقوق الانسان والومضات الاعلانية في التلفزيون والراديو ، ويهدف البرنامج ايضا
الى دراسة التشريعات وتشجيع الحوار حول القوانين ومشاريع القوانين للمساهمة في
الجهود المبذولة لتطوير التشريعات في الاردن للوصول الى قوانين مؤائمة للمعايير
الدولية لحقوق الانسان والتي يتم مناقشتها والمصادقة عليها من قبل البرلمان ،
ولتحقيق هذا الهدف تأتي هذه الدراسة التي أعدها أحد الخبراء المتخصصين في موضوع
الدراسة آملين ان تنال هذه الدراسة المطروحة للنقاش اهتمامكم وان تزودونا بارائكم
حولها على العناوين التالية :
هاتف :
5690691
فاكس :
5690681
البريد
الالكتروني : mizan@nets.jo
كما سنقوم بنشر هذه الدراسة على
الموقع الالكتروني لميزان www.mizangroup.org
المحامية ايفا أبو حلاوة
المديرة التنفيذية
تصريح تم طباعة هذه الدراسة بدعم من الاتحاد الاوروبي
وصندوق السفارة الهولندية لحقوق الانسان ، ان محتويات هذه الدراسة هو من مسؤولية
ميزان وحدها ولا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الاوروبي .
Disclaimer: this brochure has been produced with the
generous support of the European Union and the Netherlands Embassy’s Human Rights fund. The content of this brochure is the sole
responsibility of Mizan and dose not necessarily reflect the view of the
European Union.
بسم
الله الرحمن الرحيم
(( قانون الأحداث
الأردني ))
دراسة تحليلية من واقع التطبيق العملي
مقارنة
بالاتفاقيات الدولية
اعداد
سهير امين محمد طوباسي
قاضي محكمة عمان الابتدائيه
قاضي محكمة صلح الاحداث سابقاً
عمان
1424هـ
- 2004م
قائمة المحتويات
الموضوع الصفحـة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمه 3
المبحث الأول : الأصول الإجرائية
لمحاكمة الأحداث في نطاق
القانون الأردني والاتفاقيات الدولية . 6
المطلب الأول : نطاق تطبيق قانون الأحداث 6
أولا : تعريف الحدث 6
ثانياً :الفئات
العمرية للأحداث 8
ثالثاً : المسؤولية
الجزائية للأحداث 9
المطلب الثاني : إجراءات محاكمة الأحداث 10
أولا
: الضمانات القانونية لمحاكمة الأحداث 10
ثانياً :المحكمة المختصة بنظر قضايا الأحداث 19
ثالثا : إجراءات
المحاكمة العملية 21
المبحث الثاني : التدابير الإصلاحية للأحداث 23
المطلب الأول :التدابير التي توقع على الأحداث
وفقاً للقانون 23
أولا
: التدابير القانونية وفقاًً للقانون الداخلي 23
ثانياً
: التدابير وفقاً للاتفاقيات الدولية 26
ثالثاً
: الإفراج عن الأحداث 31
المطلب الثاني :الأحداث المحتاجون للحماية
والرعاية 34
أولا
:تعريف الحدث المحتاج للحماية والرعاية 34
ثانياً
: إجراءات المحكمة في التعامل مع المحتاج للحماية والرعاية 35
ثالثاًَ
: تدابير الحماية والرعاية 35
الخاتمه والتوصيات 38
قائمة المراجع 40
مقدمـة :
تشكل فئتي الصغار والشباب أغلبية
مجتمعنا الأردني , وهذه الفئات بلا شك هي نواة البنية الأساسية للمجتمع وعدّة
مستقبله وأمل غده 0
ولهذا , فقد عُني بها المُشرع الأردني
وافرد لها من النصوص ما يحميها ويصون حرياتها ويدافع عن حقوقها , وفي نفس الوقت
ولان لظاهرة جنوح هذه الفئة خطورتها على أمن المجتمع , وتماسك بنيانه وتطوره ,
ولأن جنوح الأحداث أو انحرافهم يعد من القضايا التي لها دور هام في الدراسات
الاجتماعية والقانونية على السواء – بالرغم
من الجهود المبذولة رسمياً وشعبياً لمكافحة هذه الظاهرة والحد منها – فقد ازداد
اهتمام الدولة بمشكلة جنوح الأحداث من أبنائها؛
إذ قامت بسن التشريعات الملائمة لهذه المشكلة , وعملت على تطوير هذه
التشريعات وتعديلها , لتواكب التطور الاجتماعي وما رافقه من تطورات في ميادين
الحياة المختلفة , ولتوائم ما نشأ وأُقرّ من معاهدات واتفاقيات إقليمية ودولية في
هذا الشأن 0
صدر أول قانون للأحداث في المملكة
الأردنية الهاشمية عام 1954م , وهو قانون إصلاح الأحداث رقم 16 لسنة 1954م , ثم
صدر بعد ذلك قانون الأحداث رقم 24 لسنة 1968م الساري المفعول(1) ,
والذي توالت عليه تعديلات عدة كان آخرها بموجب القانون رقم 52 لسنة 2002م , وزيادة
في حرص المُشرع الأردني على حماية الأحداث ولتغطية بعض الجوانب القانونية التي لم
يتعرض لها قانون الأحداث فقد صدر قانون مراقبة سلوك الأحداث المؤقت رقم 51 لسنة
2001م(2) 0
ويعد قانون الأحداث من القوانين المكملة
لقانون العقوبات العام , ولذا فهو جزء من قوانين العقوبات التكميلية التي تُلحق
برزمة قوانين الجزاء 0
وتبرز أهمية قانون الأحداث في تحديد
تعريف الحدث وتوضيح مفهومه القانوني , وبيان أهم القواعد الإجرائية الخاصة
بالتحقيق مع الأحداث ومحاكمتهم , ومدى ضمانات هذه المحاكمة 0
(1)
منشور
على الصفحة ( 555 ) من عدد الجريدة الرسمية رقم (( 2089 )) تاريخ 16/4/1968 0
(2) منشور على الصفحة ( 4246 ) من عدد الجريدة
الرسمية رقم (( 4508 )) تاريخ 1/10/2001م 0
وانتهجت السياسة الجنائية الحديثة في
تعاملها مع ظاهرة جنوح الأحداث نهجاً حديثاً , تمثل باتجاهات واضحة نصت عليها
قواعد دولية , اقرّتها معظم الدول وضمنّتها تشريعاتها الوطنية , وهدفت بشكل أساسي
الى حماية الحدث من الجريمة ووقايته ومنع تكراره لها في حال وقوعها , حيث أن أساس
التعامل مع الأحداث اصبح حمايتهم واصلاحهم وليس عقابهم(1) 0
وتعد قواعد الأمم المتحدة النموذجية
الدنيا لادارة شؤون قضايا الأحداث
(( قواعد بكين ))21) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام 1985م , وكذلك قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من
حريتهم من أول المعاهدات التي حدّدت معالم هذه السياسة
الحديثة , حيث ينظر إلى قضاء الأحداث - وفقاً لهذه القواعد – على انه جزء من
الإطار الشامل للعدالة الاجتماعية , يكون عوناً على حماية فئة صغار السن , وأوجبت
على القاضي الذي يتولى الفصل في مثل هذه القضايا ان يكون مُتخصصاً وعلى دراية
كافية في العلوم الاجتماعية والإنسانية ومطّلع على مشاكل الأحداث وطرق معاملتهم ,
وتلتزم الدول الأعضاء في معاهدة بكين بتطبيق قواعد بكين على الأحداث بحيادية ودون تمييز من اجل تلبية احتياجات الأحداث
المنحرفين وحماية حقوقهم الأساسية, وفي ذات الوقت تلبية احتياجات المجتمع 0
ويجب طبقاً لهذه السياسة الحديثة ان
تنتفي سمة الصراع بين الاتهام والدفاع عن إجراءات محاكمة الأحداث أمام المحاكم
المختصة , حيث لا بد أن يشارك الجميع للوصول الى افضل تدبير يناسب حالة الحدث من
اجل إصلاحه وإعادة تأهيله , حيث ان فحص شخصيته واعطاء تقرير عنها يعد من الأمور
الجوهرية في محاكمة الحدث 0
وألغت السياسة الجنائية الحديثة في
التعامل مع الأحداث صفة العقوبة عن الجزاء المترتب على الحدث الجانح عند مخالفته
للقانون , أعطتها بدلاً من ذلك صفة التدبير , الأمر الذي جعلها ذات صفة وقائية
اكثر منها عقابية 0
ومكنّت هذه السياسة إعطاء قاضي الأحداث
سلطات واسعة لاختيار التدبير الملائم لكل حالة على حدة إعمالاً لمبدأ تفريد
العقوبة 0
(1)
عبد
الكريم درويش , مستقبل الحدث الجانح كما يريده المجتمع , بحث في المجلة العربية
لعلوم الشرطة , عدد 22, القاهرة , 1963 , ص 40 0
( 2) قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
رقم ( 40/33 ) الصادر في شهر تشرين الثاني 1985 0
وَيُعَدُ الإشراف على الحدث أثناء
تنفيذه لتلك التدابير المقررة عليه , واعادة النظر بها من الشروط الأساسية اللازمة
لنجاح أي نظام لمعاملة الأحداث(1) 0
ومن أهم ملامح هذه السياسة الحديثة أيضا
إيجاد أفراد شرطة متخصصين في مجال التحقيق بقضايا الأحداث , بحيث يكون لها دورُ
وقائي يضفي على الدور العلاجي , ولتحقيق هذا الأمر لا بد من تدريب وتعليم خاصين
لشرطة الأحداث , من اجل أداء مهمتهم على اكمل وجه(2) , بل ينبغي إنشاء
وحدات شرطية متخصصة لهذا الغرض بحيث يكون معظم عناصرها من الإناث وان يرتدي فيها
المحققون لباساً مدنياً بدلاً من الزي الرسمي(3) 0
وللوقوف على تفاصيل أدق فيما يتعلق بهذه
النواحي فقد قمت بتقسيم دراستي هذه إلى مبحثين رئيسين , تناولت في المبحث الأول
الأصول الإجرائية لمحاكمة الأحداث من حيث نطاق تطبيق القانون , وإجراءات المحاكمة
, معرجاً على تعريف الحدث ونطاق المسؤولية الجزائية المترتبة عليه , وضماناته
القانونية أثناء إجراءات محاكمته أمام المحكمة المختصة , وفي المبحث الثاني تناولت
التدابير الإصلاحية للحدث , سواء تلك التي نص عليها قانون الأحداث الأردني , أو
تلك التي قررتها الاتفاقيات الدولية , ومعرجاً على تعريف الحدث المحتاج للحماية
والرعاية , واجراءات المحكمة في التعامل مع هذه الفئة وفقاً لقواعد القانون , ثم
ضمنّت دراستي هذه خلاصة شملت بعض التوصيات في مجال النصوص القانونية , والتي رأيت
في انها من الاهمية بمكان بحيث كان لا بد من طرحها 0
(1)
البشري
الشوربي , رعاية الاحداث في الاسلام والقانون المصري , منشأة المعارف , الاسكندرية
, 1985 , ص 585 0
(2)
John .P. Kerrey . Police
work with Juveniles .USA .1962. P 54 0
(3)
George w. and others , Juveniles delinguncy and
youth crime ; the Police role.USA.1964.P5 0
المبحث
الأول
الأصول
الإجرائية لمحاكمة الأحداث في نطاق
القانون
الأردني والاتفاقيات الدولية
المطلب
الأول
نطاق
تطبيق قانون الأحداث
تعد
قوانين الأحداث – كما ذكرت سابقاً – من القوانين المُكملة لقانون العقوبات العام ,
أي أنها جزء من قوانين العقوبات التكميلية التي تلحق بقوانين الجزاء , ويدور نطاق
تطبيقها في فلك فئة عمرية معينة حدّدها القانون بنفسه في معظم الأحوال , كما فعل
التشريع الأردني(1) , وقد يحددها قانون العقوبات العام , وقد قسّم
القانون الفئة العمرية التي يطبق قانون الأحداث عليها إلى فئات عمرية عدة , وافرد
لكل منها مسؤولية جزائية خاصة , ولهذا فانه وللبحث في النطاق التطبيقي لقانون
الأحداث فلا بد ان نبحث في مواضيع تعريف الحدث , والفئات العمرية ومسؤوليتهم
الجزائية 0
اولاً : تعريف الحدث
.
يعرّف
الحدث بأنه فتي السن , قال الزهري شاب حدث أي فتي السن(2) , والحدث قانوناً هو كل شخص أتم السابعة من
عمره ولم يتم الثامنة عشرة ذكراً
كان أم أنثى(3) 0
وتناولت
قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضايا الأحداث (( قواعد بكين )) تعريف الحدث بأنه ((
طفل أو شخص صغير السن يجوز بموجب النظم القانونية ذات العلاقة مسائلته عن جرم
بطريقة تختلف عن مسائلة البالغ )) كما تناولت تعريفه قواعد الأمم المتحدة بشأن
حماية الأحداث المجردين من حريتهم بأنه (( كل شخص
(1)
كما
فعل المُشرع الأردني في المادة ( 2 ) من قانون الأحداث حيث عرّف الحدث والولد
والمراهق والفتى , كما اخرج المُشرع في المادة ( 36 ) من ذات القانون كل من تقل
سنّه عن السابعة الشمسية عند اقترافه الفعل الجرمي من العقاب 0
(2)
جمال
الدين بن منظور , لسان العرب المحيط , ص 582 0
(3)
المادة
(2) من قانون الأحداث وكذلك عرّفته المادة ( 2 ) من قانون مراقبة سلوك الأحداث
المؤقت رقم 51 لسنة 2001م 0
دون
الثامنة عشرة من العمر(1) ))0
أما فقهاء القانون فلم يعطوا اهتماماً
لتعريف الحدث كما أعطوا الاهتمام لدراسة ظاهرة جنوح الأحداث , حيث جاءت معظم
تعاريفهم عند الحديث عن الحدث الجانح , فعرّف بعض الفقه الحدث بأنه : الشخص الذي
يقع ضمن المسؤولية الجنائية ولم يصل لسن الأهلية المدنية(2) , وصفة
الحدث تطلق على كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره , وليس كما هو شائع كل شخص ارتكب أو اتهم بارتكاب
جرم , إذ أن الجنوح أو الجناح
يعني الخروج على القانون(3) , أو نمطاً سلوكياً حرّمه القانون وعاقب
على ارتكابه , أو بمعنى آخر هو صفة تستعمل لوصف بعض الأعمال الإجرامية البسيطة
أو المخالفات القانونية(4)
0
وحيث أن السن في كافة التشريعات الدولية
هو مناط المسؤولية الجزائية , فقد حدد المُشرع بشكل عام – كما فعل المُشرع الأردني
– مراحل المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي وجعلها ثلاثة ووائم المُشرع بين كل
مرحلة منها والمسؤولية الجزائية الملقاة على عاتق من تنطبق عليه , وهذه المراحل هي
:
أولاً : مرحلة اللامسؤولية الجزائية , وهي المرحلة التي لا يسأل
فيها الحدث عن أي جرم يرتكبه حيث ان هذه السن – كما قررّه فقهاء المسلمين – قد جعل
حداً أدنى للتمييز , ولا يتصور التمييز قبله(5) , ويكون الحدث في هذه
الحالة طفلاً صغيراً جداً ويفترض عدم قدرته على فهم ماهية العمل الجنائي وعواقبه ,
وهذا الافتراض قوي جداً بحيث أن كثيراً من الشرائع تعتبره عاماً لا يقبل التقييد(6)
ومرحلة انعدام المسؤولية في القانون الأردني هي المرحلة التي تسبق بلوغ الحدث سن
السابعة حيث انه لا يلاحق جزائياً من لم يكن قد أتم السابعة من عمره حين إقتراف
الفعل(7) والسنة المعتبرة هنا
هي السنة الشمسية( 0
(1)
(
قواعد هافانا ) قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم ( 45/113 ) الصادر في كانون
الاول 1990م 0
(2)
احمد
عبد العزيز الالفي , معاملة الشبان الجانحين , ص 32 0
(3)
عبد
الكريم درويش , مرجع سابق , ص 40 0
(4)
جندي
عبد الملك , الموسوعة الجنائية , دار الكتب العربية, القاهرة 1931, ج1 , ص272 0
(5)
د.ابراهيم
بن مبارك الجوير , التربية الاسلامية ودورها في علاج الاحداث الجانحين , الرياض
,1990 , ص 18 0
(6)
المرجع
السابق , ص 19 0
(7)
المادة
(36/1) من قانون الاحداث 0
( المادة ( 2 ) من قانون الاحداث 0
ثانياً : مرحلة المسؤولية الجزائية الناقصة : وهي محور اهتمامنا في هذه
الدراسة أو بمعنى آخر هي نطاق تطبيق قانون الأحداث عملياً , حيث أن السن ما بين
إتمام السابعة وحتى نهاية السابعة عشرة هو السن المعني بتطبيق القانون عليه في هذه
المرحلة , وهو ما يسمى بمرحلة الحداثة أو الحدث 0
ثالثاً :مرحلة المسؤولية الجزائية الكاملة : وهي المرحلة التي تلي مرحلة
فئة الحدث وتبدأ بتمام الشخص الطبيعي لسن الثامنة عشرة الشمسية من عمره 0
ولا بد هنا من التنويه إلى أن السن
المعتبرة في هذه المرحلة ( مرحلة المسؤولية الجزائية الناقصة ) كما في غيرها من
المراحل هو السن وقت ارتكاب الأفعال المادية للجرم وليس وقت الملاحقة القضائية أو
إصدار الحكم 0
ثانياًًً : الفئات
العمرية للأحداث .
قسمت بعض التشريعات الأحداث إلى فئتين
اثنتين , في حين قسمتها بعضها الأخرى إلى
فئات ثلاث كما فعل المُشرع الأردني , حيث قسم القانون الأحداث في المادة الثانية
منه إلى الفئات التالية :
أ-
الولد : وهو كل من أتم السابعة من عمره ولم يتم الثانية
عشرة 0
ب-
المراهق : وهو كل من أتم الثانية عشرة من عمره ولم يتم
الخامسة عشرة من عمره
ج- الفتى : وهو كل من أتم الخامسة عشرة من عمره
ولم يتم الثامنة عشرة 0
وتكمن
أهمية التقسيم التي أتاها المُشرع الأردني من أن مقدرة الحدث على فهم ماهية العمل
الجنائي الذي قام به وخطورته على المجتمع تتفاوت من سن لآخر , ففي الوقت الذي لا
يسائل فيه جزائياً كل من لم يكن قد أتم السابعة من عمره فإننا لا نستطيع أن نوقع
جزاءات قاسية بحق الأحداث الذين أتموا السابعة من أعمارهم للتو , ولذا فان المُشرع
قد حدد العقوبة كجزاء يتلائم وفعل الحدث من جهة وينسجم ومقدرته على فهم عواقب
الجريمة التي ارتكبها قياساً لذلك السن , ولهذا فان المُشرع الأردني – وحسناً فعل – قد قسم مرحلة المسؤولية الناقصة إلى
الفئات العمرية الثلاث التي ذكرت , حيث
افرد
للولد عقوبة تختلف عن عقوبة المراهق , وافرد للمراهق عقوبة تختلف عن عقوبة الفتى , بحيث تتناسب قساوة التدبير طردياً
وعمر الحدث فكلما ازدادت سِنَّه ازدادت قساوة التدبير سيما وانه يفترض مع تقدم
السن زيادة الوعي والفهم والإدراك وتبصر
العواقب لكل ما يقدم الحدث عليه مما حدا بالمُشرع تخفيف وطأة التدابير
المنصوص عليها في القانون لكل فئة 0
وليست
التدابير محور الاهتمام من هذه الناحية فحسب لأن التدابير التي توقع على الحدث
تختلف من فئه عمرية إلى أخرى بحيث يكون التدبير اكثر صرامة كلما زاد سن الحدث
واقترب من مرحلة البلوغ 0
ثالثاً : المسؤولية
الجزائية للحدث .
قلنا
في الفقرة الثانية من هذا المطلب بأن المُشرع قد اخذ بعين الاعتبار مقدرة الحدث
على فهم ماهية العمل الجنائي ( الجرم الذي ارتكبه ) ومدى خطورته على المجتمع, حيث قسّم تبعاً لذلك الأحداث إلى فئات عمرية
ثلاث كما فعل في المادة الثانية من قانون الأحداث , وقد اتبع المُشرع هذا التقسيم
تفريداً آخر في الشق العقابي حيث لم يساوي بين هذه الفئات الثلاث في العقوبة عندما
يرتكب حدث من هذه الفئات جرماً ما , كما سيأتي بيانه عند البحث في التدابير التي
توّقع على الأحداث .
إلا أن المُشرع عندما تدرج في العقاب إنما كان
ضمناً يعترف بتدرج المسؤولية أيضا , بحيث اعتبر الولد ليس اهلاً للمسؤولية, فنص
صراحةً على عدم جواز توقيع عقوبة عليه , واكتفى بتوقيع تدابير حماية بحقه إدراكا
من المُشرع واعترافاً بان الطفل في هذه السن المتقدمة لا يعي خطورة أفعاله وما
يترتب عليها من آثار , وحبذا لو أن المُشرع قد رفع ابتداءاً سن المسؤولية الجزائية
للحدث بحيث جعلها اثنا عشر عاماً بالحد الأدنى , ذلك أن الحدث قبل ذلك السن لا
يدرك كنه أفعاله ,كما لا يمكن أن يدرك إجراءات المحاكمة بحقه كذلك , ويعرضه لتجربة
المرور بإجراءات التقاضي وما يرافقها من قسوة وصدمه وهو في سن غضة جداً , ثم يتدرج
في العقوبة التي توّقع على باقي فئات الأحداث.
المطلب
الثاني
إجراءات
محاكمة الأحداث
أولاً : الضمانات القانونية
لمحاكمة الأحداث ومدى توافقها مع ضمانات المحاكمة العادلة طبقاً للاتفاقيات
الدولية 0
لقد نصت المادة
الأولى من المبادئ العامة لقواعد بكين(1) في فقرتها الرابعة على انه (
يُفهم قضاء الأحداث على انه جزء لا يتجزأ من عملية التنمية الوطنية لكل بلد , ضمن
إطار شامل من العدالة الاجتماعية لجميع الأحداث , بحيث يكون في الوقت نفسه عوناً
على حماية صغار السن , والحفاظ على نظام سِنّي في المجتمع ) , كما نصت الفقرة
السادسة من ذات المادة على انه ( يجري تطوير وتنسيق خدمات قضاء الأحداث بصورة
منهجية بغية تحسين وتدعيم كفاءة الموظفين العاملين في هذه الخدمات , بما في ذلك
الأساليب التي يطبقونها والمناهج التي يتبعّونها والمواقف التي يتخذونها ) , وعليه
فإنه ووفقاً لقواعد بكين التي تمثل وجهة نظر المجتمع الدولي فيما يخص قضايا
الأحداث فإنه يجب أن ينظر إلى قضاء الأحداث على انه جزء من الإطار الشامل للعدالة
الاجتماعية , يكون عوناً على حماية صغار السن ولا يهدف إلى عقابهم ووفقاً لذلك
فإنه يجب أن تنتفي عن الإجراءات أمام محكمة الأحداث سمة الصراع بين الاتهام
والدفاع(2) , وانما يجب أن يشترك الجميع في الوصول إلى افضل تدبير
يناسب حالة الحدث ويؤدي إلى تأهيله وتطويره.
وقد نصت المادة
السابعة من ذات الاتفاقية على حقوق الأحداث الموقوفين قيد المحاكمة فنصت على انه (
تُكفل في جميع مراحل الإجراءات ضمانات إجرائية أساسية مثل افتراض البراءة , والحق
في الإبلاغ بالتهم الموجهة , والحق في التزام الصمت , والحق في الحصول على خدمات
محامي , والحق في حضور أحد الوالدين أو الوصي , والحق في مواجهة الشهود واستجوابهم
والحق في الاستئناف أمام سلطة أعلى )0
(1) قواعد
الأمم المتحدة النموذجية لإدارة شؤون قضايا الأحداث .
(2) البشري الشوربجي , مرجع سابق , ص 585 .
وهذه الحقوق تمثل العناصر الأساسية للمحاكمة
العادلة المعترف بها دولياً في الاتفاقيات الدولية , والمتعلقة باجراءات المحاكمة
العادلة أمام المراجع القضائية المختصة 0
وفي سبيل تحقيق الحماية اللازمة للحدث أمام
القضاء , فقد نصت قواعد بكين على مجموعة من الشروط التي يتوجب توافرها في قضاء
الأحداث , والتي تتعهد الدول الموقعة على الاتفاقية بالالتزام بها , وهي :
(1) وجود
سلطة مختصة لإصدار الأحكام وفقاً لنص المادة ((14)) من قواعد بكين والتي نصت على
انه ( حين لا تكون قضية المجرم الحدث قد حولت إلى خارج النظام القضائي يتوجب أن تنظر في أمره
السلطة المختصة (( محكمة , هيئة قضائية ,
هيئة ادارية , مجلس )) أو غير ذلك , وفقاً لمبادئ المحاكمة المنصفة
والعادلة , ويتوجب أن تساعد الإجراءات على تحقيق المصلحة الفضلى للحدث وان تتم في
جو من التفهم يتيح للحدث أن يشارك فيها , وان يعبر عن نفسه بحرية ) 0
ويلاحظ
هنا أن الاتفاقية قد تركت للنظام الداخلي لكل دولة حرية اختيار السلطة التي تنظر
في قضايا الأحداث , وفقاً لنظامها القانوني , إلا أنها وضعت شرطاً أساسيا يتوجب
على كافة الدول الالتزام به , وهو مراعاة شروط المحاكمة العادلة ووضع مصلحة الحدث
الفضلى أساسا في إجراءات هذه السلطة0
(2) أهداف
قضاء الأحداث : حيث انه وفقاً للمادة الخامسة من قواعد بكين فيجب أن يولي نظام
قضاء الأحداث الاهتمام لرفاه الحدث ويكفل أن تكون اية ردود فعل تجاه المجرمين
الأحداث متناسبة دائماً مع ظروف الجرم والمجرم معاً 0
(3 ) حق
الحدث في الحصول على مستشار قانوني وحضور الوالدين والأوصياء : حيث نصت المادة ( 15 ) من قواعد بكين على أن (
للحدث الحق في أن يمثله طوال سير الإجراءات القضائية مستشاره القانوني أو أن يطلب
أن تنتدب له المحكمة محامياً مجاناً , حيث ينص قانون البلد على جواز ذلك 0
وللوالدين أو الوصي حق الاشتراك في الإجراءات ,
ويجوز للسلطة المختصة أن تطلب حضورهم لصالح الحدث , على انه يجوز لها أن ترفض
اشتراكهم في الإجراءات اذا كان هناك اسباباً تدعو إلى اعتبار هذا الاستبعاد
ضرورياً لصالح الحدث 0
(4) تقارير
التقصي الاجتماعي : وقد نصت المادة ( 16 ) من ذات القانون على انه ( يتعين في جميع
الحالات باستثناء الحالات التي تنطوي على جرائم قانونية وقبل أن تتخذ السلطة
المختصة قراراً نهائياً يسبق إصدار الحكم إجراء تقصي سليم للبيئة والظروف التي يعيش
فيها الحدث أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة , كي يتسنى للسلطة المختصة إصدار
حكم في القضية عن تبصر ) 0
(5) تجنب
التأخير غير الضروري في البت في قضايا الأحداث :نصت المادة ( 20 )من قواعد بكين على انه ( ينظر في
كل قضية منذ البداية على نحو كامل دون أي
تأخير غير ضروري )0
(6) الحاجة
إلى التخصص المهني والتدريب : فقد نصت المادة (22) من ذات القواعد على انه (
يستخدم التعليم المهني والتدريب أثناء الخدمة ودورات تجديد المعلومات وغيرها من
أساليب التعليم المناسبة من اجل تحقيق واستمرار الكفاءة المهنية اللازمة لجميع
الموظفين الذين يتناولون قضايا الاحداث ) 0
كما نصت المادة ( 30/4 ) منها على انه ( يخطط
تقديم الخدمات في مجال إدارة شؤون
قضايا الأحداث وينفذ بصورة منهجية كجزء لا يتجزأ من الجهود الإنمائية الوطنية )0
أما المُشرع الأردني فقد نهج في مجال العدالة
الجنائية للأحداث منهجاً متقدماً وموفقاً , حيث قام بتضمين قانون الأحداث الساري
المفعول عدداً من ملامح السياسة الجنائية الحديثة في التعامل مع قضايا الأحداث
التي تنسجم في اطارها العام ومتطلبات قواعد بكين , حيث نص على إنشاء محكمة خاصة
للنظر في جرائم الأحداث , وافرد لها إجراءات خاصة تسمح لها بالانعقاد أيام العطل
الأسبوعية والرسمية والفترات المسائية , إذا اقتضت مصلحة الحدث ذلك 0
ويدخل ضمن تشكيل المحكمة مكتب الدفاع الاجتماعي
الذي يشتمل على متخصصين في الطب الشرعي والإرشاد النفسي والاجتماعي كلما أمكن ذلك
, وتتسم جلساتها بالسرية , كما أعطاها القانون طابع الاستعجال واوجب على المحكمة
قبل البت في الدعوى أن تحصل من مراقب السلوك على تقرير خطي يحتوي على المعلومات
المتعلقة بأحوال الحدث وذويه المادية والاجتماعية والأخلاقية ودرجة ذكاؤه والبيئة
التي نشأ فيها والتدابير المقترحة لإصلاحه 0
كما
استوجب القانون الأردني حضور ولي أمر الحدث جلسات المحاكمة والتحقيق معه , ورتب
البطلان على عدم حضور ولي أمر الحدث إجراءات محاكمته, أو عدم دعوته لحضورها 0
ويجدر
بالذكر انه في حال تعذر إحضار ولي أمر الحدث فلا بد من حضور مراقب السلوك إجراءات
المحاكمة بدلاً عنه , كما أن حضور المحامي يسد محل حضور ولي أمر الحدث 0
وتعتبر قضايا الأحداث من القضايا المستعجلة بنص
القانون , حيث انه يتوجب على المحكمة سرعة البت في القضية المنظورة أمامها , وعدم
إطالة أمد المحاكمة بما لا يخل بتحقيق العدالة , وساتناول تالياً تفصيل ضمانات
محاكمة الأحداث في القانون الأردني وهذه الضمانات هي :