إيقاف الخصومة لحين الفصل في مسألة يتوقف عليها الحكم المتعلق بالموضوع :
----------------------------------------------------------------------------------
قد يبدى أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى دفعا يثير موضوعا لا تختص به المحكمة المعروضة عليها النزاع بنظره اختصاصا متعلقا بالوظيفة أو اختصاصا نوعيا ويكون الفصل في ذلك الدفع أمرا لازما حتى تتمكن المحكمة من الحكم في الدعوى ، كما إذا أثير أمام المحكمة الجزئية نزاع حول ملكية العقار في دعوى قسمته أو دعوى تعيين حدوده وكانت قيمة العقار تتجاوز نصاب المحكمة الجزئية ، فلا يجوز للمحكمة المعروض عليها النزاع الفصل في المسألة الأولية لأن هذه المسألة تخرج عن اختصاص المحكمة المتعلق بالوظيفة أو الاختصاص النوعي - بحسب الأحوال - وكلاهما من النظام العام .
وقد قضت محكمة النقض بأنه " يشترط لوقف دعوى القسمة حتى يفصل في الملكية أن تكون المنازعة فيها جدية وليس للشركاء المختصمين في دعوى القسمة الحق في التمسك بعدم اختصام باقي الشركاء فيها " (نقض 21/6/1979 رقم 243 سنة 46ق)
ولا يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف الدعوى إذا كان من الممكن أن يؤخذ الحكم في المسألة الأولية من عناصر الدعوة نفسها لأن عليها أن تعرض لتصفية كل نزاع يقوم على أى عنصر من عناصر الدعوى يتوقف الحكم فيها على الفصل فيه .
وإذا تعددت الطلبات في الدعوى ، وكان أحد هذه الطلبات من اختصاص جهة قضائية أخرى دون باقيها ، فإن المحكمة تحكم بوقف الدعوى بالنسبة الى ذلك الطلب / ويجب عليها استمرار نظر باقي الطلبات . أما إذا أقيمت دعوى من مصلحة الجمارك بطلب ضرائب ورسوم جمركية وفوائدها ، ثم حصل التمسك بعدم دستورية الفوائد ، فعندئذ يجب وقف الدعوى بالنسبة الى هذه الفوائد ، واستمرار نظر باقي الطلبات . (نقض 17/11/1986 ، طعن رقم 254 سنة 52ق)
فالأصل أنه يتعين على المحكمة أن تأمر بوقف الدعوى كلما تقدم أحد الخصوم بدفع يثير مسألة أولية question préjudicielle يجب الفصل فيها أولاُ لكى يمكن الحكم في الدعوى الأصلية على أن تكون هذه المسألة مما يخرج عن اختصاص المحكمة المتعلق بالوظيفة أو الاختصاص النوعي ، وتستأنف الدعوى سيرها فور حسم النزاع في هذه المسألة (م129 ، 16 من قانون السلطة القضائية) ويشترط لوقف الدعوى في هذه الحالة الشروط الآتية :
أولاً : أن يكون الفصل في المسألة الأولية لازما للحكم في الدعوى فإذا كان المقصود من إثارة الدفع تأخير مجرد الفصل في الدعوى والكيد للخصم فللمحكمة أن تصرف النظر عن الدفع وتقضي في الموضوع ، كما إذا رفعت دعوى حساب على ناظر وقف فأنكر استحقاق المدعى رغم أنه كان قد سبق له أن صرف الغلة باعتباره مستحقا .
ثانياً : أن يكون الفصل في موضوع الدفع مما يخرج عن اختصاص المحكمة المعروض عليها الدعوى سواء أكان هذا الاختصاص اختصاصا متعلقا بالوظيفة أو اختصاصا نوعيا لأنهما من النظام العام .
ثالثاً : أن يقتضي الفصل في موضوع الدفع بحثا في القواعد القانونية أو تفسيرا أو تأويلا فلا يجوز الوقف إذا كان الحكم في الدفع واضحا لا يحتمل التأويل .
رابعاً : أن يبقى بعد الفصل في موضوع الدفع نزاع أمام المحكمة المعروضة عليها الدعوى الأصلية فلا محل لوقف الدعوى إذا كان الفصل في الدفع يحسم كل نزاع بين الخصوم .
(استئناف مصر 24 نوفمبر 1931 - المحاماة 12 ص618)
فإذا توافرت الشروط السالفة الذكر كان على المحكمة أن تأمر بوقف الدعوى من تلقاء نفسها وعليها أن تكلف الخصم الموجه إليه الدفع باستصدار حكم من المحكمة المختصة بنظر موضوعه (م129 ، 16 من قانون السلطة القضائية) وكان القضاء يجرى على عدم تحديد ميعاد للخصم ليستصدر خلاله حكما في المسألة الأولية ، وذلك لأنه قد يصعب عليه أن يقدر مقدما المدى اللازمة لاستصداره ، إنما نصت المادة 16 على أن المحكمة تحدد مقدما ميعادا يستصدر فيه الخصم حكما نهائيا من القاضي المختص .
وقد قضت محكمة النقض بأنه " إذا لم تر المحكمة حاجة الى وقف الدعوى فمن الواجب أن تبين - عند الرفض - أن الفصل في الدعوى الأصلية لا يقتضي هذا الوقف ، وإلا كان هناك قصور في تسبيب الحكم الصادر بالرفض .
(نقض 27/10/1955 السنة 6 ص1397 ، ونقض 24/11/1955 السنة 6 ص157)
ورغم أن المشرع قد منع الطعن المباشر في الأحكام - التي لا تنتهي بها كل الخصومة - فور صدورها منعا من تقطيع أوصال القضية الواحدة وتوزيعها بين مختلف المحاكم ، إلا أنه أجاز الطن المباشر في الأحكام الصادرة بوقف الدعوى ، لأن هذا الطعن لا يمزق الخصومة بل على العكس يؤدي في حالة نجاحه الى تعجيل الفصل فيها (م 212) .
وقد يصدر الحكم بالوقف بالنسبة الى بعض الطلبات دون البعض الآخر ، وعندئذ تستمر المحكمة في نظر باقي الطلبات على ما قدمناه .
والطعن في الحكم الصادر بالوقف لا يمنع المحكمة من الاستمرار في نظر باقي طلبات الدعوى .
وتنص المادة (129) على أنه بمجرد زوال سبب الوقف يكون للخصوم تعجيل الدعوى ، وعندئذ تستأنف سيرها من النقطة التي وقفت عندها ، وكان القانون السابق ينص على أن قلم الكتاب يقوم بتعجيل الدعوى إذا اقتضت الحال .
وتنص المادة (16/)2) على أنه إذا قصر الخصم في استصدار حكم نهائي في الدفع في المدة المحددة كان للمحكمة أن تفصل في الدعوى بحالتها ، وقد يبدو غريبا أن تفصل المحكمة في الدعوى - بعد وقفها - قبل صدور الحكم في المسألة الأولية ، رغم أن الحكم بالوقف وهو حكم قطعي ، يقرر عدم صلاحية الدعوى للسير فيها والحكم في موضوعها بالحالة التي هى عليها .
وقد قضت محكمة النقض بأنه " الحكم بالوقف هو حكم قطعي فإذا قضت المحكمة بوقف الدعوى لتقديم حكم مثبت للوراثة فلا يجوز لها قبول طلب إعادة القضية للمرافعة من غير أن يقدم لها حكم الوراثة الذي أوجبت تقديمه " (22 يونيو 1933 المحاماة 14 ص63) وبأنه " الحكم بوقف الفصل في طلب الطرد حتى يفصل في طلب الحساب يعتبر حكما قد بت نهائيا وبصفة قطعية في نزاع مردود بين الخصوم فهو قابل للطعن فيه بطريق النقض " (نقض 22 فبراير 1951 المحاماة 31 ص1395 ، ونقض 21 مارس 1963 السنة 14 ص337)
وقضت أيضا بأنه " الحكم بوقف الدعوى حتى يفصل في مسألة أخرى ترى المحكمة ضرورة الفصل فيها هو حكم قطعي يترتب عليه عدم جواز الفصل في موضوع الدعوى قبل تنفيذ مقتضاه وعدم سقوط الخصومة بمضى المدة "
(6/3/1986 الطعن رقم 320 سنة 51ق ، ونقض 19/12/1985 رقم 80 س51ق)
مما تقدم يتعين على المحكمة أن توقف الدعوى إذا أبدى أحد الخصوم دفعا يثير موضوعا لا تختص به اختصاصا متعلقا بالوظيفة أو اختصاصا نوعيا ، ويكون الفصل فيه لازما للفصل في الدعوى .
وقد يحدث أن ترتبط دعويان أمام محكمتين مختلفتين ولا يمكن الجمع بينهما لعدم توافر شروط الارتباط (كما إذا لم تكن المحكمتان من درجة واحدة أولاً تتبع أحداهما جهة القضائي المدني) ولا يصل الارتباط بينهما الى الحد الذي يوجب وقف السير في إحداهما الى حين الفصل في الأخرى ، ففي هذه الحالة يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف السير في الخصومة حتى يتم الفصل في الأخرى لتفادي صدور أحكام لا توافق بينهما وتحقيقا لحسن سير العدالة ، هذا على الرغم من أن الفصل في الدعوى لا يعتمد على الحكم في الأخرى ، فإذا صدر حكم لم يقض للمدعى بكل طلباته على المدعى عليه الغائب ، وطعن المدعى في الحكم بالاستئناف بالنسبة للقضاء الصادر عليه وطعن خصمه في الحكم بالمعارضة بالنسبة للشق الآخر ، إذا كانت جائزة بنص خاص ، فمن الواجب وقف الخصومة في الاستئناف حتى يتم الفصل في المعارضة ، وذلك نظرا لتوافر صلة الارتباط بين الدعويين ، وكان قضاء المحاكم في ظل القانون القديم يذهب الى هذا الاتجاه . (استئناف مختلط 2 أبريل 1946 مجلة التشريع والقضاء 58 ص29)
ويلزم تسبيب الحكم الصادر بوقف الدعوى عملا بالمادة 176 التي تستوجب تسبيب جميع الأحكام وإلا كانت باطلة (ولا يدخل في الاستئناف المقرر في المادة 5/1 من قانون الإثبات لأن هذه المادة تتصل بالأحكام الصادرة بإجرايات الإثبات . فضلا عن أن الحكم بوقف الدعوى هو حكم قطعي) ويراعى في تقدير نصاب استئنافه قيمة الدعوى التي صدر فيها الحكم عملا بالمادة 226 .
(نقض 22 فبراير 1951 المحاماة 31 ص1695)