انعقاد العقد الإلكتروني
 
العقد الإلكتروني لا يختلف عن العقد العادي في أركان انعقاده وشروط صحته والأثر المترتب عليه من حيث المسئولية وإنما يختلف عنه في الوسيلة التي يتم بها إبرامه إذ يكتسب الطابع الإلكتروني من الطريقة التي ينعقد بها فينعقد بتلاقي الإيجاب بالقبول بفضل التواصل بين المتعاقدين بوسيلة مرئية مسموعة عبر شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد، ومتى كان العقد الإلكتروني لا يعدو أن يكون عقداً عادياً لا يختلف عنه إلا في الطريقة التي ينعقد بها عبر وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت فإنه يلزم أن نعرض للتنظيم الذي وضعه المشرع للعقد العادي حيث صدر المرسوم رقم 67 لسنة 1980 بإصدار القانون المدني الكويتي ونص في المادة 31 منه على إن العقد هو (ارتباط الإيجاب بالقبول على إحداث أثر يرتبه القانون) ونص في المادة 32 منه على أن( ينعقد العقد بمجرد ارتباط الإيجاب بالقبول إذا ورد على محل واستند إلى سبب معتبرين قانوناً، وذلك دون إخلال بما يتطلبه القانون، في حالات خاصة ، من أوضاع معينة لانعقاد العقد).
فعلى ذلك فالعقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني ، فالرضا أو التراضي هي قوام العقد، والتراضي ينصرف إلى إنشاء الالتزام وكل التزام لابد أن يكون له من محل وسبب وهذا هو العقد التقليدي وفقا للنظرية العامة للالتزام .
وإذا كان العقد الإلكتروني يخضع في تنظيمه للقواعد والأحكام العامة التي تنظمها النظرية العامة للعقد بوجه عام ولكن يختلف بوسيلة إبرامه إذ أنه عقد يُبرم بين غائبين عن بُعد باستخدام وسائط إلكترونية حديثة.
ولذلك يلزم التعرف على العقد العادي من حيث أركان انعقاده وشروط صحته وفقاً للتنظيم الذي وضعه المشرع الكويتي ومن خلال ذلك نعرض للطبيعة الخاصة للعقد الإلكتروني طبقاً للترتيب الآتي:
المبحث الأول: توافر الرضا.
المبحث الثاني: المحل في العقد الإلكتروني.
المبحث الثالث: السبب في العقد الإلكتروني.
 
المطلب الأول
الإيــــجـــــاب
الإيجاب: هو تعبير عن إرادة المتعاقد ، يدل بصورة قاطعة على أنه يقبل التعاقد وفقا لشروط معينة ، وهذا ما عرَّفته المادة 39 من القانون المدني الكويتي بقولها:
 (يعتبر إيجاباً العرض الذي يتضمن عزم صاحبه على إبرام العقد بمجرد أن يقبله الموجب له، ويلزم أن يتضمن على الأقل طبيعة العقد المراد إبرامه وشروطه الأساسية). وقد عرفته محكمة النقض المصرية بقولها (عرض يعبر به الشخص على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين)، ولذلك يجب لاعتبار التعبير عن الإرادة إيجابا أن يكون دالا على إرادة نهائية وأن يتضمن جميع العناصر الأساسية للعقد.
وقد وضعت اتفاقية فيينا لعام 1980 بشأن النقل الدولي للبضائع في المادة (14/1) معيارا لتحديد الإيجاب فنصت على أن الإيجاب (يكون محددا بشكل كافٍ إذا تعينت فيه البضائع محل البيع وتحددت كميتها وثمنها صراحة أو ضمنا ، أو إذا كانت ممكنة التحديد حسب البيانات التي تضمنتها صيغة الإيجاب).
هذا بالنسبة للإيجاب وفقاً لمعناه التقليدي أما بالنسبة لتعريف الإيجاب بشأن العقد الإلكتروني فقد عرفه التوجه الأوروبي الصادر في 20/5/1997م (إنه كل اتصال عن بعد يتضمن كافة العناصر اللازمة لتمكين المرسل إليه من أن يقبل التعاقد مباشرة ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان).
ولفظ إلكتروني إذا ما أضيف إلى الإيجاب فلا يؤثر في معناه المذكور شيء وفقا  للنظرية العامة للالتزامات ، فالمسألة مجرد وصف لا أكثر بسبب اختلاف وسيلة التعبير عن الإرادة، فالتعبير في العقد الإلكتروني يتجسد في وسائل الاتصال الحديثة عن طريق الحاسب الآلي، يظهر التعبير عن الإرادة على شاشة هذا الحاسب وقد يتم التعبير عن الإرادة إلكترونيا عن طريق البريد الإلكتروني أو عن طريق موقع انترنت أو عن طريق المحادثة.(1)
أولاً: الإيجاب عبر البريد الإلكتروني: ويهدف الإيجاب الذي يتم عبر البريد الإلكتروني أن يكون العرض لأشخاص محددين وذلك في حالة إذا ما رغب التاجر في أن يخصص الإيجاب لأشخاص الذي يرى إنهم قد يهتمون بمنتجه دون غيرهم من أفراد الجمهور، ويلاحظ أن الإيجاب إما أن يكون موجه لشخص واحد فقط أو موجه لعدة أشخاص، وأن الإيجاب الموجه لشخص واحد هو إيجاب غير ملزم إلا إذا كان الإيجاب خلال مدة معينة يلتزم من خلاله الموجب بالبقاء على إيجابه طوال تلك المدة، وفي حالة الإيجاب غير الملزم يمكن رفضه عبر البريد الإلكتروني إذا قام الموجب له بإغلاق جهاز الحاسب الآلي أو انتقل إلى موقع آخر غير موقع الموجب.
أما إذا كان الإيجاب موجه لعدة أشخاص فإنه يكون عند الشك مجرد دعوة إلى التفاوض أو التعاقد ولا يكون إيجاباً استنادا إلى أن النشر أو الإعلان أو بيان الأسعار الجاري التعامل بها أو بطلبات موجه للجمهور فلا يعتبر عند الشك إيجاباً، ولكن يكون دعوة إلى التعاقد(1).
ثانياً: الإيجاب الذي يتم عبر صفحات الويب web:
وهذا النوع من الإيجاب لا يختلف كثيرا عن الإيجاب الصادر من الصحف أو عبر التلفاز وذلك لأنه إيجاباً مستمراً على مدار الساعة، وأن هذا الإيجاب يكون في الأغلب موجه إلى الجمهور وليس إلى فرد معين، وذلك إن الإيجاب الصادر عبر صفحات الويب لا يكون محدداً بزمن وإن كان محددا بنفاذ الكمية أو مدة معقولة كما في الإيجاب التقليدي ليس إلا وفي مثل هذه الحالة يكون الإيجاب كاملاً إذا استكمل شروطه العامة(2).
 
ثالثاً: الإيجاب عبر المحادثة أو المشاهدة:
وهنا يستطيع المتعامل على شبكة الإنترنت أن يرى المتصل معه على شاشة الحاسب الآلي، وأن يتحدث معه وذلك عن طريق كاميرا بجهاز الكمبيوتر لدى كل من الطرفين، ويتصور في هذه الحالة أن يصدر من أحد الطرفين إيجابا يصادفه قبولاً من الطرف الآخر وهنا ينعقد العقد بناء على تلاقي الإيجاب والقبول وتكون أمام تعاقد بين حاضرين حكما (3).
والواقع أن صدور الإيجاب الإلكتروني ينبغي أن تسبقه مراحل تفاوضية قبل إتمام التعاقد  ، وبما أن الإيجاب الإلكتروني يكون إيجابا عن بعد فان العقد الذي ينتهي إليه يكون عقدا مبرما عن بعد إضافة إلى انه غالبا ما يكون موجها من تاجر مهني إلى طائفة المستهلكين لذلك فهو يخضع للقواعد الخاصة بحماية المستهلك التي تفرض على التاجر أو المتعاقد المهني العديد من الالتزامات والواجبات تجاه المستهلك ويأتي في مقدمتها تحديد هوية البائع وعنوانه وتحديد الشيء المبيع أو الخدمة المقدمة وأوصافها والسعر المقابل لها وطريقة الدفع أو السداد وخيار المستهلك في الرجوع إلى التعاقد في خلال المدة المحددة قانوناً، وإعادة إخطار المستهلك بالمعلومات السابقة في خلال مدة لا تتجاوز إعادة تسليم ، ومدة الضمان وخدمة ما بعد البيع .
ويتميز الإيجاب الإلكتروني الذي يتم عبر الانترنت بوجود وسيط بعرض الإيجاب ونشره نيابة عن الموجب ولهذا السبب فان الإيجاب لا يكون فاعلا لمجرد صدوره وإنما بعرضه على الموقع إذ بهذا العرض يتحقق الوجود القانوني المؤثر للإيجاب ويكون صالحاً لترتيب آثاره.
كما أن الإيجاب الإلكتروني يختفي بمجرد سحبه من موقع عرضه إذ في هذه الحالة ينعدم أثره القانوني ولا يصبح له وجود يعتد به .لأنه لن يكون متاحا للجمهور في هذه الحالة .(1)
ويلاحظ أنه غالباً ما يتم الإعلان عن السلع والخدمات عن طريق الإنترنت ويمكن تعريف الإعلان بأنه (كل شكل من أشكال الاتصال في إطار نشاط تجاري أو صناعي أو فني بهدف الدعاية لتوريد أشياء أو خدمات).
واختلفت الآراء حول الحد الفاصل بين الإيجاب والإعلان فيرى أصحاب هذا الرأي أن الإعلان لا يعتبر إيجاباً وإنما دعوة إلى التعاقد وذلك بسبب عدم تعيين الشخص المقصود بالإيجاب فضلا عما يحمله هذا النوع من ضغط معنوي على المستهلك وتحريض له على شراء سلع غير ضرورية.
أما الرأي الأخرى فيعتبر الإعلان الموجه للجمهور عبر الإنترنت إيجاباً (2)، ونحن نميل لأصحاب الرأي الثاني طالما أنه قد تضمن العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه كأن يتضمن تحديداً للسلعة أو الخدمة تحديداً نافيا للجهالة ويتم أيضا تحديد الثمن أما إذا لم يتضمن الإعلان ذلك فإنه لا يـعد وأن يكون مجـرد دعــوة للتعاقد.
 
 
المطلب الثاني
الــقــبــــــول
القبول : هو تعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب يفيد موافقته على الإيجاب ويؤدي القبول إلى إتمام العقد متى وصل إلى علم الموجب وكان الإيجاب لا يزال قائما أي لم يكن قد سقط لسبب من الأسباب كموت الموجب أو الموجب له أو بفقد أحدهما الأهلية وهذا ما أكدته المادة 42 من القانون المدني الكويتي بقولها: (يسقط الإيجاب بموت الموجب أو الموجب له أو بفقد أحدهما الأهلية).
والقبول الإلكتروني يتوافق مضمونه مع المعنى السابق كل ما في الأمر أنه يتم من خلال وسيط إلكتروني(1)  ويصدر في الغالب الراجح من المستهلك ويتم عن بعد. وإذا كان القبول العادي قد يكون صريحاً أو ضمنياً، فإن القبول الإلكتروني لا يكون إلا صريحاً سواء باستعمال لفظ صريح ومباشر يدل على المعنى المقصود ويتم إما عن طريق اتصال تليفوني عبر الإنترنت أو عن طريق المحادثة الكتابية MIRC أو عن طريق البريد الإلكتروني وقت أن يعد المستهلك قبوله في شكل رسالة بريدية من خلال أحد برامج البريد الإلكتروني ويتم كتابة مضمون القبول في سطر الموضوع، ثم مجرد الضغط على زر الإرسال لتوجيه الرسالة إلى القائمة البريدية الإلكترونية الخاصة بالمحترف المهني(2).
كما أن السكوت واتخاذ موقف سلبي لا يدل على إرادة معينة يعتبر قبولا إذا لابسته ظروف معينة تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر ردا على إيجابه(3). وهذا ما نصت عليه المادة 44 من القانون المدني الكويتي بقولها : ( 1-لا ينسب لساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان يعتبر قبولا 2- ويعتبر السكوت قبولا بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واقتصر الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا كان الإيجاب محض منفعة الموجب له وكذلك يعتبر سكوت المشتري بعد تسلمه لبضاعة التي اشتراها وقائمة الثمن قبولا لما ورد في هذه القائمة من شروط) .
ولذلك يظهر لنا سؤال هل يصح السكوت الملابس للتعبير عن القبول الإلكتروني؟
رأى قال: أن سكوت أحد المتعاقدين في التعامل السابق بينهما عبر الإنترنت يمكن أن نستنتج منه القبول شأنه في ذلك شأن القبول التقليدي. ويرى جانب آخر من الفقه أن السكوت لا يصلح للتعبير عن القبول الإلكتروني ولذلك فإن من يتسلم رسالة إلكترونية عبر الإنترنت تتضمن إيجاباً وينص فيها على أنه إذا لم يرد على هذا العرض خلال مدة معينة اعتبر ذلك قبولاً.(1)
وفي تقديرنا أنه من الصعوبة بمكان اعتبار السكوت الملابس تعبيراً عن القبول في التعاقد عبر الإنترنت تطبيقاً لنص المادة 44 من القانون المدني إذ أن سهولة إرسال الإيجاب عبر الإنترنت سواء أكان ذلك بواسطة صفحات الويب أو بواسطة البريد الإلكتروني قد يؤدي إلى فرض التعاقد على الشخص الذي اعتاد التعامل مع متجر افتراضي عبر الشبكة وذلك بمجرد إرسال التاجر على سبيل المثال لرسالة إلكترونية وعدم الرد عليها خلال مدة معينة بمثابة القبول لما جاء فيها من إيجاب فظروف التعامل السابق لا يكفي بنظرنا لاعتباره من قبيل السكوت الملابس في التعاقد عبر الإنترنت.
متى استكمل الإيجاب شروطه ووافقه قبول مكتمل انعقد العقد ومعنى التوافق أن يقترن الإيجاب بقبول مطابق له فلابد أن يصدر من أحد أطراف العقد إيجاب ويصدر قبول من الطرف الآخر حتى يتحقق التوافق بين الإرادتين المؤدي إلى انعقاد العقد.
واقتران الإيجاب والقبول له أهمية بالغة في تحديد زمان ومكان انعقاد العقد.
 
 
المطلب الثالث
 مجلس التعاقد الإلكتروني
ويتنوع مجلس العقد إلى نوعين حقيقي وحكمي فبالنسبة للنوع الأول يقصد به (المجلس الذي يجمع المتعاقدين في مكان واحد يسمع كل منهما الآخر بحيث يبدأ بتقديم الإيجاب وينتهي إما بقبول الإيجاب أو برفضه)
أما بالنسبة لمجس العقد الحكمي فهو المجلس الذي يكون فيه أحد المتعاقدين غير حاضراً.
ويتم تحديد الفترة الزمنية لمجلس العقد الإلكتروني على حسب الطريقة التي يتم بها التعاقد(2):
 
 
 
أولاً: التعاقد عن طريق البريد الإلكتروني:
أ- حالة وجود فاصل زمني بين الإيجاب والقبول وفي هذا الحالة لاشك بأن التعاقد يكون بين غائبين زماناً ومكاناً.
ب- حالة الإيجاب والقبول في نفس الوقت، وهذه الحالة تقترب من الهاتف وذلك أن الإيجاب والقبول يكونان في نفس الزمن فلابد من تطبيق التعاقد بين حاضرين زماناً.
ثانياً: التعاقد عبر شبكة المواقع:
في حالة دخول الشخص إلى موقع ما على الشبكة فإنه يمكن له أن يضع إجابة وينتظر فترة من الزمن لتلقي الإجابة وقد يضع إجابة تجاه هذا الموقع ويقوم بتلقي القبول فوراً ففي الحالة الأولى نكون أمام تعاقد بين غائبين وفي الحالة الثانية نكون أمام تعاقد بين حاضرين زماناً.
اختلف الفقه حول طبيعة التعاقد الإلكتروني هل هو عقد بين حاضرين أم عقد بين غائبين (1):
الرأي الأول:
يرى جانب من الفقه أن :التعاقد عبر الإنترنت يعد تعاقداً بين حاضرين حيث ينطبق مفهوم مجلس العقد على كلا العاقدين، إلا إنهما قد انصرفا إلى موضوع التعاقد دون أن يشغلهما عنه شاغل آخر، وكان بينهما اتصال مباشر عبر الإنترنت بحيث يسمع، أو يرى أحدهما الآخر مباشرة حيث لا يكون هناك فاصل زمني بين صدور التعبير عن الإرادة إيجاباً أو قبولاً، ووصوله إلى علم الموجه إليه.
الرأي الثاني:
يرى جانب ثانٍ من الفقه أن: التعاقد عبر الإنترنت يعد تعاقداً بين غائبين؛ لأن التعاقد عن طريق هذه الشبكة قد يكون بالكتابة بين المتعاقدين.
الرأي الثالث:
يرى جانب ثالث من الفقه: أن التعاقد عبر الإنترنت يعتبر تعاقداً بين حاضرين من حيث الزمان، وتعاقداً بين غائبين من حيث المكان، فهو يعتبر تعاقداً بين حاضرين لانعدام الفاصل الزمني بين صدور القبول، وعلم الموجب به؛ ويعتبر تعاقداً بين غائبين من حيث المكان شأنه في ذلك شأن التعاقد بالمراسلة.
 
 
ونرى من جانبنا:
1ـ إذا استخدم الإنترنت بطريقة تتيح نقل الصوت فقط ، فإننا نرى أن التعاقد من خلاله  في هذه الحالة  يعد تعاقداً بين حاضرين من حيث الزمان، وبين غائبين من حيث المكان، شأنه في ذلك شأن التعاقد بالهاتف.
2ـ أما إذا استخدم كوسيلة للكتابة والمراسلة كالبريد الإلكتروني؛ فإنه إذا كان تبادل الرسائل يتم بصورة فورية، بحيث لا يكون هناك فاصل زمني بين الإيجاب والقبول أو كان فاصل  لا يكاد يذكر نظراً لما يخوله البريد الإلكتروني من النقل الفوري للرسائل المتبادلة فإنه أيضاً يعتبر تعاقداً بين حاضرين من حيث الزمان، وغائبين من حيث المكان.
 
 
المطلب الرابع
أهلية إبرام العقد الإلكتروني
نصت المادة 84 من القانون المدني الكويتي على أن (كل شخص أهل للتعاقد ، ما لم يقرر القانون عدم أهليته أو ينقص منها )كما نصت المادة 109 من القانون المدني المصري على ذات المعنى بقولها : ( كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون )  ويعرف الفقهاء الأهلية بأنها  ( صلاحية الشخص لأن تتعلق بذمته حقوق له أو عليه ولأن يباشر بنفسه الأعمال القانونية والقضائية المتعلقة بهذه الحقوق ). ومن هذا يتضح أن الأهلية نوعان : 1- أهلية الوجوب                 
 2- أهلية الأداء .
وأهلية الوجوب: هي صلاحية الشخص لأن تثبت له حقوق وتقرر عليه التزامات وهي ما تعرف بالشخصية القانونية وتثبت هذه الأهلية للشخص بمجرد ولادته حيا والأصل أن جميع الأشخاص متساوون في أهلية الوجوب ولكن القانون يقيد هذه الأهلية استثناءً لبعض الحقوق .
وأهلية الأداء: هي صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية وهي تتأثر بقاعدة عامة بسن الإنسان ودرجة تمييزه ، فإذا كان الأصل أن الإنسان بمجرد ولادته تثبت له أهلية اكتساب الحقوق وتحمل التزامات فانه لا تثبت له أهلية مباشرة التصرفات القانونية ، وتتدرج الأهلية حسب السن  إلى ثلاث مراحل ،وقد نصت المادة 86  من القانون المدني الكويتي على ذلك بقولها :
( 1- أهلية الصغير غير المميز لأداء التصرفات معدومة وتقع كل تصرفاته باطلة 2- وكل من لم يكمل السابعة من عمره يعتبر غير مميز  ) كما نصت المادة 87 من نفس القانون على أن: ( 1- تصرفات الصغير المميز صحيحة إذا كانت نافعة له نفعا محضا ، وباطلة إذا كانت ضارة به ضررا محضا. 2- أما تصرفاته الدائرة في ذاتها بين النفع والضرر فتقع قابلة للإبطال لمصلحته ، ما لم تلحقها الإجازة ممن له ولاية إجرائها عنه ابتداء أو منه هو بعد بلوغه سن الرشد وذلك مع مراعاة ما تقضي به النصوص التالية وغيرها من أحكام القانون . 3- ويعتبر الصغير مميزا من سن التمييز إلى بلوغه سن الرشد ).
*ويتضح من هذه النصوص أن هذه المراحل تكون كالتالي :
المرحلة الأولى: وتبدأ من الولادة حتى السابعة ويكون الشخص فيها عديم التمييز أي عديم الإدراك وبالتالي عديم أهلية الأداء ولا يستطيع أن يباشر أي نوع من الأعمال القانونية سواء كانت نافعة نفع محض أو ضارة ضرر محض أم دائرة بين النفع والضرر.
المرحلة الثانية: وهي تبدأ من سن السابعة وتنتهي ببلوغ سن الرشد وهي ما يطلق عليها مرحلة الصبي المميز وفي هذه المرحلة تكون للشخص أهلية أداء ناقصة بمعنى أن تصرفاته الدائرة بين النفع والضرر تقع قابلة للإبطال لمصلحته ما لا تلحقها الإجازة ممن له ولاية إجرائها عنه أو منه بعد بلوغه سن الرشد ، والمرحلة الثالثة وهي مرحلة بلوغ الشخص إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة فانه يصبح في هذه المرحلة بالغاً رشيداً ويكون أهلا لمباشرة جميع التصرفات القانونية ، واكتمال أهلية الشخص ببلوغه هذه السن يتم بقوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك.(1)
واشتراط أهلية التعاقد في العقد التقليدي أمر من السهل التحقق منه لأنه تعاقد بين حاضرين في مجلس عقد واحد حقيقي حيث يستطيع كل طرف التأكد من شخصية وأهلية الطرف الآخر بواسطة الاطلاع على إثبات شخصيته بالنسبة للشخص الطبيعي والاطلاع على السجل التجاري للشخص المعنوي إذا كان شركة أو مؤسسة تجارية .
أما عن الأهلية في التعاقد الإلكتروني حيث يتم التعاقد عن بعد فانه قد يصعب على أحد طرفي التعاقد التحقق من أهلية المتعاقد الآخر، وقد يترتب على هذا الانفصال المكاني بين أطراف المعاملات الإلكترونية عدم معرفة كافة المعلومات الأساسية عن بعضهما، كما أنه من الممكن أن يكون الموقع الإلكتروني الذي يتعامل معه المتعاقد هو موقع وهمي، فالعقد الإلكتروني يجب لانعقاده صحيحا أن يكون صادراً عن متعاقدين تتوافر فيهما أهلية التعاقد، وهذا ما دفع المختصين في هذا المجال إلى تقديم بعض الحلول والاقتراحات لتلافي هذا العيب ومنها اللجوء إلى سلطات الإشهار التي هي عبارة عن طرف ثالث محايد موثوق فيه من كلا الطرفين بينما يرى البعض الآخر من الفقهاء المختصين أن الحل هو اعتماد نظام قانوني يفيد التحقق من شخصية أطراف العقد الإلكتروني عن طريق أي وسيلة تؤدي إلى التحقق والتأكد من الشخصية، أي أنه يستطيع كل طرف من خلال هذه الوسيلة التأكد من شخصية الطرف الآخر ، ويلاحظ أن تقنين الاستهلاك الفرنسي نص في المادة (12/18) والتوجه الأوربي الصادر في 20 مايو 1997 قررا أنه بالنسبة لكل عرض لبيع منتج أو خدمة عن بعد ، على المورد أن يضمن عرضه بيانات تتعلق بتحديد شخصيته مثل اسم المنشأة وعنوانها والبريد الإلكتروني ، كما ألزم المستهلك بتقديم بيانات التعرف لشخصيته.(1)
إن العقد الإلكتروني كأي عقد آخر يجب لانعقاده انعقاداً صحيحاً أن يكون صادراً عن متعاقدين تتوافر فيهما أهلية التعاقد فإذا أراد أطراف المعاملة وقوع العقد صحيحاً فإنه يتعين عليهم التدقيق في مسألة الأهلية بأي وسيلة متاحة على أن البيانات المطروحة من أحد المتعاقدين عبر شبكة الإنترنت قد لا تكون صحيحة ولا يمكن للمتعاقد في هذه الحالة التحقق من بيانات التعريف بالمتعاقد الآخر وهو ما قد يؤثر بالتأكيد على صحة التعاقد إذا تبين بالفعل عدم توافر أهلية التعاقد لكلا الطرفين أو أحدهما.
 
المطلب الخامس
عيوب الإرادة
يشترط القانون لصحة العقد توافر الأهلية وسلامة الإرادة من العيوب ويقصد بعيوب الإرادة (عيوب الرضاء) هي ما يشوب إرادة الشخص من عيوب فتصبح إرادته غير سليمة حيث أن هذه الإرادة لم تصدر عن إرادة حرة ومختارة وعيوب الإرادة التي نظمها القانون أربعة هي (الغلط، التدليس، الإكراه، الاستغلال) بالإضافة إلى ذلك هناك عيب الغبن . بيد أن عيب الاستغلال ليس له صدى في مجال العقد الإلكتروني ويخضع للقواعد العامة وهذا ما سنوضحه في الفروع الآتية:
الفرع الأول: الغلط.
الفرع الثاني: التدليس.
الفرع الثالث: الإكراه.
الفرع الرابع: الغبن.
 
 
الفرع الأول : الغلط :
الغلط: هو وهم يقوم في ذهن الشخص فيصور له الأمر على غير حقيقته فهو عدم توافق بين الإرادة الباطنة لشخص المتعاقد والإرادة الظاهرة وقد نصت المادة 147 من القانون المدني الكويتي على شروط معينة يجب توافرها في الغلط الذي يعيب الرضاء بقولها: (1- إذا وقع المتعاقد في غلط دفعه إلى ارتضاء العقد، بحيث إنه لولا وقوعه فيه لما صدر عنه الرضاء، فإنه يجوز له طلب إبطال العقد، إذا كان المتعاقد الآخر قد وقع معه في نفس الغلط بدون تأثير منه كان من الممكن تداركه، أو علم بوقوعه فيه، أو كان من السهل عليه أن يتبين عنه ذلك. 2- إلى أنه في التبرعات يجوز طلب الإبطال دون اعتبار لمشاركة المتعاقد الآخر في الغلط أو علمه بحصوله). وقد نصت المادة121 من القانون المدني المصري على ذلك أيضاً بقولها (يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حداً من جسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط، على أن الغلط يعتبر جوهريا على الأخص إذا وقع صفة في شيء يكون جوهريا في اعتبار المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي في التعامل وكانت تلك الذات وهذه الصفة هي السبب الرئيسي في التعاقد).
ولكن لا يكفي أن يكون الغلط جوهريا وإنما يجب أن يتصل المتعاقد الآخر بهذا الغلط وقد نصت المادة 149 من القانون المدني الكويتي على ذلك بقولها : ( لا يجوز لمن صدر رضاؤه عن غلط أن يتمسك بغلطه على نحو يتعارض مع مقتضيات حسن النية . ويكون للطرف الآخر ، على الأخص أن يتمسك في مواجهته بان العقد على نحو يتماشى مع حقيقة ما اعتقده دون ضرر كبير يناله )  وهذا أيضا ما نصت عليه المادة 120 من القانون المدني المصري بقولها ( إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد إذا كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط أو كان على علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه ).
يتضح من هذه النصوص أن الغلط الذي يعيب الإرادة يجب أن يتوافر فيه شرطان: أولهما أن يكون جوهرياً، والثاني أن يتصل بعلم المتعاقد الآخر.
ولا يختلف عيب الغلط في العقد التقليدي كعيب من عيوب الإرادة عن عيب الغلط الذي يوجد في التعاقد الإلكتروني فهذا العيب أمر متصور الحدوث في كلا الحالتين سواء كان التعاقد تقليديا أم كان إلكترونياً.
وفي الغالب نجد أن المتعاقد عبر شبكة الإنترنت يقع في غلط وذلك بسبب البعد المكاني بين الأطراف ولأن هذه العقود تبرم عن بعد ولا يمكن حصر أنماط العقود أو صور الوقوع في غلط وذلك فإن الأمر يختلف عما يمكن أن يحدث في إطار العقود التقليدية. غير أن مجال التعامل الإلكتروني يظهر إمكانية حدوث خطأ في التواصل مع الشبكة حيث يرتكب المستخدم خطأ بشأن الخانة التي يضغط عليها حيث يبدأ في الخطوات التي تؤدي به إلى أن يجد نفسه متعاقداً رغم عدم اتجاه إرادته لذلك.
وبسبب غياب الأطراف المتعاقدة كل منهما عن الآخر يفتح المجال لكل منهما المطالبة بإبطال العقد بسبب الوقوع في غلط بشأن ذات المتعاقد أو صفة من صفاته ومثال على ذلك اسم الموقع المراد التعامل معه والذي قد يختلط في ذهن المتعاقد مع موقع أو مواقع أخرى.(1)
الفرع الثاني: التدليس:
التدليس هو استعمال طرق احتيالية بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد وقد نصت المادة 151 من القانون المدني الكويتي على أنه : (  يجوز طلب إبطال العقد للتدليس لمن جاء رضاؤه نتيجة حيل وجهت إليه  بقصد تغريره بذلك إلى التعاقد، إذا أثبت أنه ما كان يرتضي العقد ، على نحو ما ارتضاه عليه ، لولا خديعته بتلك الحيل وذلك مع مراعاة ما تقضي به المادتان 153، 154)  كما نصت المادة 125 من القانون المدني المصري على ذات المعني . كما نصت المادة 152 من القانون المدني الكويتي على أنه: ( يعتبر بمثابة الحيل المكونة للتدليس الكذب في الإدلاء بالمعلومات بوقائع التعاقد وملابساته، أو السكوت عن ذكرها، إذا كان ذلك إخلالا بواجب في الصدق أو المصارحة يفرضه القانون أو الاتفاق أو طبيعة المعاملة أو الثقة الخاصة التي يكون من شان ظروف الحال أن تجعل للمدلس عليه الحق في أن يضعها فيمن غرر به).
من خلال هذه النصوص السابقة يتضح أن للتدليس عناصر تتمثل في الآتي :
 
أولاً: استعمال طرق احتيالية:
وهذا العنصر له جانبان جانب مادي وهي الحيل المستعملة التي توهم المدلس عليه بغير الحقيقة، وهذه الحيل تأخذ في العمل صوراً مختلفة، وإذا كان الأصل أن مجرد الكذب لا يكفي لتوافر العنصر المادي في التدليس إلا أنه يعتبر كافيا إذا تعلق الأمر بواقعة لها أهميتها بحيث يمكن القول أن المتعاقد ما كان يقدم على التعاقد لولا البيانات الكاذبة التي أدلى بها المتعاقد الآخر. بل أن الكتمان أو السكوت قد يعتبر من الطرق الاحتيالية إذا تعلق الكتمان بواقعة هامة كان يجب الإفشاء بها ولم يكن في وسع المتعاقد المدلس عليه معرفتها عن طريق آخر(1) .
أما الجانب المعنوي فهو نية التضليل بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع فإذا انتفت نية التضليل فلا تدليس .
 
ثانياً: التدليس هو الدافع إلى التعاقد:
يتوافر هذا العنصر إذا كانت الحيل المستعملة قد بلغت حدا من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم المدلس عليه العقد ، والعبرة هنا هي بشخص المتعاقد لا بمدى تأثير هذه الحيل في الشخص العادي، أي أننا نأخذ عند تقدير جسامة الحيل المستخدمة ومدى تأثيرها بمعيار شخصي .
 
ثالثاً: اتصال التدليس بالمتعاقد الآخر:
لا يكفي لاستعمال طرق احتيالية تدفع إلى التعاقد ليكون العقد قابلا للإبطال وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون التدليس قد اتصل بالمتعاقد الآخر وهو يكون كذلك إذا كانت الطرق الاحتيالية قد صدرت من المتعاقد أو من غير المتعاقدين ولكن المدلس عليه أثبت أن المتعاقد معه كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بالتدليس .
والتدليس في العقد التقليدي لا يختلف عن التدليس في إبرام العقد الإلكتروني بل إنه متصور أكثر في العقود الإلكترونية نتيجة الكذب في الإعلانات والدعايات الإلكترونية للمنتجات أو الخدمات وأن المستهلك في التعاقد الإلكتروني لا يتمكن من معاينة الشيء المبيع كما في التعاقد التقليدي وإنما يعاين الشيء من خلال شاشة الحاسب الآلي ولذلك يرى البعض أنه في حالة عقد البيع الإلكتروني إذا قام البائع بخداع المشتري عن طريق استخدام الحيل التكنولوجية في عرض المنتج أو الخدمة فإنه يجب إبطال العقد للغش .
ولذلك نرى أن الكذب في الإعلانات والدعاية الإلكترونية للمنتجات والخدمات يدخل في نطاق التدليس طالما تجاوز الحد المألوف وكان مؤثراً في إرادة المدلس ويعطي له دافعاً لإبطال العقد لعيب إرادته.
وطرق الغش والتدليس في العقد الإلكتروني كثيرة ومتنوعة مثل استعمال علامة تجارية لشخص آخر ، أو تعمد نشر بيانات ومعلومات غير صحيحة على الموقع عن سلع أو خدمات بقصد ترويجها ، أو إنشاء موقع وهمي على الانترنت لا وجود له في الواقع على الإطلاق .
ومثال على ذلك أن البنوك الإلكترونية التي ليس لها وجود إلا من خلال شبكة الإنترنت أن تضع عروض مغرية في موقعها الوهمي لكي تدفع العملاء بإيداع أموالهم في هذا المصرف الوهمي ومن ثم يتم الاستيلاء على هذه الأموال دون ردها لأصحابها.
وفي التعاقد الإلكتروني يعتبر السكوت تدليساً كقاعدة عامة ولا يقتصر الأمر على حالات العقود بين المهنيين والمستهلكين بل أيضاً حتى في علاقات المهنيين.(1)
الفرع الثالث : الإكراه :
الإكراه الذي يعيب الإرادة هو ضغط تتأثر به إرادة الشخص فيولد في نفسه رغبة تدفعه إلى التعاقد والذي يعيب الإرادة في الإكراه ليست هي الوسائل التي تستعمل فيه، وإنما الرهبة التي تولدها هذه الوسائل في النفس وقد نصت المادة 156 من القانون المدني الكويتي على أنه: (1- يجوز إبطال العقد على أساس الإكراه لمن ارتضى العقد تحت سلطان رهبة  قائمة في نفسه، وبعثت بدون وجه حق إذا كانت هذه الرهبة قد دفعته إلى التعاقد بحيث إنه لولاها ما كان يجريه ، على نحو ما ارتضاه عليه. 2- وتعتبر الرهبة قائمة في نفس المتعاقد إذا وجهت إليه وسائل إكراه جعلته يستشعر الخوف من أذى جسيم يتهدده أو يتصور أنه يتهدده هو أو أحد من الغير في النفس أو الجسم أو العرض أو الشرف أو المال . 3- ويراعى في تقدير قيام الرهبة في نفس المتعاقد حالته من الذكورة أو الأنوثة، وسنه وعلمه أو جهله وصحته أو مرضه ، وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في مدى ما يترتب من خوف في نفسه). كما نصت المادة 127 من القانون المدني المصري على أنه: (1- يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان  رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون وجه حق  وكانت قائمة على أساس . 2- وتكون الرهبة قائمة على أساس إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطرا جسيما محدقا يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال . 3- ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه) . كما نصت المادة 128 من القانون المدني المصري على أنه: (إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين، فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد، ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض أن يعلم حتما بهذا الإكراه).(2)
أما الإكراه في مجال العقد الإلكتروني فإنه من الصعب تصوره أو حدوثه، نظرا لأن التعاقد لا يتم بين حاضرين كما في العقد التقليدي وإنما يكون التعاقد بين غائبين وبواسطة وسائل إلكترونية، فيكون من الصعب تحقق شروط الإكراه.
إلا أنه من المتصور وإن كان بحالة نادرة وقوع الإكراه في مجال العقد الإلكتروني بسبب التبعية الاقتصادية، حيث يضطر المتعاقد إلى إبرام العقد تحت الضغط  والرهبة ، وبالتالي يمكن تصوره بصدد توريد المنتج أو احتكاره، في حالة رغبة أحد المتعاقدين إلى التعاقد نتيجة الرهبة التي تبعث في نفسه بسبب تهديد مصالحه، وبالتالي لن يكون أمامه بديلاً سوى قبول التعاقد .
الفرع الرابع : الغبن:
الغبن: هو عدم التعادل بين ما يلتزم به أحد المتعاقدين وفقاً للعقد وبين المقابل الذي يحصل عليه بمقتضاه.
نصت المادة 162 (الغبن الذي لا يكون نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال ولا يكون له تأثير على العقد إلا في الأحوال الخاصة التي صرح بها القانون ومع مراعاة ما تقضي به المواد التالية) وهذا ما نصت عليه المادة 129 من القانون المصري. ولذلك فإن الغبن ليس سبباً بذاته لإبطال العقد إلا إذا وجد نتيجة لعيب آخر من عيوب الرضا.
إن الغبن لا يؤثر في العقد الإلكتروني لأن الغبن عيب استثنائي، ومن التشريعات الغربية التي اهتمت بحماية المستهلك في هذا الصدد القانون التونسي للمعاملات الإلكترونية حيث نص في المادة (50) على أنه يعاقب كل من استغل ضعف أو جهل شخص في إطار عمليات البيع الإلكتروني حاضراً أو آجلاً بأي شكل من الأشكال تتراوح بين 1000 و 20000 دينار.
 
 
المطلب السادس
النيابة في التعاقد الإلكتروني
نص القانون المدني الكويتي في المادة " 53" منه على أنه ( يجوز أن يتم التعاقد بطريق النيابة ، ما لم يستلزم القانون حصوله بالأصالة ) ونص في المادة [56] على أنه ( 1ـ في التعاقد بطريق النيابة تكون العبرة بشخص النائب، لا بشخص الأصيل ، في اعتبار عيوب الرضاء ، أو أثر الجهل ببعض الظروف الخاصة . 2ـ ومع ذلك إذا نشأت النيابة بمقتضى اتفاق وتصرف النائب وفقا لتعليمات محددة  تلقاها من الأصيل ، فانه لا يكون لهذا الأخير في حدود تنفيذ تعليماته ، أن يتمسك بجهل نائبه أمورا كان يعلمها هو ، أو كان مفروضا فيه أن يعلمها ويجب عندئذ الاعتداد بما شاب رضاء الأصيل من عيوب ). كما نص في المادة 57 على أنه: (إذا أبرم النائب في حدود نيابته عقداً باسم الأصيل فان كل ما يترتب على هذا العقد من آثار ينصرف مباشرة إلى الأصيل).
وهذا ما نصت عليه المادة 104 من القانون المدني المصري بقولها: ( 1- إذا تم التعاقد بطريق النيابة كان شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل اعتبار عند عيوب الإرادة أو في أثر العلم في بعض الظروف الخاصة أو افتراض العلم بها حتما. 2- ومع ذلك إذا كان النائب وكيلا ويتصرف وفقا لتعليمات معينة صدرت له من موكله فليس للموكل أن يتمسك بجهله لظروف كان يعلمها هو أو كان من المفروض حتماً أن يعلمها ).
يتضح من هذه النصوص أن النيابة هي حلول إرادة شخص (النائب) محل إرادة شخص آخر( الأصيل) في إبرام تصرف قانوني، مع انصراف آثار التصرف إلى الأصيل، والنيابة من حيث المصدر الذي يعين شخص النائب قد تكون نيابة قانونية كما في نيابة الولي على الصغير، وقد تكون نيابة قضائية كما في نيابة الوصي والحارس القضائي ووكيل الدائنين، وقد تكون نيابة اتفاقية كما في الوكالة حيث يعين الوكيل باتفاق بينه وبين الموكل.
أما من حيث المصدر الذي يحدد نطاق سلطات النائب فقد تكون نيابة قانونية إذا كان القانون هو الذي يحدد هذا النطاق وقد تكون اتفاقية وإذا كان الاتفاق هو الذي يحدد سلطات النائب.
ولكي تتحقق النيابة لابد من توافر ثلاثة شروط كما يتضح من خلال النصوص السابقة وهي : 1- حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل . 2- أن يتعاقد النائب باسم الأصيل ولحسابه . 3- أن يلتزم النائب حدود النيابة المرسومة لنيابته. فإذا توافرت هذه الشروط الثلاث انصرفت آثار التصرف الذي يبرمه النائب إلى الأصيل .
هذه هي النيابة في العقد التقليدي أما النيابة في التعاقد الإلكتروني  فهي تتم بواسطة  وسيط يتعلق برسالة بيانات معينة والوسيط هو (الشخص الذي يقوم نيابة عن شخص آخر بإرسال أو استلام أو تخزين رسالة بيانات أو بتقديم خدمات أخرى فيما يتعلق برسالة البيانات هذه)، ويفهم من ذلك جواز أن يقوم شخص ما نيابة عن آخر بإرسال أو استلام أو تخزين أو تسجيل رسالة البيانات الإلكترونية وهذا يعني مشروعية النيابة في التعاقد الإلكتروني ، حيث أن النيابة في التعاقد الإلكتروني ممكنة بجميع أنواعها حيث يمكن أن تنشأ من خلال رسائل إلكترونية يحددها المشرع بالطرق التي تتفق والتطور التقني ، وليس هناك ما يمنع من أن يقوم الأب نيابة عن ابنه بالتعاقد عبر الانترنت أو أن يقوم الوصي بذلك أيضا أو الحارس القضائي .(1)
ولذلك فإن النيابة في العقود التقليدية لا تختلف عنها في العقود الإلكترونية حيث النيابة في العقود الإلكترونية تكون اتفاقية. والأسباب الداعية للتعاقد بوجه عام هي الأسباب الداعية للتعاقد الإلكتروني مثل تعذر وجود الأصيل لإبرام العقد أو عدم امتلاك الخبرات موضوع العقد.