التهديد الشفوى
 
نصت على التهديد الشفوى الفقرة الثالثة من المادة 327 ونصها : كل من هدد غيره شفهيا بواسطة شخص آخر بمثل ما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه ، سواء أكان التهديد مصحوبا بتكليف بأمر أم لا
ويبين من نص هذه الفقرة أنه يحيل القارئ إلى الفقرة الأولى من نفس المادة باستلزامه أن يكون التهديد " بمثل ما ذكر " فإن الفقرة الأولى من المادة هى التى عينت الأمور المهدد بارتكابها ، وعلى ذلك فالتهديد الشفوى يستلزم أن يكون بارتكاب أمور أو جرائم على درجة معينة من الجسامة ، وأن يكون بواسطة شخص آخر .
أولا : الجرائم أو الأمور المهدد بارتكابها
أشرنا إلى أن الفقرة الثالثة من المادة 327 تحيل إلى فقرتها الأولى ( 1) ، وعند معالجة هذه الأخيرة أنها تستلزم أن يكون التهديد " بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ، أو بإفشاء أمور مخدشة بالشرف " وقد سبقت معالجة كل ذلك عند بحث الأركان العامة فى التهديد ، أما التهديد الشفوى بارتكاب جريمة لا تبلغ الجسامة المتقدمة فيكون جنحة عقوبتها الحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائتى جنيه ، وذلك طبقا لنص الفقرة الرابعة من المادة 327 ( معدلة بالقانون 29 لسنة 1982 ) .
ثانيا : توسيط شخص آخر
يصدر التهديد الشفوى عادة عن حالة انفعال نفسى مؤقت ، ولا ينبئ عن خطورة خاصة عند صاحبها ، كما لا يبعث من القلق والاضطراب لدى من وجه إليه قدر ما يبعث التهديد المكتوب ، ولذا رأى مجلس شورى القوانين للعقاب عليه ضرورة توسيط شخص آخر فى نقله من الجانى إلى المجنى عليه ، حتى يدل بذلك على خطورة خاصة ويكون " أكثر التئاما مع أخلاق الأهالى وعادات البلاد ، وحتى يمتنع العقاب على التهديدات الصادرة عن الانفعالات " .
وهذا الشرط لا مثيل له فى القانون الفرنسى الذى تعاقب المادة 307 منه على التهديد الشفوى متى كان بارتكاب جرائم على درجة معينة من الجسامة ، ومتى كان مصحوبا بطلب أو معلقا على شرط .
ومن الواضح أن هذه العبارة تستلزم تداخل شخص ثالث ينقل عبارة الجانى إلى المجنى عليه ، وينبغى ألا يكون هذا الشخص الوسيط دخيلا متطوعا ينقل عبارة التهديد ، ومن ثم يتحقق الشرط بداهة إذا كلف الجانى الوسيط تكليفا صريحا بإيصال التهديد إلى المجنى عليه ، وكذلك إذا كلفه تكليفا ضمنيا وفى ذلك تقول محكمة النقض " أنه يكفى أن تشير وقائع الدعوى إلى أن الجانى قد قصد إيصال التهديد إلى المجنى عليه عن طريق الشخص الآخر " (2) ، وقد حكم ذات مرة بتحقق الشرط متى كان هذا الشخص مكلفا بحكم عمله بنقل التهديد ، وكان ذلك فى قضية متهم تفوه أمام حاجب للنيابة بعبارات تهديد موجهة إلى وكيلها (3) .
بل يرى بعض الشراح أنه " يكفى أن يكون إيصال التهديد إلى المجنى عليه محتملاً نظراً للعلاقة التى تربطه بذلك الوسيط " (4) , ونرى رأى أستاذنا الجليل الدكتور / رؤوف عبيد أنه ينبغى دائماً أن يكون هناك توسيط صريح ، أو بالأقل ضمنى من الجانى لهذا الشخص الثالث ، وأنه لا يكفى لتحقق هذا المعنى وجود علاقة بين الشخص الثالث والمجنى عليه تجعل إيصال التهديد إليه أمرا محتملا بسبب هذه العلاقة فحسب .
فحكمة اشتراط هذا الشرط لا تتحقق فى نظرنا إلا إذا قيل بأنه يلزم لقيام الجريمة أن يثبت علم الجانى بالصلة التى تربط بين الوسيط وبين المجنى عليه ، وأن يثبت إلى جانب ذلك أيضا أن قصده قد انصرف إلى تكليف الوسيط صراحة أو ضمنا بإيصال التهديد ، فحينئذ فقط يمكن القول بأن التهديد جدى لم يصدر عن انفعال ، وأنه على درجة من الخطورة تستوجب العقاب ، وأن الاعتبارات التى أملت على مجلس شورى القوانين استلزام هذا الشرط متوافرة بالفعل ( 5 ) .
وعبارة النص تؤدى إلى ما نقول ، فهى تتطلب أن يكون التهديد " بواسطة شخص آخر " وهو ما يعادل القول بضرورة توسيط شخص آخر ، أما مجرد وجود احتمال بأن ينقل دخيل من الدخلاء هذا التهديد إلى المجنى عليه فهو شك ، وأولى أن يفسر الشك لمصلحة المتهم فيما تطلبه النص صراحة لإمكان العقاب .
والقول بغير ذلك ينتهى إلى نتائج لا تبدو لنا مقبولة ، منها أن يكون قيام الجريمة غير متوقف على قصد الجانى ، بل على تصرف شخص دخيل قد لا يعرفه ولا تربطه به صلة لمجرد تطوعه بترديد التهديد على مسامع المهدد ، وربما كان ذلك على غير إرادة المهدد ولا رغبته ، ومنها أن يكون التهديد الشفوى فى مواجهة المجنى عليه مباشرة أسلم عاقبة من التفوه به فى ساعة انفعال فى غيبته إذا تصادف حضور قريب له أو صديق أو أى شخص تربطه به صلة من الصلات .
مسئولية الوسيط فى التهديد الشفوى :
الوسيط الذى يحقق رغبة الجانى فى نقل عبارات التهديد إلى المجنى عليه أما أن يكون حسن النية وأما أن يكون سيئها ، فهو حسن النية إذا نقل عبارات الجانى إلى المجنى عليه تنفيذا لرغبة الأول دون إرادة إحداث الضرر المباشر الذى يحظره القانون فى التهديد وهو ذعر المجنى عليه ، بل ربما بنية تحذيره وبدافع الخوف عليه ، وحينئذ ينبغى القول بانتقاء المسئولية ، وتقدير ذلك من الأمور الموضوعية ، وأما أن يكون الوسيط سئ النية ، متواطئا مع الجانى على ارتكاب الجريمة ، وحينئذ ينبغى أن يعد فاعلا مع الفاعل الأصلى باعتباره قد أتى عمدا عملا من الأعمال المكونة للجريمة ( م 39 ثانيا ) .
_________________________
( 1)  د/ رؤوف عبيد ـ المرجع السابق .
(2) نقض 28/1/1935 القواعد القانونية ج 3 رقم 325 ص416 .
(3) نقض 20/4/1918 مج س 19 عدد 108 .
(4) د/ مصطفى القللى جرائم الموال والأشخاص ص  138 ، د/ حسن المرصفاوى قانون العقوبات ص135 .
( 5 )   د/ رؤوف عبيد المرجع السابق ص 437 .