أركان عقد الزواج
------------------------------
عقد الزواج شأنه شأن كل العقود ، يجب أن يتوافر له شروط وأركان ليبرز إلي الوجود ، ونوضح هذه الأركان والشروط فيما يلي :
أركان صيغة الزواج .
يقصد بالصيغة شرعاً هو القبول والإيجاب ، وبهذا يختلف معناها في الشرع عنه في القانون ، فهي في القانون يقصد بها (التعبير عن الإرادة).
المقصود بالإيجاب والقبول : عند الحنفية ، الإيجاب هو ما يصدر أولاً من أحد المتعاقدين دالاً علي الرغبة في إنشاء العقد أو الإرتباط ، أما القبول فهو ما يصدر ثانياً من المتعاقد الآخر ويدل علي موافقته ورضاه بما عرضه الأول .
أما الفقهاء من غير الحنفية ، فيرون أن الإيجاب هو ما يصدر من المملك أي المرأة ، والقبول ما يصدر من المتملك وهو الرجل ، بصرف النظر عن أيهما صدر أولاً أو ثانياً .
ما يحصل به الإيجاب والقبول : المقرر في المذهب الحنفي أن القبول والإيجاب يحصل باللفظ ، فلا يحصل الإيجاب والقبول بالفعل عندهم كقبض المهر مثلاً ، كما لا يحصل الإيجاب والقبول عند الحنفية أيضاً بكتابة الحاضر ، بل يجوز بالكتابة إذا كان غائباً بشرط إعلام الشهود بمضمون كتابه .
هل للزواج ألفاظ مخصوصة ؟
لا يلزم ألفاظ مخصوصة في النكاح ، وهذا ما عليه الحنفية والمالكية  ، فهو ينعقد بأي لفظ يقتضي التمليك علي التأييد حال الحياة ، أما الشافعية والحنابلة فيرون أن الزواج لا ينعقد إلا بألفاظ مخصوصة ، وردت في الشرع .
والراجح هو مذهب الحنفية والمالكية ، وذلك لعدم ورود نص في الكتاب أو السنة يدل علي ضرورة عقد الزواج بألفاظ مخصوصة .
وبالتالي فينعقد النكاح بكل لفظ يدل علي المقصود مثل ( زوجتك ، قبلت زواجك ، قبلت نكاحك ، أنكحتك ... إلخ ".
لغة عقد الزواج : يري بعض الفقهاء ومنهم الشافعية والحنابلة ، أن عقد الزواج يجب أن يكون باللغة الغربية ولا يصح العقد إلا بالعربية لمن يعرفها ، أما من لا يعرفها فعليه أن يأتي بما يشتمل علي معني اللفظ العربي .
أما الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة والشافعية في الأصح ، فيكون العقد صحيحاً بأي لغة يفهم بها معناه ، ولكن يكره عقد الزواج بغير العربية عند عدم الحاجة ، وهذا هو الرأي الراجح .
شروط صيغة الزواج
توجد بعض الشروط ينبغي توافرها في صيغة الزواج ، وهذه الشروط هي :
1- أن تكون الصيغة بلفظ دال علي الزواج سواء في اللغة أو العرف:
لا يشترط في الزواج ألفاظ مخصوصة ، وبذلك يجب أن تكون صيغة الزواج باللفظ الدال عليه سواء عرفاً أو لغة ، وفي ذلك يقول الإمام الشوكاني في السيل الجرار " ينبغي أن يكون هذا اللفظ الذي وقع به العقد بلفظ النكاح أو التزويج أو ما يفيد هذا المفاد ، مما يتعارف به الناس بينهم ، ولو لم يفد التملك ، وما يفهم من الألفاظ المصطلحة بين قوم مقدم علي غيره ، لأن التفاهم بينهم هو باعتبار ذلك الاصطلاح ... " ، أما من عجز عن اللفظ فيكون بالكتابة والواضحة ، فإذا لم يستطع ، فيكون بالإشارة المفهمة .
2- يجب أن يكون كل من القبول والإيجاب منجزاً ، بمعني أن يدلان علي إنشاء الزواج في الحال دون إضافته إلي المستقبل :
وتكون منجزة إذا كانت بصيغة الماضي مثل " زوجتك نفسي " أو " قبلت زواجك" ، ولا يجوز إضافة الصيغة إلي المستقبل أو إضافتها إليه ، وفي هذا الشأن عرض علي دار الإفتاء المصرية سؤال يتضمن " إنه قد تم عقد قران الآنسة ......... الطالبة ببكالوريوس العلوم جامعة القاهرة ، وأنه حرصاً على مستقبلها، اشترطت لنفسها فى عقد الزواج الشرط الآتى نصه ( تشترط الزوجة إتمام دراستها الجامعية، والعمل بعد التخرج، وأداء الخدمة العامة ) ، وأن الزوج وافق على هذا الشرط، ودونه المأذون بخطه على القسيمة الأولى من قسائم العقد ، وحين تسلم الوثائق من المأذون، لم يوجد هذا الشرط مدوناً عليها، واعتذر المأذون بأن المحكمة ألغت القسيمة الأولى، لأن هذا الشرط يمنع توثيق عقد الزواج .
والسؤال :
( أ ) هل من حق الزوجة أو وكيلها أن يشترط هذا الشرط فى عقد الزواج حرصاً على مستقبلها .
( ب ) هل فى هذا الشرط مخالفة للدين والشرع .
( ج ) هل يمنع هذا الشرط أو أى شرط آخر غير مخالف للدين والشرع توثيق القسائم فى المحكمة والسجل المدنى .
( د ) هل يمنع قانون الأحوال الشخصية مثل هذا الشرط .
وقد أجابت دار الإفتاء بأن " عقد الزواج متى تم بإيجاب وقبول منجزاً مستوفياً باقى شروطه الشرعية كان عقداً صحيحاً مستتبعاً آثاره من حقوق وواجبات لكل واحد من الزوجين ، والعقد المنجز هو الذى لم يضف إلى المستقبل، ولم يعلق على شرط، لكنه قد يقترن بالشرط الذى لا يخرجه عن أنه حاصل فى الحال بمجرد توافر أركانه وشروطه الموضوعية .
والشرط المقترن بعقد الزواج لتحقيق مصلحة لأحد الزوجين ثلاثة أقسام أحدها - الشرط الذى ينافى مقتضى العقد شرعاً كاشتراط أحد الزوجين تأقيت الزواج، أى تحديده بمدة، أو أن يطلقها فى وقت محدد، فمثل هذا الشرط باطل، ويبطل به العقد باتفاق الفقهاء ".
فتوي فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله ، بتاريخ 15 محرم 1402 هجرية
3- أن يتحد مجلس الإيجاب والقبول (مجلس العقد) .
وهذا هو الشرط الثالث من شروط الصيغة ، والمستقر عليه فقهاً أن مجلس العقد يقصد به " الاجتماع الذي يبدأ بالإيجاب وينتهي بالقبول ، دون فاصل يعد إعراضاً أو رجوع عرفاً " .
ولا يقصد به وجود طرفي العقد في مكان واحد ، بل يقصد به الانشغال بعملية العقد ذاتها ، فإذا كان المتعاقدين منشغلين بعملية التعاقد فيعتبر المجلس قائما بينهما
والأمر في هذا الشأن لا يخرج عن أحد صورتين :
الأولي : أن يكون التعاقد بين حاضرين : ويكون مجلس العقد في هذه الحالة وقت اتحادهما ، ويبدأ بالإيجاب ، فإذا صادف الإيجاب قبولاً ، علي هذه الحال ، انعقد العقد ، أما إذا حصل ما يعتبر إعراضاً عن القبول في حكم العرف ، فينفض المجلس ويكون الإيجاب كأن لم يكن .
وإذ صدر قبول من المتعاقد الآخر بعد ذلك ، فلا يكون له أي أثر لأنه لم يقابله إيجاب ، ويعتبر المتعاقدين بواسطة الهاتف والدوائر التليفزيونية كأنهما حاضرين .
الثانية : أن يكونا غائبين : ويكونا كذلك إذا كان كل منهم لا يسمع كلام الآخر ، وقد يكون التعاقد بين الغائبين في هذه الحالة بالقول أو الكتابة أو الرسول ، ويكون بالكتابة إذا قالت المرأة " زوجت نفسي من فلان " ، وذلك أمام شهود ، فإذا بلغه ذلك ، قال " قبلت زواجها " أما نفس الشهود ، فيكون الإيجاب والقبول في هذه الحالة في مجلس واحد ، وهذا هو رأي أبو يسف خلافا لشيخه الإمام أبو حنيفة والإمام محمد ، أما إذا كان التعاقد يجري برسول أو بالرسائل ، فيكون مجلس العقد ذلك المجلس الذي يقرأ الرسالة أمام الشهود ، أو الذي يبوح الرسول في حضرته بفحوي الرسالة .
وإذا تم ذلك ، وقبل من صدر الإيجاب له ، أنعقد العقد ، وإذا رفض أو أعرض عرفاً ، سقط القبول وأنفض المجلس ، ولا يكون لقبوله بعد ذلك ثمة أثر .
4- أن يوافق القبول الإيجاب صراحة أو ضمناً .
وذلك حتي تتوافق إرادتي الطرفين ، والموافقة قد تكون صريحة إذا طابق القبول الإيجاب في كل جزئياته ، أما الموافقة الضمنية فقد تكون بأن يقبل بأفضل مما قاله الموجب .
5- تأبيد القبول والإيجاب :
وذلك لما سقناه سالفاً أنه لا محل لتأقيت صيغة الزواج ، لأن الزواج عقد مؤبد ، ويقصد بالتأبيد أن تتجرد صيغة الألفاظ من التأقيت صراحة أو ضمناً ، ويكون التأقيت صراحة إذا ورد في الصيغة مدة ، مثل قوله أتزوجك لمدة كذا .
كما قد يكون التأقيت ضمناً بكل لفظ يتضمن التأقيت عرفاً ، مثل أتمتع بك مقابل كذا أو مبلغ كذا .
اثر التأقيت علي صيغة الزواج : اتفق الفقهاء علي بطلان صيغة الزواج في هذه الحالة وعدم صلاحيتها لإنشاء عقد الزواج ، وذلك من قبيل صيانة عقد الزواج والغرض منه وهو دوام المعاشرة وحسن المعاملة .
وفي هذا الشأن أفتت دار الإفتاء المصرية بأن " أما عن الشق الثانى من السؤال وهو الخاص بتحديد مدة الزواج ببقائه فى لندن للدراسة - حوالى سنتين - على أن يطلقها بعد انتهاء المدة، فالمنطق يقضى بأنه لا محل للكلام فيه بعد الذى سبق فى الشق الأول، ولكن لو فرض أن الفتاة تؤمن بكتاب مُنزل ونبى مرسل من عند الله وجائز نكاحها شرعاً فإن الكلام فى الشق الثانى يكون كما يلى - قرر الفقهاء أن تأقيت النكاح بمدة معينة شهر أو سنة أو سنتين مثلاً يقتضى بطلان العقد لأن طبيعته الدوام والاستقرار فلا يقبل التأقيت فى العقد قصداً - ونصوا على أن من صور التأقيت أن يقال فى العقد إنه يتزوجها مدة بقائه فى جهة كذا أو فى الدراسة فى الجامعة كما فى مسألتنا .
كما قرر الفقهاء أن الرجل إذا تزوج امرأة دون تأقيت، ولكن شرط فى العقد أن يطلقها بعد مدة معينة، فإن العقد يكون صحيحا وشرط التطليق يعتبر باطلاً لأن العقد قد خلا فى صلبه عن التأقيت، ولكن جاء الشرط بعده وهو مناف لمتقضى العقد وهو دوام النكاح واستقراره، فيلغو هذا الشرط ويبقى العقد صحيحا، أما فى صورة التأقيت السابقة فإن العقد قد أشتمل فى صلبه على التأقيت فيقع باطلا  " .
فتوي فضيلة الشيخ أحمد هريدى رحمه الله ، بتاريخ . 19 مارس 1962 م