شروط صحة التلبس فى جرائم الآداب
لا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يستخدم سلطاته الناشئة عن حالة التلبس إلا إذا توافر شرطان :
أولاً : أن يكون مأمور الضبط القضائي قد عاين حالة التلبس بنفسه.
ثانياً : أن يكون اكتشاف التلبس فد تم بطريق مشروع.  وسوف نتناول فيما يلي هذين الشرطين بشئ من التفصيل :
 ( أولاً ) مشاهدة التلبس بمعرفة مأمور الضبط القضائي :
تتفق غالبية الفقه ، والقضاء في مصر علي أنه ينبغي أن يشاهد مأمور الضبط القضائي حالة التلبس بنفسه (1) ، ومعني ذلك أنه لا يكفي علمه بتوافر حالة التلبس رواية عن الغير ، ويبرر هذا الشرط حرص الشارع علي الضبط والتحديد ، فقد تكون الرواية كاذبة ، فتصير الإجراءات التي اتخذها مأمور الضبط القضائي غير مستندة الي أساس من القانون(2). 
بيد أن جانباً من الفقه يري أن اشتراط محكمة النقض مشاهدة مأـمور الضبط القضائي للجريمة متلبساً بها لايتسق والنصوص التشريعية(3)، فيؤخذ عليه ما يأتي :
أ - أن نص المادة 30 إجراءات جنائية لا يتطلب هذا الشرط ، كذلك لم تكن توجبه المادة الثامنة من قانون تحقيق الجنايات الأهلي ، فإن قيل بأن في وجوده ضمان لحرية المتهمين لكان الرد علي هذا أن تحديد صور التلبس علي سبيل الحصر فيه الكفاية لتحقيق ذلك الغرض.
ب - يدل واقع الحياة العملية علي أن صور التلبس التي عددتها المادة 30 إجراءات جنائية لا يحصل أن يشاهدها مأمور الضبط القضائي ، إذ الغالب أن يتلقي نبأ التلبس عن طريق مشاهدة الغير ، وليس من المقبول مطلقاً أن يعدد المشرع صور التلبس ثم يهدر إعمالها في الحياة الواقعية ، بل المقبول أنه افترض أن تحصل المشاهدة من غير مأمور الضبط القضائي ثم يتلقي خبراً عنها ممن شاهدها.
ج - أوجبت المادة 31 إجراءات جنائية علي مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فوراً إلي محل الواقعة ، فهي إذن تفترض أن مأمور الضبط القضائي في محل عمله ثم تلقي خبر التلبس ممن شاهده وعليه عندئذ أن ينتقل الي مكان الجريمة.
د - تنص المادة 37 إجراءات جنائية علي أن " لكل من شاهد الجاني متلبساً بجناية أو جنحة يجوز فيها قانوناً الحبس الاحتياطي أن يسلمه الي أقرب رجل من رجال السلطة العامة دون احتياج الي أمر بضبطه "، ولم تسقط أثر التلبس بعد هذا ، أي أنها تركته لأحكام التلبس العامة ، فهي تفترض صراحة أن مأمور الضبط القضائي لم يشاهد حالة التلبس (4). 
بينما يري جانب آخر من الفقه أن الإنتقادات سالفة الذكر ليست في محلها ، إذ أن الجريمة التي لم تخلف آثاراً يتصور ضبطها في حالة تلبس إذا شاهد مأمور الضبط القضائي تحقق عناصر النشاط الاجرامي فيها ، أما إذا عاين شخص عادي حالة التلبس فما يقرره القانون هو جواز أن يتعرض هذا الشخص للمجرم المتلبس ويقتاده الي رجل السلطة العامة ، وعلي مأمور الضبط القضائي أن ينتقل فوراً إلي محل الواقعة ، فإن عاين بعد انتقاله إحدي حالات التلبس جاز له أن يتخذ الإجراءات التي يخوله القانون اياها، أما إذا لم يعاين شيئاً بعد ذلك فعليه أن يبلغ النيابة العامة لتباشر التحقيق بنفسها أو تندبه لبعض إجراءته (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  أنظر الدكتور توفيق الشاوي : المرجع السابق ، ص 294 ؛ الدكتور محمود محمود مصطفي : شرح قانون الاجراءات الجنائية. القاهرة ، الطبعة العاشرة ، 1970 ، ص 236 ؛ الدكتور محمود نجيب حسني : شرح قانون الاجراءات الجنائية. القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1982 ، بند 593 ، ص 556 .
(2) أنظر نقض 27 مايو سنة 1935 مجموعة القواعد القانونية ج 3 رقم 381 ص 483 ؛ نقض 23 مايو سنة 1938 ج 4 رقم 226 ص 237 ؛ نقض 15 نوفمبر سنة 1943 ج 6 رقم 357 ص 333 ؛ نقض 9 ابريل سنة 1962 مجموعة أحكام محكمة النقض س 13 رقم 80 ص 322 ؛ نقض 30 ديسمبر سنة 1963 س 14 رقم 184 ص 1011 .
(3) أنظر الاستاذ علي زكي العرابي : المبادئ الاساسية للاجراءات الجنائية - شرح قانون الاجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 الصادر بتاريخ 3 سبتمبر سنة 1950. القاهرة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، 1951 ، ج 1 ، بند 482 ، ص 248 ؛ الدكتور رمسيس بهنام : الاجراءات الجنائية تأصيلاً وتحليلاً. الاسكندرية ، منشأة المعارف ، 1984 ، بند 159 ، ص 475 .
(4) أنظر الدكتور حسن صادق المرصفاوي : أصول الاجراءات الجنائية. الاسكندرية ، منشأة المعارف ، 1977 ، بند 124 ، ص 267 ومابعدها .
(5) أنظر الدكتور رؤوف عبيد : مبادئ الاجراءات الجنائية فى القانون المصري. القاهرة ، الطبعة الحادية عشرة ، 1976 ، ص 346 .
 
 ( ثانياً ) اكتشاف التلبس بطريق مشروع :
إن العبرة في مشروعية أو عدم مشروعية وسيلة الكشف عن حالة التلبس هي بمطابقتها للقانون ، فإذا كان السلوك مخالفاً للقانون وما يقضي به في هذا الشأن كان الاجراء باطلاً ، وبالتالي لا يترتب أي أثر قانوني (6) ، فلا يجوز إثبات
التلبس بناء علي أعمال غير مشروعة ، أو تنطوي علي افتئات علي حقوق الأفراد دون سند من القانون.
فإذا كان سلوك رجل السلطة العامة الذي كشف حالة التلبس جريمة في حد ذاته ، كما لو باشر مأمور الضبط القضائي قبضاً وتفتيشاً في غير الاحوال التي يرخص فيها القانـون بذلك فإن هذا الاجـراء يعتبر باطلاً لمخالفته لأحكام القانون (7). 
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه شاهد مأمور الضبط باب مسكن المتهمة الكائن في حي المومسات بعد الغاء الدعارة مفتوحاً وأمامه جمهور من الناس فلما دخل المنزل شاهد في إحدي غرفه رجلاً يواقع امرأة في حالة تلبس فلا يجوز في هذا القول الإستناد الي المادة 47 اجراءات لأنه لم يكن من الممكن معرفة حالة التلبس بالجريمة (Cool.
كما يعتبر سلوك مأمور الضبط القضائي غير مشروع إذا باشر عمـلاً قانونيـاً ولكن تخلفت بعض شروط صحته ، كما لو انتدب لتفتيش مسكن غير المتهم ولم يحصل وكيل النيابة المختص علي اذن من القاضي الجزئي بذلك (9) ، أو إذا دخل مأمور الضبط القضائي محـلاً عامـاً لمراقبة تنفيذ القانون واستطال عمله الي مكان يعتبر سكناً ، أو في غير أوقات العمل المأذون فيها بدخـول المحل (10).
وكذلك يعتبر لجوء مأمور الضبط القضائي لوسيلة تتنافي مع الاخلاق والآداب العامة سلوكاً غير مشروع يترتب عليه بطلان الاجراء سواء كان قبضاً أو تفتيشاً ، واهدار الدليل المستمد منه ، وعلي سبيل المثال فإذا أبلغ مأمور ضبط قضائي مختص بوقوع جريمة إتجار في مواد مخدرة في مكان مغلق ثم نظر مأمور الضبط من خلال ثقب الباب لإثبات التلبس فإن ذلك يعتبر بمثابة انتهاك لحرمة المكان ، ولا يعتد بالدليل المستمد من الإجراء الباطل سواء كان قبضاً أو تفتيشاً ، بيد أنه اذا كان النظر من ثقب الباب قد تم بموافقة صاحب الصفة في المكان فإن هذا الرضاء يضفي المشروعية علي عمل مأمور الضبط القضائي ويؤدي الي الاعتداد بالدليل المستمد من حالة التلبس (11). 
كما أنه لا يجوز لمأمور الضبط القضائي اللجوء الي التحريض لإرتكاب جريمة لضبط مرتكبها في حالة تلبس ، وذلك لأن هذا المسلك من جانبه يشكل أكثر حالات عدم المشروعية انتهاكاً ، فعمل رجل الشرطة يجب أن يقتصر علي منع الجريمة ، فإن أخفق في ذلك فعليه عبء ضبطها ، وليس له في سبيل ذلك أن
يحرض علي ارتكابها (12) ، وليس هناك ثمة أهمية للباعث الذي دفع مأمور الضبط القضائي الي التحريض ، فلا يحول نبل الباعث دون عدم مشروعية التحريض الذي لجأ اليه مأمور الضبط القضائي بهدف ضبط الجريمة. بيد أن التحايل علي اكتشاف الجريمة عن طريق تكليف أحد المرشدين بدخول مسكن يتم فيه ممارسة أفعال الدعارة أو لعب القمار وضبط الجناه أثناء ممارسة هذه الأفعال لا يعتبر تحريضاً علي ارتكاب الجريمة ، وقد قضت محكمة النقض بتأييد ذلك بقولها " أنه مما يدخل في اختصاص مأموري الضبطية القضائية أن يتخذوا ما يلزم من الاحتياطات لإكتشاف الجرائم وضبط المتهمين فيها ولهم في سبيل ذلك التخفي وانتحال الصفات حتي يأنس الجاني لهم " (13) ، فمسايرة رجال الضبط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) أنظر الاستاذ علي زكي العرابي : المرجع السابق ، ج 1 ، بند 843 ، ص 249 ؛ الدكتور محمود محمود مصطفي : المرجع السابق ، بند 179 ، ص 233 ؛ الدكتور توفيق الشاوي : المرجع السابق ، بند 238 ، ص 293 .
(7) أنظر نقض 8 أكتوبر سنة 1957 مجموعة احكام محكمة النقض س 8 رقم 205 ص 765 .
(Cool أنظر نقض 7 ديسمبر سنة 1955 مجموعة احكام محكمة النقض س 6 رقم 42 .
(9) أنظر نقض 20 مايو 1957 مجموعة احكام محكمة النقض س 8 رقم 144 ص 524 .
(10) أنظر نقض 9 فبراير سنة 1970 مجموعة أحكام محكمة النقض س 21 رقم 64 ص 260 .
(11) بيد أنه اذا كان من الجائز الدخول في المكان العام فإنه يجوز من باب أولي النظر من ثقب بابه للاطلاع علي مايجري فيه ، فإذا نظر مأمور الضبط القضائي من ثقب باب المكان العام فعاين جريمة ترتكب فى داخله تحقق التلبس بذلك. 
       أنظر نقض 28 فبراير سنة 1944 مجموعة القواعد القانونية ج 6 رقم 310 ص 41 .
(12) أنظر  
Jurisclassur Periodiqu ( Semaine Juridique ) , 1964 . 2. 135.
(13)  نظر نقض 27 ديسمبر سنة 1943 مجموعة القواعد القانونية ج 6 رقم 283 ص 372 .
(14) أنظر نقض 24 فبراير سنة 1980 مجموعة أحكام محكمة النقض س 31 رقم 52 ص 92 ؛ نقض 26 فبراير سنة 1985 س 36 رقم 52 ص 306 .