ماهية الخطبة
-------------------------
المقصود بالخطبة :
الخطبة بكسر الخاء ، يقصد بها إبداء الرغبة في الزواج بالمرأة ، والتعبير عن هذه الرغبة إلي المرأة أو من يمثلها شرعاً ، فإذا أجيبت الدعوة من جانب المرأة أو ممثلها الشرعي ، فتتم الخطبة .
وبصورة أبسط يمكن أن يقال أن الخطبة هي وعد متبادل بالزواج مستقبلاً ، وكون الخطبة مجرد تواعد بين الطرفين بالزواج يترتب عليه العديد من الآثار والتي سوف نوضحها أثناء دراستنا لهذا الموضوع .
صفة الخطبة :
لا يشترط في الشريعة الإسلامية الغراء ، إتباع صيغة معينة لإتمام الخطبة أو إيقاعها ، بل تقع الخطبة بكل ما يدل عليها من صيغ أو أقوال بالتبادل بين طرفيها.
واستقر العرف في مصر ، علي قراءة الفاتحة كتعبير عن إتمام الخطبة أو قبول كل من الطرفين بالآخر خطيبا له ، وقراءة فاتحة القرآن الكريم ، تكون بمثابة تبرك وتأكيدا لإيقاع الخطبة .
 
خطبة المعتدة :
1- المعتدة من وفاة :
أجاز الشرع الإسلامي الحنيف خطبة المعتدة من وفاة تعريضا وذلك لانقطاع حق الزوج عنها بوفاته ، ويقصد بالتعريض ألا يكون طلبها للزواج صريحا ، كما هو الأصل في الخطبة ، فلا يصارحها أو يصارح وليها من يطلبها للزواج ، بل يذكر خطبتها بألفاظ تحتمل معني الخطبة وغيرها ، كأن يقول " آمل أن يرزقني الله بزوجة صالحة مثلك " ، أو أن يقول " من يحبه الله يرزقه بزوجة مثلك " ، وما شابه هذه الألفاظ غير الصريحة .
ويجب علي المسلم أن يلتزم التعريض في خطبة المعتدة من وفاة ، مصداقاً لقوله تعالي " وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ "
وذلك لأن المولي عز وجل قد ذكر هذه الآية بعد ذكره عدة المتوفي عنها زوجها .
والعلة من ذلك تكمن في الاعتبارات الأدبية التي يجب مراعاتها في خطبة المعتدة من وفاة ، نظراً للظروف التي تمر بها ، ومراعاة لمشاعر أقارب الزوج المتوفي .
2- المعتدة من طلاق رجعي :
أتفق الفقهاء علي عدم جواز خطبة المعتدة من طلاق رجعي ، وذلك لأن المطلقة رجعيا لم ينتهي زواجها ، فلزوجها الحق في مراجعتها في فترة العدة ، ومن ثم فهي في حكم المتزوجة ، لذلك لا يجوز خطبتها .
3- المعتدة من طلاق بائن:
أ- المعتدة من طلاق بائن بينونة صغري : المطلقة بائناً بينونة صغري ، هي التي لا يجوز لمطلقها مراجعتها ، إلا بموافقتها وبعقد ومهر جديدين ، وقد اتفق جمهور الفقهاء علي جواز خطبتها تصريحا و تعريضا ، أما بالنسبة لغير مطلقها ، فقد أختلف الفقهاء بشان جواز خطبته لها ، وهم علي قولين ، الأول : يجيز لغير مطلقها خطبتها لأنها بانت من مطلقها فتكون مثل المطلقة بائنا بينونة كبري ، أما القول الثاني : فلا يجيز لغير مطلقها ، لكونه له الحق في مراجعتها بعقد ومهر جديدين .
ب- المعتدة من طلاق بائن بينونة كبري : وهي التي لا يجوز لمطلقها مراجعتها ، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه ، ثم تعود إلي الأول بموافقتها وبعقد جديد .
والفقهاء بالنسبة لجواز خطبة المعتدة من طلاق بائن بينونة كبري علي رأيين :
الأول : وهو رأي الحنفية ، والشافعية في أحد قوليهم ، ويرون عدم جواز خطبة المعتدة مطلقا ، وذلك لأن الخطبة ولو تعريضا ، قد توحي للمرأة بالادعاء علي غير الحقيقة ، بانقضاء عدتها ، وهذا خطر ينبغي درئه .
الثاني : وهو رأي جمهور الفقهاء ، وهم يجيزون خطبة البائنة بينونة كبري أو المفارقة بفسخ تعريضا ، واستندوا في ذلك إلي قول الله تعالي " وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ " .
فلم تخص هذه الآية الكريمة فئة معينة من النساء المعتدات .
 
مدي جواز النظر إلي المخطوبة في الشرع الإسلامي الحنيف :
الأصل حرمة النظر للأجنبية : الأصل في الشريعة الإسلامية هو حرمة النظر للمرأة الأجنبية ، وكذلك حرمة نظر المرأة للرجل الأجنبي عنها ، مصداقا لقوله تعالي " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ".
الاستثناء (جواز النظر في مواضع ثلاثة ) : إلا أنه يوجد استثناءات ثلاثة ، يجوز بموجبها للرجل النظر إلي المرأة الأجنبية ، فالأول : وهو خاص بحالة الضرورة مثل العلاج ، أما الثاني : أن يكون لمعاملة أو لتحمل شهادة ، أما الثالث : فهو الخاص بالخطبة .
وعلي ذلك فإن النظر إلي المخطوبة جائز في الشريعة الإسلامية ، وأكثر الفقهاء علي جواز ذلك .
الأساس الشرعي للنظر إلي المخطوبة : الأساس الشرعي للنظر إلي المخطوبة ، هو ما رواه أحمد بسنده ، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، أنه قال " خطبت امرأة ، فقال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، هل نظرت إليها ؟ ، فقلت لا ، فقال " أنظر إليها فإنه أحري أن يؤدم بينكما "  ، والمقصود بقول الرسول صلي الله عليه وسلم ، أن نظرك إليها وإعجابك بها سببا لدوام العشرة بينكما .
كما يجد النظر إلي المخطوبة سندا شرعيا أيضا ، في ما روي عن أبي هريرة ، أنه قال " خطب رجل امرأة فقال له النبي e " انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً " .
ويقول ابن قدامة في المغني " لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في إباحة النظر إلي المرأة لمن أراد أن ينكحها " .
القدر المباح فيه النظر إلي المخطوبة : أباح الفقهاء النظر إلي الوجه الكفين باتفاقهم ، ولكنهم اختلفوا علي ما دون ذلك .
فيذهب أبو حنيفة  في أحد قوليه إلي جواز النظر إلي الوجه والكفين والقدمين ، لما روي عن أم المؤمنين عائشة ، أنها فسرت الزينة علي 0أنها القلب والفتخة ، وهي خاتم إصبع القدم ، ولأن القدمين تكونا ظاهرتين أثناء المشي
أما مذهب الجمهور ، فعلي الاقتصار في النظر إلي الوجه والكفين ، مصداقاً لقوله تعالي " وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا " ، باعتبار الزينة الظاهرة من المرأة هي الوجه والكفين .
ويقول داود الظاهري ينظر إلي جميعها ، مستدلا بحديث الرسولe  بما رواه جابر بن عبد الله ، عن رسول الله  eأنه قال " إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلي ما يدعوه إلي نكاحها فليفعل ، قال جابر ، فخطبت امرأة من بني سلمة ، فكنت أتخبأ تحت الكرب حتي رأيت منها ما دعاني إليها " .
ويقول ابن حزم في المحلي " ومن أراد أن يتزوج امرأة ، فله أن ينظر منها متغفلا ، وغير متغفل إلي ما بطن منها و ظهر ، ولا يجوز له أن ينظر منها إلا إلي الوجه والكفين فقط ، لكن يأمر امرأة تنظر إلي جميع جسمها وتخبره" .
والحقيقة أن ما ساقه الظاهرية ، لا يختلف عن قول جمهور الفقهاء ، فداود الظاهري وبن حزم لم يقصدا إلي النظر فيما يجاوز الوجه والكفين .
ويغاير ما سبق ما جاء بالمغني من أنه روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، بسندٍ صحيح ، أنه خطب ابنه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورضي عنهما ، فذكر منها صغرا فقالوا له، ما ردك ، فعاوده ، فقال نرسل بها إليك تنظر إليها ، فرضيها عمر بن الخطاب ، فكشف عن ساقيها ، فقال " أرسل ، لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك " .
وهو ما يصلح سندا لتجاوز النظر لنطاق الوجه والكفين .
مدي جواز نظر المرأة إلي الرجل : إذا ثبت للرجل حق النظر إلي المرأة المخطوبة ، ثبت حقها أيضا في النظر إليه لذات الغرض ، ويختلف الأمر ، في أن الرجل يجوز له النظر قبل الخطة ، بل تتحدد خطبته لها علي أساس هذا النظر ، أما المرأة فيكون نظرها للرجل بعد عرض الخطبة عليها .
الخطبة علي الخطبة : قد يحدث أن يتقدم أحد الأفراد علي خطبة المرأة التي سبق أن خطبها آخر ، والحقيقة أن رسول الله e قد نهي عن هذا الأمر ، فقال e " لا يخطب أحدكم علي خطبة أخيه " ، وذلك لحرص الإسلام علي محبة المسلمين لبعض البعض ، والحيلولة دون شيوع الكراهية والبغضاء في المجتمع الإسلامي . يدل علي ذلك ، قوله e " لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".
مع العلم أن النهي عن الخطبة يقتصر علي حالة قبول المرأة لأحد المتقدمين إليها ، فإذا كان قد تقدم إليها أحد الأفراد ولم توافق بعد او ما زالت مترددة ، وتقدم آخر ، فلا يعتبر ذلك خطبة علي خطبة .
يدل علي ذلك ما أورده بن قدامه في المغني ، من أن فاطمة بنت قيس وقد قال لها رسول الله e إذا حللت (أي انتهيتٍ من العدة ) فآذنيني ، فلما حللت ، ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباها ، فقال لها رسول الله e ، أما أبا جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، "انكحي أسامة بن زيد" ، فكرهته ، ثم قال لها " انكحي أسامة " ، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به
الأثر الشرعي المترتب بالنسبة للخطبة علي الخطبة : إذا ما أجيب الشخص الثاني إلي طلبه ، ووافقت المرأة المخطوبة علي طلبه بخطبتها ، فما الأثر المترتب علي ذلك ؟ .
ذهب بعض الفقهاء (الظاهرية) إلي أن عقد زواج الثاني غير صحيح ، باعتبار أن النهي منصب علي لنكاح وليس علي الخطبة في حد ذاتها ، لأنها وسيلة أو مقدمة للزواج ، وذهب الإمام مالك إلي ذلك في أحد قوليه ، أما قوله الآخر فهو أن العقد يفسخ إن لم يدخل بها ، وإذا دخل بها فيستمر نكاحه ، ولا يجوز فسخه ، لأن في الفسخ بعد الدخول مفسدة .
أما جمهور الفقهاء ، فعلي أن الثاني آثم لأنه خطب علي خطبة أخيه ، أما عقد الزواج فهو صحيح لأنه استوفي أركانه الشرعية . وهذا هو الرأي الراجح .
الآثار الشرعية المترتبة علي الخطبة : توجد عدة آثار مترتبة علي الخطبة ، ومن أهم هذه الآثار هي :
1- الخاطبين كل منهما أجنبي عن الآخر : فلا يجوز له الاختلاء بها ، كما لا يجوز له أن يمسها ، ولك ماله مجرد النظر الداعي إلي الترغيب في الزواج ، كما لا يجوز له الخروج معها بغير محرم .
2- عدم الالتزام بإتمام الزواج : فكما سبق أن اشرنا أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج ، ومن ثم فلا إلزام علي أي من الخاطبين بإتمام إجراءات الزواج ، ويعتبر الإلزام بإتمام عقد الزواج بناء علي الخطبة إكراه ، والزواج في أساسه يقوم علي الرضا .
3- عدم وجود التزامات مالية للمخطوبة علي خاطبها : فلا يلتزم بمهر أو غير ذلك
وفي سؤال مقدم إلي دار الإفتاء المصرية ، يتضمن طلب الإجابة عن الأسئلة الآتية :
1 - هل تعتبر الفتاة إذا لبست الشبكة وقرأ أهلها الفاتحة مع أهل خطيبها زوجة شرعا، ويحل للشابك أن يعاشرها أم لا .
2 - هل كتب الكتاب شىء مفروض شرعا أم لا وهل الزوجة لا تكون زوجة شرعا إلا إذا كتب كتابها ودفع لها المهر كاملا أم لا وما رأى الدين فى ذلك
3 - وهل رسول الله e عندما تزوج عائشة أم المؤمنين كتب كتابه عليها أو قرأ الفاتحة فقط وما رأى الدين فى ذلك وطلب السائل بيان حكم الدين فى كل هذه الأمور .
فأفتت بأن " 1 - عن السؤال الأول : المقرر شرعا أنه لكى تصبح المرأة زوجة للرجل شرعا لابد أن يتم بينهما عقد شرعى مستوف لجميع الشروط والأركان التى اشترطها الفقهاء فى كتب الفقه، وأنه ما لم يتم العقد بينهما على الوجه المذكور لا تصبح زوجة له شرعا، وبالتالى لا يحل له شرعا أن يعاشرها معاشرة الأزواج لأنها أجنبية عنه .
أما الشبكة وقراءة الفاتحة فلا يتم بهما زواج شرعاً، وإنما هى مقدمات للزواج فقط
2 - عن السؤال الثانى : كتابة عقد الزواج - أى توثيقه عند المأذون أو الموثق - ليس شرطا لصحة عقد الزواج وإنما هو إجراء يحوز به عقد الزواج الصفة الرسمية، وبقصد إحاطة هذا العقد المقدس بالضمانات التى تبعد به عن التجاحد والإنكار والكذب والتزوير .
3 - عن السؤال الثالث : النبى e تم بينه وبين جميع زوجاته عائشة رضى الله عنها وغيرها عقد زواج شرعى . ومن هذا يعلم الجواب عما جاء بالاستفتاء . والله سبحانه وتعالى أعلم " .
فتوى فضيلة الشيخ أحمد هريدى  رحمه الله ، بتاريخ  رجب 1389 هجرية الموافق 4 أكتوبر 1969 م
وفي سؤال آخر مقدم إلي دار الإفتاء يتضمن أن السائل له صديق خطب بنت خاله وألبسها الشبكة، وبعد شهرين من تاريخ الشبكة مرضت المخطوبة وتوفيت إلى رحمة الله تعالى .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى الشبكة التى أخذتها المخطوبة، وهل هى من حق الخاطب أو من حق ورثة المخطوبة شرعا فأفتت بأن " المقرر شرعا أن الخطبة ليست عقدا ولا زواجا، ولا يترتب عليها شىء من آثار العقد والزواج .
والشبكة التى تقدم للمخطوبة قد جرى العرف باعتبارها جزءا من المهر، وقد جرينا فى الإفتاء على هذا - ومادامت الشبكة قد اعتبرت عرفا جزءا من المهر فإنها تأخذ حكمه، والمهر لا يستحق شرعا إلا بعقد الزواج ، فإذا لم يتم عقد الزواج بسبب فسخ الخطبة أو وفاة المخطوبة مثلا كما فى الحادثة موضوع السؤال فإنه يكون للخاطب شرعا الحق فى أن يسترد ما قدمه لمخطوبته من شبكة، لأنها جزء من المهر كما سبق، ولا حق لورثة المخطوبة فى شىء من الشبكة المذكورة شرعا
ومن هذا يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم " .
فتوي فضيلة الشيخ أحمد هريدى رحمه الله بتاريخ ذو القعدة 1389 هجرية الموافق  21 يناير 1970