حكم الزواج العرفي
-------------------------------
بالنسبة للصورة الأولى : التي تم فيها عقد الزواج بإيجاب وقبول بعد أذن الولى مع وجود شهود عدول وتم إعلان وإشهار الزواج الإشهار الكافي واللازم لسد كل شبهة 0
وقد أجمع الفقهاء على صحة هذه الصورة من الزواج فقد تم كامل الأركان وتوافر له شروط الصحة هذا حكمها بالنسبة للشريعة أما بالنسبة لحكمها فى الدين فهى محرمة وأن لم تكن محرمه فهى مكروهة ( وليس هناك تناقض أو تعارض بين كون العقد صحيح من الناحية الشرعية وأنه حرام كالصلاة فى الثوب المغصوب ، والبيع وقت صلاة الجمعة ) والأسباب التي دعتنا إلى اعتناق هذا الرأى هى :
1-صعوبة الإثبات فى ظل غياب الضمير وقلة الوازع الديني وبسبب اندثار الأخلاق يصعب فى هذا الزمان إثبات العلاقة الزوجية العرفية خاصة أن لم يكن هناك دليل كتابي وصعوبة الإثبات تؤدى إلى .
( أ ) ضياع الحقوق : لصعوبة الإثبات تضيع الحقوق ولا تستطيع الزوجة أن تطالب بحقها فى النفقة أو آي حق من حقوقها ولا تستطيع حتى أن تطلب الطلاق حسب المادة رقم 99 فقرة 4 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 وأيضاً لا تستطيع أن تتزوج وإذا ما تزوجت يقيم ضدها الزوج دعوى الزنا فتظل كالمعلقة لا هى بالمتزوجة ولا هى بالمطلقة وتنبه المشرع إلى هذا القصور فعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2000 بالمادة 17 فقرة 2 وفيه فتح المشرع الباب لإثبات الزواج العرفي إذا ما وجد دليل كتابي وذلك مقصور على دعاوى الفسخ والطلاق دون غيرهما والقاعدة الشرعية فى الإسلام ( لا ضرر ولا ضرار ) تحتم علينا تجنب الإضرار فالفعل المباح يكون حراماً إذا ما أضر بالغير وهكذا فإن الزواج رغم أنه سنه عنى النبى وواجب فى بعض الحالات فإن كان هذا الزواج عرفياً فهو حراماً للأضرار بالزوجة التي لن تستطيع المطالبة بحقوقها 0
( ب ) ضياع الأنساب : قد تضيع الأنساب بين مدعى ومنكر لها ويخرج الأولاد بلا أب يحملون أسمه فاقدي الهوية تائهون فى البرية ، والقاعدة الشرعية فى الإسلام ( لا ضرر ولا ضرار ) تحتم علينا تجنب الإضرار ففعل المباح يكون حراماً إذا ما أضر بالغير وهكذا فإن الزواج رغم أنه سنه عنى النبى وواجب فى بعض الحالات فإن كان هذا الزواج عرفياً فهو حراماً للإضرار بالأبناء لصعوبة إثبات نسبهم إلى الأب إذا ما نكرهم0
2- كثرة الشبهات حول هذه العلاقة والظن السيئ في طرفيها وفى علاقتهما وقد قال رسول الله r ( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن ترك ما اشتبه فيه من الحرام إستبرأ لدينه وعرضه ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) وقال رسول الله r ( فالبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب وأحببت أن يطلع عليه الناس والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس ) وقال رسول الله r ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم ) وقال رسول الله r ( رحم الله أمرءوا ذب الغيبة عن نفسه )
3 - مخالفة أمر ولى الأمر ( معصية ولى الأمر ) وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) فطاعة أولى الأمر واجبة إذا لم يكن فيها عصيان لله ورسوله ، ولأهمية عقد الزواج وما لها من شأن عظيم وما حدث من تغيرات في الأخلاق وفساد في الذمم فقد أصـدر المشرع قانون لحماية عقد الزواج من دعاوى الزور والبهتان فألبسه لباس الشرعية حتى يحميه من غادر الآثمين والحاقدين الذين يستغلون الضعف البشرى ويثيرون في الأرض فساداً وينتهكون الأعراض باسم الزواج العرفي وما هم قاصدين الزواج إنما يقصدون قضاء شهواتهم ولهذا فأن طاعة أولى الأمر هنا واجبة لأنها لم تأمر بعصيان لله أو الرسول بل بأمر فيه الخير كله 0
ويقول شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى ( أن الزواج العرفي ، وأن كان غير موثق ، لا نؤيده ليس أنه زنا ، ولكنه سيؤدى إلى التحايل وضياع حقوق الزوجة ومشاكل هى فى غنى عنها ) ( 1 ) ، أما مفتى الجمهورية ( أن الأمر تغير الآن بعد أن ضعفت النفوس وقل الوازع الديني لدى غالبية الناس وظهرت كثير من المفاسد فيما يتعلق بإنكار هذا الزواج وإنكار النسب من وضياع حقوق الزوجة بسبب عدم توثيق عقد الزواج ) ( 2 )
أما بالنسبة للصورة الثانية : التي ينعقد فيها النكاح بدون أذن الولى سواء وجدت الشروط والأركان الأخرى أم انتفت فغياب أذن الولى يفقد العقد مشروعيته فهذا الناكح باطل وحرام ويجب فيه الحد 0
وقد قال إن قدامه فى كتابه المغنى ( إن النكاح لا يصلح الى بولى ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكيل غير وليها فى تزوجيها فإن فعلت لم يصح النكاح )
 
والأدلة على بطلان وفساد الزواج الذى
يتم بدون أذن الولى كثيرة :
1-قوله تعالى ( وانكحوا الايامى منكم ) ( 3 ) وقوله تعالى ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) ( 4 ) الخطاب هنا للأولياء فكان دليلاً على أن الزواج إليهم وليس للنساء 0
2-عن أبى موسى الأشعرى قال رسول الله r (  لا نكاح إلا بولى ) وعن عائشة t عن الرسول r ( لا نكاح إلا بولى وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فأن لم يكن لها ولى فالسلطان ولى من لا ولى له ) ( 5 ) رواه الخمسة إلا النسائى 0
3-عن أبى هريرة  عن الرسول  (لا تـزوج المرأة ولا تزوج المرأة نفسـها فإن الزانية هى التي تزوج نفسها ) رواه بن ماجة والدار قطني 0
4-عن عكرمه بن خالد قال ( جمعت الطريق ركباً فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير وليها فأنكحها فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها ) رواه الشافعى والدار قطني 
5-عن الشعبي قال " ما كان أحد من أصحاب النبى r أشد فى النكاح بغير ولى من على بن آبى طالب كان يضرب فيه " رواه الدار قطني 0
وهذا رأى جمهور الفقهاء إلا أن أبى حنيفة أختلف معهم وقال بصحة هذا الزواج .
وذهب أبو ثور الشافعى الى أنه لابد فى عقد الزواج من رضا المرأة ووليها بكراً أو ثيباً لأن الزواج يربط بين أسرتين برباط الألفة والمحبة ويضيف الى أسرة الزوجة عضوا جديداً يختلط بها ويطلع على أسرارها فلا يصح فى عقد هذا شأنه أن يهمل فيه رأى الولى أو يتعارض فيه عن رأى المرأة 0( 6 )
ونرى أن رأى أبو ثور هو الصحيح فليس هناك خلاف على من يتولى العقد بل لابد من موافقة طرفية ورضائهما التام فلو تخلف رضاء الزوجة بطل العقد وكذلك إذا تخلف رضاء الولى بطل العقد0
ونرى أيضاً أن تولى المرأة تزويج نفسها دون أذن وليها فيه عقوق للآباء وتعديا على حقوق الآباء لأنها بهذا الفعل قد عصت والدها وخرجت من طاعته وفى تزويج المرأة نفسها دون إذا وليها وقاحة منها وتهمه لها وغالباً ما يبوء هذا الزواج بالفشل
أما بالنسبة للصورة الثالثة : أن ينعقد عقد الزواج بأذن الولى بدون أشهاد أو بأشهاد دون إشهار وإعلان 0
وهذا الزواج باطل وحرام لتخلف شرط الأشهاد :
1-لقول رسول الله ( لا نكاح إلا بولى وشاهدي عدل فأن تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له )
2-عن عائشة  عن الرسول  قال ( أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل )
3-عن أبى عباس  أن النبى  قال ( البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينه )
4-عن عائشة رضى الله عنها عن الرسول r قال ( لا بد فى النكاح من أربعه الولى والزوج والشاهدين )
أما إذا وجد الشهود ولكنهم لم يتوافر فيهم العدالة أو لفم يعرفوا الزوجين كأن يكون مأجورين على الكتمان ولم يتوافر لهذا العقد ركن الإعلان والإشهار أو أعلن وأشهر عنه بطريقة غير كافية كأن يتم الإعلان فى بلد ليست بلد الزوجين ولا يعرفهما أحد ولكي يتحقق ركن الإعلان والإشهار لابد أن يكون غالبية من يعرف الزوجان يعلم أنهما متزوجان وبهذا يتحقق الإعلان وفى حالة تخلف هذا الركن يبطل الزواج للأسباب الآتية :
1-قول رسول الله  ( أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف )
2-وقال عمر بن الخطاب  ( لو أتيت بنكاح السر لرجمته )
3-وقال عمر بن الخطاب  ( أعلنوا هذا النكاح وحصنوا هذه الفروج )
4-وقال أبى بكر  ( لا يجوز نكاح السر حتى يعلن ويشهد علية )
5-قول رسول  ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم ورحم الله أمرءواً ذب الغيبة عن نفسه )
6-وقول رسول الله  (من أن الفصل بين الحلال والحرام الدف والصوت)
وبعد آن تحدثنا عن صور الزواج العرفي وحكم كل منها يبقى لنا الحديث عن الزواج العرفي برمته باعتباره سرطان يهدد المجتمع وينخر في أساسه ( الأسرة) ونسوق هنا ما كتبه الأستاذ الدكتور / محمد نبيل غانم أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة ( 7 ) " الزواج العرفي تحطيم لكل القيم الإسلامية ، ومكارم الأخلاق التي جاء بها الإسلام لإتمامها وتحقيقها ، والتي هي جوهر الرسالة والشريعة ، كما قال r " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "  فالزواج العرفي مجموعة من كبائر الإثم والفواحش وبيان ذلك كما يلي :
1-بعد أن ثبت بطلانه يكون فاعله زانياً ، ومعلوم أن الزنى من أكبر الفواحش ، قال تعالى "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً "سورة الإسراء آية 32 وقال صلى الله علية وسلم " لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن" فيخرجه ذلك عن حظيرة الإيمان ، وكفى بذلك إثما 0
2-هو عقوق للوالدين ، لأنه خروج على رغبتهما ، ونكران لحقهما ، وانتهاك لحرمتهما ،  فكل من الأب والأم قدم لابنه وابنته خلاصة جهده ، وثمرة حياته وكفاحه ، وظل يمنى نفسه باليوم الذي يكبر فيه هؤلاء الأبناء ليسعد بهم ، ويفرح بزواجهم ، ويستريح على أيديهم ، فإذا بهم يحطمون الآمال وينتهكون الحرمات ، ويجازون على البر عقوقاً ، وعلى الإحسان إيذاء ، وآي عقوق أكبر من مفاجأة الابن أو البنت لوالديهما بالزواج العربي ؟ مما يسود وجوهما ، ويجعلهما يتواريان من القوم من سوء ما بشر به ، وعقوق الوالدين أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى
3-هو كذب وافتراء ، لأن الإسلام دين الصدق والوضوح والإعلان ، والزواج العرفي كذب ، فلو سألت الرجل أو المرأة عنه لأنكر كل منهما علاقته بالآخر ، والكذب كبيرة ، وهو من علامات المنافقين
4-وهو خيانة للأمانة ، لأن العرض أمانة ، ومسئولية لا تتعلق بالبنت أو الولد فقط ، ولكنها تمس الأسرة كلها بل المجتمع كله ، والمحافظة عليه من الكليات الخمس التي أوجب الشارع حفظها (الدين والنفس والعرض والعقل والمال) ، والزواج العرفي يضرب بكل ذلك عرض الحائط ، فلا البنت تعبأ بعرضها ولا شرف أهلها ، ولا الولد أو الرجل يراعى ذلك فى نفسه أو فيمن يرتبط بها من وراء أهلها وأهله ، وهذه خيانة كبرى وآي خيانة أكبر من تلويث العرض ، وتدنيس الشرف ، والخروج على قيم الإسلام ؟ والخيانة من صفات المنافقين وهى كبيرة من الكبائر 0
5-وهو خروج على طاعة أولى الأمر الواجبة بقوله تعالى ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول  وأولى الأمر منكم ) ( 8 ) وقد أمر ولى الأمر بتوثيق الزواج ، حرصاً على الحقوق وحماية للأعراض ، ووقاية من الذمم التي دب الخراج الى كثير منها 0
6-وهل من العدل أن يعيش الرجل من زواجه الشرعي الموثق في رغد من العيش وهناء من الحياة فى ظل وضع اجتماعي لائق ، بينما يعيش اخوتهم من نفس الأب فى ضنك من العيش وفاق من المال ، وذلك فى حياة دون ذنب ارتكبوه ، أو جناية تقترفوها ؟
7-ولو سألنا فاعل هذا الزواج سؤالاً ، وقلنا له : أترضى هذا الزواج لأبنك؟ أترضاه لأبنتك ؟ أترضاه لأختك ؟ والإجابة بديهية : لا وإذا ذاك نقول له : فكذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم ولا لبناتهم ولا لأبنائهم ؟ومن عرى الإسلام الأصلية أن ترضى للناس ما ترضى لنفسك وتكره ما تكره لنفسك
وإلى هنا انتهى كلام السيد الدكتور / محمد نبيل غانم ونبدأ من حيث انتهى هل ترضى هذا الزواج يا آخى الكريم لأبنتك ولأختك ولأبنك 000 ؟ ماذا تقول عن هذا الزواج فى نفسك 000 ؟ أتعتقد أن شرعي عندما تكون أنت الزوج الذى ينتهك الحرمات ويهتك الأعراض ويدنس الشرف ؟ وتعتقد أيضاً أنه زنا عندما تكون أنت أخاً أو أباً لمن وقعت فى مثل هذا الزواج ، ولماذا تغير حكمك ولماذا تبدل والأحكام لا تبنى على المصالح الشخصية وقال رسول الله r ( والله لا يؤمن أحدكم  حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) صدقت يا رسول الله وصدقت كلماتكم وهكذا يا من تأمر بناتك وأخواتك من الحرص من الوقع فى براثن الزواج العرفي وتنصب فخ الزواج العرفي لكي تقع أحد النساء فريسة فى شباكك لقد خرجت من حظيرة الأيمان
وأنت أيها الغافل عن أحكام الشرع أنسيت أن هناك إله يراك لماذا تسير فى الظلام أتعتقد أنه لن يراك أو أنك تستطيع الخفاء منه أم أنك تخفى شيئاً هو فى ذاته حرام لو اعتقدت هذا فأن ما تفعله هو الزنا بعينه ( فالبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب وأحببت أن يطلع عليه الناس ، الإثم ما حاك فى النفس ، وتردد فى الصدر ، وكرهت أن يطلع عليه الناس )
_________________________
( 1 ) المرجع كتاب شيخ الأزهر المرشد الأمين فى تعليم البنات والبنين - محمد فوزي .
( 2 ) مجلة منبر الإسلام عدد صفر 1418 ص 92
( 3 ) سورة النور آية 32
( 4 ) سورة البقرة آية 221
( 5 ) نيل الأوتاد الجزء السادس ص 118
( 6 ) أحكام الزواج وآثاره أ0د / عبد المجيد مطلوب .
( 7 ) مجلة منبر الإسلام عدد صفر 1418 ص 98
( 8 ) سورة النساء آية 59