الطعن رقم 12651 لسنة 64 بتاريخ 05/05/1996
 الوقائع
الوقائع
 
اتهمت النيابة العامة كلاً من الطاعنين: أولاً: الأول بصفته موطفاً عاماً (رئيس مجلس إدارة شركة ............ ) طلب وأخذ رشوة للإخلال بواجب من واجبات وظيفته بأن طلب وأخذ من ........ بواسطة ......... مبلغ خمسة ألاف جنيه علي سبيل الرشوة مقابل ترسية عطاء طلمبات الفاكيوم موضوع المناقصة الرقيمة 000/89/90 علي شركة ......... المملوكة للمتهم الثالث بالمخالفة لما انتهت إليه لجنة البت والترسية على شركة ......... الأقل سعراً والتي يتطابق عرضها مع الشروط والمواصفات المطروحة بالمناقصة علي النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: الثاني: بصفته موظفاً عاماً (رئيس قطاع المشروعات بشركة ......... ) قبل هدية من شخص أخل له بواجب من واجبات وظيفته بأن قبل من ........ وبغير اتفاق سابق بينهما الهدية المبينة بالتحقيقات بقصد المكأفاة علي ما تأشر منه بأفضلية طلمبات الفاكيوم محل عرض شركته عن عرض الشركة المنافسة بالمخالفة لما انتهت إليه لجنة لبت ودون الرجوع إليها علي النحو المبين بالأوراق. ثالثاً: المتهمان بصفتيهما سالفة البيان، اضرا عمداً بأموال وماصلح جهة عملهما بأن قاما بإسناد عملية توريد طلمبات الفاكيوم إلي شركة ....... بالمخالفة لما انتهت إليه لجنة البت رغم ارتفاع أسعارها عن عرض شركة ....... المنافسة مما ألحق بجهة عملهما ضرراً مالياً مقداره سبعة وعشرون ألفا وسبعمائة وستة وخمسين جنيهاً قيمة الفارق بين عرض الشركتين المذكورتين. وأحالتهما إلي محكمة جنايات طنطا بمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 105، 107، 111/6، 116/1-2، 118، 119/ب، 119 مكرراً، هـ من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 من ذات القانون -بمعاقبة المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبعزلهما من وظيفتهما وذلك بحسبان أنهما اضرا عمداً بأموال ومصالح الشركة التي يعملان بها وقبول مكأفاة لاحقة.
فطعن الأستاذ/................... المحامي عن الأستاذ/............... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن الأستاذ/..................... المحامي عن الأستاذ/................ المحامي نيابة عن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ
 
 المحكمة
المحكمة
 
حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي الإضرار العمدي بأموال ومصالح الشركة التي يعملان بها وقبول مكافأة لاحقة قد شابه التناقض والتهاتر ذلك أن ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى من أن الطاعنين عمدا إلى الإضرار بأموال الشركة تحقيقاً لمنافع شخصية واتجاراً منهما بوظيفتيهما وهو ما يفترض فيه الاتفاق مسبقاً على الرشوة يتناقض مع ما انتهى إليه الحكم من أن أخذ الأول للعطية والثاني للهدية كان مكافأة لاحقة بغير اتفاق سابق عليها مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: أنه بمناسبة طرح شركة .......... رئاسة المتهم الأول - للمناقصة رقم ...... لسنة 89/1990 بخصوص توريد طلمبات متعددة الأغراض بنظام المظروفين والإعلان عنها في الصحف فقد تقدم المتناقصون بعروضهم وبعد اجتماع لجنة البت والترسية وفض مظاريف العروض وفحصها من الناحيتين الفنية والمالية انتهت في البند الرابع بخصوص ثلاث طلمبات فاكيوم إلى أن المطابق من عروض المتناقصين والمستوف للشروط المعلن عنها, هما عرضين اثنين، أولهما من شركة ....... بسعر الطلمبة الواحدة وقطع غيارها 13500 جنيهاً, وثانيهما من شركة ......... لصاحبها المتهم الثالث بسعر الطلمبة الواحدة وقطع غيارها 22752 جنيهاً وانتهت اللجنة في محضرها المؤرخ ............. إلى التوصية بإسناد توريد الثلاث طلمبات الفاكيوم إلى شركة ........... الأقل سعراً - وإذ عرض هذا التقرير على المتهم الأول رئيس مجلس إدارة الشركة في ........ فقد رفض اعتماد هذا التقرير الذي انتهت إليه لجنة البت بالمخالفة للقانون رقم 9 لسنة 1983 بتنظيم المناقصات والمزايدات المعمول به وقصداً إلى الإضرار بالشركة فقد استخدم المتهم الثاني رئيس قطاع المشروعات بها الذي قصد ما قصده الأول, وتحقيقاً لمنافع شخصية لهما واتجاراً بوظيفتيهما، طالباً منه إعادة دراسة البند الرابع فنياً على ضوء سابقة الخبرة والتجربة، فأشر الثاني في ذات التاريخ بأن عرض شركة ........... هو الأفضل من الناحية الفنية. فقرر الأول إسناد توريد الثلاث طلمبات إليها مخالفاً بذلك القانون وما جرى عليه العمل السوي مما ألحق بالشركة أضراراً مالية محققة قدرها ......... جنيهاً قيمة الفرق بين سعر شركة ......... الذي أوصت لجنة البت بإسناد البند الرابع إليها وبين سعر شركة ......... الذي قصد المتهمان الأول والثاني إسناد ذات البند إليها، ولقاء إخلال المتهمين الأول والثاني بواجبات وظيفتهما فقد كافأهما المتهم الثالث صاحب شركة ..........، بدفع عطية قدرها ......... جنيه قبلها المتهم الأول بواسطة المتهم الرابع, وبتقديم هدية عبارة عن ((طاقم أقلام)) قيمته ....... جنيه قبلها المتهم الثاني وقد دان الحكم المطعون فيه الطاعنين بجريمتي الإضرار العمدي وقبول مكافأة لاحقة. لما كان ذلك, وكان الفرق الأساسي بين جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادتين 103، 104 من قانون العقوبات وجريمة المكافأة اللاحقة المؤثمة بالمادة 105 من ذات القانون أن فكرة الاتجار بأعمال الوظيفة - منتفية في المكافأة اللاحقة في حين أنها هي جوهر الرشوة ذلك أن هذا الاتجار يفترض بالضرورة تعليق القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو الإخلال به على المقابل، وهذا التعليق أو الربط هو الذي يجعل من المقابل ثمناً للعمل الوظيفي، ويسمح تبعاً لذلك بالقول بأن الموظف قد اتجر في هذا العمل. أما إذا قام الموظف بالعمل مستلهماً واجبات وظيفته وتحققت - بالطريق المشروع - مصلحة صاحب الحاجة الذي رأى اعترافاً بفضله أن يقدم إليه مكافأة أو وعداً بها فقبلها. فإن الفعل لا يعد رشوة لتخلف معنى الاتجار، ولولا نص المادة 105 من قانون العقوبات لما وقع من أجله عقاب، وفي ضوء هذا الفرق فإن ضابط التمييز بين الرشوة والمكافأة اللاحقة أن الرشوة بما تنطوي عليه من نية الاتجار بالوظيفة تفترض اتفاقاً بين الموظف وصاحب الحاجة سابقاً أو معاصراً للعمل الوظيفي، ولو أرجئ تنفيذه إلى ما بعد الانتهاء من ذلك العمل أو علق تنفيذه على أداء هذا العمل في الصورة التي ترضي صاحب الحاجة, أما المكافأة اللاحقة فتفترض أنه لم يكن ثمة اتفاق من هذا القبيل سابق أو معاصر للعمل. وإنما انعقد الاتفاق ابتداء عقب الانتهاء من العمل. وإذ ما كان ذلك, وكان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى - على نحو ما سلف بسطه - من أن الطاعنين قصدا إلى الإضرار بأموال ومصالح الشركة التي يعملان بها تحقيقاً لمنافع شخصية واتجاراً منهما بوظيفتهما قد خالفا توصية لجنة البت بما يعني أن نية الاتجار بالوظيفة كانت قائمة لديهما منذ البداية وهي جوهر الرشوة التي تفترض وجود اتفاق سابق على العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال به وهو ما يتناقض مع ما انتهى إليه الحكم في قضائه من أن ما أخذه الأول من عطية وقبله الثاني من هدية كان مكافأة لاحقة دون اتفاق سابق عليها. فإن ذلك مما يدل على اختلال فكرة الحكم عن عناصر الواقعة وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة مما يعيبه ويوجب نقضه. ولا مجال للتحدي بنظرية العقوبة المبررة لكون العقوبة المقضي بها تدخل في حدود العقوبة المقررة للجريمة الأشد وهي جريمة الإضرار العمدي التي أثبتها الحكم في حق الطاعنين ذلك لأن فكرة الاتجار بالوظيفة التي اعتنقها الحكم ابتداء كان لها أثرها في عقيدة المحكمة في القول بتوافر قصد الإضرار في جريمة الإضرار العمدي- وهي الأساس في التهمتين - وذلك على نحو ما سبق أن بينه الحكم في واقعة الدعوى وما أورده تدليلاً على توافر هذا القصد إذ أورد أن المتهمين عمدا دون وجه حق إلى استبدال الضرر بالمنفعة إذ خالفا قرار لجنة البت والترسية الذي أوصى بإسناد البند الرابع من المناقصة رقم ..... لسنة 89/1990 بخصوص توريد ثلاث طلمبات فاكيوم إلى شركة ........ إعراضاً عما قررته بناء على ما يبين من تقريري التحليل الفني والمالي الذي أورى بمطابقتها لجميع المواصفات الفنية بكراسة الشروط وأنها الأقل سعراً وجنحا إلى إقصاء لجنة البت والترسية اغتصاباً لسلطتها وإنفراداً بقرار غير مدروس ومشوب بسوء استعمال السلطة ناظرين إلى ما يعود عليهما من نفع شخصي قاصدين إلى الإضرار بأموال الشركة.......... إلخ, مما يمتد به أثر العيب الذي شاب الحكم ليشمل الواقعة بأكملها. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن