ما يقع به الطلاق
أن كل ما يدل على إنهاء العلاقة الزوجية يقع به الطلاق سواء كان باللفظ أم بالكتابة إلى الزوجة أم بالإشارة من الأخرس أو بإرسال رسول .
أولاً : لفظ الطلاق .
ولفظ الطلاق قد يكون صراحة أو كناية وذلك علي البيان التالي :
1- اللفظ الصريح : وهو اللفظ الذي لا يحتاج إلي بحث نية الزوج ، وذلك لأن هذا اللفظ الصريح لا يحتمل سوي معني واحد فقط وهو الطلاق.
فإذا كان لفظ الطلاق صريحا فلا حاجة إلى البحث عن نية الزوج من النطق به ، لأن اللفظ لا يستعمل إلا فى الطلاق كأن يقول الرجل لزوجته أنت طالق أو أنت مطلقة أو طلقتك ، وغير ذلك من ألفاظ الطلاق الصريحة التي لا تحتمل التأويل .
2- اللفظ الضمني أو الكناية : وهو اللفظ الذي يحتمل أكثر من معني فقد يحتمل الطلاق أو غيره ، وهنا يجب البحث عن نية المطلق ، فإذا كان قد قصد أن يطلق زوجته ، فيقع طلاقه ، أما إذا كان لا يقصد طلاقها ، فلا يقع الطلاق ، ومن أهم الأمثلة علي لفظ الطلاق الكناية عبارات (أذهبي إلي بيت أبيك - أخرجي من بيتي - لا تبيتي في فراشي الليلة) فكل هذه العبارات وأمثالها تحتمل الطلاق وغيره ، ويكون الفيصل في وقوع الطلاق من عدمه هو نية الرجل ، فإن قصد الطلاق وقع طلاقه صحيحا ، وإن لم يقصد الطلاق لم يقع .
وهذا ما أخذ به القانون رقم (25) لسنة 1929 ، حيث تنص المادة الرابعة من هذا القانون علي أن " كنايات الطلاق وهي ما يحتمل الطلاق وغيره لا يقع الطلاق بها إلا بالنية " .
ثانياً : الكتابة .
يجوز إيقاع الطلاق بالكتابة المستبينة أي الواضحة الجلية ، فالكتابة المرسومة المستبينة تقوم مقام الطلاق الصريح المنجز فيقع بها الطلاق سواء نواه الكاتب أم لم ينوه ، وسواء قرأته المحلوف عليها أم لم تقرأه ويجب أن تكون الكتابة معنونة حتي يقع بها الطلاق الصحيح ، ومعني معنونة أن توجه إلي الزوجة ، فيكتب زوجتي فلانة طالق مني مثلا ، أما إذا كانت الكتابة غير معنونة باسم المحلوف عليها وهى واضحة مستبينة لا يقع الطلاق بها إلا بالنية .
ولا يقع الطلاق بالكتابة غير المستبينة وأن نواه الحالف .
 
هل يقع الطلاق بالتخيل ؟
وصورة ذلك أن يتخيل الرجل أنه يقول لزوجته أنت طالق مني أو غير ذلك من ألفاظ الطلاق ولكنه لم ينطق لفظ الطلاق ، فهذا مما لا يقع به الطلاق ولا أثر له على العلاقة الزوجية مطلقا لأن ما تردد فى نفسه ليس من عبارات الطلاق، ولأن ركن الطلاق على فرض أنه من ألفاظ الطلاق هو التلفظ والنطق ولم يحدث شىء من ذلك.
وقد أفتت دار الإفتاء المصرية في هذا الشأن بأن : ما كان يتخيله السائل وهو يجلس بمفرده من أن يقول لزوجته (على الطلاق من فلانة) يقصد زوجته ولكنه لم يتلفظ بذلك فلا أثر له على العلاقة الزوجية مطلقا لأن ما تردد فى نفسه ليس من عبارات الطلاق ، ولأن ركن الطلاق على فرض أنه من ألفاظ الطلاق هو التلفظ والنطق ولم يحدث شىء من ذلك، وأم ما كان يتلفظ به فى أوقات ضجره من قوله ( الواحد يسيبها ويستريح ، وقوله بلاش دوشة ) فلا قيمة له ولا يقع به طلاق، لأنه ليس من ألفاظ الطلاق . (1)
هل يقع الطلاق بالإشارة ؟
المستقر عليه فقهاً أنه يجوز الطلاق بالإشارة لغير القادر علي الكلام (الأخرس) ، فالمنصوص عليه شرعاً أن الطلاق هو رفع قيد النكاح باللفظ الدال على ذلك أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة أو الإشارة من الخرس.
الطلاق بالتوكيل أو بالتفويض :
يجوز للشخص أن يوكل أو ينيب عنه آخر في تطليق زوجته ، فإذا قال من وكل إليه أمر الطلاق لزوجه من وكله " أنت طالق من زوجك " كما يقع الطلاق بغير ظلك من ألفاظه .
كما يجوز التفويض في الطلاق أيضا ، فيجوز للفرد تفويض الزوجة في طلاق نفسها أو تفويض الغير في طلاقها ، ويكون التفويض بمنح الزوجة أو الغير حق التطليق متي أراد أو متي شاء .
الدفع بضرورة وجود ما يشير إلي المرأة في لفظ الطلاق :
لابد من اشتمال صيغة الطلاق على لفظ يعبر به عن المرأة بطريق الحقيقة أو المجاز .
وفي هذا الشأن أفتت دار الإفتاء المصرية بأن : قال العلامة أبو السعود إن على الطلاق أو يلزمنى الطلاق ليس بصريح ولا كناية أى أنه ليس من صيغ الطلاق أصلا لعدم الإضافة وأما ما قاله ابن عابدين بصحيفة 668 تعليلا لما أفتى به العلامة أبو السعود من أن على الطلاق أو يلزمنى الطلاق ليس بصريح ولا كناية بقوله (أى لأنه لم يتعارف فى زمنه الخ) فقد رده الشيخ الرافعى فى تقريره بصحيفة 214 جزء أول بقوله عدم التعارف فى زمنه إنما ينفى كونه صريحا ولا ينفى كونه كناية فلا يظهر نفى كونه كناية فى زمنه انتهى - أى أن العلامة أبا السعود كما نفى كون اللفظ المذكور صريحا نفى كونه كناية فلا يصح تعليله بعدم العرف فى زمنه لأن التعارف إنما يصير ما كان كناية قبل العرف صريحا بعد العرف ولا يمكن أن التعارف يجعل ما ليس من صيغ الطلاق صريحا ولا كناية من صيغه حتى لو تعارفوا إيقاع الطلاق بلفظ اسقني الماء لا يقع عندنا لأنه لا يحتمل الطلاق ، وصيغ الطلاق محصورة عندنا فيما يكون من مادة التطليق ، وفيما يحتمل التطليق وغيره ، وهى ألفاظ الكنايات وأما ما ليس صريحا ولا كناية فلا يقع به الطلاق أصلا ولو تعارفوا الإيقاع به عندنا .
وأما ما نقله ابن عابدين عن صاحب التنوير فى منحه وعن العلامة قاسم وعن ابن الهمام وغيرهم ممن نقل عنهم بصحيفة 668 من الوقوع فكل ذلك محمول على ما إذا وجدت الإضافة إلى المرأة على وجه ما تقدم .
لأن غرض هؤلاء الأئمة أن هذه الألفاظ عند ذكر المحلوف عليه قد تعارف استعمالها فى التعليق وإن كان بحسب أصل وضعها ليست من صيغ التعليق لعدم وجود حرف من حروف الشرط اللغوية فتحمل على التعليق عملا بالعرف وهذا لا ينافى أنها حينئذ تكون كغيرها من صيغ التعليق لابد فيها من الإضافة إلى ما يعبر به عن المرأة حقيقة أو مجازاً .
فيتعين أن الجمع بين ما أفتى به أبو السعود من عدم الوقوع فى مثل تلك الألفاظ وما أفتى به غيره من الوقوع هو أن ما أفتى به أبو السعود بعدم الوقوع محمول على ما إذا لم توجد الإضافة إلى المرأة لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز وما قاله غيره من الوقوع فى مثل ذلك محمول على ما إذا ذكر المحلوف عليه ووجدت فى الإضافة إلى ما يعبر به عن المرأة بطريق الحقيقة أو بطريق المجاز لاتفاقهم على أنه لابد من إضافة صيغة الطلاق إلى ما يعبر به عن المرأة بطريق الحقيقة أو بطريق المجاز كما أنه لابد فى مثل هذه الصيغ مثل على الطلاق
أو الطلاق يلزمنى من ذكر المحلوف عليه كأن يقول الطلاق يلزمنى ما أفعل كذا أو على الطلاق لا أفعل كذا ويدل لذلك ما نقله ابن عابدين نفسه بصحيفة 669 من الجزء المذكور عن الحاوى عن أبى الحسن الكرخى فإنه مع ذكر المحلوف عليه قد أضاف صيغة العتق إلى عبده وبين أنه بعد ذلك قد تعارفوه شرطاً فى لسانهم وقال جرى أمرهم على الشرط على تعارفهم والحاصل أن قوله على الطلاق أو الطلاق يلزمنى لا يقع به الطلاق فى مثل ذلك إلا بشرطين الأول أن يذكر المحلوف عليه .
الثانى أن يضاف الطلاق إلى ما يعبر به عن المرأة بطريق الحقيقة أو بطريق المجاز كأن يقول مخاطبا لزوجته ، طلاقك يلزمنى لا أفعل كذا .
أو على طلاقك لا أفعل كذا ونحو ذلك مما فيه إضافة الطلاق إلى ما يعبر به عن المرأة بطريق الحقيقة أو بطريق المجاز .
ومن ذلك كله يعلم أن ما وقع من الحالف المذكور لم يكن صيغة من صيغ الطلاق فلا يقع بها شىء ولو وجد المحلوف عليه على ما جرى عليه العلامة أبو السعود وهو الموافق لقواعد المذهب لعدم الإضافة كما ذكرنا وكذلك لا يقع شىء أصلا لا واحدة ولا ثلاثا على ما جرى عليه العلامة ابن عابدين من أن نحو على الطلاق صيغة من صيغ الطلاق أما عدم وقوع الثلاث فلوجود الفصل بما ذكر بين قوله على الطلاق وقوله بالثلاثة وأما عدم وقوع طلقة واحدة فلوجود الفاصل أيضا بما ذكر بين قوله على الطلاق الذى هو شرط وبين قوله لا أشرب الخمر الذى هو الجزاء المحلوف عليه وقد صرح فقهاؤنا بأن شرط الوقوع بالعدد أن يتصل بصيغة الطلاق بلا فاصل اختياري وبأن شرط تعلق الجزاء بالشرط اتصال الجزاء بالشرط بدون فاصل أجنبي فبهذا تبين أن الحالف المذكور لو شرب الخمر والعياذ باللّه تعالى لا يقع عليه طلاق أصلا بهذا الحلف واتفاقا واللّه أعلم . (2)
هل يجب الإشهاد على الطلاق ؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد ولا يحتاج إلى نية لأن الطلاق من حقوق الرجل واستدلوا فى ذلك عن ابن عباس قال أتى النبى r رجل فقال يا رسول الله سيدى زوجنى أمته وهو يريد أن يفرق بينى وبينها قال : فصعد رسول الله r المنبر فقال : يأيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما ، إنما الطلاق لمن آخذ بالساق ، يعنى الزوج رواه أبن ماجه .
 ذهب فريق بموجب الإشهاد لصحة الطلاق واستدلوا بقول الله سبحانه وتعالى " وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ " . (3)
وهذا ما أخذ به القانون رقم 1 لسنة 2000 فى المادة 21 منه والتى تنص على إنه : لا يعتد فى إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق ...... الخ .
إذ إن الإشهاد على الطلاق يحقق العلانية ويثبت لكل منهما حقه قبل الأخر كما أن شرط الإشهاد قد يعوق المتسرع ويؤخر الطلاق من إيقاعه ، وحسناً فعل المشرع المصرى بأنه لا يعتد فى إثبات الطلاق إلا بالإشهاد والتوثيق عند عدم وجود النية وعند الإنكار .
__________________________
(1) فتوي فضيلة الشيخ / أحمد هريدى رحمه الله بتاريخ 9 يوليه 1967 م .
(2) فتوي فضيلة الشيخ محمد بخيت رحمه الله في جمادى الأولى 1338 هجرية ، الموافق  22 من يناير 1920 م .
(3) سورة الطلاق آية (2) .