الطعن رقم 6100 لسنة 59 بتاريخ 12/07/1992
 الوقائع
الوقائع
 
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: المتهم الأول: بصفته موظف عمومى "وكيل مديرية" اضر عمداً بأموال مديرية الشئون الصحية التي يتصل بها بحكم عمله بأن تواطأ مع آخر وأحاطه علما بحقيقة كميات بنود مقايسة مستشفى رمد (.....) التى كانت مطروحة في مناقصة وباعتبار أنه اشترك في وضع الرسوم والمقايسة ما ترتب على ذلك قبول عطاء الآخر بالرغم من تناقض الأسعار التى تقدم بها وعدم اتفاقها مع الأسعار السائدة في السوق وترتب على ذلك ضرر جسيم هو رسو العطاء عليه دون حق وإلحاق ضرر محقق بالجهة سالفة الذكر قيمته 306660 جنيه- المتهم الثاني: أخل عمداً بالإلتزامات التى فرضها عليه عقد المقاولة المؤرخ 29/4/1985 الذي ارتبط به مع مديرية الشئون الصحية (............) وارتكب غشاً في تنفيذه بأن لم يقم بإعداد المقايسة طبقا لما جاء ببنود العقد سالف الذكر وما تفرض الأصول العلمية بأن تعمد إثبات كميات بعض بنودها بأكثر من الكميات الحقيقية المبينة بالرسومات واثبت بالبعض الآخر منها كميات تقل عن الكميات الحقيقة مماترتب عليه ضرراً جسيماً بأموال الجهة سالفة الذكر، وأحالتهما إلي محكمة جنايات .......... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/2، 3، 41، 115، 116، 116 مكررا/ج، 118، 118 مكرراً، 119/أ، 119/أ مكرراً من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبتغريمه اثنين وعشرين ألف جنيه عن تهمة التربح وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس. الغرامة وبمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر مع الإيقاف وبراءة المتهمين من باقى التهم.
فطعن المحكوم عليه الأول، كما طعن الأستاذ.......نيابة عن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض ............. إلخ
 
 المحكمة
المحكمة
 
أولاً: الطعن المقدم من الطاعن ............
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التربح قد شابه قصور في البيان والتناقض والإخلال بحق الدفاع, ذلك بأنه خلا من بيان واقعة الدعوى وفاته إيراد مؤدى أدلة الثبوت فضلاً عن أنه بينما افترض علمه بالغش في المقايسة التي تمت عاد ونفى عنه ذلك حين استبعد عنه جريمة الإخلال العمدي بما يعيبه بالتناقض هذا إلى أنه أغفل الرد على دفاعه الموضوعي بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان القانون قد أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ولم يرسم شكلاً خاصاً أو طريقة معينة يصوغ فيها الحكم هذا البيان, وأنه متى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في بيان الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة, كان ذلك محققاً لحكم القانون, ولما كان ذلك, وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من مؤدى الأدلة ما يكفي لتبرير اقتناعها بالأوراق ما دامت اطمأنت إلى هذه الأدلة, واعتمد عليها في تكوين عقيدتها, لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة عناصر جريمة التربح التي دين الطاعن بها, وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في بيان واقعة الدعوى وأدلة الثبوت التي استمد منها الحكم عقيدته لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر, ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة, وكان ما خلص إليه الحكم المطعون فيه تبرئة الطاعن من تهمة الإضرار العمدي تأسيساً على نفي تواطئه مع المتهم الثالث عشر لا يتعارض البتة مع توافر أركان جريمة التربح التي دين بها, ومن ثم فإن ما ينعاه في هذا الخصوص يكون غير سديد, لما كان ذلك, وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكماً مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما يذهب إليه الطاعن فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض, ولم يكن الحكم بحاجة بعد هذا الذي أثبته في حق الطاعن من أن يرد استقلالاً على ما أثاره من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعته في مناحيها المختلفة إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم, ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. متى كان ما تقدم فإن الطعن المقدم من الطاعن يكون على غير أساس متعين رفضه موضوعاً.
ثانياً: الطعن المقدم من الطاعن (.................).
من حيث إن الطاعن ينعى بتقريري أسبابه على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الغش في عقد المقاولة قد شابه القصور والتناقض والخطأ في تطبيق القانون, ذلك بينما أثبت الحكم توافر الغش في حقه بتواطئه مع المتهم الثالث عشر عاد ونفى عنه ذلك حين قضى ببراءته من تهمة الإضرار العمدي كما لم يدلل على توافر الركن المعنوي في الجريمة التي دانه بها, فضلاً عن أن الحكم التفت عن دفاعه الموضوعي بتعيين لجنة الفحص وأقوال ضابط الرقابة الإدارية هذا إلى أن الحكم قد أخطأ في تكييف العقد أساس الجريمة بأنه عقد مقاولة حال أن الصحيح تكييفه بأنه عقد وكالة مما يخرج الواقعة عن دائرة التأثيم بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
من حيث إنه لما كان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضه ما أثبته البعض الآخر, ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة, وإذا كان ما خلص إليه الحكم المطعون فيه في قضائه ببراءة الطاعن وآخرين من جناية الإضرار العمدي بالمال العام تأسيساً على عدم وقوع ضرر مادي وفعلي بمصالح الجهة المتعاقدة مع المقاول (المتهم الثالث عشر) لا يتعارض ذلك البتة مع إدانة الطاعن في جناية الغش في عقد المقاولة, ذلك لأنه يكفي لتوافر جريمة الغش في عقد المقاولة وقوع الغش ولو لم يترتب عليه ضرر ما بينما يشترط لثبوت جناية الإضرار العمدي بالمال العام حدوث ضرر مادي وحال ومحقق للمال العام, ويكون بذلك ما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن بجريمة الغش في عقد المقاولة وإطراح دفاعه في هذا الخصوص وبراءته وآخرين من تهمة الإضرار العمدي بالمال العام أو الاشتراك فيه صائباً, فضلاً عن أن البين من الحكم المطعون فيه أنه نفى تواطؤ المتهم الثالث عشر مع المتهم الثاني فقط بما ينحسر عنه قالة التناقض ويضحى منعى الطاعن في هذا الخصوص غير صحيح. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر القصد الجنائي في حق الطاعن وعلمه بالغش في قوله ((أن البين من مراجعه المقايسة المقدمة من المكتبين الاستشاريين والتي أقر المتهم الثاني عشر الطاعن، مراراً في التحقيق الابتدائي أنه هو الذي أعدها بنفسه وأن ما وقع منهما من أرقام تخالف الحقيقة التي يفصح عنها الرسومات هو أمر يؤكد انصراف نية هذا المتهم إلى الغش في عمل المقايسة خدمة للمتهم الثالث عشر وحتى يكون للأخير ميزة مستمدة من علمه المسبق بهذا التلاعب ويسر له فرصة التقدم بعطاء يكون له الأولوية وهو ما حدث بالفعل بل إن البين من عطاء هذا المتهم الأخير أن الأسعار التي وضعها مرتفعة كانت لبنود سوف تنفذ بأكثر كثيراً من تلك الواردة بالمقايسة كما أن الأسعار المخفضة جداً التي وضعها لبنود أخرى كانت ستنفذ في الحقيقة بأقل كثيراً مما هو وارد في المقايسة، وغني عن البيان أن المفارقات الموجودة في بيان الكميات لا يمكن أن تكون راجعة إلى خطأ لأنها بحسب وضعها في المقايسة وكما أظهرت بحق لجنة الفحص تنبئ عن أنها موضوعة بخطة مسبقة ومقصودة لتحقيق هدف بذاته ولقد تحقق الخداع منها فلم تكتشفه مديرية الشئون الصحية وهي الطرف الآخر في عقد المقاولة ولا اكتشفه المقاولون الذين تقدموا بالعطاءات -أربعة عشر مقاولاً- بخلاف المتهم الثالث عشر إذ لم يتقدم أحد منهم أثناء فترة تقديم العطاءات بأي طلب لتصحيح أي كمية فالمتهم نفذ التزامه على نحو مخالف لما كان واجباً عليه وأدخل الغش على الجهة التي تعاقد معها فاطمأنت إلى رسوماته وكشف حصر المواد وسددت التزامها بأجر المقاولة وطرحتها في مناقصة عامة رست على المتهم الثالث عشر المقاول الذي استفاد من هذا الغش لعلمه بحقيقة المواد كما سلف الذكر ففاز بأولوية العطاءات ولا يقدما أو يكن المتهم الثاني عشر هو خطأ على حد قوله في حصر المواد إذ أنه أستاذ ورئيس قسم بكلية هندسة شبين الكوم وصاحب مكتب استشاري, وإن ما حصله في حصر المواد لا يعد من الأخطاء اليسيرة النسبية بل إنها تزايدت وتناقصت بنسبة كبيرة مخالفة لأي عرف هندسي كما ثبت من تقرير لجنة الفحص بحيث لا يقع فيها مهندس مبتدئ وأن المحكمة تطمئن إلى أن قصده قد انصرف إلى الغش في حصر هذه المواد بغية تحقيق منفعة للمتهم الثالث عشر الذي سبق أن عمل معه استشاري في مشروع مفرخ دواجن ((سيرباي)). لما كان ذلك، وكان تقدير قيام القصد الجنائي وعدم قيامه والعلم بالغش يعد مسألة متعلقة بالوقائع وتفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب, وكان ما أثبته الحكم على نحو ما سلف كاف لاستظهار تحقق القصد الجنائي لدى الطاعن وعلمه بالغش في الجريمة التي دان بها وسائغ في التدليل على توافره ومن ثم فإن المجادلة في هذا الخصوص لا تكون مقبولة. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى تقرير لجنة الفحص وأخذ به, فإن منعى الطاعن بعدم خبرة أعضائها ووقوعهم تحت تأثير النفوذ الأدبي للرقابة الإدارية يعد منازعة لسلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التي تمت فيها ولا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض فإن منعاه على الحكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول, لما كان ذلك, وكان يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي إيراداً له ورداً عليه, وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن أوجه التناقض في أقوال ضابط الرقابة الإدارية بل ساق قوله مرسلاً مجهلاً ومن ثم يكون منعاه في هذا الوجه غير مقبول, لما كان ذلك, وكانت محكمة الموضوع قد كيفت العقد المبرم بين الطاعن ومديرية الشئون الصحية بأنه عقد مقاولة تصميمات ورسومات هندسية بقولها: ((وحيث إن العقد الذي وقعه المتهم هو عقد مقاولة وهو من بين العقود التي أوردها المشرع على سبيل الحصر في المادة 116 - مكرراً ج وغير صحيح ما قال به المتهم والدفاع من أنه عقد عمل التصميم لا يعتبر عقد مقاولة بل هو عقد غير رسمي ولا يندرج في العقود الواردة على سبيل الحصر في هذه المادة ذلك إن من المقرر على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدني أن المشرع أراد تنظيم عقد المقاولة ليلائم قواعده المتطورة التي وصلت إليه أعمال المقاولات في صورها المختلفة وأنه إنما أراد وضع القواعد المتعلقة بالمهندس المعماري لتعتبر عمله بوضع التصميم والمقايسة ومراقبة التنفيذ من نوع الأعمال المادية للمقاولات. تندرج في صورها, وإن اختلافه عن الفكرة بهذه الأعمال لا يمنع من اعتبارها من قبيل الأعمال المادية وعلى ذلك يكون إعداد التصميمات والرسومات الهندسية وإعداد كشف حصر المواد من أعمال المقاولة التي تنص عليها المادة 646 من القانون  المدني. لما كان ذلك, وكان لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تقدير ما ينطوي عليه العقد - كما أن لها حق تفسير العقود بما لا يخرج عما تحتمله عباراتها وتفهم نية المتعاقدين لاستنباط حقيقة الواقع منها وتكييفها التكييف القانوني الصحيح, ولا رقابة لمحكمة النقض فيما تراه سائغاً ولا تناقض مع نصوص العقد ولما كانت محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية قد كيفت العقد على أنه عقد مقاولة تصميمات ورسومات هندسية بما يتفق مع صحيح القانون وإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد, متى كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين رفضه موضوعاً