جرائم تسهيل ارتكاب الفجور أو الدعارة
 
ظلـت التشريعات مقيدة في ظـل البغـاء المنظم فلم تتعرض لعقاب القوادين الذين يسهلون البغـاء أو يحرضـون عليه أو يستغلونـه إلا بنصوص قليلة قاصرة ، إذ أن الترخيص بالبغـاء لم يكـن في الحقيقة إلا ترخيصـاً بتسهيلـه واستغلاله. ولقد اقتضت الحاجة الي مواجهـة نشـاط القـوادين أن تتـوسع القوانين الجديدة في العقاب علي ما يرتكبونه من شتي أنواع البغـاء والمساعدة والتحريض عليـه. وقد خطـا المشـرع المصري خطـوات واسعة الي الأمـام في العقاب علي جرائم تحريض الغير علي البغاء أو تسهيله لهـم حتي أصبح يمثـل المرحلـة الأخيرة من مراحـل التطور التشريعي في هـذا الشأن علي المستوي الدولي(1).
ــــــــــــــــــــ
  (1)  يعتبر صدور القانون رقم 68 لسنة 1956 بشأن مكافحة الدعارة طفرة كبيرة للأمام إذ لم يسبقه قانون آخر فى مصر يعاقب علي التحريض علي البغاء أو تسهيله فى أي صورة كانت اللهم إلا ما جاء فى القانون القديم رقم 24 لسنة 1923 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم من اعتبار قوادي النساء العموميات من المتشردين .
      أنظر الدكتور محمد نيازي حتاته : المرجع السابق ، ص 363 .
سوف نعالج الموضوعات سالفة الذكر علي النحو التالي :
المبحث الأول : التحريض أو المساعدة علي الدعـارة أو الفجور أو ما في حكمه ( المادة الأولي من قانون الدعارة ).
المبحث الثاني : استخدام أو استدراج أو اغراء شخص بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة بالخداع أو بالقوة أو التهديد ( المادة الثانـية فقرة أولي من قانون الدعارة ). 
المبحث الثالث : استبقاء شخص بغير رغبته في محل للفجور أو الدعــارة ( المادة الثانية فقرة ثانية من قانون الدعارة ).
المبحث الرابع : معاونة أنثي علي ممارسة الدعارة (المادة السادسة فقرة أولي من الدعارة ). 
المبحث الخامس : الاعلان عن الفجور أو الدعارة ( المادة الرابعة عشرة من قانون الدعارة ).
المبحث السادس : القوادة الدولية ( المادتين الثالثة والخامسة من قانون
التحريض أو المساعدة علي الدعارة أو الفجور أو ما في حكمه
نص قانوني :
تنص المادة الأولي من قانون مكافحة الدعارة علي أن :
(أ) كل من حرض شخصاً ذكراً أو أنثي علي ارتكاب الفجور أو الدعارة أو ساعده علي ذلك أو سهله له ، وكذلك كل من استخدمه أو استدرجه أو أغواه بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي ثلاث سنوات وبغرامة من مائة جنيه الي ثلاثمائة جنيه في الإقليم المصري ومن الف ليرة الي ثلاثة آلاف ليرة في الإقليم السوري.
(ب) إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يتم من العمر الحادية والعشرين سنة ميلادية كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه الي خمسمائة جنيه في الإقليم المصري ولا تقل عن الف ليرة الي خمسة آلاف ليرة في الاقليم السوري. 
تقوم جريمة التحريض علي الفجور أو الدعارة وما في حكمها علي ركنين ، الأول الركن المادي ، والثاني الركن المعنوي. وسوف نعالج هذه الموضوعات علي النحو التالي:
المطلب الأول : الركن المادي. 
المطلب الثاني : الركن المعنوي. 
المطلب الثالث : عقوبة الجريمة .
صور الفعل الإجرامى 
يتخذ الركن المادي في جريمة التحريض علي الفجور أو الدعارة أو تسهيله عدة صور بحيث تستوعب في مجموعها كل الأفعال التي تمثل صوراً مختلفة للقوادة ، ويرجع ذلك الي حرص المشرع علي إحكام دائرة التجريم سعياً وراء عدم إفلات القوادين من العقاب ، وقد حدا ذلك بمحكمة النقض الي القول في بعض أحكامها " بأن القانون لم يشترط لوقوع جريمة تسهيل البغاء أن يكون بطريقة معينة ، إنما جاء النص بصفة عامة ، يفيد ثبوت الحكم علي الإطلاق بحيث يتناول شتي صور التسهيل "(2). 
ولا شك أن محكمة النقض لم تقصد بهذه العبارة أن تجمع بين أكثر من صورة من صور المساهمة في أعمال القوادة ، وذلك لأنه من المسلم به في مجال التجريم أن تكون الأفعال المجرمة محددة تحديداً دقيقاً واضحاً ، فالتحديد هو أهم ضمانات تحقيق الشرعية الجنائية. ولذلك فإنه لابد للحكم بالإدانة من أن يثبت وقوع فعل من الأفعال التي نص عليها القانون ، بحيث لو وقع فعل آخر غير ما ورد بالنص فان هذا الفعل يجب ألا يقع تحت طائلة العقاب.
ويمكن حصر الأفعال التي يقوم بها الركن المادي فى هذه الجريمة فيما يأتي :
1 - التحريض.
2 - المساعدة والتسهيل.
3 - الاستخدام.
4 - الاستدراج.
5 - الإغواء. 
وسوف نتناول فيما يلي كل فعل من هذه الأفعال بالشرح والتحليل :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)  أنظـر نقض 27 ديسمبر سنة 1970 مجموعة أحكـام محكمة النقض س 21 رقم 304 ص 1263 .
 (أولاً) التحريض
يقصد بالتحريض علي الفجور أو الدعارة دفع الجاني الي ارتكاب الجريمة بالتأثير في إرادته وتوجيهها الوجهة التي يريدها المحرض ، ويستوي أن يكون المحرض خالقاً لفكرة الجريمة لدي الغير (الفاجر أو الداعرة) والتي لم تكن موجودة من قبل ، أو كان التحريض متمثلاً في تشجيع الغير علي تحقيق فكرة الجريمة التي كانت موجودة لديه قبل التحريض (3) .
والأصل أن التحريض كوسيلة للمساهمة التبعية لا يعاقب القانون عليه إلا إذا أفضي الي وقوع الجريمة ، أي أن القانون لا يعاقب عليه لذاته ، وإنما يعاقب عليه بالنظر الي تأثيره المفضي الي وقوع الجريمة ، بيد أن القانون اعتبر التحريض جريمة قائمة بذاتها في جريمة التحريض علي الفجور أو الدعارة وذلك بغض النظر عن تحقق النتيجة أو عدم تحققها وهي ممارسة الفجور أو الدعارة ، فممارسة هذا العمل ليست سوي نتيجة لهذه الجريمة ، وليست عنصراً فيها.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأن القانون رقم 68 لسنة 1951 بشأن مكافحة الدعارة إذ نص في مادته الأولي علي أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة من مائة جنيه الي ثلاثمائة جنيه كل من حرض شخصاً ذكراً أو أنثي علي ارتكاب الفجور أو الدعارة أو ساعده علي ذلك أو سهله له ، ونص في المادة السابعة علي أن يعاقب علي الشروع في الجرائم المبينة في المواد السابقة بالعقوبة المقررة للجريمة لم يشترط للعقاب علي التحريض أو المساعدة أو التسهيل إرتكاب الفحشاء بالفعل(4).
كما قضي بأنه متي كانت واقعة الدعوي حسبما حصلها الحكم ثابتاً فيها أن الطاعنة الأولي دأبت علي تقديم بعض النسوة لعملائها من الرجال ليباشروا الفحشاء معهن وأن الطاعنة الثانية من بين من اعتادت الطاعنة الأولي تقديمهن لعملائهم وأن الأخيرة اعتادت ممارسة الفحشاء مع من تري الأولي إرسالها لهم دون تمييز ، ولما كان لا يشترط للعقاب علي التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الإستغلال إقتراف الفحشاء بالفعل ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوي بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دين بها الطاعنتان وأورد علي ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة مما جاء بمحضر ضبط الواقعة وأقوال شهود الاثبات واعتراف كل منهما في محضر الشرطة وتحقيق النيابة في حق نفسها وعلي الأخري وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي الي ما رتبه الحكم عليها ، فـإن ما تثيره الطاعنتان في هذا الصدد يكون غير سديد (5).
ويلاحظ أن المشرع لم يحدد الوسائل التي يقع بها التحريض علي الفجور أو الدعارة ، ولذلك فإنه قد يقع بأية وسيلة ومنها التحريض بالفعل (6).
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه إذا كان الحكم قد استفاد تحريض المتهمة للأنثي علي الدعارة من كونها صحبتها الي الشخص الذي اتخذ محله مكاناً لإلتقاء الجنسين وأنها قدمتها لشخص آخر ورافقتهما الي السيارة التي ركباها معاً ليرتكب معها فعل الفحشاء وأوصته بأن يعود بها في موعد معين ، فإن هذا الإستخلاص يكون سائغاً ومقبولاً ، وتتحقق به الجريمة المبينة في الفقرة الأولي من المادة الأولي من القانون رقم 68 لسنة 1951(7).
كما قد يقع التحريض بالقول ، سواء كان القول مجرداً أو مصحوباً بإغراء
كهدية أو وعد ، أو بالتأثير علي من يوجه اليه التحريض عن طريق ما قد يكون للمحرض من سلطة عليه ، ولكن يشترط أن يكون القول كافياً لإنتاج أثره في نفس المجني عليه ، ولذلك فإنه لا يعتبر تحريضاً مجرد العرض أو النصح السئ أو القدوة السيئة (Cool.
ولا يقوم التحريض إلا في حق من يحرض غيره علي ممارسة الفحشاء مع الناس ، ولذلك فإنه لا يقع من الأنثي التي تقدم نفسها للغير.
وقد حكم تطبيقاً لذلك بأنه من المقرر أن الجرائم المنصوص عليها في المادة الأولي من القانون رقم 68 لسنة 1951 الذي حدثت الواقعة في ظله (تقابلها المادة الأولي من القانون الحالي) لا تقوم إلا في حق من يحرض غيره علي ممارسة الفحشاء مع الناس أو يسهل له هذا الفعل أو يساعده عليها وهي لا تقع من الأنثي التي تقدم نفسها للغير إنما تقع ممن يحرضها علي ذلك أو يسهل لها هذا الفعل ، ولما كان يبين من واقعة الدعوي كما أثبتها الحكم أن شخصاً آخر قدم الطاعنة لشابين لتمارس معهما الفحشاء لقاء مبلغ من المال ، وصورة الدعوي علي هذا النحو لا تتوافر بها في حق الطاعنة أركان جريمة التحريض علي الدعارة أو الفجور أو تسهيلها أو المساعدة عليها. ولما كان الحكم قد أخطأ التكييف القانوني لواقعة الدعوي ، وقد حجب هذا الخطأ المحكمة عن بحث مدي توافر أركان الجريمة التي ترشح لها واقعة الدعوي مما يندرج تحت نصوص القانون سالف البيان ، فإنه يتعين نقض الحكم والإحالة (9).
ونظراً لأن التحريض علي الفجور أو الدعارة يتجرد في أغلب حالاته من مظهر تلمسه الحواس ، لذلك فإنه يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات ، ويجوز الاستناد الي وقائع لاحقة علي الجريمة لإستخلاص الدليل عليه ، ومناط ذلك أن تكون أدلة الإثبات منصبة علي واقعة التحريض ذاتها ، وأن يكون الدليل المستخلص منها سائغاً لا يتنافي مع العقل أو القانون ، وإلا فإن لمحكمة النقض بما لديها من حق الرقابة علي صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون. 
ويعتبر تقدير قيام التحريض علي الفجور أو الدعارة من المسائل الموضوعية التي يترك تقديرها لقاضي الموضوع. وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لما كان القانون لم يبين ما هو المراد من كلمة التحريض ، فإن تقدير قيام التحريض أو عدم قيامه في الظروف التي وقع فيها يعد مسألة تتعلق بالوقائع التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ، ويكفي أن يثبت الحكم تحقق التحريض ولا عليه أن يبين الأركان المكونة له (10). 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أنظر فى تعريف التحريض الدكتور أحمد فتحي سرور : الوسيط فى قانـون العقوبات " القسم العام ", دار النهضة العربية ، 1991 ، الطبعة الخامسة ، بند 425 ص 532 .
(4) أنظر نقض 24 فبراير سنة 1964 مجموعـة أحكام محكمة النقض س 15 رقم 32 ص 153 .
(5) أنظر نقض 8 يناير سنة 1973 مجموعة أحكام محكمة النقض س 24 رقم 14 ص 54 .
(6) أما المشرع الفرنسي فقد حصر وسائل التحريض العام فى الهدية أو الوعد أو الوعيد .    
(7) أنظر
GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 60 , No. 187 .
     أنظر نقض 9 يناير  1956 مجموعة أحكام محكمة النقض س 7 رقم 4 ص 9 .
(Cool أنظر
GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 334 , No. 77
(9) أنظر نقض 9 أكتوبر 1972مجموعـة أحـكام النقض س 23 رقم 229 ص 1032 .
(10) أنظر نقض 13 نوفمبر سنة 1973 مجموعة أحكام محكمة النقض س 24 رقم 203 ص 972 .
 (ثانياً) المساعدة والتسهيل:   
Facilitaion et Favoration de la Prostitution )                               (
تعرف المساعدة بأنها تقديم العون أياً كانت صورته الي شخص بقصد تمكينه من ممارسة البغاء ، كما يعرف التسهيل بأنه تذليل العقبات أمام شخص بقصد تمكينه من ممارسة البغاء ، وتتطلب المساعدة بخلاف التحريض مظهراً
خارجياً إيجابياً يتجاوز مرحلة الايعاز بالجريمة ويتمثل في تقديم الوسائل والامكانيات التي تهيئ إتمام فعل البغاء. 
وتختلف المساعدة والتسهيل المؤثمين بمقتضي المادة الأولي من قانون مكافحة الدعارة عن المساعدة المنصوص عليها في المادة 40 عقوبات ، فلا يشترط في جرائم الطائفة الأولي اتمام الفعل الاجرامي بالفعل(11)، ولكن يشترط في المساعدة المنصوص عليها في قانون العقوبات وجود جريمة أصلية معاقب عليها ووقوع هذه الجريمة فعلاً.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لا يشترط للعقاب علي التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو استغلال ارتكاب الفجور أو الدعارة اقتراف الفحشاء بالفعل ، ومن ثم فلا تعارض بين نفي الحكم وقوع جريمة ممارسة الدعارة من المتهمتين الثانية والثالثة لعدم اقترافهما الفحشاء وعدم توافر أركان جريمة ممارسة الدعارة في حقهما ، وبين ما انتهي اليه من إدانة الطاعنة بجريمة الشروع في تسهيل دعارة الغير ، وإزاء ما ثبت لديه من أن الطاعنة قد توسطت بين هاتين المرأتين وطلاب المتعة بقصد البغاء لقاء أجر تقاضته ، إذ القضاء ببراءة هاتين المرأتين من تهمة ممارسة الدعارة لعدم توافر عناصرها القانونية في حقهما لا يستتبع براءة الطاعنة من تهمة الشروع في تسهيل الدعارة وذلك لإختلاف العناصر لقانونية لكل من هاتين الجريمتين ، ولأن إنتفاء الجريمة الأولي لا يحول دون ثبوت الجريمة الثانيـة (12). 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) أنظر
 GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 334 - 335 , No. 77.
(12) أنظر نقض 27 ديسمبر سنة 1970 مجموعة أحكام محكمة النقض س 21 رقم 304 ص 1263 .
صور التسهيل والمساعدة
تختلف صور التهسيل والمساعدة بإختلاف ظروف كل جريمة ، إذ لم ينص المشرع علي وقوع الجريمة بطريقة معينة ، ومع ذلك فثمة صور يغلب أن تتحقق في العمل ، منها تقديم المساعدة بالقول ، وذلك بأن يتم في صورة إعطاء معلومات أو إرشادات توضح كيفية إتمام أفعال الفجور أو الدعارة ، ومثال ذلك ما يقوم به القوادون من إعطاء العملاء أسماء البغايا ، أو اعطاء البغايا أرقام تليفونات العملاء الراغبين في المتعة الحرام ، أو أرشاد البغايا عن عناوين الراغبين في ممارسة الفحشاء.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأن التوسط بين الرجال والبغايا عن طريق استعمال التليفون وترتيب المقابلات بين الطرفين بهذه الطريقة بقصد البغاء ليس إلا تسهيلاً للبغاء ومساعدة عليه (13). 
كما تتحقق المساعدة بالفعل وذلك بتقديم البغايا الي العملاء مباشرة ، وذلك بإصطحاب البغي الي العميل والاتفاق علي مقابل الدعارة (14) ، أو تزوير امرأة في شهادة ميلاد فتاة قاصر لتمكينها من ممارسة الدعارة (15) ، أو إعارة مسكن
لكي ترتكب فيه جريمة الدعارة (16). 
ولكن لا يعتبر من قبيل المساعدة أو التسهيل انتظار المجني عليها عدة مرات أمام المنزل الذي تقيم فيه واصطحابها الي ركن قريب في الطريق الذي تمارس فيه بغاءها ، فلا يعتبر هذا وحده كافياً لإدانته بأنه يحمي البغاء أو يساعد عليه ، أو إذا اقتصر الأمر علي مجرد مراقبة البغي فلا يعد هذا تسهيلاً أو حماية للبغاء(17). 
ولا تتحقق أفعال المساعدة أو التسهيل إلا بأفعال سابقة أو معاصرة للجريمـة (18) ، ولذلك فلا تتصور المساعدة بأفعال لاحقة للجريمة ، فلا تتحقق أفعال المساعدة أو التسهيل بتمكين مرتكب البغي من الفرار من أيدي الشرطة ، أو تهديد العميل ليدفع أجر البغاء الذي يرفض دفعه. 
ويقـع تسهيل البغاء أو المساعدة عليه بأفعال إيجابية ، أو بمجـرد الامتنـاع (19) ، فمجرد إزالة العقبات التي تعرض تنفيذ أفعال الفجور أو الدعارة تعتبر من قبيل أفعال المساعدة أو التسهيل ، وإذا كان المتهم ملتزماً طبقاً للقانون بالحيلولة دون وقوع جريمة معينة أو دون وقوع أية جريمة بصفة عامة سواء بمجهوده المباشر أو بإبلاغ السلطات العامة عنها فإن القانون يضع هذا الالتزام عقبة في سبيل تنفيذ الجريمة ، ولهذه العقبة وجود حقيقي باعتبار أن الأصل هو أن يطبق القانون التطبيق السليم ، ولذلك فإن الامتناع عن القيام بالواجب الذي يفرضه القانون يعني إزالة هذه العقبة ويجعل تنفيذ الجريمة أسهل مما يكون في الوضع العادي وفي هذا التسهيل مساعدة لا شك فيها ، ولذلك فإن رجل الأمن الذي يري وقوع أفعال الفحشاء أمامه ولا يتخذ إجراء يعتبر مساهماً بالتسهيل وينطبق عليه نص المادة الأولي من قانون مكافحة الدعارة .
ويلاحظ أن المشرع لا يشترط في جريمة التسهيل توافر ركــن الاعتيـاد (20) ، فمجرد وقوع الفعل مرة واحدة تتم به الجريمة (21). كما لا يشترط أن
تقع أفعال المساعدة أو التسهيل نظير أجر أو منفعة أو بغرض الحصول علي دخل البغاء كله أو بعضه ، كما لا يهم أن تقع أفعال البغاء في مكـان معين ، فيستوي أن تقع في شــقة مفروشـة أو في منزل يدار للدعـارة (22) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) أنظر نقض 25 نوفمبر سنة 1973 مجموعة أحكام محكمة النقض س 24 رقم 219 ص 1053 .
(14) أنظر
Cass Crim. , 2 Mai 1936 , Bulletin Criminelles. 1936. No. 51 .
(15) أنظر
Cass Crim. , 10 Mai 1955 , Bulletin Criminelles. 1955. No. 151 .
(16) أنظر
GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 60 , No. 216 .
(17) أنظر
Cass Crim. , 25 Auo 1910 , Bulletin Criminelles. 1910. No. 477.  
     وفى ذلك تقول محكمــة النقض " أن الأصـــل فى القانـــون ان الاشتراك فى الجريمـــــة لا يتحقق الا اذا كان التحريض والاتفاق سابقاً علي وقوعها ، وان تكون المساعدة سابقة أو معاصرة لها ، وأن يكون وقوع الجريمــة ثمرة لهذا الاشتراك يستوي فى ذلك أن تكون الجريمة وقتية أو مستمرة " .
      أنظر نقض 26 فبراير سنة 1968 مجموعة أحكام محكمة النقض س 19 رقم 53 ص 284 .
(19)  وإن كان الفقه والقضاء  فى فرنسا يشترطان لوقوع جريمة تسهيل البغاء عملاً إيجابياً ، فلا يكفي مجرد السماح لوقوعها ، وعلي ذلك فالأم أو الأب الذي يترك أولاده يمارسون البغاء لا يعتبر لذلك وحده قد سهل بغاءهم .
(20)  أنظر
 GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 334 - 335 , No. 97
             أنظر نقض 16 ديسمبر سنة 1958 مجموعة أحكام محكمة النقض س 9 رقم 264 ص 1090 .
(21)  جاء فى تقرير لجنة العدل الأولي والشئون الاجتماعية المرفوع الي مجلس الشيوخ فى 8 مارس سنة 1951 أن " المقصود بالعقاب فى الفقرة الأولي من المادة الأولي من يحرض ولو مرة واحدة شخصاً علي ممارسة البغاء .. ولا يشترط لتحقيق الممارسة تكرار فعل الفحشاء ، والمهم         =     = أن الممارسة لا يقصد بها تكرار الفعـل مع إمرأة واحدة ولا تكراره مع نساء متعددات " .
(22) أنظر نقض 18 نوفمبر سنة 1940 مجموعة القواعد القانونية ج 2 ص 576 .
 (ثالثاً)  الإستخدام
لم يعرف المشرع المقصود بالإستخدام في مجال أفعال البغاء ، ويمكن القول بأن عقد الاستخدام هو تعبير قد نشأ أصلاً في رحاب قانون العمل ، ويقصد به اتفاق إرادتين حرتين علي أن يعمل شخص هو المستخدم تحت إدارة شخص هو صاحب العمل أو تحت إشرافه نظير أجر.
ونظراً لأن قانون العقوبات يستهدف بنصوصه تحقيق غايات تختلف عما تستهدفه فروع القانون الأخري ، لذلك فإنه من المنطقي أن يحدد قانون العقوبات لبعض المصطلحات القانونية مدلولاً مختلفاً عما يقصد به في الفروع الأخري حيث تقتضي ذلك المصالح الاجتماعية التي يراها جديرة بالحماية.
ولذلك فإن الإستخدام المقصود في قانـون الدعارة هو كل اتفــاق مكتوب (23) ، أم غير مكتوب ينعقد ما بين شخصين هما القواد والمجني عليه ، وذلك بقصد ارتكاب أعمال الفجور أو الدعارة (24) ، ويستوي أن يكون هذا الإتفاق نظير أجر ، أم نظير حماية يبسطها القواد علي المجني عليه. وقد يكون استخدام الشخص بقصد ارتكاب أعمال البغاء صريحاً كما لو استخدم صاحب الملهي قاصراً لتقديمها لرواد محله(25) ، أو ضمنياً كمن يعلن أنه يعطي أجراً طيباً لمن يمارس البغاء في منزله فتقبل النساء عليه لهذا الغرض دون اتفاق سابق بينه وبينهم.
ونظراً لأن الإستخدام يفترض أنه لا توجد علاقة أو سلطة سابقة علي انعقاده ، لذلك فإن صورة استغلال ولي الأمر لمن يتولي أمره لا يعد من صور القوادة ، وإن كان يعاقب عليها وفقاً للفقرة (ب) من المادة السادسة من قانون مكافحة الدعارة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) أنظر عكس هذا الرأي السيد حسن البغال : المرجع السابق  حيث يري أن  هذا العقد لا يمكن أن يكون ثابتاً بالكتابة لأنه مخالفة للنظام العام والآداب العامة  ونحن نري عكس هذا الرأي حيث يمكن أن يكون العقد مكتوباً بقصد استعماله كأداة للتهديد  يستعملها القواد ضد من يستخدمه لممارسة البغاء ، وان كان هذا العقد لن يعتد به لأنه مخالف للنظام العام والآداب العامة .
 أنظر السيد حسن البغال : الجرائم المخلة بالآداب فقهاً وقضاء. القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1962 ، بند 383 ، ص 219 .
(24) أنظر
 GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 334 - 335 , No. 80.
(25) أنظر
Crim. , 9 Fev 1936  : Revue de science criminelle et de droit penal comparé , Paris , 1936 , P. 442
 ( رابعاً ) الإستدراج
وخداع الشخص بقصد حمله علي ارتكاب فعل معين ، ويتم ذلك عن طريق الحيلة والترغيب وليس عن طريق الإكراه والترهيب ، وهذا المعني قريب مما جاء في الأعمال التحضيرية لإتفاقية باريس سنة 1910 والتي تعرف الإستدراج بأنه " جعل الجاني المرأة تصحبه أو تتبعه دون حاجة الي تحريض أو إكراه فهو يقودها أو يصحبها من المكان الذي اتفق معها أو وجدها فيه الي المكان الذي ينوي ممارسة البغاء فيه "(26). 
وقد يقع الاستدراج في صورة مادية ، وذلك بأن ينقل القواد المجني عليه نقلاً مادياً بأية طريقة من طرق المواصلات الي حيث يمارس البغاء ، وقد يقع في صورة نصائح أو تعليمات أو ضغط أدبي يؤدي الي إبعاد المجني عليه عن عائلته أو محل إقامته المعتاد (27). 
ويتم فعل الاستدراج الي ممارسة البغاء بصرف النظر عما إذا وقعت افعال البغاء بعد ذلك أم لا. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26)  أنظر الدكتور محمد نيازي حتاته : المرجع السابق ، بند 218 ص 398  وما بعدها .
(27) أنظر
 GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 334 - 335 , No. 82.
( خامساً ) الإغواء
ويقصد به ترغيب الشخص في فعل شئ وتهئيته لتقبل هذا العمل ، وهذا المعني لا يتسق لحد ما مع الأعمال التحضيرية لإتفاقية باريس سنة 1910 الخاصة بمكافحة البغاء ، ذلك لأن المقصود بالإغواء في ظل هذه الإتفاقية هو ابعاد الشخص عن أهله أو بيئته أو انتزاعه من الوسط الذي يعيش فيه. 
أسباب غموض بعض ألفاظ نص المادة الأولي :
يرجع سبب غموض تعريف إلفاظ الاستخدام والاستدراج والاغواء المستخدمة في قانون مكافحة الدعارة المصري ، الي أن هذه الكلمات في الأصل استخدمت في التعبير عن كافة الظواهر المختلفة لجريمة القوادة المراد العقاب عليها في الاتفاقية الأولي لمكافحة الرقيق الأبيض الموقع عليها في باريس سنة 1910 ، فقد كان الهدف من ذلك هو اتساع النص ليشمل أوجه النشاط المختلفة للإتجار بالرقيق الأبيض ، إذ أن نشاط الجناة يتكون من أفعال متتابعة تبدأ منذ اتفاق الجاني مع المرأة في احدي الدول ثم يقوم بتفسيرها عبر إقليم دولة أخري حتي ينتهي بها الي دولة الوصول فتقع عناصر الجريمة في ثلاث دول مختلفة ، ونظراً لأن المشرع المصري قد نقل ألفاظ الاتفاقية من اللغة الفرنسية الي اللغة العربية كغيره من باقي التشريعات التي نقلت الألفاظ الي تشريعاتها فقد أصبحت لا تعبر بدقة عن المعني المراد منها
المطلب الثاني
الركن المعنوى
 عناصر الركن المعنوي :
يتخذ الركن المعنوي في الجريمة المنصوص عليها في المادة الأولي من قانون مكافحة الدعارة صورة القصد الجنائي الخاص الذي يقوم علي عنصري العلم والإرادة ، فيجب أن تتجه إرادة الجاني صوب ارتكاب الفعل المكون للركن المادي للجريمة مع انصراف علمه الي عناصر الجريمة ، وبالإضافة الي ذلك يجب أن يكون التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الاستخدام او الاستدراج أو الاغواء بقصد إرضاء شهوات الغير .
(أولاً) العلم
العلم الذي يتطلب القانون ثبوته لقيام القصد الجنائي في جرائم التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الاستخدام أو الاستدراج أو الاغواء هو علم الجاني بأنه يقود المجني عليه الي ممارسة أفعال البغاء ، سواء وقع هذا الفعل بعد ذلك أم لا ، أما علمه بأن القانون يجرم هذا الفعل فهو علم مفترض لأنه علم بالقانون.
ولا حرج علي القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوي وملابساتها علي أي نحو يراه مؤدياً الي ذلك ما دام يتضح من مدونات حكمه توافر هذا القصد توافراً فعلياً ، فلمحكمة الموضوع استخلاص القصد الجنائي في جريمة التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الاستخدام أو الاستدراج أو الإغواء لإرتكاب أفعال الفجور والدعارة علي أي نحو تراه متي كان ما حصلته لا يخرج عن الإقتضاء العقلي والمنطقي.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه إذا كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المتهم اصطحب المجني عليه الي منزله ثم عرض عليه إحضار نسوة أو رجال لإرتكاب الفحشاء معهم ، فلما رفض أخرج قضيبه وعرض عليه ارتكاب الفحشاء معه. ولما كان ما انتهي اليه الحكم من أن ما اقترفه المتهم هو ضرب من ضروب التحريض علي ارتكاب الفجور ارضاء لشهوات الغير وليس ارضاء لمزاجه الخاص كما ذهب المتهم لذلك ، فإن ما يثيره المذكور في شأن العناصر المكونة للتحريض لا يعدو أن يكون مجادلـة في موضوع الدعـوي لا تجوز إثارتها أمام محكمة النقض (28).  ولكن إذا دفع المتهم بإنتفاء العلم لديه فإنه يجب علي المحكمة أن ترد علي هذا الدفع بأسباب صحيحة سائغة مستمدة من أوراق الدعوي لاسيما إذا كان في ظروف الدعوي ما يسمح بإنتفاء العلم .
(ثانياً) الإرادة 
يجب أن تتجه إرادة الجاني صوب ارتكاب الفعل المكون للجريمة ، وأن تكون إرادة معتبرة قانوناً ، أي إرادة حرة مميزة. وعلي ذلك فلا يرتكب جريمة
القوادة سائق السيارة الذي تستأجره المرأة الداعرة لتوصيلها الي منزل البغاء حتي لو كان السائق علي علم بغرضها مادامت إرادته لم تتجه الي مساعدتها في فعل البغاء ، وإنما كانت إرادته تتجه صوب توصيلها الي هذا المكان لقاء ما يحصل عليه من أجر ، كما لا يرتكب هذا الفعل صبي في ملهي أشار الي امرأة ساقطة ثم دعاها للإستجابة لأحد الزبائن لأن قصده لم ينصرف إلا لتلبية طلب هذا الزبون دون تعمده مساعدة المرأة علي ممارسة البغاء (29).
ومن المستقر فقهاً وقضاء أن الباعث علي ارتكاب الجريمة لا يعتبر من عناصر القصد الجنائي ، وعلي ذلك تقع الجريمة ممن يكون غرضه الحصول علي كسب ، أو مجرد مجاملة صديق ، أو مجرد الانتقام. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) أنظر
 
  Cass 24 Mai 1964. , Dalloz 1946. 2. 270 .
(ثالثاً) القصد الخاص
يفترض القصد الخاص توافر عنصري القصد العام ثم يضيف اليهما ، فالجريمة التي يتطلب فيها المشرع القصد الخاص لا يكتمل ركنها المعنوي إلا إذا توافر القصد العام أي علم الجاني بعناصر الجريمة ، واتجاه ارادته صوب ارتكاب هذه العناصر ، ثم بالإضافة الي ذلك توافر القصد الخاص وهو انصراف علم الجاني وارادته الي واقعة أخري ليست من أركان الجريمة (30). 
وبتطبيق هذا المفهوم علي الجريمة المنصوص عليها في المادة الأولي من قانون مكافحة الدعارة نجدها تتطلب بالإضافة الي القصد العام قصداً خاصاً يتمثل في أن يكون التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الاستخدام أو الاستدراج أو الاغواء بقصد ارضاء شهوات الغير ، ولا يهم بعد ذلك أن يكون الشخص الذي اتصل جنسياً مع المجني عليه معروفاً من عدمه. 
كما أنه لا يشترط أن يبادر الغير الي القواد طالباً منه احضار النساء اليه ، فلو أرسل القواد المرأة البغي الي شخص يعرف أنه مغرم بالنساء بقصد ارضاء شهوته الجنسية فإن القصد الخاص يكون قد توافر. وأما بالنسبة لنوع المتعة الجنسية التي يقصد القواد توفيرها ، فيستوي أن تكون طبيعية أم غير طبيعية ، بمشاهدة الاتصال الجنسي أم بالاتصال المباشر فهي في المحصلة بقصد ارضاء شهوات الغير (31) . 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) أنظر الدكتور محمـود نجيب حسني : شرح قانون العقوبات " القسم العام ". دار النهضة العربية ، الطبعة الخامسة ، 1982 ، بند 692 ص 608 .
(31) تضمن تقرير لجنتا العدل الأولي والشئون الاجتماعية بمجلس الشيوخ في تقريرها المقدم للمجلس فى 8 مارس سنة 1971 علي مشروع القانون رقم 68 لسنة 1951 أن جريمة التحريض علي البغاء أو تسهيله لا تتوافر إلا إذا انصرف قصد الجاني الي ارضاء شهوات الغير ، فإذا كان ما ارتكبه من تحريض أو مساعدة علي البغاء لم يقصد به إلا مزاجه الخاص فلا تأثيم فى ذلك - فلا ينطبق النص مثلاً علي الشخص الذي يغري فتاة ويحرضها علي ممارسة الفحشاء لمزاجه الخاص ولو أدي بها ذلك فيما بعد الي احتراف الدعارة .
المطلب الثالث
عقوبـة الجريمة
 (أولاً) عقوبة الجريمة في صورتها البسيطة : 
رصد المشرع لجريمة التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الاستخدام أو الاستدراج أو الاغواء عقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة ولا تزيد علي ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد علي ثلاثمائة جنيه ( المادة 1 / أ من قانون مكافحة الدعارة )(32).
ويعاقب علي الشروع في ارتكاب هذه الجرائم بالعقوبة المقررة للجريمة التامة (مادة 7 من قانون مكافحة الدعارة ) ، وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لا جدوي من النص علي الحكم بأنه اعتبر الجريمة تامة مادامت عقوبة الشروع هي ذات العقوبة المقررة للجريمة في حالة تمامها (33). 
كما يستتبع الحكم بالإدانة في هذه الجريمة وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة (34).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) لما كان مؤدى ما أثبته الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن الطاعن وآخر كان يستحضر الرجال لتمارس معهم باقى المتهمات الدعارة لا يوفر فى حقه صورة المعاونة التى تتطلبها الفقرة الأولى من المادة السادسة ويكون الحكم إذ أعمل هذه الفقرة فى حق الطاعن معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون وتأويله إلا أنه متى كان ما أثبته الحكم فى حق الطاعن  على نحو ما سلف  يعتبر تسهيلاً للبغاء بصورته العامة مما يخضعه للمادة الأولى من القانون التى تناولت بالتجريم شتى صور المساندة. لما كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعن بالحبس سنتين مع الشغل وكانت هذه العقوبة تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للجريمة المنصوص عليها فى المادة الأولى فلا وجه لنقض الحكم.
 أنظر طعن جنائى رقم 21109 - لسنــة 66 - تاريخ الجلسة 6 / 4 / 2006 .
(33) أنظر نقض 27 فبراير سنة 1968 مجموعة أحكام محكمة النقض س 19 رقم 55 ص 295 .
(34) للمزيد من التفصيلات حول عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة : أنظر  ص 43 وما بعدها من هذا المؤلف .
(ثانياً) عقوبة الجريمة في صورتها المشددة :
نص المشرع علي تشديد العقوبة علي الجرائم المنصوص عليها في المادة الأولي من قانون مكافحة الدعارة إذا توافر ظرف من الظروف المشددة الآتية :
( أ ) إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يتم من العمر الحادية والعشرين سنة ميلادية : 
وفي هذه الحالة تكون العقوبة هي الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي خمس سنوات وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد علي خمسمائة جنيه.  والعبرة بسن المجني عليه وقت ارتكاب الفعل(35) ، ويفترض علم الجاني بهذه
السن ، وإذا ادعي جهله بها فلا يقبل منه أي دليل ، وإنما يتعين أن يثبت أن جهله يرجع الي ظروف قهرية أو استثنائية.
وإذا وجدت شهادة ميلاد تثبت سن المجني عليه التزم القاضي بالأخذ بها ، ما لم يطعن المتهم بتزويرها. وإذا لم توجد هذه الشهادة ساغ للقاضي أن يعتمد علي أية ورقة رسمية أخري كإفادة من المدرسة التي التحق بها المجني عليه ، خاصة وأن هذه الورقة تتحدد بالرجوع الي شهادة الميلاد ، وإذا لم توجد ورقة رسمية حدد القاضي سن المجني عليه بنفسه أو مستعيناً بالخبير المختص(36) ، ويعتبر تحديد سن المجني عليه هو فصل في مسألة موضوعية ، ومن ثم لا يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض (37). 
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(35) أنظر مؤلفنا جرائم العرض : دار الفكر الجامعي ، 1993 ، ص 142 .
(36) وإذا دفع المتهم بتجاوز المجني عليه السن السابقة كي يتجنب التشديد ، ولكن المحكمة قضت بالعقوبة المشددة دون أن تحقق دفاعه وترد عليه رداً مدعماً بالدليل كان ذلك إخلال بحقوق الدفاع وقصوراً فى تسبيب الحكم - وهذا الحكم فى جرائم العرض ولكنه يسري علي جريمة الدعارة .      
      أنظر نقض 24 مارس سنة 1952 مجموعة أحكـام محكمـة النقض س 2 رقم 236 ص 636 .
(37) أنظر نقض 11 نوفمبر سنة 1940 مجموعة القواعد القانونية ج 5 رقم 146 ص 272 .
( ب ) إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يتم من العمر ست عشرة سنة ميلادية :  
وفي هذه الحالة تكون العقوبة الحبس من ثلاث سنوات الي سبع سنوات (مادة 4 من قانون مكافحة الدعارة ) وتبقي عقوبة الغرامة دون تشديد حيث أن نص المادة الرابعة تناول تشديد عقوبة الحبس فقط. 
( ج ) إذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو من لهم سلطة عليه أو كان خادماً بالأجر عنده أو عند من تقدم ذكرهم :
شدد المشرع العقوبة إذا وقعت الجريمة من أحد الفئات المنصوص عليها في المادة الرابعة وجعلها الحبس من ثلاث سنوات الي سبع ، بخلاف عقوبة الغرامة المقررة. وترجع علة التشديد في هذه الحالة الي إساءة الجاني استعمال السلطة التي له علي المجني عليه ، فيكشف بذلك عن خيانة للثقة التي وضعت فيه ، وإهدار للواجبات التي كان من المفروض عليه الالتزام بها تجاه المجني عليه.
أصول المجني عليه : 
إن أصول المجني عليه هم من تناسل منهم المجني عليه تناسلاً حقيقياً، وهم كـالأب والجد وإن عــلا (38) ، وبذلك فـإن الأب أو الجد بالتبني لا يعتبر من أصـول المجني عليه ، وذلك لأن الشريعة الاسلامية لا تعترف بهذا النظام إعمالاً لقولـه تعـالي في سـورة الأحزاب أية رقم5 " ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً “ ، أما اذا كان الجاني والمجني عليه يخضعان لقانون أحوال شخصية يعترف بالتبني ، فان الظرف المشدد يتحقق
في هذه الحالة ، ويلاحظ أن الأب بالتبني وإن لم يكن من أصول المجني عليه ، إلا أنه قد يسري عليه الظرف المشدد الخاص بالمتولين ترتبيته أو ملاحظته (39). 
كما يشترط أن تكون صلة البنوة شرعية ، فلا يسري التشديد علي الأب غير الشرعي ، وذلك لأن صلة الرجل بإبنته غير الشرعية تتماثل مع صلة الأب بالتبني.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(38) أنظر الأستاذ أحمد أمين : شرح قانون العقوبات الأهلي "القسم الخاص" ، القاهرة ، مطبعة الاعتماد ، 1923 ، ص 444 .
(39) يعد الأب بالتبني من الأصول وفقاً للرأي الراجح فى الفقه الفرنسي ، فهو إن لم يكن منهم شرعــاً بالزواج ، فإنه بمقتضي رابطة التبني يصبح من الأصول قانوناً.      
      أنظر
 GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 331 - 333 , No. 108 .
      وكذا أنظر
F . Goyet : 8è éd par MARCEL Rousselet & PIERRE ARPILLANG & JAQUES Patin : Droit Penal Special , Paris , Sirey , 1972 , p . 381 .
المتولين تربية المجني عليه أو ملاحظته : 
وهم كل من وكل اليه أمر الإشراف عليه أو تهذيبه سواء كانوا من أقاربه أم من غيرهم ، يستوي في ذلك أن يكون الإشراف أداء لواجب قانوني عهد به الي الجاني كالوصي أو القيم المعين بقرار من المحكمة ، أو أداء لواجب وظيفي كالمدرس وملقن الحرفة ، أو بحكم الاتفاق كالمدرس الخصوصي ، أو بحكم الواقع كما هو الشأن في إشراف زوج الأخت علي شقيقتها ، وزوج الأم علي ابنتها من زوج سابق (40).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(40)  يتعين علي المحكمة فى حالة الإشراف بحكم الواقع أن تبين مختلف الظروف التي أوجدته فعلاً والتي بنت عليها ثبوته .      
       أنظر نقض 4 ديسمبر سنة 1980 مجموعة أحكام محكمة النقض س 31 رقم 205 ص 1065 .
من لهم سلطة علي المجني عليه : 
والمقصود بالسلطة في هذه الحالة ما يكون من نفوذ لشخص علي أخر ، يستوي في ذلك أن تكون هذه السلطة قانونية كسلطة الوصي أو القيم ، أو سلطة المخدوم علي خادمه (41) ، أو سلطة الرئيس بالمصلحة الحكومية علي الموظفات أو العاملات بالمصلحة ، أو سلطة رب العمل علي عاملاته ، أو سلطة المدرس علي تلميذاته (42) ، أو سلطة فعلية مصدرها الأمر الواقع (43) ، وذلك كسلطة أحد أقارب المجني عليه كالعم ، أو ابن العم أو زوج الأخت أو زوج الأم (44) ، كما تشمل السلطة الفعلية حالة تسخير الجاني بعض الفتيات لجمع أعقاب السجائر
أو التسول لحسابه ثم يفرض عليهم اتــاوة وإلا تعـرضن للأذي (45). 
كما يستوي أن تكون السلطة التي للجاني علي المجني عليه سلطة دائمة ، أي غير محددة المدة ، أم تكون سلطة موقتة كالطبيب الذي يشرف علي علاج مريضه خاصة إن كان يقيم لديه في مستشفي يديره أو يعمل فيه.
وترجع أهمية التفرقة بين السلطة القانونية والسلطة الفعلية الي طبيعة الإثبات في كل من الحالتين ، فالسلطة القانونية تستتبع حتماً وجود النفوذ ، ولذلك فالتشديد واجب متي كان الجاني له هذه الصفة ، أما إذا كانت السلطة فعلية فقد تعين إثبات الظروف التي أدت الي وجود هذه السلطة للجاني علي المجني عليه ، فلا تعدوا هذه الظروف أن تكون قرينة قابلة لإثبات العكس (46).
ومن المقرر أن توافر السلطة الفعلية للجاني علي المجني عليه أو عدم توافرها مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع بغير مراقبـة محكمة النقض طالما كانت الأدلة والاعتبارات من شأنهـا أن تؤدي الي ما إنتهي اليه الحكم (47).
ــــــــــــــــــــــــ
(41) أنظر
Cass 6 Oct 1864. , Dalloz 1865. 1 .45 .
(42) أنظر
GARRAUD ( René ) :" Traité Théorique et pratique de droit  pénale " . Paris , Sirey , T . 5 , 1916 , No . 2107 .
(43) يستوي فى ذلك أن تكون السلطة الفعلية  نتيجة عمل مشروع أو غير مشروع ، وبناء علي ذلك فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بوجود السلطة الفعلية للمتهم علي المجني عليها لأنه عشيق أمها ويقيم معها .       
      أنظر
 Crim 31 Dec 1868. , Sirey 1869. 1. 287 .
(44) أنظر
Crim. , 30 Out 1855 , Bulletin Criminelles. , 1855. No. 303 .
(45) أنظر الدكتور أحمد فتحي سرور : المرجع السابق ، بند 425  ص 605 .
(46) أنظر
 GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 331 - 333 , No. 145.
(47)  أنظر نقض 4 ديسمبر سنة 1980 مجموعة أحكام محكمة النقض س 31 رقم 205 ص 1065 .
الخادم بالأجر عند المجني عليه أو عند من تقدم ذكرهم : 
المقصود بالخادم كل من يقوم بعمل لدي المجني عليه أو لدي أحد من الفئات السابق ذكرها نظير أجر وهم " الأصول والمتولون التربية أو الملاحظة وأصحاب السلطة " ، ويستوي أن يكون هذا الاجر نقدياً أم عينياً ، وعلي ذلك لا يتوافر الظرف المشدد إذا ارتكب الفعل ممن لا يتقاضي مقابل من المجني عليه كمن يتطوع لتأدية خدمة بدون مقابل ، أو من يتردد للقيام بأداد عمل كمحصل الكهرباء ، أو جامع القمامة. 
ويري جانب من الفقه أنه لا يشترط أن يكون الخادم منقطعاً لخدمة المجني عليه ، إذ أن التشديد ينطبق عليه ولو كان يتردد علي نحو معتاد لقضاء لوازمه ، كما هو الشأن في الطباخ أو السفرجي الذي يعمل لبضع ساعات من النهار ، ما دام الثابت أن اتصاله بالمجني عليه لهذا السبب هو مما يسهل له إرتكاب الجريمة ، إذ بهذا القدر تتحقق علة التشديد(48). 
بينما يري جانب آخر من الفقه أن علة التشديد تقتضي أن يكون الخادم منقطعاً لخدمة المجني عليه أو أحد ممن سبق ذكرهم لأن الإنقطاع للخدمة يسهل للخادم الدخول في المسكن في أي وقت ويولد نوعاً من الألفة بين الخادم ومخدومه
بينما يري جانب آخر من الفقه أن علة التشديد تقتضي أن يكون الخادم منقطعاً لخدمة المجني عليه أو أحد ممن سبق ذكرهم لأن الإنقطاع للخدمة يسهل للخادم الدخول في المسكن في أي وقت ويولد نوعاً من الألفة بين الخادم ومخدومه ، وهذان السببان يتيحان للجاني فرصة ارتكاب الجريمة (49).
كما يتوافر الظرف المشدد إذا كان الجاني والمجني عليه يعملان معاً في خدمة شخص واحد ، فإذا واقع خادم زميلته الخادمة التي تعمل معه في منزل واحد ، ينطبق عليه الظرف المشدد (50). 
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(48) أنظـر فى الفقه المصري الدكتور عبد المهيمن بكر : القسم الخاص فى قانون العقوبات. القاهرة ، الطبعة السابعة ، 1977 ، دار النهضة العربية ، بند 331 ، ص 685 .      
      وفى الفقه الفرنسي
 GARCON ( Emile ) : Op. Cit. , Art. 331 - 333 , No. 172 .
(49) أنظر الدكتور محمود نجيب حسني : المرجع السابق ، بند 737 ، ص 544 .
(50) كما قضت محكمة النقض بأنه متي كان المتهم والمجني عليه كلاهما عاملين فى محل  كواء واحد ، فهما مشمولان بسلطة رب عمل واحد ، ومن ثم ينطبق علي المتهم الظرف المشدد المذكور .
     أنظر نقض 18 مارس سنة 1957 مجموعة أحكام محكمة النقض س 8 رقم 75 ص 263 .