الطعن رقم 1866 لسنة 34 بتاريخ 30/03/1965
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 14 مارس سنة 1963 بدائرة دير مواس: تعدى على هيئة المحكمة أثناء نظر قضية الجنحة رقم 3613 سنة 1962 دير مواس. وطلبت عقابه بالمـادة 133/1 من قانون العقوبات. ومحكمة دير مواس الجزئية قضت حضوريا في 14 مارس سنة 1963 بحبس المتهم شهرين مع الشغل والنفاذ فاستأنف، ومحكمة المنيا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا في 24 يونيه سنة 1963 بقبول الاستئناف شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم. فطعن المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إهانة هيئة المحكمة قد أخطأ في تطبيق القانون وانطوى على بطلان في الإجراءات. ذلك بأنه قضى برفض الدفع ببطلان إجراءات تحريك الدعوى العمومية بمعرفة المحكمة على الرغم من أن المحكمة لم تقم الدعوى حال انعقاد الجلسة وإنما أقامتها بغرفة المداولة وبعد انفضاض الجلسة مما يعيب الحكم بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله.. " إنه أثناء نظر قضية الجنحة رقم 3613 سنة 1962 دير مواس...... أثبت كاتب الجلسة "الطاعن" المنتدب لحضورها بالمحضر عبارات في غفلة من المحكمة ودون علمها وبيانها كالآتي" وهنا وجهت المحكمة ألفاظا نابية إلى كاتب الجلسة بقولها ارفع الجلسة وينعل أبو شكلك" وذلك كله أثر ما لاحظته المحكمة عند دخولها قاعة الجلسة من أن الكاتب المتهم لم ينتصب واقفا وقفة كاملة فضلا عن جلوسه بمقعده قبل أن تجلس المحكمة. وانتهى الأمر عند هذا الحد واستمرت المحكمة في نظر القضايا المطروحة عليها حتى نهايتها ثم غادرت القاعة إلى غرفة المداولة لإتمام الفصل في تلك القضايا. وكذا وكيل النيابة الذي مثلها وهو الأستاذ ......... وبعد ذلك توجه الكاتب المتهم إلى السيد وكيل النيابة الأستاذ ...... وعرض على مسامعه ما وقع بالجلسة وأطلعه على ما أثبته في محضرها طبقا لما سلف بيانه. فرأى سيادته مقابلة السيد القاضي وعرض عليه ما فعله الكاتب المتهم وما أن اطلع سيادته على العبارات التي نسبها إليه حتى اعتبرها إهانة واعتداء على المحكمة وأعقب ذلك استدعاء الكاتب المتهم إلى مكتبه لسؤاله عما فعله ثم عنفه وبعد ذلك تماسكا وشاهد السيد وكيل النيابة الأستاذ......... يد سيادته على وجه المتهم. وبعد ذلك استدعى كاتب آخر للجلسة وبحضور النيابة استجوب الكاتب المتهم ووجه إليه تهمة إهانة المحكمة والاعتداء عليها إعمالا لنص المادة 133/1 من قانون العقوبات ثم قضى فورا بحبسه شهرين مع الشغل والنفاذ إعمالا لنص المادة 244.أ.ج. المادة 129 مرافعات". ثم عرض الحكم إلى الدفع ببطلان إجراءات تحريك الدعوى الجنائية وأطرحه في قوله:" وحيث إنه عن الدفع ببطلان إجراءات تحريك الدعوى الجنائية بغرفة المداولة والذي أثارته النيابة العامة وتابعها المتهم فيه مردود عليه بأن تحريك الدعوى ضد المتهم عن جريمة من جرائم الجلسة قد اختلف فيه آراء الفقهاء - فيرى فريق منهم أن جريمة الجلسة التي تقع على المحكمة لا تحرك إلا في الجلسة وأثناء انعقادها وأنه إذا وقعت في غرفة المداولة فإنها ترفع بالطرق العادية طبقاً للمادة 246.أ.ج ويرى فريق آخر أن للمحاكم الجنائية أن تحرك الدعوى وتحكم في جميع الجنح والمخالفات التي تقع في جلساتها. وأن الجريمة لا تعتبر واقعة في الجلسة أثناء جلوس القضاة فقط بل تعتبر كذلك إذا وقعت أثناء اجتماعهم للمداولة كما يستوي أن تكون الجلسة سرية أو علنية. وقد سارت محكمة أول درجة على هذا الرأي الأخير وتؤيدها هذه المحكمة في وجهة النظر." وما انتهى إليه الحكم في رده على الدفع ببطلان إجراءات تحريك الدعوى غير سديد في القانون. ذلك بأن المادة 244/1 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت على أنه" إذا وقعت جنحة أو مخالفة في الجلسة يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوى على المتهم في الحال وتحكم عليه بعدم سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم" ونصت المادة 246 على أن" الجرائم التي تقع في الجلسة ولم تقم المحكمة الدعوى فيها حال انعقادها يكون نظرها وفقاً للقواعد العامة" فقد دل الشارع بذلك على أن حق المحكمة في تحريك الدعوى الجنائية مشروط بوقوع الجنحة أو المخالفة بالجلسة وقت انعقادها وبأن تبادر المحكمة إلى إقامة الدعوى في الحال فور اكتشافها. كما دل على أنه إذا تراخى اكتشاف الواقعة إلى ما بعد الجلسة فإن نظرها (الجنحة أو المخالفة) يكون وفقاً للقواعد العادية ولا تملك المحكمة حق تحريكها من تلقاء نفسها. لما كان ذلك, وكان الأصل أن النيابة العامة هي صاحبة الدعوى الجنائية وهي التي تملك تحريكها ومباشرتها, وكان ما خوله الشارع للمحاكم - لاعتبارات قدرها - من حق تحريك الدعوى الجنائية بالنسبة لجرائم الجلسة أمر استثنائي. فإنه ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره على أضيق نطاق. لما كان ذلك, وكان مفاد ما أورده الحكم فيما سلف بيانه أن محكمة أول درجة لم تتنبه إلى ما أثبته الطاعن بمحضر الجلسة إلا بعد انتهاء الجلسة ومغادرة قاعتها إلى غرفة المداولة وانصراف السيد وكيل النيابة وكذا كاتب الجلسة, ولم تعلم به إلا في غرفة المداولة. وما أتاه الطاعن من تماسك بالسيد القاضي إنما كان كذلك في غرفة المداولة ولم تكن الجلسة منعقدة, وكانت الجلسة بمعناها الصحيح لا تكون إلا في خلال الوقت المعين لنظر القضايا أو المسائل المعروضة على هيئة المحكمة في المكان المعد خصيصاً لهذا الغرض, وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن انتهاء انعقاد الجلسة المحددة لنظر كل قضية هو عند قفل باب المرافعة فيها وأن المحكمة تصبح من الوقت الذي اعتبرت المرافعة فيه منتهية ولا ولاية لها في الفصل في الجرائم التي وقعت أمامها في الجلسة ولم تقم الدعوى عنها حال انعقادها ويكون نظرها وفقا للقواعد العادية على ما تقضي به المادة 246.أ.ج, فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهي في مجال الرد على الدفع ببطلان إجراءات تحريك الدعوى الجنائية إلى أن الجريمة تعتبر واقعة في الجلسة حتى إذا وقعت أثناء اجتماع القضاة للمداولة يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه وذلك بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن في طعنه. لما كان ما تقدم, فإنه يتعين مع نقض الحكم القضاء بقبول الدفع وببطلان إجراءات تحريك الدعوى الجنائية