ثبوت النسب بالفراش
نصت المادة 15 من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 على أنه : لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها وبين زوجها من حين العقد .
ولا لولد زوجة آتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها .
ولا لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة .
وقال رسول الله r " الولد للفراش وللعاهر الحجر" صدق رسول الله r .
المقصود بالفراش : يقصد بالفراش هو كناية عن المرأة وكونها فراشا للرجل ، فيدل علي علاقة الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة عند بداية الحمل ، فالعبرة بقيام الزواج وقت بداية والحمل وليس عند الولادة .
والفراش يختلف عن طرق إثبات النسب الأخري في أنه ليس من وسائل إثباته فحسب ، بل هو المنشأ له ، أما البينة أو الإقرار فكلاهما كاشف للنسب وليس منشأ له مثل الفراش .
الشروط الواجب توافرها لثبوت النسب بالفراش .
توجد بعض الشروط يجب توافرها لثبوت النسب بالفراش وهذه الشروط هي :
أولاً : وجود عقد زواج .
يجب أن يوجد عقد زواج بين الرجل والمرأة ، ولا يشترط أن يكون هذا العقد صحيحا ، بل يثبت النسب بالفراش ولو كان عقد الزواج فاسداً أو كان الوطء بشبهة ، أو إذا كانت المرأة ملك يمين الرجل .
أما الوعد بالزواج أو تعليقه علي أمر في المستقبل ، فلا يترتب عليه النسب بالفراش ، وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن " المقرر باتفاق فقهاء الشريعة الإسلامية أن النسب يثبت بالفراش الصحيح وهو الزواج الصحيح وما يلحق به من مخالطة بناء على عقد فاسد أو شبهة ، وأن الوعد أو الاستيعاد لا ينعقد بهما زواج باعتبار الزواج لا يصح تعليقه على شرط ولا إضافته إلى المستقبل " .
ومما سبق يتضح ضرورة وجود عقد الزواج لثبوت النسب ، بصرف النظر عن كونه صحيحا أم فاسدا ، ووجود عقد الزواج لا يترتب علي ثبوت النسب بالفراش فقط ، بل هو شرط ضروري لإثبات النسب بالبينة والإقرار أيضا ، وتؤكد محكمة النقض هذا المبدأ بقضائها بأن " القاعدة فى إثبات النسب أنه إذا استند إلى زواج صحيح أو فاسد فيجب لثبوته أن يكون الزواج ثابتاً لا نزاع فيه سواء كان الإثبات بالفراش أو الإقرار أو البينة الشرعية وهى على من أدعى ".
وقضي أنه " لما كان من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية أن النسب يثبت بالفراش وهو الزواج الصحيح وما يلحق به وهو المخالطة بناء علي عقد فاسد أو بشبهة ، وكان من المقرر في الفقه الحنفي أن الزواج الذي لا يحضره شهود ، زواج فاسد يترتب عليه آثار الزواج الصحيح ومنها النسب بالدخول الحقيقي ، وكانت القاعدة في إثبات النسب أنه إذا استند إلي زواج صحيح أو فاسد فيجب لثبوته أن يكون الزواج ثابتا لا نزاع فيه سواء كان الإثبات باللفظ الصريح أو يستفاد من دلالة التعبير أو السكوت في بعض المواضع التي يعتبر الساكت فيها مقرا بالحق بسكوته ، استثناء من قاعدة لا ينسب لساكت قول ، وكانت الطاعنة قد تمسكت أمام محكمة الموضوع بدفاع مؤداه أنها كانت زوجة للمطعون عليه بعقد زواج فاسد خلا من الشاهدين ، وذلك قبل العقد عليها رسميا في 26/11/1983 وأنها كانت فراشا له بوعد منه بتوثيق هذا الزواج ، وإن الصغيرة (....) كانت ثمرة لهذا الزواج الفاسد ، ودللت علي ذلك بعدة قرائن منها إقراره بالشكوي رقم ...... لسنة .... إداري قسم المنيا بالاتفاق معها علي الزواج منذ فترة سابقة علي تقديم شكواها وتمت المعاشرة الجنسية بناء علي هذا الاتفاق ، وكذلك عقد قرانه عليها وهي ظاهرة الحمل ، وقدمت تأييدا لذلك صورة رسمية من الشكوي سالفة الذكر . وقد أخذ الحكم الصادر من محكمة أول درجة بهذه القرائن وحمل عليها قضاؤه برفض دعوي المطعون عليه ببطلان عقد الزواج ونفي نسب الصغيرة (...) له ، إلا أن الحكم المطعون فيه قضي بإلغاء هذا الحكم علي سند من أن البنت المطلوب نفي نسبها إلي المطعون عليه أتت من لقاء جنسي محرم شرعا ، وفي مدة اقل من ستة أشهر من تاريخ زواجها دون التحدث عن المستندات التي قدمتها الطاعنة وتمسكت بدلالتها علي وجود عقد الزواج الفاسد ، كما لم يطلع علي القرائن التي ساقتها الطاعنة تأييدا لدفاعها ، والتي كونت منها محكمة أول درجة عقيدتها ، وهو دفاع جوهري لو صح لتغير به وجه الرأي في الدعوي ، فإن إغفال المحكمة الرد علي هذا الدفاع وما ساقته الطاعنة من أدلة عليه من شأنه أن يعيب الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه " .
ثانياً : إمكانية حدوث حمل الزوجة من زوجها .
يقصد بذلك أن يكون الزوج أهلا لإحداث الحمل ، بأن يكون في سن تسمح له بذلك ، فيكون بالغا أو مراهقا ، وقدر العلماء سن الجماع بعشر سنوات ، أما إذا كان الزوج صغيرا فلا يتوافر هذا الشرط ، بل يعد ذلك قرينة علي أن الولد ليس منه .
لا يشترط تلاقي الزوجين بعد عقد الزواج الصحيح لثبوت النسب .
قد يتبادر إلي الذهن أن المقصود بهذا الشرط هو حدوث تلاقي بين الزوجين بعد العقد أي حدث دخول حقيقي بعد عقد الزواج الصحيح ، ولكن العبرة هنا في إمكانية الوطء في حد ذاتها ، فإذا وجد عقد زواج صحيح وثبتت إمكانية الوطء لدي الزوج ، ثبت النسب ، بصرف النظر عن حدوث الاتصال الجنسي فعلا لأنه أمر متصور حدوثه .
وهذا هو المقرر في المذهب الحنفي ، فلا يشترط فقهاء الحنفية تلاقي الزوجين فعلا لثبوت النسب ، بل يكفي أن يكون عقد الزواج الصحيح موجودا وأن تأتي الزوجة بولدها لستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج ، والتلاقي عندهم يتصور بعد العقد ، وهذا كاف لثبوت النسب عندهم .
بينما مذهب الشافعية والمالكية هو اشتراط إمكان التلاقي ، ومن وجهة نظري فهما لا يختلفان كثيرا عن قول الحنفية في هذا الخصوص ، أما الإمام بن تيمية فيشترط الدخول بعد العقد .
موقف القانون (قيد عدم سماع الدعوي الوارد بالمادة 15 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ).
إن الجاري عليه العمل في شأن النسب هو المذهب الحنفي ، حيث جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون سالف الذكر ما نصه " بناء علي الأحكام الواجب تطبيقها الآن ، يثبت نسب ولد الزوجة في أي وقت أتت به مها تباعد الزوجان ، فيثبت نسب ولد زوجة مشرقية من زوج مغربي عقد الزواج بينهما مع إقامة كل منهما في جهته دون أن يجتمعا من وقت العقد إلي وقت الولادة اجتماعا تصح معه الخلوة وذلك بناء علي مجرد جواز الاجتماع بينهما عقلا .
كذلك يثبت نسب ولد الطلقة بائنا إذا أتت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق ونسب ولد المتوفي عنها زوجها إذا أتت به لأقل من سنتين من وقت الوفاة ... " .
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن " من الأصول المقررة فى فقه الشريعة الإسلامية أن الولد للفراش ، واختلفوا فيما تصير به المرأة فراشاً على ثلاثة أقوال أحدها أنه نفس العقد وإن لم يجتمع الزوج بها أو طلقها عقيبه فى المجلس ، والثانى أنه العقد مع إمكان الوطء ، والثالث أنه العقد مع الدخول الحقيقى لا إمكانه المشكوك فيه ، والقول بأن معنى التلاقى هو الاتصال الجنسى يؤدى إلى أن الفراش لا يثبت إلا بالدخول الحقيقى وهو ما لم يقصده المشرع بالمادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1929 لأن مفاد هذا النص أنه اختار الرأى الثانى ، بما يدل على أن المناط فيما تصير به المرأة فراشاً إنما هو العقد مع إمكان الوطء بصرف النظر عن تحقق الدخول أو عدم تحققه أو الاتصال الجنسى الفعلى " .
كما قضت محكمة النقض أيضا بأن " المقرر في الفقه الحنفي بوصفه أصلا ما لم ينص القانون علي خلافه ، أنه يكتفي في ثبوت النسب بالفراش بالعقد وحده إن كان صحيحا مع تصور الدخول وإمكانه ، وكان الواقع في الدعوي أن الطاعن أقامها بطلب نفي نسب الولد إليه ، بمقوله أنه أصيب بالعجز عن الإنجاب منذ ما قبل زواجه بالمطعون عليها ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه ، قد أقام قضائه برفض الدعوي علي سند من أن المطعون عليها أتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من تاريخ عقد الزواج الصحيح ، وأن نسب الولد إلي الطاعن ثبت بالفراش ، ورد علي دفاع الطاعن بشأن عجزه عن الإنجاب بقوله """ ... وكان الثابت من مناقشة الطبيب الشرعي أن عملية استئصال البروستاتا لها تأثير علي الإخصاب ، وأن التحليل الذي أجري بمعرفة مستشفي المنصورة الجامعي قد أفاد بأنه لا يوجد به أي حيوانات منوية وذلك بعدم تواجد إفراز لهذه الغدة بعد استئصالها وفي حالة فقد هذه الغدة ، فإن ذلك يؤثر بشكل واضح علي كمية السائل المنوي ، وأن نقص هذه الكمية لها تأثير علي حيوية الحيوانات المنوية ، أي قدرتها علي الحياة ، كما أنها تؤثر علي حرية حركتها ، وهذان العاملان هامان في عملية الإنجاب ، وأنه ليس من المتوقع أن يحصل إنجاب في هذه الحالة  ولكنه ليس من المستحيل في حالة فرض وجود حيوانات منوية ، كما أنه لا يستطيع الجزم عما إذا كان للمدعي قوة في إفراز السائل المنوي خلال الفترة من تاريخ زواجه في 27/6/1981 وحتي إجراء التحليل الذي تم في 2/10/1982 ..... وكان الأصل في النسب الاحتياط في ثبوته ما أمكن ، فهو يثبت مع الشك وينبني علي الاحتمالات النادرة والتي يمكن تصورها بأي وجه من الوجوه ، حملا لحال المرأة علي الصلاح وإحياءً للولد ... " ، وكان الحكم المطعون فيه الذي أيده وأحال إلي أسبابه قد أضاف إلي ذلك قوله " ... ولا ينال منه ما ذهب إليه المستأنف من أن محكمة أول درجة التفتت عن إجابته لطلبه ندب كبير الأطباء لشرعيين لعرض الأمر عليه ومناقشته بشأن حالته الصحية وفيما ورد بتقرير الطبيب الشرعي ، لأن مرد ذلك مرجعه إلي المحكمة وضمير القاضي لا غير ، وما دامت قد اقتنعت بما ثبت وتحقق لديها بالنسبة لموضوع النزاع ، ومما تجدر الإشارة إليه كدليل قاطع علي صحة ما انتهي إليه الحكم المستأنف ، ومما هو ثابت بالأوراق ، أن الصغير المطالب بنفي نسبه إلي المستأنف قد أنجبته المستأنف ضدها بعد زواجها بالمستأنف والدخول والمعاشرة بأكثر من ستة أشهر ، وقبل مضي سنة من تاريخ طلاقه لها .... وصلاحية طرفي الاستئناف للإنجاب ورزقهما بأولاد ، وأن الاثنين ما زالا علي قيد الحياة ... " .
وكان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه حصل فهم الواقع في الدعوي تحصيلا سليما ، وأنزل عليه صحيح حكم القانون ، وانتهي بأسباب سائغة في نطاق سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوي إلي ثبوت نسب الولد للطاعن وعدم الأخذ بما ساقه من دفاع سنده أمور ظنية لم تبلغ حد اليقين ولا تؤدي إلي نتيجة قطعية إذ لا يصح نفي النسب بناء عليها ما دام الإمكان قائما .
لما كان ذلك ، وكان لا تثريب علي محكمة الموضوع إن هي لم تر إجابة الطاعن إلي طلب الكشف عليه بمعرفة كبير الأطباء الشرعيين متي وجدت في أدلة الدعوي ما يكفي لتكوين عقيدتها ، ولا عليها إن هي لم تتعقب كل قول أو حجة أبداها الطاعن في دفاعه ، ما دام أن قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لذلك الدفاع ، فإن ما يثيره الطاعن بهذا النعي ، لا يعدو جدلا في تقدير المحكمة للأدلة ، بغية الوصول إلي نتيجة أخري غير تلك التي انتهي إليها الحكم " .
وقد ورد بنص المادة (15) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ، قيدا مؤداه عدم سماع دعوي النسب في حالات بينتها المادة المذكور ، حيث تنص علي أن " لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها وبين زوجها من حين العقد, ولا سنة من غيبة الزوج عنها , ولا لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة ".
وللوهلة الأولي ، يتبادر إلي الذهن أن نص هذه المادة يخالف أحكام النسب في المذهب الحنفي والسابق بيانها ، والحقيقة أن هذه المادة لم تخالف المذهب الحنفي ، فهي لم تجعل من الدخول شرطا لثبوت النسب ، كما لم تجعل أقصي مدة للحمل سنة علي خلاف المستقر عليه ، بل كل ما أتت به هذه المادة هو وضع قيد عدم سماع الدعوي ، فهي لم تتعرض من قريب أو بعيد لثبوت النسب أو نفيه ، بل وضعت قيدا مفاده عدم سماع الدعوي في حالة الإنكار ، بمعني أنه في حالة عدم الإنكار فالذي يجري عليه العمل هو أحكام النسب في المذهب الحنفي سابقة البيان ، فإذا لم يوجد إنكار جاز إثبات النسب حتي ولو أتت الزوجة بالولد لأكثر من سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة ، دون وجود تعارض مع المادة (15) سالفة البيان .
والأمر الذي حدي بالمشرع إلي وضع قيد عدم سماع الدعوي في المادة (15) ، هو درء للغش ومنعا للاحتيال ، حيث جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليلا لذلك ما نصه " ... وبما أنه يجوز شرعا لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوي التي يشاع فيها التزوير والاحتيال ، ودعوي نسب بعد مضي سنة من تاريخ الطلاق بين الزوجين أو وفاة الزوج وكذا دعوي نسب ولد من زوج لم يتلاق مع زوجته في وقت ما ، ظاهر فيها الاحتيال والتزوير لذلك ، وضعت المادة (15) من مشروع القانون " .
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن " النص فى المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 يدل على أن المشرع رأى درءاً للاحتيال أن ينهى عن سماع دعوى النسب عند الإنكار لولد المطلقة إذا أتت به بعد سنة من انقضاء فراش الزوجية باعتبار أن أقصى مدة للحمل وفقاً لما أفاد به الطب الشرعى وما ورد بالمذكرة الإيضاحية هى سنة حتى تشمل جميع الحالات النادرة " .
كما قضت بأن " من المقرر وفقا لنص المادة (15) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ، ألا تسمع عند الإنكار دعوي النسب لولد المطلقة إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق ، وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد ولد في سنة 1950 ، أي بعد ست سنوات من الطلاق ، وقد أنكره مورث المطعون عليهم حال حياته .
كما أنكر قيام علاقة زوجية جديدة بينه وبين والدة الطاعن بعد الطلاق ، وكان الحكم قد دلل علي عدم قيام الزوجية بعد الطلاق علي أسباب سائغة ، فإن النعي علي الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون علي غير أساس " .
وقضت أيضا بأن " النص في المادة (15) من القانون رقم 25 لسنة 1929 علي أنه لا تسمع عند الإنكار دعوي النسب لولد المطلقة إذا أتت بع لأكثر من سنة من تاريخ رفع الطلاق ، إنما تدفع به الدعوي التي يكون فيها الزواج الثابت سببا لثبوت نسب الولد بما أفاد به الطبيب الشرعي - وعلي ما ورد بالمذكرة الإيضاحية - من اعتبار أقصي مدة للحمل (365) يوما حتي تشمل جميع الأحوال النادرة ، مما مقتضاه عدم سريان حكم النص علي دعوي نسب الولد الذي أتي بعد الطلاق من فراش صحيح لاحق عليه ويثبت به النسب شرعا وهو الزواج وملك اليمين وما يلحق به وهو المخالطة بناء علي عقد فاسد أو شبهة .
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وقضي برفض دفع الطاعن بعدم سماع دعوي المطعون عليها طبقا للنص المذكور علي سند من أنه بعد طلاقه لها عاشرها زوجة له حتي إنجاب الصغيرين ، فإنه لا يكون قد أخطا في تطبيق القانون ، والنعي مردود في وجهه الثاني بأن دعوي المطعون عليها هي دعوي نسب وهي باقية علي حكمها المقرر في الشريعة ويجوز إثباتها بالبينة وأن الحكم لم ينظر إليها إلا مجردة عن دفع الطاعن بعدم سماع دعوي الزوجية " .
كما قضت بأن " مفاد نص المادة الخامسة عشر من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية ، أن المشرع الوضعي منع سماع دعوي النسب لأي معتدة من طلاق إن جاءت بولد لأكثر من سنة شمسية من وقت الطلاق ، أخذا بأن الطبيب الشرعي ، وعلي ما أوردته المذكرة الإيضاحية ، يعتبر أقصي مدة للحمل (365) يوماً حتي تشمل جميع الأحوال النادرة .
لما كان ما تقدم وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه ، أنه أقام قضاؤه علي أن المطعون عليها أقرت بما يفيد أنها طهرت من الوضع وأنها أصبحت حرثا لزوجها وصالحة لمعاشرته بعده ، وأنها إذ طلقت طلقة رجعية في 7/12/1970 دون أن تقر بانقضاء عدتها منه ، وكانت ولادتها للصغيرة ثابتة الوقوع في 12/8/1971 أي لأقل من سنة وقت الطلاق الرجعي ، ورتب علي ذلك أن نسبة الصغيرة للطاعن تكون ثابتة ، فإن هذا الذي خلص إليه الحكم لا ينطوي علي مخالفة للقانون لاحتمال أن بدء الحمل كان قبل الطلاق ، والمطعون عليها علي عصمته أو أنه كان بعده وهي في عدته .." .
وأخيرا قضت بأن " إن النسب يثبت بالفراش الصحيح وهو الزواج الصحيح وملك اليمين وما يلحق به وهو المخالطة بناء على عقد فاسد أو بشبهه وكانت الطاعنة قد تمسكت أمام محكمتى الموضوع بدرجتيها بأن المطعون ضده راجعها وأن هناك زواج فاسد أو بشبهة تم بينهما وأن الصغيرتين كانتا ثمرة هذا الزواج ودللت على ذلك بالمستندات إلا أن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قضى بنفى نسب الصغيرتين للمطعون ضده ، واجتزأ القول - بأن الطاعنة أتت بالطفلة ........ بتاريخ2/5/1985 وبالطفلة ........... فى 24/3/1987 وذلك بعد طلاقها الحاصل فى 5/2/1983 وكانت المادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1929 قد نصت على أن لا يثبت نسب ولد المطلقة إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق كما لم يثبت تلاقى المطعون ضده بالطاعنة فى ظل الزواج الصحيح -دون أن يعرض لدفاع الطاعنة ومستنداتها رغم لها من دلالة فى ثبوت نسب الصغيرتين.
وهو دفاع جوهرى يتأثر به لو صح وجه الرأى فى الدعوى ، فإن إغفال المحكمة الرد على هذا الدفاع وما ساقته الطاعنة من أدلة عليه من شأنه تعيب الحكم بالقصور فى التسبيب .
ثالثاً : مضي أقل مدة للحمل من تاريخ الزواج .
وقد أتفق أئمة الفقه الإسلامي علي أن أقل مدة للحمل هي ستة أشهر ، مستدلين علي ذلك بقوله تعالي " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا "  ، وقوله تعالي أيضا "وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ "  ، ووجه الاستدلال أنه بإسقاط المدة الواردة بالآية الثانية ، من المدة الواردة بالآية الأولي ، تبقي مدة ستة أشهر ، وهي أقل مدة للحمل .
ويقول الإمام بن كثير عن في ذلك " وقد استدل علي t بهذه الآية مع التي في لقمان {وفصاله في عامين} وقوله تبارك وتعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوي وصحيح, ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة t ، قال محمد بن إِسحاق بن يسار عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط عن معمر بن عبد الله الجهني قال : تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستة أشهر, فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه, فذكر ذلك له , فبعث إليها, فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت : وما يبكيك ؟ فو الله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط, فيقضي الله سبحانه وتعالى في ما شاء , فلما أتى بها عثمان t أمر برجمها فبلغ ذلك علياً t : فأتاه فقال له ما تصنع, قال: ولدت تماماً لستة أشهر, وهل يكون ذلك, فقال له علي t : أما تقرأ القرآن : قال : بلى ، قال: أما سمعت الله عز وجل يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} وقال {حولين كاملين} فلم نجده بقي إلا ستة أشهر قال: فقال عثمان t والله ما فطنت بهذا, عليّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها قال: فقال معمر: فو الله ما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه, فلما رآه أبوه قال : ابني والله لا أشك فيه. قال : وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الآكلة, فمازالت تأكله حتى مات ".(1)
ومن المقرر بقضاء النقض أن " من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية ، وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة ، أن النسب يثبت بالفراش وهو الزواج الصحيح وما يلحق به من مخالطة بناء علي عقد فاسد ، أو شبهة ، ورتب الفقهاء علي ذلك أن الزنا لا يثبت نسبا ، وأساس الأخذ بهذه القاعدة هو ولادة الزوجة أو المطلقة في زمن لا يقل عن ستة أشهر من تاريخ الزواج ، لما هو مجمع عليه من أنها أقل مدة للحمل أخذا بقوله تعالي " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا" ، وقوله تعالي " وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ " ، فبإسقاط مدة الفصال الواردة في الآية الأخيرة من مدة الحمل والفصال الواردة في الآية الأولي يتبقي للحمل ستة أشهر ، وفرع الفقهاء علي ذلك أنه إذا تزوج رجل بامرأة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من زواجها لم يثبت نسبه لأن العلوق سابق علي النكاح بيقين ، فلا يكون منه ، ومن الراجح في مذهب الحنفية سريان هذه القاعدة ولو كان العلوق من نفس الزوج نتيجة الزنا ، فيحق للزاني أن ينكح مزنيته الحبلي منه ويحل له أن يطأها في هذا النكاح ولكن لا يثبت الولد منه إذا أتت به لأقل من ستة أشهر لأنه لم يكن وليد مدة حمل تام " .
وتحسب هذه المدة من تاريخ عقد الزواج ، أما إذا كان العقد فاسدا أو كان الوطء بشبهة ، فتحسب هذه المدة من تاريخ الدخول ، وعلي ذلك فإذا أتت بالولد لأقل من ستة أشهر ، فلا يثبت نسبه إلي الزوج بالفراش ، ولو كان هذا الولد من علوق الزوج نفسه نتيجة علاقة غير مشروعة .
رابعاً : ولادة الزوجة لأقل أقصي مدة الحمل .
ولم يتفق الفقهاء علي أقصي مدة لحمل المرأة ، كما هو الشأن في اتفاقهم علي أقل مدة له ، فقد تباينوا فيما بينهم في تحديد هذه المدة ، فالحنفية يقدرونها بسنتين هجريتين ، أما الشافعية فيرون أنها أربع سنوات ، في حين أن المالكية لهم قولين في هذه المدة ، أولها أنها أربع سنوات ، والثاني أنها خمس سنوات
حساب مدة الحمل يكون بالتقويم الميلادي :
وتحسب مدة الحمل ، أقلها وأقصاها بالتقويم الميلادي ، وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن : النص في المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بشأن بعض أحكام الأحوال  الشخصية على أنه لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجه أتت به بعد سنه من غيبه الزوج عنها ولا لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها أتت بعد سنة من وقت الطلاق أو الوفاة مفاده وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للتعليق على هذه المادة أن حساب مده الحمل في الزواج الصحيح إنما يكون بالتقويم الميلادي إذ جاء بالمذكرة الإيضاحية أنه لما كان رأى الفقهاء في ثبوت النسب مبينا على رأيهم في أقصى مده الحمل ولم يبين أغلبهم رأيه ذلك إلا على إخبار بعض النساء بأن الحمل مكث كذا سنين والبعض الآخر كأبي حنيفة بنى رأيه في ذلك على أثر ورد عن السيدة عائشة يتضمن أن أقصى مده الحمل سنتان وليس في أقصى مده الحمل كتاب ولا سنة فلم تر الوزارة مانعا من أخذ رأى الأطباء في المدة التي يمكثها الحمل فأفاد الطبيب الشرعي بأنه يرى أنه عند التشريع يعتبر أن أقصى مده الحمل 365 يوما يشمل جميع الأحوال  النادرة وهو ما أكدته المادة 23 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 سالف البيان بأن نصت على أن المراد بالسنة في المواد من 12 إلى 18) من هذا القانون - هي السنة التي عدد  أيامها 365 يوما أي أن حساب تلك الأيام يكون بالتقويم الميلادي وكانت المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاصة بأحكام النسب ضمن المواد التي عددتهم المادة 23 من ذات القانون فإن حساب مده الحمل من حيث أقصى مدته أو أدناها يكون بالتقويم الميلادي وأنه وإن كان ظاهر المادتين سالفتى الذكر وما جاء بالمذكرة الإيضاحية  يشير إليه في خصوص أقصى مده  الحمل إلا أنه يعنى به وبقصده حتما في خصوص أدناه إذ لا يعقل أن تتجه إرادة المشرع إلى التفرقة بين تقويم مده الحمل من حيث أقصاها وأدناها فيكون تقويم الأولى ميلاديا وتقويم الثانية هجريا وحاشا أن تتجه إرادة المشرع إلى ذلك .. " .
________________________
 يستطرد الإمام بن كثير في تفسير هذه الآيات قائلا " ... وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرين شهراً, وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً, وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين لأن الله تعالى يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده} أي قوي وشب وارتجل. {وبلغ أربعين سنة} أي تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه. ويقال إنه لا يتغير غالباً عما يكون عليه ابن الأربعين, قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قلت لمسروق: متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو عبد الله القواريري, حدثنا عروة بن قيس الأزدي, وكان قد بلغ مائة سنة, حدثنا أبو الحسن السلولي عمر بن أوس قال: قال محمد بن عمرو بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه, وإذا بلغ الستين سنة رزقه الله تعالى الإنابة إليه, وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته, وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وشفعه الله تعالى في أهل بيته, وكتب في السماء أسير الله في أرضه" وقد روي هذا من غير وجه, وهو في مسند الإمام أحمد, وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق, تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس, ثم تركتها حياءً من الله عز وجل, وما أحسن قول الشاعر:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل: ابعد!
{قال رب أوزعني} أي ألهمني {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه} أي في المستقبل {وأصلح لي في ذريتي} أي نسلي وعقبي {إني تبت إليك وإني من المسلمين} وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها, وقد روى أبو داود في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد "اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا, واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن, وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم, واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتممها علينا" قال الله عز وجل: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة} أي هؤلاء المتصفون بما ذكرنا, التائبون إلى الله تعالى المنيبون إليه, المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار, هم الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فيغفر لهم الكثير من الزلل ونتقبل منهم اليسير من العمل.