الجهر بأغان أو صياح أو خطب مخالفة للآداب العامة
 
نص قانوني : 
تنص المادة 178 من قانون العقوبات علي أنـه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين...  ويعاقب بهذه العقوبة ... وكل من جهر علانية بأغان أو صدر عنه كذلك صياح أو خطب مخالفة للآداب ....".
تقـوم هذه الجريمة علي أركان ثلاثة ، الأول : الركن المادي ، الثـاني : ركن العلانية ، الثالث : الركن المعنوي. 
وعلي ذلك فإننا سنتناول هذا الموضوع علي النحو التالي :
المطلب الأول : الركن المادي. 
المطلب الثاني : ركن العلانية. 
المطلب الثالث : الركن المعنوي .
المطلب الرابع : عقوبة الجريمة.   
المطلب الأول
 
عناصر الركن المادي :
يتكون الركن المادي من نشاط إيجابي يتخذ صورة الجهر علانية بأغان أو صياح أو خطب منافية للآداب. ويقصد بالجهر علانية بأغان النطق بصوت مسموع بعبارات الأغاني سواء كانت شعراً أم نثراً ، بلغة عربية أم أجنبية ، أيا كانت طريقة تلحينها ، ويستوي أن تكون مصحوبة بالموسيقي أو بدونها ، كما يقصد
بالصياح كل صوت لم يكن مركباً من الفاظ واضحة ، أما الخطب فهي كل عبارات تحمل مضموناً سواء كانت شعراً أم نثراً.
وقد اشترط المشرع أن تكون الأغاني أو الصياح أو الخطب مخالفة للآداب العامة ، وقد سبق لنا أن بينا مدلول " مخالفة الآداب العامة " فيمكن الرجوع اليه منعاً للتكرار.  
المطلب الثاني
ركن العلانية
 
مدلول العلانية :
تعتبر العلانية الركن المميز لجريمة الجهر بأغان أو صياح أو خطب مخالفة للآداب ، فخطورة هذه الجرائم لا تكمن فيما نطق به الجاني وإنما في إعلانها.  وقد عالج قانون العقوبات ركن العلانية في المادة 171 في معرض الكلام علي الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها ، وتنص المادة 171 / 3 عقوبات علي أنه " يعتبر القول أو الصياح علنياً إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدي الوسائل الميكانيكية في محفل عام ، أو طريق عام ، أو أي مكـان آخر مطروق ، أو إذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه كل من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان ، أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي ، أو بأية طريقـة أخري ".
حالات علانية الأغاني أو الصياح أو الخطب :
تنحصر حالات العلانية أو الصياح أو الخطب علي ضوء المادة 171 عقوبات فيما يلي (1):
أولاً : الجهر بالأغان أو الصياح أو الخطب بإحدي الوسائل الميكانيكية. 
ثانياً : الجهر بالأغان أو الصياح أو الخطب في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق.  ثالثاً : الجهر بالأغان أو الصياح أو الخطب بحيث يستطيع أن يسمعها من كان في المكان العام.  رابعاً : الجهر بالأغان أو الصياح أو الخطب بطريقة اللاسلكي أو بأية طريقة أخري.  وسوف نتناول فيما يلي هذه الحالات بالشرح والتحليل.
ـــــــــــــــــــ
(1) أنظر مؤلفنا : جرائم العرض . دار الفكر الجامعى ، 1993 ، بند 220 ، ص 373 .
- ( أولاً ) الجهر بالأغاني أو الصياح أو الخطب بإحدي الوسائل الميكانيكية : 
ويقصد به استعمال وسيلة من شأنها جعل الصوت مسموعاً في أرجاء المكان العام بحيث يستطيع سماعه عدد من الناس بغير تمييز ، وفي هذه الحالة لا يشترط أن يغني الشخص أو يصيح أو يخطب بصوت مرتفع ، فيكفي أن يقع ذلك الصوت بصوت منخفض ثم يستعين بهذه الوسيلة (كالميكروفون) لرفع صوته وجعله مسموعاً علي النحو السابق (2).
ـــــــــــــــــــــ
(2) أنظر  
F . Goyet : Op . Cit . , No . 875 , P . 602 .
( ثانياً ) الجهر بالأغاني أو الصياح أو الخطب فى محفل عام أو طريق عام أو أى مكان آخر مطروق :
ويشترط لتوافر العلانية أن يكون الصوت مرتفعاً بحيث يستطيع أن يسمعه عدد من الناس بغير تمييز ممن يوجدون في المكان العام الذي صدرت فيه عن المتهم عباراته ، وتنقسم الأماكن العامة الي أماكن عامة بطبيعتها ، وأماكن عامة بالتخصيص ، وأماكن عامة بالمصادفة ، والمحفل العام .
( أ ) العلانية في المكان العام بطبيعته :
المكان العام بطبيعته هو الذي يستطيع أي شخص أن يرتاده في أي وقت سواء كان ذلك دون قيد أو نظير أداء رسم أو استيفاء شروط معينة ، ويستوي في هذه الحالة أن يكون الجهر بالأغان أو الصياح أو الخطـب في وجـود بعض الناس أو في عدم وجودهم ، فتوافر العلانية مرجعه احتمال أن يسمع أي شخص ذلك(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أنظر نقض 21 اكتوبر سنة 1963مجموعـة أحكـام محكمة النقض س 14 رقم 116 ص 632 .
- ( ب ) العلانية في المكان العام بالتخصيص :
المكان العام بالتخصيص هو الذي يباح لجمهور الناس دخوله خلال أوقات معلومة ، ويحظر عليهم إرتياده فيما عدا هذه الأوقات.  وإذا جهر الشخص بأغانيه أو صياحه أو خطبه في المكان العام بالتخصيص فإن العلانية تتوافر إذا صدر عنه فعله في الوقت الذي كان مصرحاً فيه لجمهور الناس بالدخول فيه في أجزاء المكان التي يصرح لهم بالدخول فيها ، وتتوافر العلانية حتي ولو لم يوجد أي شخص طالما كان مصرحاً للأفراد بإرتياد هذا المكان ، وعلي خلاف ذلك لا تتوافر العلانية في الأوقات التي لا يصرح الجمهور فيهـا بإرتيـاد المكـان ، أو في أجـزاء المكـان التي لا يصـرح للجمهور بالدخول فيهـا .
( ج ) العلانية في المكان العام بالمصادفة :
المكان العام بالمصادفة هو مكان خاص أصلاً ولكن يباح لجمهور الناس علي وجه عارض الدخول فيه ، ومثاله المطاعم والمقاهي والمحال التجارية ، وإذا جهر المتهم بأغانيه أو صياحه أو خطبه في خلال الوقت الذي يتواجد فيه جمهور الناس تحققت العلانية ، وعليه فإذا صدر الفعل في وقت كان المكان فيه خالياً من النـاس أو كان فيه شخص واحـد أو عدد قليل من الناس فلا تتحقق العلانية ، وعلي قاضي الموضوع في كل حالة أن يحدد ما إذا كان عدد الحاضرين قد بلغ من الأهمية القدر الذي يجعل منه جمهوراً (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) أنظر نقض 22 ماىو سنة 1961 مجموعة أحكام محكمة النقض س12 رقم 112 ص590 ؛ نقض 27 فبراىر سنة 1977 س 28 رقم 65 ص 307 .
( د ) العلانية في المحفل العام :
المحفل العام هو كل مجتمع احتشد فيه عدد كبير من الناس لم يدعوا اليه بصفة خاصة ، ولا حرج علي أي إنسان من الإشتراك فيه ، وذلك بغض النظر عن صفة المكان الذي احتشد فيه الجمع ، كالأفراح والموالد التي يباح لكل شخص أن يشترك فيها ، ويشترك المحفل العام مع المحل العمومي بالمصادفة في حكم علانية الجهر بالأغاني أو الصياح أو الخطب فيهما (5).
وإذا كان بين المجتمعين صلة سابقة وتحقق أنه لا يوجد من بينهم من لا تجمعه بهم هذه الصلة فالإجتماع خاص ، ولا يحول دون اعتباره خاصاً أن يكون عدد المشتركين فيه كبيراً.  وتطبيقاً لذلك فالصياح أو الخطب المنافية للآداب العامة التي يجهر بها في قاعة محاكمة سرية أو في اجتماع مجلس إدارة شركة أياً كان تخصصها أو نادي رياضي أو اجتماعي لا تتوافر لها العلانية ، فثمة صلة تجمع بين المجتمعين في هذا الاجتماع(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(5)  قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت المحكمة قد حصلت قىام العلانىة من أن المتهم القى خطابه الذى ىتضمن العىب فى جمع من الناس (أعضاء اتحاد خرىجى الجامعة)  ولم ترقى الرابطة التى تربط بعضهم ببعض ما ىنفى وصف العلانىة عن هذا الخطاب ، فهذا الفهم من جانبها سائغ وتحصىله فى حدود سلطتها .     
 أنظر نقض 12 ماىو سنة 1947 مجموعة القواعد القانونىــة ج 7 رقم 358 ص 336 .
(6) وتعتبر قاعات الدرس فى المدرسة أو الكلىة وكذلك أمكنة الرىاضة من الأماكن الخاصة مقصورة على المقىدىن بها وإن إندست بىنهم قلة من غىرهم .      
         أنظر الدكتور محمود محمود مصطفى ، المرجع السابق ، بند 3 ص 356 .
( ثالثاً ) الجهر بالأغاني أو الصياح أو الخطب بحيث يستطيع أن يسمعه من كان في المكان العام :
تتحقق العلانية بالجهر بالأغاني أو الصياح أو الخطب في محل خاص إذا كان يستطيع سماعه من كان في مكان عام ، والعبرة في تحديد العلانيـة ليست بطبيعة المكـان الذي صدر فيه الفعل ، وإنما بطبيعة المكان الذي تحققت فيـه آثـاره وهي الإستماع الي الأغاني أو الصياح أو الخطب (7). 
أما إذا حصل الجهر بالقول في مكان خاص بحيث لا يستطاع سماعه من مكان عام فلا تتحقق العلانية ، فالمنزل بحكم الأصل محل خاص وسماع السكان الأغاني أو الصياح أو الخطب فيه لا يجعل منه مكاناً عاماً بالمصادفة ولا يتحقق به ركن العلانية ، ولكن إذا استطاع المارة في الشارع سماع تلك الأغاني أو الصياح أو الخطب المنافية للآداب الصادرة من المتهم وهو في منزله فإنها تعتبر علنية. 
ـــــــــــــــــــــــــ
(7) أنظر نقض 24 مارس سنة 1941 مجموعة القواعد القانونىة جـ 5 رقم 333 ص 426 .
( رابعاً ) إذاعة الأغاني أو الصياح أو الخطب باللاسلكي أو بأية طريقة أخرى :
تتحقق العلانية في هذه الحالـة إذا استعمل الجاني وسيلـة اللاسلكي ، والحكمة من تحريم استعمال هذه الوسيلة أنها تؤدي الي إنتشار الأغاني أو الصيـاح أو الخطب بحيث يسمعه عدد كبير من الناس ، وقد أردف الشارع وسيلة اللاسلكي بعبارة " أو أية طريقـتة أخري " ، وبذلك فإن هذه الطريقــة تتسع لتشمل الإذاعـة والتليفزيون ، وكل وسيلـة من شأنها أن تنقل الصـوت من مكان إلي مكان ، ولم يشترط المشرع في هذه الحالة أن تتحقق استطاعة السمـاع لمن وجد في مكـان عـام وذلك خلافاً لحالة الجهـر في مكــان خاص (Cool .
ـــــــــــــــــ
(Cool أنظر الدكتور أحمد فتحى سرور ، المرجع السابق ، بند 774 ص674 .
المطلب الثالث الركن
 
عناصر الركن المعنوي :
إن هذه الجريمة عمدية ، ومن ثم فإن الركن المعنوي فيها يقوم علي القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة. فينبغي أن يتجه علم الجاني صوب عناصر النشاط المادي المتمثل في الأغاني أو الصياح أو الخطب المنافية للآداب العامة ، كما يتعين أن تكون إرادة الجاني مميزة حرة مختارة وقت ارتكاب النشـاط المادي. 
المطلب الرابع عقوبة الجريمة
 
نوع ومقدار العقوبة المقررة :
رصد المشرع لهذه الجريمة عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن عشرين جنيهاً ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين.
ووفقاً للقواعد العامة فإن عقوبة الحبس لا تقل عن 24 ساعة.  وإذا عاد الجاني الي إرتكاب هذه الجريمة تكون العقوبة الحبس والغرامة معاً ، وذلك مع عدم الإخلال بأحكام المادة 50 من قانون العقوبات التي تجيز للقاضي أن يحكم بأكثر من الحد الأقصي المقرر للجريمة قانوناً بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد.