القصـد الجنـائى فى جريمه خيانه الامانه
 
جريمة خيانة الأمانة بوصفها جريمة عمدية - توافر القصد الجنائى العام ـ أى انصراف إرادة الجانى إلى تحقيق وقائع الجريمة مع العلم بأركانها كما يتطلبها القانون ، والعلم بأركان الجريمة يتطلب أن يعلم الجانى أن المال محل الجريمة مملوك للغير ، وأنه ملتزم برده إلى صاحبه ، أما إذا اعتقد لأسباب جدية صحيحة أنه مالك إياه ، أو لا التزام عليه بالرد  لأنه قد سلم إليه بصفة هدية أو قرض لا وديعة ، فلا محل للقول بتوافر الركن المعنوى ( 1 ) .
وهناك رأى للدكتورة / فوزية عبد الستار والتى ترى أن القصد يتكون من علم وإرادة وقصدا خاصا متمثلا فى نية التملك ويقصد بذلك ان تتجه نية الجانى الى تغير حيازنة من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة مع إنكار حق صاحبه عليه أى انصراف نية الجانى على أضافته إلى ملكه واختلاسه لنفسه فإذا انتفت هذه النيـة لا تقوم هذه الجريمة ( 2 ) . 
وكذلك إذا اعتقد الأمين لأسباب جدية مقبولة أن من حقه حبس هذا الشئ قانونا لقيام نزاع مدنى بينه وبين صاحبه لم يفصل فيه القضاء بعد ويتوقف عليه تحديد العلاقة بين الطرفين ، فلا محل أيضا للقول بتوافر نية تملك الأمين لهذا المال وإضافته إلى ملكه الخاص ( 3 ) .
كما ينبغى أن يتعمد الجانى التبديد أو الاختلاس ، أما إذا هلك منه المال بقوة قاهرة أو حتى عن إهمال أو سوء استعمال ، لا عن سوء قصد ، فلا تقوم الجريمة ، وإذا اعتقد لأسباب جدية بانتقاء الضرر فلا تقوم أيضا ، كأن ينفق الوكيل مبلغا من المال سلم إليه بمقتضى الوكالة اعتمادا على ثروته الخاصة واعتقادا منه بأنه سيتمكن من رد المبلغ إلى الأصيل فى الوقت المحدد ، وذلك حتى ولو عجز بعدئذ عن الرد نتيجة كارثة مالية حاقت به مثل حريق ، أو إفلاس ، ويرى الأخذ فى هذا النطاق بنظرية القصد الاحتمالي فيجعل الجانى مسئولا عن الإضرار التى تتفق مع السير العادى للأمور والتى كان عليه أن يتوقعها ، غير مسئول عن الإضرار التى تنجم عن عوامل شاذة غير مألوفة .
وقد ذهب جانب من الرأى إلى أنه يكفى لقيام الركن المعنوى فى خيانة الأمانة توافر هذا القصد العام ، إلا أن جانبا آخر يتطلب ضرورة توافر قصد خاص أى نية محددة لدى الجانى هى نية تملك المال وحرمان صاحبه منه بالتصرف فيه تصرف المالك ، ونرى أن هذا الرأي الثانى أولى بالاتباع ، لأنه لا محل للمغايرة بين جريمة خيانة الأمانة من جانب وجرائم سلب مال الغير الأخرى - وبالأخص السرقة والنصب - من جانب آخر ، فكلما ترجع إلى أصل تاريخى واحد ، ويجمعه قصد واحد هو إرادة تملك مال الغير وحرمان صاحبه منه ( 1 ) .
ومن استقراء قضاء النقض يبين أنه اتجه اتجاها واضحا - وبالأخص فى عهده الأخير - نحو تطلب هذا القصد الخاص بعبارات لا يعوزها الوضوح ومن ذلك قوله : " ولما كان القصد الجنائى فى جريمة خيانة الأمانة لا يتحقق بمجرد تصرف المتهم فى الشئ المسلم إليه أو خلطه بما له وإنما يتطلب فوق ذلك ثبوت نية تملكه إياه وحرمان صاحبه منه ( 2 ) ، وقد قضى بأنه " إذا كان الحكم قد أدان المتهم فى تبديد أشياء تسلمها من المجنى عليه ، ولم يثبت قيام القصد الجنائى لدى المتهم وهو انصراف نيته إلى إضافة المال الذى تسلمه إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضراراً بصاحبه فذلك قصور يستوجب نقضه " ( 1 ) ، وقد قضى أيضا  " إن مجرد تصرف المتهم فى الشئ المسلم إليه أو خلطه بماله لا يكفى لتحقق القصد الجنائى فى جريمة خيانة الأمانة ما لم يتوافر فى حقه فوق ذلك ثبوت نية تملكه إياه وحرمان صاحبه منه " ( 1 ) .
ويرى الدكتور / رؤوف عبيد أنه إذا كان فعل إتلاف المال عمدا أو حتى إدارته بنية الغش يكفى لقيام الجريمة ، فينبغى القول بأن القصد الخاص فى خيانة الأمانة يتحقق بنية التملك ، أو بنية حرمان صاحب المال منه ، أى بإحداهما دون الأخرى ، فلا يلزم اجتماعهما معا ( 2 ) .
إثبات القصد الجنائى
إثبات القصد الجنائى مسألة موضوعية تخضع للقواعد العامة  إلا أنه فى نطاق خيانة الأمانة قد يثير صعوبات خاصة ، وهذا أمر تتراوح دقته بحسب طبيعة الفعل المادى المسند إلى المتهم ، فإذا كان هذا الفعل هو اختلاس الشئ محل الأمانة - وهو يعنى هنا مجرد الاحتفاظ بالحيازة مع تغيير النية - فيجب إقامة الدليل على حصول التغيير الطارئ على النية بصدور أفعال مادية من الأمين .
وإذا كان الفعل المادى هو استعمال هذا الشئ على النحو الذى يتطلبه القانون ، فيجب إقامة الدليل على انصراف نية الحائز إلى حرمان صاحب المال منه ، أو بالأقل على وجود أسباب جدية لتوقع هذه النتيجة ، وتشير إلى توافر نية الغش لديه ، وً إذا كان هذا الفعل هو تبديد الشئ محل الأمانة ، فإن أفعال التبديد بما تتطلبه من خروج المال من حيازة الأمين نهائيا نتيجة بيع أو استبدال أو هبة تكفى بذاتها لإمكان القول بافتراض سوء القصد والنية .
وقضت محكمة النقض : " فى هذه الجريمة أنه يلزم فيها ابتداء تخلف المتهم عن رد الأمانة رغم مطالبته بها لإمكان القول بحصول التبديد أو الاختلاس عن سوء قصد ، لذا ينبغى كقاعدة عامة حصول مطالبة الأمين أو تكليفه برد الأمانة بصورة من الصور أولا ، وهذا التكليف قد يكون رسميا على يد محضر أو عرفيا بخطاب ، بل حتى قد تكفى المطالبة الشفوية ( 1 ) مباشرة ، أو بواسطة رسول .
ويراعى أن مجرد الامتناع عن الرد وحده لا يصلح دليلا على حصول التبديد إذا كان للامتناع ما يبرره ، مثل حق الحبس المقرر بمقتضى المادة 246 من التقنين المدنى والذي يبيح " لكل من التزم بأداء شئ أن يمتنع عن الوفاء به مادام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به أو مادام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بالتزامه هذا ، ويكون ذلك بوجه خاص لحائز الشئ أو محرزه إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة فإن له أن يمتنع عن رد هذا الشئ حتى يستوفى ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئا عن عمل غير مشروع .
وقد قضى بأنه " يمتنع المتهم عن رد المنقولات التى تسلمها لإصلاحها مع وجود نزاع على مقدار الأجر وعدم الوفاء بباقيه ، ومع إبداء استعداده للرد عند استلام ما يستحقه من الأجر ( 2 ) أو لاعتقاده لأسباب جدية تشهد بها الأوراق التى قدمها بأن بعض هذه المنقولات مملوك له لا للمطالب بالتسليم أو بالرد ( 3 ) .
وقد قضى أيضا بأنه " لا يثبت القصد الجنائى بمجرد قعد المتهم عن رد الأشياء المسلمة إليه إلى صاحبها ، بل ينبغى أن يثبت فوق ذلك توافر نية تملك المال وحرمان صاحبه منه ، فإذا كان المتهم قد دفع بأنه عرض المنقولات المتهم بتبديدها على زوجته بالطريق الرسمى وطلب ضم قضية مدنية تتضمن هذا العرض ، فاستجابت له المحكمة ثم عدلت عن تنفيذ هذا القرار بلا سبب يبرر العدول ، فإن حكمها بالإدانة يكون معيبا بالإخلال بحق الدفاع ( 4 ) .
وقضت أيضا " إذا نفى المتهم واقعة الاختلاس أو التبديد وطلب سماع شاهد نفيه فلا يجوز للمحكمة أن تحجب نفسها عن مناقشة أقوال هذا الشاهد وبيان دلالتها فى نفى جريمة خيانة الأمانة المسندة إليه ، بدعوى أنه لا يجوز له أن يثبت بشهادة الشهود ما يخالف الإقرار الموقع عليه منه بوجود عجز فى عهدته والمقدم من المجنى عليه ، وذلك لأن واقعة الاختلاس واقعة مادية يجوز إثباتها ونفيها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة رجوعا إلى الأصل العلم وهو مبدأ حرية القاضى الجنائى ، فإذا حجبت المحكمة نفسها عن سماع هذا الشاهد ، وعن فحص مستندات تمسك المتهم بدلالتها على نفى حصول الاختلاس وطلب ندب خبير لفحصها ، كان حكمها مشوبا بالإخلال بحق الدفاع ( 1 ) ، وقضت محمكة النقض بأنه : " إذا تمسك المتهم بأنه لم يتسلم المضبوطات وأنه مجرد ضامن وكفيل لمن تسلمها فهو دفع جوهرى ينبغى ألا تقعد المحكمة عن تحقيقه وإلا كان حكمها قاصرا ( 2 ) .
وقد قضى بأن" الفعل المادى مع سوء القصد دون أية مطالبة ، وذلك فى أحوال قليلة منها مثلا أن يحصل صراف مبلغا كبيرا ويهرب به ، أو أن يبلغ عن سرقة النقود التى حصلها ثم يتضح كذب بلاغه أو أن يثبت تلاعب الوكيل فى دفاتر الحساب والفواتير لإخفاء مبالغ بددها ، وفى الجملة يثبت بألاعيب الأمين وأكاذيبه وخداعه ، أو إخفائه المبالغ أو الأشياء المسلمة إليه وكل ما يظهر بجلاء توافر سوء القصد عنده( 3 )
وقضى أيضا " أنه إذا كان الشئ موضوع عقد الأمانة قيميا فإن مجرد تصرف الأمين فيه يعد كافيا للدلالة على سوء القصد ، لأنه واجب الرد بذاته ومن ذلك أن يبيع الأمين هذا الشئ أو يقايض عليه أو حتى يرهنه ، وفى الجملة أن يتصرف فيه أى تصرف يتعذر عليه معه الاحتفاظ به أو استرجاعه لتنفيذ التزامه بالرد ( 4 ) ولا يغير من ذلك شيئا أن تكون لديه نية تعويض المجنى عليه بما يساوى قيمته أو ثمنه وقت التبديد ، أو حتى أن يقوم الأمين فعلا بدفع ثمن الناقص من الأشياء التى بعهدته بعد وقوع جريمة التبديد ، فإن هذا الدفع لا يمحو الجريمة ، ولا يدل بذاته على انتفاء القصد الجنائى لديه ( 1 ) .
أما إذا كان هذا الشئ مثليا فلا يكون التصرف فيه دالا بذاته على توفر سوء القصد ، والأشياء المثلية ، طبقا لتعريف المادة 85 مدنى ، هى التى " يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء ، والتى تقدر عادة فى التعامل بين الناس بالعدد أو المقاس أو الكيل أو الوزن " مثل الغلال والنقود ولذا يلزم فيها عادة التكليف بالرد لإظهار سوء قصد المتهم وعدم رغبته أو عدم قدرته على الرد .
وكثيرا ما يكون موضوع العقد نقودا ويدفع المتهم بوجود حساب لم يصف بعد بينه وبين المجنى عليه ، فعليه أن يقدم الدليل على صحة هذا الدفع ، فإن أفلح انتقت خيانة الأمانة ، أما إذا عجز عن إثبات وجود الحساب وأن له دينا فى ذمة المجنى عليه ، أو إذا استبان أن هذا الدين الذى له أقل من المبلغ المطالب برده إلى صاحبه ، وأنه كان يعلم ذلك فلا يكون لهذا الدفاع قيمة فى درء التهمة ، وكذلك الحال إذا استبان أن المتهم يطلب إجراء مقاصة لم تتوافر لها شروطها طبقا للقانون المدنى ، ومن ذلك أن يكون دين الأمين غير مستحق الوفاء ورغم ذلك احتجز مبلغ الأمانة على غير رضاء صاحبه ، فإن حجزه يعد قرينة على نية تملكه ( 2 )
وقضى بأن " إذا ظهر أن الحساب قد حصلت تصفيته فعلا بما يفيد مديونية المتهم وتعهده بالرد على أقساط ، فالجريمة قائمة من باب أولى (3) ، والدفع بوجود حساب موضوعى لا تجوز للمتهم إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض (4) ، وإذا أثير أمام محكمة الموضوع ، وكان له ما يبرره من ظروف الدعوى ، فعلى المحكمة أن تقوم هى بفحص الحساب وتصفيته حتى تستطيع أن تحكم فى موضوع التهمة بالبراءة أو الإدانة إذ أن مجرد الامتناع عن رد المـال المختلس لهذا السبب لا تتحقق بـه جريمة الاختلاس (1) .
وقضى بأن " إذا دفع المتهم بوجود حساب بينه وبين المجنى عليه لم تتم تصفيته بعد وكان هذا الدفاع جديا تشهد به الأوراق ، فإنه ينبغى على المحكمة حتى يستقيم قضاؤها أن تقوم هى بفحص الحساب وتصفيته حتى تستطيع أن تحكم فى موضوع التهمة ، فإذا لم تفعل كان حكمها معيبا بالقصور وبالإخلال بحق الدفاع (2) .
وإذا طلب المتهم ضم دفاتر المجنى عليه التجارية على أساس أنه ثابت فيها ما يفيد فى كشف الحقيقة وبتعيين خبير لتصفية الحساب بينهما ، كان هذا طلبا جوهريا ، فإذا أغفل الحكم الإشارة إلى هذا الطلب أو الرد عليه كان معيبا بما يستوجب نقضه (3)
العقوبة : خيانة الأمانة فى قانوننا جنحة دائما ، وعقوبتها هى الحبس ويجوز أن تزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصرى ، وتخضع العقوبة هنا للتشديد فى حالة العود طبقا لأحكامه العامة ، سواء أكان عودا بسيطا ( م 49 ، 50ع ) أم متكررا ( م 51 ) بما يجيز - بالنسبة لهذا الأخير - توقيع عقوبة الجناية ، وتعتبر السرقة والنصب وخيانة الأمانة جنحا متماثلة فى العود .
ولا يجوز فى حالة العود فى خيانة الأمانة الحكم بعقوبة مراقبة الشرطة التى تعبر عقوبة تكميلية جوازيه فى حالة العود فى السرقة التامة (م320) وفى حالة العود فى النصب التام أو الشروع فيه (م 336) إذ لم يرد هنا مقابل لنص هاتين المادتين الأخيرتين ولا محل للقياس عليهما ولأن التماثل بين هذه الجرائم مقصور على اعتبارها سوابق متماثلة فى العود يحل بعضها محل البعض الآخر  .
___________________________
( 1 ) راجع د/ رؤوف عبيد ، المرجع السابق ص 581
( 2 ) راجع الدكتورة / فوزية عبد الستار ، المرجع السابق ص 972
( 3 ) نقض 23/3/1964 أحكام النقض س 15 رقم 41 ص202
( 1 ) راجع د/ أحمد أمين ـ المرجع السابق ص798
( 2 ) نقض 28/4/1969 س 20 رقم 126 ص618
( 1 )  نقض 11/2/1973 س 24 رقم 39 ص176
( 1 )  نقض 25/5/1975 أحكام النقض س 26 رقم 106 ص454
( 2 )  راجع د/ رؤوف عبيد ، المرجع السابق ص586
( 1 ) نقض 10/4/1978 أحكام النقض س 29 رقم 75 ص393
( 2 ) نقض 8/5/1967 س 18 رقم 117 و 15/10/1972 س 23 رقم 238 ص1067
( 3 ) نقض 27/6/1971 أحكام النقض س 22 رقم 122 ص503
( 4 ) نقض 11/2/1973 أحكام النقض س 24 رقم 39 ص176
( 1 ) نقض 8/6/1975 س 26 رقم 116 ص497
( 2 ) نقض 20/5/1974 أحكام النقض س 25 رقم 106 ص494
( 3 ) نقض 28/4/1969 س 20 رقم 126 ص616
( 4 ) نقض 3/4 /1939 القواعد القانونية ج 4 رقم 371 ص509
( 1) نقض 19/11/1956 أحكام النقض س 7 رقم 323 ص1164
( 2) نقض 14/6/1937 القواعد القانونية ج 4 رقم 95 ص79
(3) نقض 28/3/1938 القانون والاقتصاد س 8 ملحق عدد 7 رقم 91 ص125
(4) نقض 22/11/1949 أحكام النقض س 1 رقم 36 ص102
(1) نقض 8/4/1957 أحكام النقض س 8 رقم 100 ص374
(2) نقض 23/6/1969 أحكام النقض س 20 رقم 184 ص933
(3) نقض 26/11/1956 أحكام النقض س 7 رقم 328 ص1182