الطعن رقم 10067 لسنة 64 بتاريخ 17/04/1996
 الوقائع
الوقائع
 
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما -أولاً: بصفتهما من أرباب الوظائف العمومية الأول مدرس المواد الإجتماعية والثاني مدرس اللغة العربية بمدرسة ...... ارتكبا تزويراً في محررات رسمية هي بطاقات درجات أعمال السنة الخاصة بطلاف الصف الثاني الإعدادي، وكان ذلك بتغييرهما تلك المحررات وتدوين نتيجةامتحان الطلاب سالفي الذكر دون الانتهاء من إعداد النتيجة عن طريق المدرسة وحالة كون بعض تلك الأسماء راسبين بهذا الامتحان. ثانيا: بصفتهما سالفة الذكر استعملا المحررات المزورة المنوه عنها سلفا بأن قاما بتكليف من يوزعها علي الطلاب الخاصة بهم مع علمهم بتزويرها. ثالثا: بصفتها سالفة الذكر حاولا الحصول لنفسيهما علي ربح بغير حق وذلك بأن عهدا لأحد العمال بتوزيع الشهادات سالفة البيان نظير جعل معين مقابل ذلك وكان هذا أثناء تأديتهما لأعمال وظيفتهما علي النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهما إلي محكمة أمن الدولة العليا بسوهاج لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 30/1، 115، 118، 119 مكرراً، 211، 214 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليهما وبعزلهما من وظيفتهما وتغريم كل منهما خمسمائة جنيه وبمصادرة المحررات المزورة المضبوطة.
فطعن الأستاذ/.................... المحامي نيابة عن المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض ........... إلخ
 
 المحكمة
المحكمة
 
من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم التزوير في محررات رسمية واستعمالها ومحاولة الحصول بدون وجه حق على ربح من أعمال وظيفتهما, قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه بطلان في الإجراءات وإخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب ذلك بأن المحكمة لم تعرض المحررات المزورة على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور الخصوم وهو إجراء لا يغني عنه اطلاع المحكمة وحدها عليها. وعول الحكم على ما أورده من أقوال الشاهد......... والتحقيقات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير رغم أن كلا منها لا يفيد بذاته التدليل على مقارفتهما الجريمة إذ اقتصر ما حصله الحكم من التقرير المذكور على ما جاء من بيانات مزورة في بعض الشهادات دون الباقي, كما لم يورد من أقوال الشاهد سالف الذكر ما إذا كانت الشهادات موقعا عليها بتوقيع وخاتم صحيحين، ولم يعرض الحكم لدفاعهما القائم على انعدام القصد الجنائي لديهما, كما أن التزوير وقع مفضوحا وبطريقة ظاهرة لا ينخدع بها أحد, إذ خلت من توقيع ناظر المدرسة أو بصمة خاتمها, ولن يجني التلاميذ أية فائدة من ورائها لأن نتيجة الامتحان ثابتة بملفات المدرسة مما يتخلف معه ركن الضرر وينتفي معه قيام جريمة التزوير, وكذلك دفاعهما بعدم معقولية الواقعة إذ كيف يتسنى لهما تزوير شهادات تفيد نجاح التلاميذ وتوزيعها عليهم وهم لم ينتهوا بعد من أداء امتحان مادتي الهندسة والدين. وأن النتيجة الحقيقية ستظهر حتما بعد أيام معدودة. ولم تجبهما المحكمة لطلب التصريح بتقديم تقرير استشاري عن الواقعة. هذا إلى أن الحكم لم يبين عناصر جريمة التربح التي دانهما بهما, إذ لم يسأل التلاميذ الذين تسلموا شهاداتهم لبيان ما إذا كانوا قد دفعوا مقابلا لذلك وقدره والغرض من دفعه حتى يتضح قدر المال اللذان حاولا الحصول عليه سيما وقد جرى العرف أن هذه المبالغ تدفع على سبيل الهبة ولا تعد من قبيل الربح الغير مشروع الذي عناه المشرع في هذه الجريمة, وأخيرا فإنه لا يمكن القول بتبرير العقوبة لأن الطاعنين ينازعان في الواقعة برمتها, مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة مستمدة من الأوراق من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك وكان البين من محضر جلسة..........التي مثل بها المحكوم عليهما والدفاع أن المحكمة فضت الحرز المحتوي على المحررات المزورة ومن ثم كانت هذه المحررات معروضة على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم وكان في مكنة الطاعنين الإطلاع عليها إذا ما طلبا من المحكمة ذلك, فإن ما يثيرانه من بطلان في الإجراءات لا يكون له محل، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه, فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه, ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقا خاصا, وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا, ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه, وكان من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل أجزائه أو النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم. ومتى كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه نقل عن الشاهد............. قوله بأنه بناء على طلب الطاعنين قام بشراء نماذج خالية لشهادات نتائج الامتحانات من أحد المطابع وسلمها لهما حيث قاما بملء بياناتها وبصماها بخاتم وأعاداها إليه لتوزيعها على التلاميذ لقاء مبلغ من المال يتم اقتسامه بينهم ثم نقل عن التحقيقات أنه بمطابقة بيانات الشهادات سالفة الذكر على البيانات الحقيقية المدونة بملفات المدرسة تبين أنها تختلف عنها وأوضح الحكم التزوير الذي تم في بعض الشهادات بقوله "وثبت من مطابقة الشهادات المضبوطة والمزورة بما هو ثابت ومرصود بالكنتر شيك تبين وجود اختلافات بين البيانات المدونة بتلك الشهادات من البيانات المقابلة لها بالكنتر شيك وعلى سبيل المثال فإنه وبالنسبة للطالب.............. فإنه دون بالشهادة أنه ناجح ومنقول في حين أن الثابت بالكنتر شيك أن له دور ثان في المجموع وبالنسبة لكل من الطلاب .........., ........., ......., ......., ......, ...... فإن هناك اختلافا في الدرجات والمجموع بين المدون بشهادة كل منهم والثابت بالكنتر شيك وبالنسبة للطالبة .............فإن المدون بشهادتها من أنها ناجحة ومنقولة للصف ................ وأنها حاصلة على 35 درجة في الرياضيات يختلف عما هو ثابت بالكنتر شيك من أن لها دور ثان في الرياضيات لحصولها على 17 درجة فقط من 60 درجة لهذه المادة ............ إلخ باقي الشهادات المضبوطة ثم أورد الحكم من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير. أن الطاعن الأول هو الكاتب لبيانات بعض الشهادات السبعين المزورة وأن الطاعن الثاني هو الكاتب لبيانات الباقي، فإن ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - يكفي في بيان جريمة التزوير في محررات رسمية واستعمالها بكافة عناصرها والتدليل عليها, فإن ما يثيره الطاعنان في شأن استناد الحكم على أقوال الشاهد............ وما ورد بالتحقيقات وما جاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير رغم أن كلا منها لا يفيد بذاته تدليلا على مقارفتهما الجريمة لا يكون مقبولا. هذا ولا يجدي الطاعنين ما يثيرانه بشأن عدم إيراد الحكم بيانات باقي الشهادات المزورة لأن فيما أورده الحكم من بيانات بعض الشهادات المزورة ما يكفي لحمل قضاء الحكم. لما كان ذلك, وكان القصد الجنائي في جرائم التزوير في الأوراق الرسمية يتحقق متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه وأن القصد الجنائي في جرائم التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال, مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه, وكان الحكم قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى توافر علم الطاعنين بتزوير الشهادات التي كلفا العامل ........... بشراء نماذجها من المطبعة وقاما بملء بياناتها على خلاف الحقيقة وذيلاها بتوقيعات وأختام وسلماها له لتوزيعها على التلاميذ مقابل مبالغ مالية يقتسمونها معا وأنهما قصدا من ذلك الحصول على المبالغ التي يدفعها أولياء أمور التلاميذ مقابل استلام شهادات النجاح، وإذ كان الطاعنان لا يماريان في أن ما أورده الحكم من أدلة له مأخذه الصحيح في الأوراق, فإن ما يثيرانه في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك, وكان لا يشترط في جريمة تزوير المحررات الرسمية أن تصدر فعلا من الموظف المختص بتحرير الورقة, بل يكفي أن تعطى هذه الورقة المصطنعة شكل الأوراق الرسمية ومظهرها ولو لم تذيل بتوقيع، وأن هذه الجريمة تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق عنه ضرر يلحق شخصا بعينه لأن هذا التغيير ينتج عنه حتما حصول ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور, وأنه لا يلزم في التزوير المعاقب عليه أن يكون متقنا بحيث يلزم لكشفه دراية خاصة بل يستوي أن يكون واضحا لا يستلزم جهدا في كشفه أو متقنا يتعذر على الغير أن يكشفه ما دام تغيير الحقيقة في الحالتين يجوز أن ينخدع به بعض الناس وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن تغيير الحقيقة الذي تناول بيانات شهادات النجاح المزورة يجوز أن ينخدع به بعض الناس فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد.
وبخصوص ما يحتج به الطاعنان من أنه غير معقول أن يقدما على توزيع شهادات تفيد نجاح التلاميذ وهم لم ينتهوا من أداء امتحان مادتي الهندسة والدين فمردود بأنه لما كان الثابت من مدونات الحكم أن الامتحانات انتهت يوم 25/4/1988 وأن الطاعنين سلما العامل............ الشهادات يوم 24/4/1988 أي قبل انتهاء الامتحانات بيوم واحد, فليس ثمة مجافاة للمعقول في أن يكون الطاعنان قد سلما العامل المذكور الشهادات ليوزعها في اليوم التالي عقب انتهاء الامتحانات, ومن ثم ينحل هذا النعي إلى جدل موضوعي, وكذلك ما يثيرانه من أن النتيجة الحقيقية للامتحانات سوف تظهر حتما بعد أيام فلا يعدو كل ذلك أن يكون عودا للمجادلة في أدلة الدعوى التي استنبطت منها المحكمة عقيدتها في حدود سلطتها الموضوعية. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة......... أن المحكمة صرحت للدفاع عن الطاعنين بتقديم تقرير استشاري كما صرحت للخبير بالإطلاع على الأوراق. خلافا لما يزعمه الطاعنان - فإن ما يثيرانه في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن جناية التربح المنصوص عليها في المادة 115 من قانون العقوبات تتحقق متى استغل الموظف العام أو من في حكمه بالمعنى الوارد في المادة 119 مكررا من ذات القانون وظيفته بأن حصل أو حاول أن يحصل لنفسه على ربح أو منفعة بحق أو بغير حق أو لغيره بدون حق وذلك من عمل من أعمال وظيفته ففي هذه الجريمة يتمثل استغلال الوظيفة العامة من خلال العمل على تحقيق مصلحة خاصة من ورائها, فهناك تعارض لا شك فيه بين المصلحة الخاصة التي قد يستهدفها الموظف العام لنفسه أو لغيره, وبين المصلحة العامة المكلف بالسهر عليها وتحقيقها في نزاهة وتجرد غير مبتغ لنفسه أو غيره ربحا أو منفعة فهذه جريمة من جرائم الخطر الذي يهدد نزاهة الوظيفة العامة لأنها تؤدي إلى تعرض المصلحة العامة للخطر من تربح الموظف العام من ورائها ولا يحول دون توافر هذا الخطر ألا يترتب عليه ضرر حقيقي أو لا يتمثل في خطر حقيقي فعلى. فهو خطر مجرد بحكم التعارض بين المصلحتين العامة والخاصة, كما لا يشترط لقيام جريمة التربح الحصول فعلا على الربح أو المنفعة وإنما يكفي لقيامها مجرد محاولة ذلك حتى ولو لم يتحقق الربح أو المنفعة فإن ما أثبته الحكم المطعون فيه من قيام الطاعنين - وهما موظفان عموميان - مدرسان بمدرسة ..... التابعة لوزارة التربية والتعليم - وهو ما لا يمارى فيه الطاعنان - باستغلال وظيفتهما - الأول بصفته منتدبا لرئاسة أعمال كنترول امتحانات نهاية العام بالمدرسة، والثاني بصفته عضو لجنة الإشراف على أعمال الكنترول, بأن قاما باصطناع شهادات تفيد نجاح بعض تلاميذ الصف الثاني الإعدادي بالمدرسة المذكورة وانتقالهم للصف الثالث على خلاف الحقيقية وسلماها لعامل المدرسة لتوزيعها على التلاميذ وأولياء الأمور والحصول منهم على مبالغ مالية لقاء ذلك يتم اقتسامها فيما بينهم. تتوافر به سائر الأركان القانونية لجناية التربح المنصوص عليها في المادة 115 من قانون العقوبات سالفة الذكر التي دان الطاعنين بها, ومن ثم فإن ما ينعياه على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك, وكان ما يثيره الطاعنان في خصوص قعود النيابة عن سؤال التلاميذ عما إذا كانوا قد دفعوا أية مبالغ مقابل استلامهم للشهادات حتى يتضح قدر مبلغ التربح وكذلك أساس دفعهم لهذه المبالغ مردود بما هو مقرر من أن تحقيق الربح أو المنفعة ليس ركنا من أركان جريمة التربح التي تقوم بمجرد محاولة الموظف الحصول على الربح أو المنفعة حتى ولو لم يتحقق له ذلك, هذا فضلا عن إنه لا يعدو أن يكون تعييبا للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سببا للطعن على الحكم. وكان لا يبين من محضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين قد طلبا من المحكمة تدارك هذا النقص فليس لهما من بعد أن ينعيا عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلباه منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشهود. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال, إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم, فإن النعي بأن ما اقترفه الطاعنان كان نتيجة ضغط العمل وكثرته, وأن المبلغ الذي يدفعه التلميذ عند استلامه لشهادة نجاحه هو من قبيل الهبة يكون غير مقبول. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا