محل الجريمة
حماية الإنسان الحى هى الهدف الأول ، لذلك كان الإنسان عنصراً ضرورياً فى جميع جرائم الاعتداء على الأشخاص ، سواء ما يقع منها على الجسم ، أو العرض ، أو الاعتبار ، أو الحرية الشخصية ، وقد نصت المادتان " 230 ، 231 ع " على عقاب " من قتل نفسا " ، و كذلك الحيوان الذى يعد قتله جريمة قائمة بذاتها " م 355 ، 357 ، كما خرج الجنين قبل ولادته ، فإن قتله يكون جريمة قائمة بذاتها هى جريمة الإسقاط " م 260 - 264 ع " وخرج بداهة الإنسان الميت ، ولو جهل الجانى موته ، ونحيل فيما يتعلق بذلك ما ذكرناه بصدد الجريمة المستحيلة .
 
المبحث الثالث : القصـد الجنـائى
 
تعريف القصد الجنائى
هو توجيه الفاعل لإرادته نحو تحقيق النتيجة المجرمة التى يقرر القانون من أجلها عقـوبة ، وهـو ركن أساسى بتطلب فى جميع الجرائم العمدية ( 1 ) ، أو انصراف إرادة الجانى إلى تحقيق وقائع الجريمة مع العلم بأركانها كما يتطلبها القانون ، وهو يتطلب أيضاً توافر قصد خاص أى نية محددة هى إرادة إزهاق روح المجنى عليه دون غيرة من النتائج ، فلا يعنى عن ذلك مثلاً إرادة المساس بسلامة جسمه أو بصحته ، وبدون هذا القصد الخاص يختلط القتل العمد مع الضرب المفضى الى الموت ، أو الشروع فيه مع الضرب المفضى إلى عاهة مستديمة أو حتى مع الضرب البسيط بحسب الأحوال .
ويقوم القصد الجنائي على عنصرين :
1.العلم بالأركان التى يقوم عليها الكيان القانونى للجريمة والعناصر التى يتضمنها كل ركن منها .
2.الإرادة التى تتجه إلى فعل الاعتداء على الحياة وإلى تحقيق النتيجة المترتبة عليه وهى إزهاق روح المجنى عليه .
أولاً : العلم
يتعين أن يكون الفاعل عالما بأركان الجريمة وعناصر كل ركن ( 2 ) .
ويتطلب القانون العلم بموضوع الحق المعتدى عليه ففى جريمة القتل يعتدى الجانى على إنسان حى ، فإن العلم بموضوع الجريمة ينتفى ومن ثم ينتفى أحد عناصر العلم بالواقعة الإجرامية ( 3 ) .
وتطبيقا لذلك فإن جريمة القتل تنتفى فى إحدى صورتين :
1.الجهل بالمحل :
وهى عدم العلم بالواقعة ( 4 ) ، أو يعتقد الجانى أنه يوجه سلوكه العدوانى ضد حيوان فإذا به إنسان مما ينجم عنه قتله ، أو يعتقد بأن يطلق الأعيرة النارية على المارة معتقدا بعدم وجود أشخاص فى هذا المكان ، فإذا به يصيب أحد الأشخاص الذى تصادف تواجده فى هذا المكان ويتوفى فى الحال .
فى هذه الحالة فإن الفاعل يجهل وجود إنسان وبالتالى لا يعلم بأنه يطلق الأعيرة النارية على إنسان حى ، لذا لا يسأل عن قتل عمد وأن سئل عن قتل خطأ إذا ما توافر أحد صور الخطأ  .
2.الغلط :
فهو يعنى العلم على نحو يخالف الحقيقة ، أو هو اعتقاد الفاعل بأنه يمارس نشاط ضد شخص ميت ( 5 ) ، مثلاً من يقوم بدفن إنسان معتقد أنه ميت ثم يتضح من تشريح الجثة أن الوفاة حدثت نتيجة لدفنه وأنه كان لا يزال حى وقت وضعه فى القبر وفى هذه الحالة لا يمكن أن يسأل عن جريمة قتل غير عمدى إذا ثبت فى جانبه الإهمال ( 6 ) ، وأيضاً من أعطى آخر مادة سامة يستعملها فى إبادة الحشرات ، فإذا به - خلاف لما توقعه المتهم - يذوق بعضا منها فيموت لا يسأل عن قتل عمد .
ويتطلب العلم أيضاً أن يتوقع علاقة السببية هذه ولا يشترط معه توقع الجانى أن تحدث وفاة المجنى عليه بوسيلة معينة ، وعليه إذا حدثت الوفاة بوسيلة مختلفة ، فإن القصد الجنائى يظل متوافرا رغم اختلاف الوسيلة ، فمثلا إذا أراد شخص أن يقتل آخر بضربة على رأسه لإفقاده الوعى ثم ذبحه ، ولكن الوفاة حدثت نتيجة لضربة على الرأس وحدها فإنه يسأل عن قتل عمد ، وأساساً فى ذلك أن القانون يضع على قدم المساواة كل الوسائل التى تقضى إلى حدوث الوفاة ( 7 ) .
ثانياً : الإرادة
هى عبارة عن قوة نفسية أو نشاط نفسى يوجه كل أعضاء الجسم أو بعضها نحو تحقيق عرض غير مشروع أى نحو المساس بحق أو مصلحة يحميها القانون الجنائى .
جوهر القصد الجنائى فى القتل العمد ، هو اتجاه إرادة الجانى إلى فعل الاعتداء على حياة المجنى عليه واتجاهها إلى إزهاق روحه .
فيجب أن تتجه الإرادة إلى ارتكاب فعل الاعتداء على حياة المجنى عليه ، فإذا انتفت إرادة فعل الاعتداء انتفى القصد الجنائى ، كما فى حالة إكراه شخص على آتيان فعل الاعتداء ، دون أن تكون إرادته الحرة قد اتجهت إليه ( 8 ) .
ويشترط كذلك إرادة النتيجة الإجرامية - إزهاق روح إنسان - فلا يكفى مجرد إرادة النشاط الإجرامى ، وإنما لابد أن يرد من ذلك النشاط وفاة المجنى عليه وهو ما يميز القتل العمد ، فمثلاً الطبيب الذى يجرى عملية جراحية خطيرة لمريض اشتد عليه المرض متوقعا وفاته ، باذلا فى الوقت نفسه كل ما يستطيع للحيلولة دونها ، ثم يتوفى المريض فإن الطبيب لا يسأل عن قتل عمد ( 9) .
صور القصد الجنائى
أولا ً : القصد المباشر
هو الذى تتجه فيه الإرادة على نحو يقينى إلى تحقيق النتيجة الإجرامية التى يتوقعها الجانى كأثر لازم لفعله ( 10 ) .
وهناك رأى أخر للدكتور/ نجيبب حسنى
وهو أن يكون الجانى على يقين بأن فعله سوف يحقق النتيجة الإجرامية ويعد مباشراً لأن إرادته اتجهت مباشرة إلى مخالفة القانون ، ولا يتاح للإرادة هذا الاتجاه إلا إذا استندت إلى علم يقينى بتوافر عناصر الجريمة (11).
 
وللقصد المباشر صورتان :
1.الصورة الأولى : يكون الغرض الأساسى للقيام بالفعل هو تحقيق الوفاة .
2.الصورة الثانية : أن الوفاة ترتبط على نحو لازم بالغرض الذى استهدف الجانى تحقيقه بفعله فالجانى يسعى إلى تحقيق واقعة معينة .
فمثلاً : فإذا أراد مالك السفينة أن يغرقها لكى يحصل على مبلغ التأمين فوضع فيها قبل أن تغادر الميناء قنبلة زمنية تنفجر وهى فى عرض البحر ويحدث الانفجار كما كان متوقعا وتغرق السفينة كما يغرق بحارتها والمسافرين عليها ، فيعتبر غرق السفينة قصد مباشراً ( 12 ) .
ثانياً : القصد المحدود وغير المحدود
1. القصد المحدود :
هو انصراف إرادة الفاعل إلى تحقيق نتيجة معينة بالذات سواء تعدى نشاطه هذه النتيجة إلى أخرى غير مقصودة أو وقف عندها ، مثلاً أن ينتوى شخص قتل أخر فيطلق عليه عياراً نارياً مستويا لديه أن يصيبه وحده أن يتعدى غيره بطريق الخطأ .
2. القصد غير المحدود :
هو اتجاه إرادة الجانى إلى إزهاق الروح دون تعيين لشخص أو أشخاص من تتحقق فيهم هذه النتيجة ( 13 ) ومثاله أن يلقى شخصا قنبلة على جمع من الناس مريدا إصابة أو قتل أى عدد منهم .
وعلى استواء القصد المحدود مع القصد غير المحدود فى القتل العمد أن القانون لا تعنيه شخصيات المجنى عليهم فى القتل ، وإنما يكفيه أن يقع القتل على إنسان حى فقط .
ثالثاً : القصد غير المباشر
هو العلم بعناصر الجريمة مع توقع نتيجتها ، واتجاه الإرادة إلى السلوك الإجرامى مع قبول تلك النتيجة الإجرامية دون الرغبة فى تحقيقها.
قد يتعمد الجانى ارتكاب جريمة معينة فتتحقق بدلا منها جريمة أخرى ، أو قد تتحقق الجريمة المقصودة ومعها جريمة ثانية ، فطبقا لنظرية القصد الاحتمالى تنبغى مسائلة الجانى عن جميع النتائج التى تحصل إذا كانت مقبولة منه أو بالأقل متوقع حدوثها ، بأن كانت جريمته الأولى أو الأساسية تؤدى إليها بحسب السير العادى للأمور ، على اعتبار أنه كان عليه أن يتوقع هذه النتائج ويفترض إمكان حصولها ، وهى وإن كانت لا تدخل فى قصده الأصيل أى المباشر إلا أنه يمكن افتراض دخولها فى قصده الاحتمالى أى غير المباشر الذى يحل محل ويصلح مثله بحسب نظرية القصد الاحتمالى ركنا معنويا فى الجرائم العمدية المختلفة ( 14 ) .
وقد أخذ الشارع المصرى بنظرية القصد الاحتمالى أحيانا لا كنظرية عامة تحكم المسئولية الجنائية ، بل أخذ بها فى رأى جانب من الفقه فى أحوال استثنائية وأعطاها تطبيقات معينة ، مثلا بالنسبة لمسئولية الشريك عن الجرائم التى يكون وقوعها نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التى حصلت ، ولو كانت غير تلك التى تعمد الشريك ارتكابها ( م43 ع ) وكما فى جرائم الضرب المفضى إلى الموت ( م 236 ) وإلى العاهة المستديمة ( م 240 ) وإلى العجز عن الأشغال الشخصية لمدة تزيد على عشرين يوما ( م 241 ) وفى الحريق العمد إذا نشأ عنه موت شخص أو أكثر ( م 257 )وفى جرائم أخرى قليلة فشدد العقوبة على الجانى بحسب جسامة النتيجة النهائية ولو لم يثبت أنه كان يقصد إحداثها بالذات ، أى ولو لم تدخل هذه النتيجة النهائية فى قصده المباشر .
ولكن شارعنا أخذ بها استثناء من القاعدة العامة التى عندما تتطلب فى الجرائم العمدية قيام القصد الجنائى إنما تتطلب ضرورة توافر القصد المباشر أى الأصيل ، فلا يمكن للقصد الاحتمالى عندنا أن يقوم مقام هذا القصد الأخير إلا بنص صريح ( 15 ) ، فمثلا إذا قاد شخص سيارته مندفعا بسرعة طائشة وسط ازدحام شديد وكانت جميع الاعتبارات تحتم عليه توقع قتله بعض المارة ، ثم قتل أحدهم بالفعل فلا محل لاعتباره مع ذلك قاتلا عمدا ما لم يتوافر لديه قصد القتل العمد بشطريه العام والخاص معا .
ويعلل بعض الآراء المسئولية فى حالة الحيدة عن الهدف والخطأ فى الشخصية أيضا بنظرية القصد الاحتمالى ، على أن هذا الرأى محل نظر وبحاجة إلى بعض التفصيل .
الحيدة عن الهدف والخطأ فى الشخصية :
الحيدة عن الهدف ، ويطلق عليها أحيانا الخطأ فى شخص المجنى عليه ، هى أن يعمد الجانى إلى قتل زيد من الناس فيطلق عليه مقذوفا ناريا مثلا ولكن يخطئه ويصيب بكرا الذى يقف إلى جواره ، أما الخطأ فى شخصية المجنى عليه فهو أن يعمد الجانى إلى قتل زيد من الناس فيخطئ فى شخصيته ويصيب بكرا باعتبار أنه هو المقصود بالقتل  نظرا إلى حالة الظلام مثلا أو للتشابه بينهما ، والصورة الأولى تفترض وجود شخصين أمام الجانى ، أما الثانية فتفترض وجود شخص واحد ، واجماع الفقه والقضاء على أن الحيدة عن الهدف والخطأ فى الشخصية أمران لا تأثير لهما فى مسئولية الجانى بوصفه مرتكبا جريمة عمدية ، لا جريمة من جرائم الخطأ أو الإهمال ، وبالتالى قاتلا عمدا للشخص الذى أصابه بالفعل إذا مات ، أو شارعا فى قتله إذا نجا من الموت .( 16)
بل وفى حالة الحيدة عن الهدف تقوم جريمتان لا جريمة واحدة :
أولاهما : الشروع عمدا فى قتل الشخص المقصود بالتصويب .
ثانيهما : قتل الشخص الذى أصيب نتيجة الحيدة عن الهدف ، أو الشروع فى قتله عمدا إذا نجا من الموت رغم إصابته ، أما عند الخطأ فى شخصية المجنى عليه فلا تقوم سوى جريمة واحدة بطبيعة الحال لأن المقصود بالقتل لم يكن موجودا بالمرة فى مكان الاعتداء .
وقد عللت محكمة النقض ذات مرة بنظرية القصد الاحتمالى قيام القتل العمد عند الحيدة عن الهدف ( 17 ) إلا أن ذلك قد يتنافى مع ما سبق ذكره من أن قانوننا أخذ بفكرة القصد الاحتمالى استثناء من قاعدة عامة  والاستثناء لا يكون إلا بنص صريح ، ولذلك نفضل تعليلها بتوافر جميع أركان الجريمة بما فيها توافر السببية بين فعل الجانى ووفاة المجنى عليه الذى أصيب بالفعل ، إذ أن الحيدة عن الهدف والخطأ فى شخصية المجنى عليه من الأمور المألوفة الوقوع التى تتفق والسير العادى للحوادث كما يجب أن يتوقعه الجانى فلا تقطع السببية بين فعله وبين النتيجة التى تحققت فعلا ، وباعتبار أن هذا الخطأ فى صورتيه لا ينفى توافر جميع أركان القتل العمد الأخرى من فعل ومحل وقصد جنائى ، ولا أهمية بعد ذلك فى نظر القانون لأن يكون القتيل يدعى بكرا من الناس أو زيدا ، ودون ما حاجة ملجئة إلى الاستعانة بنظرية القصد الاحتمالى ( 18 ).
ويلاحظ : أن المعيار واحد فى الحالتين ، وأن تعليل مساءلة الجانى فى حالتى الحيدة عن الهدف والخطأ فى الشخصية بقيام رابطة السببية بين الفعل والنتيجة ، دون الأخذ بنظرية القصد الاحتمالى ، أمر قد لا تترتب عليه فروق عملية وإنما أهميته فى الغالب فقهية بحت ، وذلك خصوصا بعد إذ اضطرت محكمة النقض على الأخذ بالمعيار الموضوعى .
الذى استقر عليه قضاؤها فى نطاق السببية - فى تحديد ما تراه يدخل من أحوال العقاب فى نطاق نظرية القصد الاحتمالى ( 19 ) وذلك بعد أن كانت ترى فى القليل من أحكامها القديمة الأخذ بمعيار شخصى ومحاسبة الجانى عن النتائج التى يبين أنه توقعها بالفعل دون غيرها .
ويلاحظ أخيرا أن الأخذ بمعيار شخصى فى حالة الحيدة عن الهدف أو الخطأ فى الشخصية ينبنى عليه - على عكس ما تقدم - وجوب القول بمساءلة الجانى عن الشروع فى قتل المجنى عليه الذى قصده بالذات وعن قتل الثانى الذى لم يقصده بوصفه قتلا خطأ لأن قتل هذا الأخير لم يكن مائلا فى ذهنه ولم يتوقعه بالفعل وقت الأقدام على جريمته الأساسية ، وإنما كان بسبب خطئه ورعونته فحسب .
حكم التعدد عند الحيدة عن الهدف :
قلنا أنه عند الحيدة عن الهدف تنشأ أكثر من جناية ، أى حالة تعدد جرائم ويكون التعدد معنويا فى رأينا إذا تعمد الجانى قتل مجنى عليه واحد فقط ، ولو تعددت الطلقات النارية الموجهة إليه فأصيب آخر أو آخرون نتيجة هذه الحيدة عن الهدف ، ويكون التعدد ماديا إذا تعد الجانى قتل أكثر من مجنى عليه واحد واتخذ سلوكها آثما من شأنه تحقيق هذا الغرض سواء أحدثت حيدة فى الهدف أم لم تحدث ، ومن ذلك أن يطلق عدة أعيرة نارية فى اتجاه شخصين أو أكثر ، أو حتى أن يطلق عيارا واحدا على شخصين يقف أحدهما خلف الآخر بقصد قتلهما معا ، وقد يتوافر التعدد المادى حتى عند قيام القصد غير المحدود كمن يلقى قنبلة وسط أشخاص متعددين بقصد قتل من قد يقتل منهم فتصيب أكثر من واحد ( 20 ).
ويلاحظ أنه عند التعدد المعنوى يجب اعتبار الجريمة التى عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها ( م 32/1 ع ) وكذلك الشأن عند التعدد المادى بشرط أن يكون بين الجرائم المتعددة ارتباط لا يقبل التجزئة ( م 32/2 ) وإلا تعددت العقوبات فى حدود القواعد العامة لتعددها .
إثبات قصد القتل :
قصد القتل حالة ذهنية لا تثبت عادة بشهادة الشهود ، وإنما تثبت من الاعتراف أو من القرائن ، وبخاصة من الوسيلة المستعملة ، وكيفية استعمالها ، ومكان إصابة المجنى عليه ، وظروف الاعتداء ، ونفسية الجانى ، وعلاقته بالمجنى عليه ، ونوع الباعث ، وقبل كل اعتبار آخر يثبت القصد من مكان التصويب من جسم المجنى عليه ، إلى غير ذلك من الاعتبارات التى يخضع تقديرها لسلطة قاضى الموضوع ، وله فيها القول الفصل دون معقب عليه من محكمة النقض إلا فى الحدود العامة التى تراقب فيها المسائل الموضوعية ( 21 ).
وقد قضى " أن استعمال أداة قاتلة ليس بشرط ، فقد يثبت قصد القتل رغم استعمال أداة غير قاتلة بطبيعتها كعصا ، مثلا إذا استعملت بطريقة تقطع بوجوده ، كما إذا كرر الجانى الضربات على الرأس حتى تهشمت ( 32 )
أو مادامت هذه الآلة تحدث القتل ، ومادام الطبيب قد أثبت حدوث الوفاة نتيجة إصابة رضية يجوز أن تكون من الضرب بعصا . ( 23 )
وأنه قد يستفاد قصد القتل لدى الجانى ولو لم يستعمل سلاحا ما ، كما إذا ارتكب القتل بطريق الخنق أو الضغط باليد أو الرجل على جسم المجنى عليه .
وأنه لا يشترط أن تكون الإصابة فى مقتل مادام من الثابت أن الوفاة ترجع إلى الإصابة التى أحدثها الجانى متعمدا القتل ( 24 ) ، حين قرر حكم أحدث منه ، أنه يجب أن تثبت المحكمة أن مطلق العيار صوبه إلى المجنى عليه فى الموضع الذى يعد مقتلا ( 25) ، ولا تضارب بين القضاءين ، إذ يلاحظ أن التصويب قد يكون فى مقتل ولكن الإصابة فى غير مقتل ، كمن يصوب عيارا إلى القلب فيصيب الذراع بسبب عدم أحكام الرماية ، أو حركة المجنى عليه ، كما قد يحصل العكس بأن يصوب الجانى سلاحه إلى ذراع المجنى عليه لمجرد شل حركته مثلا وبغير نية قتله فيصيبه فى مقتل ، ولذا قضى بأن استعمال سلاح نارى والحاق إصابات متعددة بمواضع خطرة من جسم المجنى عليه لا يفيد حتما توافر قصد إزهاق الروح ( 26 ) ، فالعبرة فى النهاية هى بنية الجانى لا بمكان الإصابة أو خطورتها أو نوع السلاح المستعمل ، والنية أمر يضمره الجانى ويستخلصه القاضى من كافة ظروف الدعوى مجتمعه .
وأنه لا تناقض بين قيام نية القتل عند المتهم وبين قول الحكم أنه ارتكب فعلته تحت تأثير الغضب أثر مشادة وقتية ( 27 ) ، لأن الغضب ينفى سبق الإصرار دون نية القتل .
وأنه لا تناقض بين قيام نية القتل عند المتهم وبين قول الحكم أنه ارتكب فعله تحت تأثير حالات الإثارة أو الاستقزاز ، بل أن هذه الحالات قد تعد فحسب أعذارا قضائية مخففة يرجع الأمر فى تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض . ( 28 )
وأنه لا تلازم بين قيام القصد الجنائى وسبق الإصرار فلكل مقوماته ، فقد يتوافر القصد الجنائى وينتفى فى الوقت ذاته سبق الإصرار ، وإذا كان ما قاله الحكم المطعون فيه فى نفى سبق الإصرار لا ينفى نية القتل ، ولا شأن له بالعقوبة التى أوقعها على الطاعن طالما أنها مقررة فى القانون فإن حالة التناقض تنحسر عن الحكم المطعون فيه . (  29 )
وأن قول بعض شهود الإثبات أنهم لا يعرفون قصد المتهم من إطلاق النار على المجنى عليهما ، وقول البعض الآخر أنه لم يكن يقصد قتلا لا يقيد حرية المحكمة فى استخلاص قصد القتل من كافة ظروف الدعوى وملابساتها . ( 30 )
وفى النهاية فإن قصد القتل ، بحسب عبارة محكمة النقض هو أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر ، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والإمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه ، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية . ( 31 )
العقـوبـة :
عقوبة القتل العمد هى السجن المؤبد أو المشدد (32) ، وإذا اقترن القتل العمد بظروف مشددة معينة ( المواد 230 ، 233 ، 234/2 ، 251 مكررة ) فتصبح عقوبته الإعدام ، على نحو ما سنوضحه فى الفصل التالي
_________________________
( 2 )  د/ حسن المرصفاوى - المرجع السابق ص 78 .
(2 ) د/ بخيت حسنى - المرجع السابق ص 277 .
( 3 ) د/ محمود طه - المرجع السابق ص 73 .
( 4 ) مدحت رمضان ص 258 - المرجع السابق .
( 5 )  راجع د/ محمود طه - المرجع السابق - ص 74 .
( 6 ) د/ عوض محمد ص 42 .
( 7 ) محب حسن - المرجع السابق ص 278 .
( 8 ) د/ فتوح عبد الله الشاذلى - المرجع السابق ص 38 .
( 9 ) نجيب حسنى - المرجع السابق ص 42 .
( 10 ) د/ فتوح عبد الله الشاذلى- قانون العقوبات العام ص 452 ..
( 11 ) نجيب حسنى - المرجع السابق ص 297 .
( 12 )  د/ نجيب حسنى ص 280 - المرجع السابق .
( 13 )  فوزية عبد الستار المرجع السابق ، ص 367 .
( 14 )  روؤف عبيد - المرجع السابق ص 48 ، 49
( 15 ) قارن نقض 25/12/1930 القواعد القانونية ج 2 رقم 135 صـ168
( 16 ) نقض 7/4/1941 مج س 42 رقم 226 ، 10/11/1941 القواعد القانونية ج 5 رقم 298 صـ567 و 24/6/1963 أحكام النقض س 14 رقم 108 صـ563 .
( 17 ) نقض 20/11/1930 القواعد القانونية ج 2 رقم 109 صـ125
( 18 ) روؤف عبيد - المرجع السابق ص 51 .
( 19 ) نقض 11/1/1935 القواعد القانونية ج 3 رقم 396 .
( 20 ) روؤف عبيد - المرجع السابق ص 53
( 21 ) د/ روؤف عبيد ضوابط تسبيب الأحكام ص 53 .
( 22 ) نقض 7/5/1957 أحكام النقض س8 رقم 133 صـ483
( 23 ) نقض 1/1/1953 أحكام النقض س4 رقم 128 صـ332
( 24 ) نقض 11/1/1955 أحكام النقض س 6 رقم 140 صـ425
( 25 )  نقض 10/4/1944 القواعد القانونية ج 6 رقم 332 صـ454 
( 26 )  نقض 20/11/1962 س 13 رقم 185 صـ753
( 27 )  نقض 8/3/1937 القواعد القانونية ج 4 رقم 60 صـ55
( 28 )  نقض 13/5/1973 أحكام النقض س 24 رقم 130 صـ631
( 29 )  نقض 13/5/1973 أحكام النقض س 24 رقم 130 صـ631
( 30 ) نقض 16/1/1961 أحكام النقض س 12 رقم 13 صـ87
( 31 ) نقض 16/5/1961 أحكام النقض س 12 رقم 2 صـ385
(32) مستبدلة بالقانون رقم 95 لسنة 2003 ، وكانت قبل التعديل الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة .