طبيعة جريمة خيانة الأمانة 
من المتفق عليه أن خيانة الأمانة جريمة وقتية تتم بمجرد وقوع اختلاس المال محل الأمانة أو تبديده ، لأنها ليست جريمة مستمرة استمرارا ثابتا ولا متجددا ، فهى وإن كانت تتطلب حيازة الجانى للمال إلا أن مناط العقاب ليس فى هذه الحيازة ، سواء أكانت قبل طروء نية اختلاسه أم بعده ، بل فى وقوع الفعل المادى سواء أكان اختلاسا أم استعمالا أم تبديدا لهذا المال
ويترتب على ذلك أن المدة المسقطة للدعوى العمومية فيها يبدأ سريانها من تاريخ وقوع هذا الفعل المادى ، وربما من تاريخ طلب الشئ المختلس والامتناع عن رده ، أو ظهور عجز المتهم عن ذلك (1) أو بالأدق من اليوم التالى طبقا للقاعدة المتبعة فى احتساب مدد السقوط ، لا من التاريخ المحدد لرد المال أو تاريخ المطالبة برده ، لذا ينبغى دائما تحديد تاريخ الاختلاس أو التبديد أو ما فى حكمهما فى خيانة الأمانة ، وتحديده بثير صعوبات خاصة لا يثيرها فى غيرها من الجرائم ، وذلك بالنظر إلى وجود المال فى حيازة الجانى من مبدأ الأمر .
وتاريخ الفعل المادى سابق عادة على تاريخ المطالبة برد المال وإنما يمكن القول استثناء ، طبقا لما لاحظته محكمة النقض ، بأنه " لما كان التبديد فى العادة معروفا للأمين خافيا على صاحب الشأن فتاريخ المحضر أو تاريخ المطالبة ، وهو تاريخ ظهوره والعلم به ، يعتبر مبدئيا وبصفة مؤقتة تاريخا له ، وذلك إلى أن يدعى الجانى أسبقية الحادثة عليه ويثبت دعواه ، أو تتبين للقاضى من تلقاء نفسه هذه الأسبقية أخذا مما يقوم عنده من دلائل الدعوى وظروفها (2) .
فالتاريخ الفعلى للتبديد هو المعول عليه فى نهاية الأمر ، والرأي مستقر على ذلك قضى بأن تاريخ وقوع الاختلاس ليس هو بالضرورة تاريخ الحكم المدنى الذى ألزم المتهم بالرد ، لأن الأحكام  مقررة للحقوق لا منشئة إياها ( 3 ) .
كما قضى أيضا بأنه إذا اعتبر الحكم تاريخ تقديم الوصى كشف الحساب إلى المجلس الحسبى مبدأ لمدة سقوط الدعوى العمومية فى جريمة تبديد أموال القصر المسندة إليه ، على أساس أن إسقاطه بعض المبالغ التى فى ذمته للقصر من هذا الكشف يعد دليلا على أنه اختلسها لنفسه ، فإن هذا يكون صحيحا ولا غبار عليه ، لأن جريمة خيانة الأمانة تتم كلما أظهر الأمين نيته فى تملك الشئ المودع لديه ( 4 ) .
وتحديد تاريخ وقوع خيانة الأمانة أمر موضوعى لا رقابة فيه لمحكمة النقض على محكمة الموضوع ، بشرط أن تبنى هذه الأخيرة رأيها على ما يشير به ظروف الدعوى ووقائعها ، أو بعبارة أخرى أن تاريخ خيانة الأمانة يخضع فى تحديده لسلطة قاضى الموضوع ، ومتى أقام الدليل عليه  فهو بمعزل عن كل رقابة ( 5 ) ، أما إذا بنى هذا التاريخ على اعتبارات قانونية أو افتراضية لا تتصل بالواقع ، فقد خرج الأمر بذلك من دائرة الأمور الموضوعية إلى دائرة الأمور القانونية التى لمحكمة النقض حق الإشراف عليها ( 6 ) .
 _______________________________
(1)  نقض 19/1/1975 أحكام النقض س25 رقم 11 ص46
(2) نقض 14/11/1929 القواعد القانونية ج1 رقم 225 ص730 .
( 3 ) نقض 4/1/1926 رقم 40 س 43 ق
( 4 ) نقض 8/6/1942 القواعد القانونية ج 5 رقم 424 ص677
( 5 ) نقض 29/12/1969 س20 رقم 307 ص1488
( 6 ) نقض 17/4/1930 المحاماة س 10 عدد 423