الماده 234 عقوبات
من قتل نفسا عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد.
ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى، وأما إذا كان القصد منها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو بالسجن المؤبد.
وتكون العقوبة الإعدام إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي.
1ـ ارتكاب جناية القتل العمد مع جناية اخرى (2)
نصت الفقرة الثانية من المادة 234 فى الشق الأول منها على ما يأتى : ( ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ) . فيجب بهذا النص توفر شرطين : أولهما : أن تكون الجريمتان متعاصرتين ، والشرط الثانى أن تكون الجريمة الأخرى التى اتصلت بالقتل العمد جناية أيضاً ، ولم يستلزم القانون غير هذين الشرطين ، وأحدهما مترتب على الآخر ، فالنظر إلى اتصال القتل بالجناية الأخرى قائم على وحدة الزمن فقط فليس بلازم أن تربطهما وحدة الغرض كما إنه ليس بلازم أن تقع جناية القتل قبل الجناية الأخرى أو بعدها فعبارة النص قد سوت بين الحالتين .
وليس شرطاً أن تكون الجناية الأخرى وقعت مباشرة قبل أو عقب القتل ، فالنص خال من هذا القيد ، ويكفى أن تكون بين الجنايتين رابطة زمنية ، بحيث تكون الجنايتان وقعتا فى فترة من الوقت محدودة تبدأ بأحد الفعلين الجنائيين وتنتهى بالآخر وقد حكمت محكمة النقض والإبرام بأن الاقتران المنصوص عليه فى المادة 198/2ع ( 234/2) بين الجنايتين يفيد المصاحبة الزمنية وليس من الضرورى أن يفرقهما زمن معين .( نقض 29 /10/1934 المجموعة الرسمية س 36 رقم 32 ) .
وقضت أيضاً بأن الشق الأول من المادة 234 ع بنصه على تغليظ العقاب فى جناية القتل العمد إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ، يتناول جميع الأحوال التى يرتكب الجانى فيها علاوة على الفعل المكون لجناية القتل أى فعل آخر مستقل عنه ، ويكون بذاته جناية من أى نوع كان ترتبط مع القتل برابطة الزمنية ، ولو كان لم يقع فى ذات الوقت الذى وقع فيه الآخر ، وذلك مهما كان الغرض من كل منهما أو الباعث على مقارفته ، إذ العبرة فى ذلك ليست إلا بتعدد الأفعال وتمييزها بعضها عن بعض بالقدر الذى يكون به كل منهما جناية مستقلة ، وبوقوعهما فى وقت واحد أو فى فترة من الزمن قصيرة بحيث يصح القول بأنهما لتقارب الأوقات التى وقعت فيها مرتبط بعضها ببعض من جهة الظرف الزمنى ( نقض 19 مارس سنة 1945 فى القضية 680سنة 15 القضائية ) .
وليس بلازم أيضاً أن يتحد مكان وقوع الجنايتين ، فقد يقع القتل فى مكان غير مكان وقوع الجناية الأخرى ، فما دامت الجنايتان متتابعتين تربطهما رابطة الزمن ووحدته فالنص واجب التطبيق .
إ ولكن يشترط أن يكون الفعل الثانى المتصل بالقتل جناية ، ولا يهم أن تكون جناية من نوع معين ، فقد تكون الجناية الأخرى من نوع الجناية الأولى أى قتلاً، أو شروعا فى قتل . ويلاحظ أن المادة 234 فقرة ثانية جعلت القتل هو الجريمة الأساسية أو الأصيلة فاذا وقعت تامه عوقب الجانى بالعقوبة التى فرضها الشارع فى تلك الفقرة ، وهى الاعدام حتى ولو كانت الجناية الأخرى التبعية شروعاً ، لأن الشارع جعلها ظرفاً مشدداً للقتل فقط ، وإذا كانت الجناية الأصلية شروعاً فى قتل وجب فى هذه الحالة تطبيق المادة 46ع .
ويجب أن تكون كل من الجنايتين بفعل مستقل ، ولو وقعتا من جان واحد ، فاذا كان الفعل المادى واحداً تعددت نتائجه فلا تنطبق الفقرة الثانية المذكورة ، كاطلاق عيار نارى واحد يصيب شخصين ويقتلهما ، فهذه صورة من صور التعدد المعنوى الذى بين الشارع حكمه فى المادة 32/1ع . أما الفقرة الثانية من المادة 234 ع فقد شددت العقاب فى جناية القتل العمد إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ، وتناولت جميع الأحوال - كما تقول محكمة النقض - التى يرتكب فيها الجانى علاوة على القتل أى فعل آخر مستقل ومتميز عنه ، ويكون فى ذاته جناية أخرى مرتبطة مع جناية القتل برابطة الزمن حتى لو كان هذان الفعلان قد ارتكبا أثناء مشاجرة واحدة أو لغرض واحد أو بناء على تصميم جنائى واحد أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة ، إذ العبرة بتعدد الفعلين وبتمييز أحدهما عن الآخر بالقدر الذى يكون به كل منهما جناية مستقلة ( نقض 30/10/1939 المجموعة الرسمية س 1941 رقم 94) .
إ ولتقدير مسئولية الجانى أو الجناة يجب أن يكون استقلال كل من القتل والجناية الأخرى تاما ، فلا تشترك الجناية الأخرى مع القتل فى عنصر من عناصره أو ظرف من ظروفه ، مثال ذلك القتل الواقع من أحد اللصوص المسلحين على حارس مخزن ، بعد أن ارتكبوا أيضاً جناية سرقة من ذلك المخزن ليلاً ، هذه الواقعة تضم جنايتين مستقلتين : الأولى جناية القتل العمد ، والثانية جناية السرقة ليلاً من أكثر من شخصين يحملون سلاحاً ( م316) وتعتبر جناية السرقة ظرفاً مشدداً للقتل يوجب تطبيق المادة 234 فقرة ثانية من قانون العقوبات ، لأن مقومات جناية السرقة وعناصرها غير متداخلة ولا مشتركة مع عناصر القتل ، أما إذا كان الجانى شخصاً واحداً يحمل سلاحاً ، وقتل الحارس للتمكن من السرقة ، أو للفرار بما سرق فقتل المجنى عليه فى هذه الظروف يؤثر فى جريمة السرقة فتوصف قانوناً بأنها سرقة بالاكراه ، ولكن ظرف الاكراه المشدد للسرقة هو فعل القتل نفسه ، وبهذا النظر تكون جناية القتل مشتركة مع جناية السرقة فى الظرف المشدد ، أو بعبارة أخرى يكون الفعل المادى فى جناية القتل ، هو الظرف المشدد فى جناية السرقة بالاكراه ، وإنه وإن جاز تكييف كل من الفعلين بوصف الجناية ، إلا أنه عند توقيع العقاب يجب الفصل بينهما واعتبار السرقة مجردة عن ظرف الاكراه ، ويكون الجانى مستحق لعقوبة الجناية المرتبطة بالجنحة طبقاً لنص المادة 234 فقرة ثالثة ، وهذا الحل هو الذى يستقيم مع غرض الشارع من أن يكون مع القتل فعل آخر مستقل يوصف بذاته بأنه جناية ، وهو أيضاً ما يتفق مع العدالة فلا يحاسب الجانى عن فعل القتل مرتين ، مرة باعتباره جناية ، ومرة باعتبار هذا الفعل بنفسه ظرفاً مشدداً لجناية أخرى . وقد كانت محكمة النقض والإبرام تعتبر هذه الحالة مما يدخل تحت نص الفقرة الثانية ولكنها فى سنة 1942 أصدرت حكماً هاماً أقرت فيه وجوب التمييز بين كــل من الفعلين عند تقدير المــسئولية فقالت " أنه إذا كانت الواقعة التى أثبتها الحكم المطعون فيه يصح قانوناً وصفها بأنها جناية سرقة باكراه ، ولو أن الإكراه لم يقع بفعل آخر غير القتل ، فكل من جنايتى القتل والسرقة بالاكراه يمكن تصور قيامه إذا ما نظر إليه مستقلاً عن الآخر ، ولكن إذا نظر إليهما معا يبين أن هناك عاملا مشتركا بينهما ، هو فعل الاعتداء الذى وقع على المجنى عليه ، فانه يكون جريمة القتل ، ويكون فى الوقت ذاته ركن الإكراه فى السرقة ، والقانون عندما غلظ العقوبة فى الفقرة الثانية من المادة 234 ع أراد بداهة أن تكون الجناية الأخرى مكونة من فعل مستقل متميز عن فعل القتل وأن لا تكون مشتركة مع القتل فى أى عنصر من عناصرها ، ولا أى ظرف من ظروفها التى يعتبرها القانون عاملا مشدداً للعقاب ، فإذا كان القانون لم يعتبرها جناية إلا بناء على ظرف مشدد وكان هذا الظرف هو المكون لجناية القتل العمد ، وجب فى مقام توقيع العقاب على المتهم أن ينظر إليها مجردة عن هذا الظرف ، ووجب على المحكمة أن تطبق الفقرة الثالثة من المادة 234 لأن السرقة إذا جردت من الإكراه صارت جنحة . ( نقض 23/11/1942 المجموعة الرسمية س43 رقم 98 ) وظاهر من هذا الحكم أن اعتبار جريمة السرقة جناية من حيث وصفها صحيح قانوناً ، غير أنه عند تقدير المسئولية وتوقيع العقوبة يجب أن تنظر المحكمة إلى السرقة وهى الجريمة التبعية ، نظرة مستقلة وتستبعد منها هذا العنصر المشترك .
ومما يتفرع على هذه القاعدة أنه إذا كان الإكراه فى السرقة وقع على أكثر من شخص واحد فى سبيل سلب أموالهم وأن الجانى قتل أو شرع فى قتل أحد المجنى عليهم وضرب غيره فمع استبعاد عنصر الاكراه فى الجريمتين وهو فعل القتل أو الشروع فيه ، تظل مع ذلك جريمة السرقة جناية بالنظر إلى امتداد الإكراه إلى غير من قتل أو شرع فى قتله ويجب تطبيق الفقرة الثانية من المادة 234 .
إ وجناية القتل هى الجناية الأصلية عند تطبيق الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات ، وما الجناية الأخرى إلا ظرف مشدد للقتل ولعقوبته ، هذا عند النظر إليهما معاً وقيام القتل إلى جانب الجناية الأخرى ، ولكن إذا حفظت جناية القتل لعدم قيام الدليل عليها أو لوقوعها دفاعاً عن النفس أو المال ، أو قضى فيها بالبراءة ، فعند ذلك تصبح الجناية الأخرى جريمة قائمة بذاتها بعد أن كانت ظرفاً مشدداً للقتل ، ويسأل المتهم عن تلك الجناية الأخرى كما إذا كان قد ارتكبها منفردة .
إ ولا يمنع من تطبيق الفقرة الثانية من المادة 234 ع ، حصول القتل مع سبق الإصرار أو الترصد ، لأنه ليس هناك ما يحول دون وجود ظرفين مشددين فى وقت واحد ، أحدهما اقتران القتل بظرف سبق الاصرار، والآخر اقتران القتل بجناية أخرى أو ارتباطه بجنحة .
إنما الذى يمتنع قانونا هو توقيع عقوبتين على أساس أن المتهم ارتكب القتل بسبق الإصرار وارتكب معه جناية أخرى غير مرتبطة به ، لا يصح ذلك لأن مجرد اقتران القتل بالجناية الأخرى يقتضى توقيع عقوبة واحدة على مقتضى الظرف المشدد المنصوص عليه فى المادة 234/2 ، وعلى ذلك فاذا وقعت من المتهم جريمة قتل مع سبق الاصرار والترصد وتلتها جريمة قتل أخرى من غير سبق اصرار ولا ترصد فمن الخطأ فى تطبيق القانون توقيع عقوبة عن كل واقعة من الواقعتين ( نقض 9/1/1939 مجموعة القواعد القانونية جزء 4 رقم 326 ) .
ويلاحظ أن المحكمة إذا رأت أن القتل والجريمة الأخرى قد وقعا لغرض واحد وطبقت المادة 32 وعاقبت المتهمين بعقوبة الجريمة الأشد وهى القتل العمد مع سبق الإصرار، فسواء أكانت الجريمة الأخرى جناية أو جنحة فإن ذلك لا يؤثر فى سلامة الحكم ، لأن المحكمة لم توقع عقوبة خاصة على الجريمة الأخرى وإنما وقعتها على القتل مع سبق الإصرار ( نقض 24/10/1928 المجموعة الرسمية س40 رقم 32 ) .
على أن الحالة التى يرتكب فيها القتل مع سبق الإصرار مقترنا بجناية أخرى مرتبطا بجنحة هى من الأحوال النادرة الوقوع ، وإذا وقعت ، فإن العقوبة المفروضة لا تختلف ، فالشارع فرض للقتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد عقوبة الإعدام ، كما نص على هذه العقوبة أيضاً فى المادة 234 ع بفقرتيها الأخيرتين ، فالخلاف فى التكييف القانونى للوقائع ، الذى يدعو اليه اقتصار نص المادة 234 ع على القتل العمد من غير سبق إصرار ولا ترصد ، هذا الخلاف فى التكييف ؛ تتضاءل أهميته عند النظر إلى العقاب الجائز توقيعه قانوناً .
وعقوبة القتل المتصل بجناية أخرى هى الاعدام فاذا كان شروعاً وجب تطبيق المادة 46 ع مع المادة 234/2 .
========================================
2ـ ارتباط القتل بجنحة
========================================
2ـ ارتباط القتل بجنحة (3)
اعتبر القانون فى الفقرة الثالثة من المادة 234ع ، ارتكاب القتل لتسهيل ارتكاب جنحة ، أو التأهب لفعلها ، أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة ، اعتبر القتل لأحد هذه المقاصد ظرفا مشدداً يستلزم تغليظ العقوبة فتصل إلى الاعدام أو السجن المؤبد على التخيير بينهما .
ولا يكتفى القانون فى هذه الأحوال بالرابطة الزمنية كما فى الفقرة الثانية ، وإنما يستلزم دائماً رابطة السببية ، أى رابطة السبب بالنتيجة ، بأن يكون القتل ، وهو الجناية الأصلية سبباً لنتيجة ، هى ارتكاب الجنحة التبعية ، أو الهرب بعد ارتكابها أو التخلص من العقوبة ، وفعل القتل فى هذه الحالة وإن كان سبباً إلا أنه الفعل الأصيل الذى يتوسل به إلى فعل الجنحة ، ولذلك ليس من الضرورى لتطبيق الفقرة الثالثة حصول القتل والجنحة فى مكان واحد أو زمان واحد ، فالشارع اعتبر الباعث على القتل وأخذ به فى تشديد العقاب ، فقد يقتل الجانى حارس المنزل فى يوم ليرتكب جنحة السرقة فى يوم آخر، ولذلك يجب أن يقوم الدليل على أن الجانى كان غرضه من القتل ارتكاب الجنحة أو الهرب ، فلو أن القتل ارتكب للانتقام والثأر ثم بدا للجانى بعد أن قتل عدوه أن يجرده من نقوده ، لما كانت هناك رابطة بين القتل والسرقة ، أو كما قال جارسون إن السرقة لم تكن هى الباعث الذى حرك يد الجانى للقتل .
إ وجناية القتل فى هذه الأحوال هى الجناية الأصلية التى يهدف الجانى منها إلى تسهيل ارتكاب الجنحة أو الهرب بعد ارتكابها والتخلص من العقوبة ، فلا تنطبق الفقرة الثالثة إذا كانت الجنحة هى التى مهدت لارتكاب القتل أو اتخذ منها وسيلة لازهاق الروح ، فحمل السلاح وان كان جنحة بذاته ، لا يعتبر ظرفاً مشدداً للقتل اذا وقع بهذا السلاح المحظور حمله ، ذلك بأن القانون يشترط أن يكون الغرض من القتل ارتكاب جنحة ... الخ لا أن يكون الغرض من الجنحة ارتكاب القتل .
إ ولم يشترط القانون كون الجنحة من نوع معين ، فكل فعل اعتبره الشارع جنحة يعتبر ظرفاً مشدداً للقتل الذى قصد منه إتيان تلك الجنحة أو الهرب بعد ارتكابها ، سواء كانت الجنحة من الجرائم المقصودة أو غير المقصودة ، فمن يرتكب جنحة إصابة خطأ ، ثم يطلق النار على رجل البوليس الذى أراد ضبطه بعد ارتكاب فعلته قصداً للهرب يعاقب طبقاً للمادة 234/3ع .
إوقد يبدو من ظاهر عبارة الفقرة الثالثة أن مرتكب القتل يجب أن يكون غير مرتكب الجنحة ، ولكن مما لا نزاع فيه أن النص يتناول أيضاً حالة ما إذا وقعت الجناية والجنحة من شخص واحد ، كمرتكب القتل للهرب بنفسه من جنحة سرقة شرع فى ارتكابها أو أتم ارتكابها فعلا ( نقض 22 /4/1935 المجموعة الرسمية 36 رقم 204 ) .
إ وليس من الضرورى أن ترتكب الجناية والجنحة فى مكان وزمان واحد ، فالفقرة الثالثة تطبق إذا ارتكب القتل مستقلا عن الجنحة ، كل منهما فى مكان غير مكان الجريمة الأخرى ، وفى تاريخ غير تاريخها فيعاقب الجانى بالعقوبة المشددة لو أنه ارتكب القتل فى يوم ما ، تمهيداً لجنحة ارتكبها بعد أسبوع مثلا ، وكذلك الجانى الذى ارتكب جنحة وفر ، وبعد أيام صادفه أحد رجال البوليس الذى كلف بضبطه فقتله للهرب بنفسه .
إ ولكن ما الحكم إذا كان القتل قد ارتكب بقصد تسهيل ارتكاب جناية أخرى أو ارتكابها بالفعل ؟ أو بعباة أخرى ما الحكم إذا كان القتل سبباً لجناية أخرى ؟ فقد رأينا أن الفقرة الثانية لا تشترط إلا رابطة الزمنية ، فلو ان الجانى ارتكب القتل فى يوم 31 يناير مثلا حتى يتمكن من ارتكاب جناية سرقة أو حريق وقعت بعد القتل بعشرة أيام ، فظاهر عبارة الفقرة الثانية لا يتناول هذا الجانى بالتشديد ، ولكن رغم صمت النص ، فلا خلاف بين الشراح فى وجوب تشديد العقاب فى هذه الحالة من باب أولى وإلا لأفضى التفسير الحرفى للنص إلى نتيجة غير معقولة ولا مقبولة ، ذلك بأن من يرتكب القتل تسهيلا لارتكاب جنحة تشدد عقوبته ، دون من يرتكبه تسهيلا لجناية تقع منه بعد ذلك ، مع ان إجرام الأول اخف من إجرام الثانى ، وتكون عقوبة القاتل تأهباً للسرقة البسيطة ، أغلظ من عقوبة القاتل تسهيلا لارتكاب سرقة بإكراه ، وهى نتيجة ينبو عنها المنطق والعقل .
وقد كانت المادة 213 من قانون العقوبات الصادر سنة 1883 تنص على " ارتكاب القتل إذا كان القصد منه التأهب لفعل جناية أو جنحة ... إلخ " فلما عدل قانون العقوبات سنة 1904 حذفت كلمة " جناية " حتى لا يقع الخلط بين أحكام الفقرتين الثانية والثالثة ، وما كان هناك موجب لهذا الحذف ، لتباين الحالتين اللتين تناولتهما الفقرتين الثانية والثالثة تبايناً ظاهراً ، وقد وقع الشارع الفرنسى من قبل فى الخطأ الذى وقع فيه المشرع المصرى ، على أن الرأى مستقر فقهاً وقضاء على وجوب تشديد العقاب .
(1) ، (2) ، (3) : محمود إبراهيم إسماعيل ، مرجع سابق ، ص 52 وما بعدها .
========================================
ملاحظات عن اتصال القتل بجناية أخرى أو ارتباطه بجنحة
========================================
بعض ملاحظات عن اتصال القتل بجناية أخرى أو ارتباطه بجنحة (4):
1ـ عرفنا أن تشديد العقاب طبقا لنص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 234ع ، هو استثناء من قاعدة تعدد الجرائم والعقوبات التى وضعها الشارع فى المادتين 32/2 و 33 ، والتى تقتضى الحكم بعقوبة الجريمة الأشد عند ارتكاب عدة جرائم لغرض واحد ، وتعدد العقوبات بتعدد الجرائم عند ارتكابها دون وجود الرابطة بينها ، وهذا الاستثناء يوجب أن تكون الجريمة التبعية - جناية أو جنحة - مستقلة ومتميزة عن جناية القتل ، فإذا كان الفعل الاجرامى واحداً فلا يشدد العقاب ، وإنما تطبق أحكام الفقرة الأولى من المادة 32 التى تتناول حالة التعدد المعنوى كاطلاق عيار نارى واحد عمداً فينشأ عنه قتل شخصين .
2ـ وقد اختلف فى شأن القتل الذى يقترن بجناية أخرى أو جنحة تقعان من شخص واحد أثناء مشاجرة بين عدة أفراد ، يرى بعض الشراح أن هذه الجرائم كلها تعتبر بمثابة اندفاع فى فعل الاعتداء أو تكرار له أدى لنتائج مختلفة لوقوعه على أكثر من شخص واحد ، فهى غير منفصلة من حيث ارتكابها وإن كانت منفصلة من حيث آثارها . فيجب النظراليها على أنها سلسلة من الاعتداء متصلة الحلقات ، ولكن محكمة النقض الفرنسية ، فى بعض أحكامها ، اعتبرت هذه الجرائم متصلة بالقتل ووقعت معه وشددت العقاب طبقا للمادة 304 ع ف . ويرى جارسون أن هذا الخلاف لا ثمرة له إذا كانت الجريمة الأخرى التى تتصل بالقتل جناية ، إذ يكفى تعاصر الجريمتين وقيام رابطة الزمنية ، كارتكاب القتل مع جناية قتل أخرى أو شروع فيه ، أو مع جناية ضرب أفضى إلى الموت ، أو مع جناية عاهة مستديمة ، أما إذا كانت الجريمة الأخرى جنحة ، فلا بد طبقا لنص القانون من وجود رابطة سببية بين القتل وتلك الجنحة الأخرى ، وهذه الرابطة قلما لا تتوفر فى المشاجرات ورأى الأستاذ جارسون على التفصيل الذى بينه ، أقرب إلى الدقة وأكثر مسايرة لروح القانون .
3ـ ومعنى استقلال الجريمة عن القتل ، هو أن تكون مستكملة لعناصرها القانونية وشروطها لأن الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 234 ع تشيران إلى تعدد الجرائم بوصف خاص هو أن تكون مقارفة القتل قد اصطحبت بجناية أو جنحة أخرى ، وأن تكون هذه الجريمة الأخرى قائمة قانونا ومستوجبة للعقاب حتى يصح وصفها بوصف الجناية أو يوصف الجنحة طبقا للقانون ، وحتى يسوغ تشديد العقوبة على القتل عند تقدير مسئولية الجانى فى تلك الأحوال .
فإذا كانت الجنحة أو الجنابة لاعقاب عليها ، لعدم توفر ركن من أركانها ، أو لأن القانون لا يعاقب على الجريمة لسبب مانع من العقاب ، أو مبيح للفعل ، فلا تظهر حكمة لتشديد العقاب على القتل الذى يتركز فيه وحده إجرام الجانى .
4ـ وكذلك لا يعتبر مجرد العزم على ارتكاب الجريمة الأخرى ، ظرفاً مشدداً ، لأن النص صريح فى أن يكون الفعل الآخر جناية أو جنحة ، فيجب على الأقل أن يصل الفعل إلى حد الشروع المعاقب عليه ، هذا هو الرأى الراجح الذى استقر عليه القضاء الفرنسى وأكثر الشراح على أن بعض الشراح يرى أن قول الشارع فى عبارة المادة " التأهب لفعل جنحة " يجيز التشديد ولو لم يصل نشاط الجانى فى الجريمة الأخرى إلى البدء فى التنفيذ . وهذا الرأى غير وجيه ، لأن الفعل لا يوصف بأنه جريمة فى القانون إلا إذا استتم وجوده ، أو كان شروعاً معاقباً عليه على الأقل ، فالنية وحدها لا عقاب عليها لصعوبة إثباتها دون عمل خارجى يدل عليها ، ولا يمكن استخلاص جريمة من مجرد العزم على ارتكابها أو التأهب له ، إذ تكون الجريمة وقتئذ ما تزال بعيدة عن متناول حكم القانون ، ولا أثر لها فى الوجود ، ولا يصح اعتبار جريمة لا وجود لها قانونا علة للتشديد.
وإذا كانت الجريمة المتصلة بالقتل جنحة بدئ فى تنفيذها ، والقانون لا يعاقب على الشروع فيها ، فلا يعتبر هذا البدء فى التنفيذ جريمة تسوغ تشديد عقوبة القتل ، لأن مثال هذا البدء لا يعتبره القانون جريمة ولا يعاقب عليه .
5ـ ولما كانت الجنحة التى ارتكبت مع القتل هى ظرف مشدد له باعتبار القتل هو الجريمة الأصلية كان القتل الذى قصد منه ارتكاب جنحة أو الفرار بعد ارتكابها إلخ ، منضما إلى تلك الجنحة مكونا وحدة جنائية ، اعتبرها القانون صورة مشددة من صور القتل ، غلظ العقاب فيها بنص المادة 234/3ع فلو سقطت الجنحة بمضى المدة القانونية لبقى القتل معاقبا عليه بالعقوبة المشددة ، لأن القتل قد لحق به الظرف المشدد بمجرد وقوعه مع الجنحة ، ويجب لذلك احتساب التقادم على أساس المدة المقررة لجناية القتل دون المدة المقررة للجنحة ، إذ ليست الجنحة سوى ظرف مشدد للقتل فى هذه الحالة .
من قتل نفسا عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد.
ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى، وأما إذا كان القصد منها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو بالسجن المؤبد.
وتكون العقوبة الإعدام إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي.
1ـ ارتكاب جناية القتل العمد مع جناية اخرى (2)
نصت الفقرة الثانية من المادة 234 فى الشق الأول منها على ما يأتى : ( ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ) . فيجب بهذا النص توفر شرطين : أولهما : أن تكون الجريمتان متعاصرتين ، والشرط الثانى أن تكون الجريمة الأخرى التى اتصلت بالقتل العمد جناية أيضاً ، ولم يستلزم القانون غير هذين الشرطين ، وأحدهما مترتب على الآخر ، فالنظر إلى اتصال القتل بالجناية الأخرى قائم على وحدة الزمن فقط فليس بلازم أن تربطهما وحدة الغرض كما إنه ليس بلازم أن تقع جناية القتل قبل الجناية الأخرى أو بعدها فعبارة النص قد سوت بين الحالتين .
وليس شرطاً أن تكون الجناية الأخرى وقعت مباشرة قبل أو عقب القتل ، فالنص خال من هذا القيد ، ويكفى أن تكون بين الجنايتين رابطة زمنية ، بحيث تكون الجنايتان وقعتا فى فترة من الوقت محدودة تبدأ بأحد الفعلين الجنائيين وتنتهى بالآخر وقد حكمت محكمة النقض والإبرام بأن الاقتران المنصوص عليه فى المادة 198/2ع ( 234/2) بين الجنايتين يفيد المصاحبة الزمنية وليس من الضرورى أن يفرقهما زمن معين .( نقض 29 /10/1934 المجموعة الرسمية س 36 رقم 32 ) .
وقضت أيضاً بأن الشق الأول من المادة 234 ع بنصه على تغليظ العقاب فى جناية القتل العمد إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ، يتناول جميع الأحوال التى يرتكب الجانى فيها علاوة على الفعل المكون لجناية القتل أى فعل آخر مستقل عنه ، ويكون بذاته جناية من أى نوع كان ترتبط مع القتل برابطة الزمنية ، ولو كان لم يقع فى ذات الوقت الذى وقع فيه الآخر ، وذلك مهما كان الغرض من كل منهما أو الباعث على مقارفته ، إذ العبرة فى ذلك ليست إلا بتعدد الأفعال وتمييزها بعضها عن بعض بالقدر الذى يكون به كل منهما جناية مستقلة ، وبوقوعهما فى وقت واحد أو فى فترة من الزمن قصيرة بحيث يصح القول بأنهما لتقارب الأوقات التى وقعت فيها مرتبط بعضها ببعض من جهة الظرف الزمنى ( نقض 19 مارس سنة 1945 فى القضية 680سنة 15 القضائية ) .
وليس بلازم أيضاً أن يتحد مكان وقوع الجنايتين ، فقد يقع القتل فى مكان غير مكان وقوع الجناية الأخرى ، فما دامت الجنايتان متتابعتين تربطهما رابطة الزمن ووحدته فالنص واجب التطبيق .
إ ولكن يشترط أن يكون الفعل الثانى المتصل بالقتل جناية ، ولا يهم أن تكون جناية من نوع معين ، فقد تكون الجناية الأخرى من نوع الجناية الأولى أى قتلاً، أو شروعا فى قتل . ويلاحظ أن المادة 234 فقرة ثانية جعلت القتل هو الجريمة الأساسية أو الأصيلة فاذا وقعت تامه عوقب الجانى بالعقوبة التى فرضها الشارع فى تلك الفقرة ، وهى الاعدام حتى ولو كانت الجناية الأخرى التبعية شروعاً ، لأن الشارع جعلها ظرفاً مشدداً للقتل فقط ، وإذا كانت الجناية الأصلية شروعاً فى قتل وجب فى هذه الحالة تطبيق المادة 46ع .
ويجب أن تكون كل من الجنايتين بفعل مستقل ، ولو وقعتا من جان واحد ، فاذا كان الفعل المادى واحداً تعددت نتائجه فلا تنطبق الفقرة الثانية المذكورة ، كاطلاق عيار نارى واحد يصيب شخصين ويقتلهما ، فهذه صورة من صور التعدد المعنوى الذى بين الشارع حكمه فى المادة 32/1ع . أما الفقرة الثانية من المادة 234 ع فقد شددت العقاب فى جناية القتل العمد إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ، وتناولت جميع الأحوال - كما تقول محكمة النقض - التى يرتكب فيها الجانى علاوة على القتل أى فعل آخر مستقل ومتميز عنه ، ويكون فى ذاته جناية أخرى مرتبطة مع جناية القتل برابطة الزمن حتى لو كان هذان الفعلان قد ارتكبا أثناء مشاجرة واحدة أو لغرض واحد أو بناء على تصميم جنائى واحد أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة ، إذ العبرة بتعدد الفعلين وبتمييز أحدهما عن الآخر بالقدر الذى يكون به كل منهما جناية مستقلة ( نقض 30/10/1939 المجموعة الرسمية س 1941 رقم 94) .
إ ولتقدير مسئولية الجانى أو الجناة يجب أن يكون استقلال كل من القتل والجناية الأخرى تاما ، فلا تشترك الجناية الأخرى مع القتل فى عنصر من عناصره أو ظرف من ظروفه ، مثال ذلك القتل الواقع من أحد اللصوص المسلحين على حارس مخزن ، بعد أن ارتكبوا أيضاً جناية سرقة من ذلك المخزن ليلاً ، هذه الواقعة تضم جنايتين مستقلتين : الأولى جناية القتل العمد ، والثانية جناية السرقة ليلاً من أكثر من شخصين يحملون سلاحاً ( م316) وتعتبر جناية السرقة ظرفاً مشدداً للقتل يوجب تطبيق المادة 234 فقرة ثانية من قانون العقوبات ، لأن مقومات جناية السرقة وعناصرها غير متداخلة ولا مشتركة مع عناصر القتل ، أما إذا كان الجانى شخصاً واحداً يحمل سلاحاً ، وقتل الحارس للتمكن من السرقة ، أو للفرار بما سرق فقتل المجنى عليه فى هذه الظروف يؤثر فى جريمة السرقة فتوصف قانوناً بأنها سرقة بالاكراه ، ولكن ظرف الاكراه المشدد للسرقة هو فعل القتل نفسه ، وبهذا النظر تكون جناية القتل مشتركة مع جناية السرقة فى الظرف المشدد ، أو بعبارة أخرى يكون الفعل المادى فى جناية القتل ، هو الظرف المشدد فى جناية السرقة بالاكراه ، وإنه وإن جاز تكييف كل من الفعلين بوصف الجناية ، إلا أنه عند توقيع العقاب يجب الفصل بينهما واعتبار السرقة مجردة عن ظرف الاكراه ، ويكون الجانى مستحق لعقوبة الجناية المرتبطة بالجنحة طبقاً لنص المادة 234 فقرة ثالثة ، وهذا الحل هو الذى يستقيم مع غرض الشارع من أن يكون مع القتل فعل آخر مستقل يوصف بذاته بأنه جناية ، وهو أيضاً ما يتفق مع العدالة فلا يحاسب الجانى عن فعل القتل مرتين ، مرة باعتباره جناية ، ومرة باعتبار هذا الفعل بنفسه ظرفاً مشدداً لجناية أخرى . وقد كانت محكمة النقض والإبرام تعتبر هذه الحالة مما يدخل تحت نص الفقرة الثانية ولكنها فى سنة 1942 أصدرت حكماً هاماً أقرت فيه وجوب التمييز بين كــل من الفعلين عند تقدير المــسئولية فقالت " أنه إذا كانت الواقعة التى أثبتها الحكم المطعون فيه يصح قانوناً وصفها بأنها جناية سرقة باكراه ، ولو أن الإكراه لم يقع بفعل آخر غير القتل ، فكل من جنايتى القتل والسرقة بالاكراه يمكن تصور قيامه إذا ما نظر إليه مستقلاً عن الآخر ، ولكن إذا نظر إليهما معا يبين أن هناك عاملا مشتركا بينهما ، هو فعل الاعتداء الذى وقع على المجنى عليه ، فانه يكون جريمة القتل ، ويكون فى الوقت ذاته ركن الإكراه فى السرقة ، والقانون عندما غلظ العقوبة فى الفقرة الثانية من المادة 234 ع أراد بداهة أن تكون الجناية الأخرى مكونة من فعل مستقل متميز عن فعل القتل وأن لا تكون مشتركة مع القتل فى أى عنصر من عناصرها ، ولا أى ظرف من ظروفها التى يعتبرها القانون عاملا مشدداً للعقاب ، فإذا كان القانون لم يعتبرها جناية إلا بناء على ظرف مشدد وكان هذا الظرف هو المكون لجناية القتل العمد ، وجب فى مقام توقيع العقاب على المتهم أن ينظر إليها مجردة عن هذا الظرف ، ووجب على المحكمة أن تطبق الفقرة الثالثة من المادة 234 لأن السرقة إذا جردت من الإكراه صارت جنحة . ( نقض 23/11/1942 المجموعة الرسمية س43 رقم 98 ) وظاهر من هذا الحكم أن اعتبار جريمة السرقة جناية من حيث وصفها صحيح قانوناً ، غير أنه عند تقدير المسئولية وتوقيع العقوبة يجب أن تنظر المحكمة إلى السرقة وهى الجريمة التبعية ، نظرة مستقلة وتستبعد منها هذا العنصر المشترك .
ومما يتفرع على هذه القاعدة أنه إذا كان الإكراه فى السرقة وقع على أكثر من شخص واحد فى سبيل سلب أموالهم وأن الجانى قتل أو شرع فى قتل أحد المجنى عليهم وضرب غيره فمع استبعاد عنصر الاكراه فى الجريمتين وهو فعل القتل أو الشروع فيه ، تظل مع ذلك جريمة السرقة جناية بالنظر إلى امتداد الإكراه إلى غير من قتل أو شرع فى قتله ويجب تطبيق الفقرة الثانية من المادة 234 .
إ وجناية القتل هى الجناية الأصلية عند تطبيق الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات ، وما الجناية الأخرى إلا ظرف مشدد للقتل ولعقوبته ، هذا عند النظر إليهما معاً وقيام القتل إلى جانب الجناية الأخرى ، ولكن إذا حفظت جناية القتل لعدم قيام الدليل عليها أو لوقوعها دفاعاً عن النفس أو المال ، أو قضى فيها بالبراءة ، فعند ذلك تصبح الجناية الأخرى جريمة قائمة بذاتها بعد أن كانت ظرفاً مشدداً للقتل ، ويسأل المتهم عن تلك الجناية الأخرى كما إذا كان قد ارتكبها منفردة .
إ ولا يمنع من تطبيق الفقرة الثانية من المادة 234 ع ، حصول القتل مع سبق الإصرار أو الترصد ، لأنه ليس هناك ما يحول دون وجود ظرفين مشددين فى وقت واحد ، أحدهما اقتران القتل بظرف سبق الاصرار، والآخر اقتران القتل بجناية أخرى أو ارتباطه بجنحة .
إنما الذى يمتنع قانونا هو توقيع عقوبتين على أساس أن المتهم ارتكب القتل بسبق الإصرار وارتكب معه جناية أخرى غير مرتبطة به ، لا يصح ذلك لأن مجرد اقتران القتل بالجناية الأخرى يقتضى توقيع عقوبة واحدة على مقتضى الظرف المشدد المنصوص عليه فى المادة 234/2 ، وعلى ذلك فاذا وقعت من المتهم جريمة قتل مع سبق الاصرار والترصد وتلتها جريمة قتل أخرى من غير سبق اصرار ولا ترصد فمن الخطأ فى تطبيق القانون توقيع عقوبة عن كل واقعة من الواقعتين ( نقض 9/1/1939 مجموعة القواعد القانونية جزء 4 رقم 326 ) .
ويلاحظ أن المحكمة إذا رأت أن القتل والجريمة الأخرى قد وقعا لغرض واحد وطبقت المادة 32 وعاقبت المتهمين بعقوبة الجريمة الأشد وهى القتل العمد مع سبق الإصرار، فسواء أكانت الجريمة الأخرى جناية أو جنحة فإن ذلك لا يؤثر فى سلامة الحكم ، لأن المحكمة لم توقع عقوبة خاصة على الجريمة الأخرى وإنما وقعتها على القتل مع سبق الإصرار ( نقض 24/10/1928 المجموعة الرسمية س40 رقم 32 ) .
على أن الحالة التى يرتكب فيها القتل مع سبق الإصرار مقترنا بجناية أخرى مرتبطا بجنحة هى من الأحوال النادرة الوقوع ، وإذا وقعت ، فإن العقوبة المفروضة لا تختلف ، فالشارع فرض للقتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد عقوبة الإعدام ، كما نص على هذه العقوبة أيضاً فى المادة 234 ع بفقرتيها الأخيرتين ، فالخلاف فى التكييف القانونى للوقائع ، الذى يدعو اليه اقتصار نص المادة 234 ع على القتل العمد من غير سبق إصرار ولا ترصد ، هذا الخلاف فى التكييف ؛ تتضاءل أهميته عند النظر إلى العقاب الجائز توقيعه قانوناً .
وعقوبة القتل المتصل بجناية أخرى هى الاعدام فاذا كان شروعاً وجب تطبيق المادة 46 ع مع المادة 234/2 .
========================================
2ـ ارتباط القتل بجنحة
========================================
2ـ ارتباط القتل بجنحة (3)
اعتبر القانون فى الفقرة الثالثة من المادة 234ع ، ارتكاب القتل لتسهيل ارتكاب جنحة ، أو التأهب لفعلها ، أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة ، اعتبر القتل لأحد هذه المقاصد ظرفا مشدداً يستلزم تغليظ العقوبة فتصل إلى الاعدام أو السجن المؤبد على التخيير بينهما .
ولا يكتفى القانون فى هذه الأحوال بالرابطة الزمنية كما فى الفقرة الثانية ، وإنما يستلزم دائماً رابطة السببية ، أى رابطة السبب بالنتيجة ، بأن يكون القتل ، وهو الجناية الأصلية سبباً لنتيجة ، هى ارتكاب الجنحة التبعية ، أو الهرب بعد ارتكابها أو التخلص من العقوبة ، وفعل القتل فى هذه الحالة وإن كان سبباً إلا أنه الفعل الأصيل الذى يتوسل به إلى فعل الجنحة ، ولذلك ليس من الضرورى لتطبيق الفقرة الثالثة حصول القتل والجنحة فى مكان واحد أو زمان واحد ، فالشارع اعتبر الباعث على القتل وأخذ به فى تشديد العقاب ، فقد يقتل الجانى حارس المنزل فى يوم ليرتكب جنحة السرقة فى يوم آخر، ولذلك يجب أن يقوم الدليل على أن الجانى كان غرضه من القتل ارتكاب الجنحة أو الهرب ، فلو أن القتل ارتكب للانتقام والثأر ثم بدا للجانى بعد أن قتل عدوه أن يجرده من نقوده ، لما كانت هناك رابطة بين القتل والسرقة ، أو كما قال جارسون إن السرقة لم تكن هى الباعث الذى حرك يد الجانى للقتل .
إ وجناية القتل فى هذه الأحوال هى الجناية الأصلية التى يهدف الجانى منها إلى تسهيل ارتكاب الجنحة أو الهرب بعد ارتكابها والتخلص من العقوبة ، فلا تنطبق الفقرة الثالثة إذا كانت الجنحة هى التى مهدت لارتكاب القتل أو اتخذ منها وسيلة لازهاق الروح ، فحمل السلاح وان كان جنحة بذاته ، لا يعتبر ظرفاً مشدداً للقتل اذا وقع بهذا السلاح المحظور حمله ، ذلك بأن القانون يشترط أن يكون الغرض من القتل ارتكاب جنحة ... الخ لا أن يكون الغرض من الجنحة ارتكاب القتل .
إ ولم يشترط القانون كون الجنحة من نوع معين ، فكل فعل اعتبره الشارع جنحة يعتبر ظرفاً مشدداً للقتل الذى قصد منه إتيان تلك الجنحة أو الهرب بعد ارتكابها ، سواء كانت الجنحة من الجرائم المقصودة أو غير المقصودة ، فمن يرتكب جنحة إصابة خطأ ، ثم يطلق النار على رجل البوليس الذى أراد ضبطه بعد ارتكاب فعلته قصداً للهرب يعاقب طبقاً للمادة 234/3ع .
إوقد يبدو من ظاهر عبارة الفقرة الثالثة أن مرتكب القتل يجب أن يكون غير مرتكب الجنحة ، ولكن مما لا نزاع فيه أن النص يتناول أيضاً حالة ما إذا وقعت الجناية والجنحة من شخص واحد ، كمرتكب القتل للهرب بنفسه من جنحة سرقة شرع فى ارتكابها أو أتم ارتكابها فعلا ( نقض 22 /4/1935 المجموعة الرسمية 36 رقم 204 ) .
إ وليس من الضرورى أن ترتكب الجناية والجنحة فى مكان وزمان واحد ، فالفقرة الثالثة تطبق إذا ارتكب القتل مستقلا عن الجنحة ، كل منهما فى مكان غير مكان الجريمة الأخرى ، وفى تاريخ غير تاريخها فيعاقب الجانى بالعقوبة المشددة لو أنه ارتكب القتل فى يوم ما ، تمهيداً لجنحة ارتكبها بعد أسبوع مثلا ، وكذلك الجانى الذى ارتكب جنحة وفر ، وبعد أيام صادفه أحد رجال البوليس الذى كلف بضبطه فقتله للهرب بنفسه .
إ ولكن ما الحكم إذا كان القتل قد ارتكب بقصد تسهيل ارتكاب جناية أخرى أو ارتكابها بالفعل ؟ أو بعباة أخرى ما الحكم إذا كان القتل سبباً لجناية أخرى ؟ فقد رأينا أن الفقرة الثانية لا تشترط إلا رابطة الزمنية ، فلو ان الجانى ارتكب القتل فى يوم 31 يناير مثلا حتى يتمكن من ارتكاب جناية سرقة أو حريق وقعت بعد القتل بعشرة أيام ، فظاهر عبارة الفقرة الثانية لا يتناول هذا الجانى بالتشديد ، ولكن رغم صمت النص ، فلا خلاف بين الشراح فى وجوب تشديد العقاب فى هذه الحالة من باب أولى وإلا لأفضى التفسير الحرفى للنص إلى نتيجة غير معقولة ولا مقبولة ، ذلك بأن من يرتكب القتل تسهيلا لارتكاب جنحة تشدد عقوبته ، دون من يرتكبه تسهيلا لجناية تقع منه بعد ذلك ، مع ان إجرام الأول اخف من إجرام الثانى ، وتكون عقوبة القاتل تأهباً للسرقة البسيطة ، أغلظ من عقوبة القاتل تسهيلا لارتكاب سرقة بإكراه ، وهى نتيجة ينبو عنها المنطق والعقل .
وقد كانت المادة 213 من قانون العقوبات الصادر سنة 1883 تنص على " ارتكاب القتل إذا كان القصد منه التأهب لفعل جناية أو جنحة ... إلخ " فلما عدل قانون العقوبات سنة 1904 حذفت كلمة " جناية " حتى لا يقع الخلط بين أحكام الفقرتين الثانية والثالثة ، وما كان هناك موجب لهذا الحذف ، لتباين الحالتين اللتين تناولتهما الفقرتين الثانية والثالثة تبايناً ظاهراً ، وقد وقع الشارع الفرنسى من قبل فى الخطأ الذى وقع فيه المشرع المصرى ، على أن الرأى مستقر فقهاً وقضاء على وجوب تشديد العقاب .
(1) ، (2) ، (3) : محمود إبراهيم إسماعيل ، مرجع سابق ، ص 52 وما بعدها .
========================================
ملاحظات عن اتصال القتل بجناية أخرى أو ارتباطه بجنحة
========================================
بعض ملاحظات عن اتصال القتل بجناية أخرى أو ارتباطه بجنحة (4):
1ـ عرفنا أن تشديد العقاب طبقا لنص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 234ع ، هو استثناء من قاعدة تعدد الجرائم والعقوبات التى وضعها الشارع فى المادتين 32/2 و 33 ، والتى تقتضى الحكم بعقوبة الجريمة الأشد عند ارتكاب عدة جرائم لغرض واحد ، وتعدد العقوبات بتعدد الجرائم عند ارتكابها دون وجود الرابطة بينها ، وهذا الاستثناء يوجب أن تكون الجريمة التبعية - جناية أو جنحة - مستقلة ومتميزة عن جناية القتل ، فإذا كان الفعل الاجرامى واحداً فلا يشدد العقاب ، وإنما تطبق أحكام الفقرة الأولى من المادة 32 التى تتناول حالة التعدد المعنوى كاطلاق عيار نارى واحد عمداً فينشأ عنه قتل شخصين .
2ـ وقد اختلف فى شأن القتل الذى يقترن بجناية أخرى أو جنحة تقعان من شخص واحد أثناء مشاجرة بين عدة أفراد ، يرى بعض الشراح أن هذه الجرائم كلها تعتبر بمثابة اندفاع فى فعل الاعتداء أو تكرار له أدى لنتائج مختلفة لوقوعه على أكثر من شخص واحد ، فهى غير منفصلة من حيث ارتكابها وإن كانت منفصلة من حيث آثارها . فيجب النظراليها على أنها سلسلة من الاعتداء متصلة الحلقات ، ولكن محكمة النقض الفرنسية ، فى بعض أحكامها ، اعتبرت هذه الجرائم متصلة بالقتل ووقعت معه وشددت العقاب طبقا للمادة 304 ع ف . ويرى جارسون أن هذا الخلاف لا ثمرة له إذا كانت الجريمة الأخرى التى تتصل بالقتل جناية ، إذ يكفى تعاصر الجريمتين وقيام رابطة الزمنية ، كارتكاب القتل مع جناية قتل أخرى أو شروع فيه ، أو مع جناية ضرب أفضى إلى الموت ، أو مع جناية عاهة مستديمة ، أما إذا كانت الجريمة الأخرى جنحة ، فلا بد طبقا لنص القانون من وجود رابطة سببية بين القتل وتلك الجنحة الأخرى ، وهذه الرابطة قلما لا تتوفر فى المشاجرات ورأى الأستاذ جارسون على التفصيل الذى بينه ، أقرب إلى الدقة وأكثر مسايرة لروح القانون .
3ـ ومعنى استقلال الجريمة عن القتل ، هو أن تكون مستكملة لعناصرها القانونية وشروطها لأن الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 234 ع تشيران إلى تعدد الجرائم بوصف خاص هو أن تكون مقارفة القتل قد اصطحبت بجناية أو جنحة أخرى ، وأن تكون هذه الجريمة الأخرى قائمة قانونا ومستوجبة للعقاب حتى يصح وصفها بوصف الجناية أو يوصف الجنحة طبقا للقانون ، وحتى يسوغ تشديد العقوبة على القتل عند تقدير مسئولية الجانى فى تلك الأحوال .
فإذا كانت الجنحة أو الجنابة لاعقاب عليها ، لعدم توفر ركن من أركانها ، أو لأن القانون لا يعاقب على الجريمة لسبب مانع من العقاب ، أو مبيح للفعل ، فلا تظهر حكمة لتشديد العقاب على القتل الذى يتركز فيه وحده إجرام الجانى .
4ـ وكذلك لا يعتبر مجرد العزم على ارتكاب الجريمة الأخرى ، ظرفاً مشدداً ، لأن النص صريح فى أن يكون الفعل الآخر جناية أو جنحة ، فيجب على الأقل أن يصل الفعل إلى حد الشروع المعاقب عليه ، هذا هو الرأى الراجح الذى استقر عليه القضاء الفرنسى وأكثر الشراح على أن بعض الشراح يرى أن قول الشارع فى عبارة المادة " التأهب لفعل جنحة " يجيز التشديد ولو لم يصل نشاط الجانى فى الجريمة الأخرى إلى البدء فى التنفيذ . وهذا الرأى غير وجيه ، لأن الفعل لا يوصف بأنه جريمة فى القانون إلا إذا استتم وجوده ، أو كان شروعاً معاقباً عليه على الأقل ، فالنية وحدها لا عقاب عليها لصعوبة إثباتها دون عمل خارجى يدل عليها ، ولا يمكن استخلاص جريمة من مجرد العزم على ارتكابها أو التأهب له ، إذ تكون الجريمة وقتئذ ما تزال بعيدة عن متناول حكم القانون ، ولا أثر لها فى الوجود ، ولا يصح اعتبار جريمة لا وجود لها قانونا علة للتشديد.
وإذا كانت الجريمة المتصلة بالقتل جنحة بدئ فى تنفيذها ، والقانون لا يعاقب على الشروع فيها ، فلا يعتبر هذا البدء فى التنفيذ جريمة تسوغ تشديد عقوبة القتل ، لأن مثال هذا البدء لا يعتبره القانون جريمة ولا يعاقب عليه .
5ـ ولما كانت الجنحة التى ارتكبت مع القتل هى ظرف مشدد له باعتبار القتل هو الجريمة الأصلية كان القتل الذى قصد منه ارتكاب جنحة أو الفرار بعد ارتكابها إلخ ، منضما إلى تلك الجنحة مكونا وحدة جنائية ، اعتبرها القانون صورة مشددة من صور القتل ، غلظ العقاب فيها بنص المادة 234/3ع فلو سقطت الجنحة بمضى المدة القانونية لبقى القتل معاقبا عليه بالعقوبة المشددة ، لأن القتل قد لحق به الظرف المشدد بمجرد وقوعه مع الجنحة ، ويجب لذلك احتساب التقادم على أساس المدة المقررة لجناية القتل دون المدة المقررة للجنحة ، إذ ليست الجنحة سوى ظرف مشدد للقتل فى هذه الحالة .