دخول الأماكن
 
التمييز بين دخول المكان وتفتيشه : 
إن دخول المكان يقتصر علي مجرد تخطي حدوده والظهور فيه ، والقاء النظر علي محتوياته دون معاينته أو فحصه (17) ، أما تفتيش المكان فهو الإجراء الذي قد يتمخض عنه اكتشاف الدليل ، ومن ثم فإنه يقتضي المعاينة والتنقيب فيه .
ودخول المكان قد يكون إجراء استدلال ، أو مجرد إجراء مادي ، وهو في الاصل لا يهدف الي المساس بحرمة المكان من حيث الإطلاع علي ما به من أسرار ، بينما التفتيش إجراء تحقيق يهدف الي البحث عن الادلة المادية للجريمة ، ويؤدي بطبيعته إلي المساس بحرمة المكان.
ـــــــــــــــــــــــــ
(17) عرفت محكمة النقض دخول المكـان بأنـه " مجـرد عمل مــــــادى قد تقتضىه حالة الضرورة " .  أنظر نقض 17 دىسمبر سنة 1962 مجموعة أحكام محكمة النقض س 13 رقم 205 ص 853 .
دخول المساكن :
يمكن حصر الحالات التي أجاز المشرع فيها دخول المساكن فيما يلي
( أ ) حالة الضرورة :
تنص المادة 45 من قانون الاجراءات الجنائية علي أنه " لا يجوز لرجال السلطة الدخول في أي محل مسكون إلا في الاحوال المبينة في القانون أو في حالة طلب المساعدة من الداخل ، أو في حالة الحريق أو الغرق أو ماشابـه ذلك " . ويمكن الاستدلال من هذا النص علي أن حالة الضرورة لا تقتصر علي حالتي الحريق أو الغرق فقط ، ولكنها تمتد لتشمل كل مايشبهها من الكوارث الاخري (18).  ولا يستهدف الدخول في هذه الحالة التنقيب عن أدلة جريمة قائمة ، ولكنه مجرد إجراء مادي ينتهي بانتهاء الحالة التي استدعت ضرورة إجرائه. 
ــــــــــــــــــــــــ
(18) أنظر نقض 31 مارس سنة 1959 مجموعة أحكـام محكمـة النقض س10 رقم 87 ص 391 .
( ب ) تنفيذ القبض :
إذا صدر أمـر بضبط وإحضار متهم ، أو حكم قضائي سالب للحرية ، وجب علي رجال السلطة العامة المنوط بهم تنفيذ هذا الأمر متابعة الشخص المطلوب القبض عليه في أي مكان يفر إليه ، فإذا دخـل مسكن جـاز لهم متابعته للقبض عليه . ويستند الإجراء الذي يقوم به رجال السلطة العامة الي نص المادة 45 إجراءات جنائية ، وذلك تأسيساً علي أن المشرع لم يحدد أحوال دخول المنازل في حالة الضرورة علي سبيل الحصر ، ولكنه أضاف اليهـا عبـارة " أو ماشابه ذلك "(19).
ــــــــــــــــــــــــ
(19) قررت محكمة النقض أن " دخول المنازل - وإن كان محظوراً على رجال السلطة العامة فى غىر الاحوال المبىنة فى القانون ، وفى غىر حالة طلب المساعدة من الداخل ، وحالتى الغرق والحرىق إلا أن هذه الأحوال الاخىرة لم ترد على سبىل الحصر فى المادة 45 من قانون الاجراءات الجنائىة ، بل أضاف النص الىها ما شابهها من الأحوال التى ىكون أساسها قىام حالة الضرورة ، ومن بىنها تعقب المتهم بقصد تنفىذ أمر القبض علىه " .  
     أنظر نقض 31 مارس سنة 1959 مجموعة أحكام محكمة النقض س10 رقم 87 ص 391 ؛ نقض 11 ىناىر سنة 1979 س 30 رقم 8 ص 54 .
( ثانياً ) دخول الأماكن العامة : 
الأصل أن الأماكن العامة هي تلك التي يتاح للجمهور ارتيادها بغير قيود ، ويمكن التمييز في هذا الصدد بين الأماكن العامة بطبيعتها ، والأماكن العامة بالتخصيص.
( أ ) الأماكن العامة بطبيعتها :
والمقصود بها الأماكن التي أنشئت أصلاً ليرتادها الجمهور في كل وقت وبدون تمييز ، وذلك كالحدائق العامة والطرق . ولا شك أنه يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يتخذ مايراه من إجراءات التحري في هذه الأماكن ، طالما أنها لا تمس بحرية الافراد ، فإذا اكتشف وجود جريمة جاز له اتخاذ الإجراءات اللازمة للقبض والتفتيش باعتبار أن عمله يدخل ضمن مدلول " أعمال الاستدلال " بصفة عامة.
( ب ) الأماكن العامة بالتخصيص :
والمقصود بها الأماكن التي يجوز لكل إنسان بدون تمييز دخولها خلال أوقات معينة وفي أجزاء معينة منها ، وذلك كالمقاهي والملاهي والمطاعم(20).  ويجوز لمأموري الضبط القضائي دخول هذه الأماكن باعتبارهم مكلفين بتنفيذ القوانين واللوائح المتعلقة بها ، كما أن هذا العمل يدخل ضمن الأعمال الإدارية التي خولهم القانون سلطة القيام بها ، فضلاً عن أن لهم ما للمواطن العادي من حقوق في ارتياد هذه الأماكن .
وإذا دخل مأمور الضبط القضائي هذه الأماكن ، وعاين جريمة ترتكب فيه ، جاز له أن يتخذ الإجراءات التي يخولها له القانون من قبض وتفتيش . 
ولكن يرد علي حق مأمور الضبط القضائي في ارتياد الأماكن العامة بالتخصيص قيد مؤداه ألا يدخل أجزاء المكان التي لا يصرح للجمهور بإرتيادها ، وذلك كغرفة خاصة اتخذها مدير المحل كمكتب أو مكان للراحة والنوم ، كما لا يجوز لمأمور الضبط القضائي الدخول في المكان العام بالتخصيص في غير الأوقات التي يجوز فيها للجمهور ارتيادها ، فإذا أغلق الملهي أبوابه بعد انصراف رواده صار مكاناً خاصاً ، وحظر علي مأمور الضبط القضائي الدخول فيه . 
بيد أنه يجوز لمأمور الضبط القضائي دخول الأماكن العامة في أي وقت ولو كانت قد أغلقت أبوابها إذا كان فيها بعض أفراد الجمهور وتوافرت دلائل كافية علي وقوع الجريمة . 
وقد قضي بأنه " وإن كان من حق رجال البوليس أن يدخلوا المحال المفتوحة للجمهور لمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح إلا أن ذلك لا يقتضي منهم التعرض للأشياء المغلقة غير الظاهرة ، مالم يدرك الضابط بحسه وقبل التعرض لها كنه ما فيها من مواد محظورة مما يجعل جريمة احرازها في حالة تلبس ، فيكون التفتيش في هذه الحالة قائماً علي حالة التلبس لا علي ما للضابط من حق في ارتياد المحال العامة والاشراف علي تنفيذ اللوائح والقوانين فيها (21). 
ولذلك فإنه يمكن القول بأن حق مأمور الضبط القضائي في إرتياد الأماكن العامة بالتخصيص لا يتناول من حيث المكان ما كان منها سكناً ، ولا يشمل من حيث الزمان إلا أوقات العمل دون الأوقات التي تغلق فيها ، ولا من حيث الغرض إلا بالقدر الذي يمكنه من التحقيق من تنفيذ القوانين واللوائح دون التعرض للأشياء والأماكن الاخري التي تخرج عن هذا النطاق(22).
وترتيبا علي ذلك فإنه لا يجوز لمأمور الضبط القضائي التعرض لحرية الاشخاص الموجودين في المحل لحظة دخوله (23) ، فلا يجوز له تفتيش أحدهم طالما لا توجد حالة تلبس بالجريمة أو اذن من السلطة القضائية يجيز هذا الإجراء ، كما لا يجوز له تفتيش هذه المحال مالم يدرك جريمة في حالة تلبس أو كان مأذوناً له بذلك من سلطة التحقيق(24). 
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(20) وىعتبر الدخول فىها بناء على ذلك بمثابة رضاء ضمنى من صاحبها وبإرادته .  أنظر نقض 17 نوفمبر سنة 1958 مجموعــــــــــة أحكـام محكمة النقض س 9 رقم 224 ص 916 .
(21) أنظر نقض 9 ىولىة سنة 1953 مجموعــة أحكـام محكمة النقض س 4 رقم 386 ص 1151 .
(22) أنظر نقض 9 فبراىر سنة 1970 مجموعة أحكام محكمة النقض س 21 رقم 64 ص 620 .
(23) أنظر نقض 15 ماىو سنة 1977 س 28 رقم 125 ص 591 .
(24) أنظر نقض 20 دىسمبر سنة 1937 مجموعـة القواعـد القانونىة ج 4 رقم 134 ص 129 .