جرائم خيانة الامانه
اركانها
 
تسليم المال إلى الجانى بعقد من عقود الأمانة
ينبغى فى جريمة خيانة الأمانة أن يكون المجنى عليه قد سلم المال إلى الجانى بعقد من عقود الأمانة ، وهو ما يقتضى بحث شرطين .
أولهما : التسليم " لا بد أن يكون الشيء المبدد قد سلم للجانى " .
ثانيهما : العقد " لابد أن يكون التسليم قد تم بمقتضى عقد من عقود الأمانة المبينة فى المادة 341 عقوبات " .
 
المطلب الأول : ماهية التسليم لمرتكب خيانة الأمانة
 
يلزم أن يحصل تسليم المال إلى الجانى ، والتسليم هو العنصر المميز لخيانة الأمانة عن السرقة ، فإذا انتقى التسليم كلية فواقعة الاختلاس سرقة لا خيانة أمانة .
والتسليم يكون هنا بعقد ناقل الحيازة المؤقتة ، إذن أن الصفة المميزة للتسليم هنا هى أنه لا يعطى الجانى سوى الحيازة المؤقتة على المنقول أى حيازته إياه على ذمة مالكه ، وهى تتضمن الالتزام برده إلى هذا الأخير إن عاجلا أو آجلا .
وينبغى أن ينصب التسليم فى خيانة الأمانة على نفس الشئ المختلس والذى انتقلت حيازته مؤقتا إلى الأمين ، فإذا سلم إنسان سترته إلى كواء لكيها ولكنه نسى بداخلها حافظة نقوده فاختلسها الكواء أو اختلس شيئا مما فيها ، فالواقعة سرقة فى القانون بمقتضى المادة 318ع والأمر العالى الصادر فى سنة 1898 الخاص بالعثور على الأشياء المفقودة ، لا خيانة أمانة ، لأن التسليم هنا انصب على السترة وحدها لا على حافظة النقود التى لم تكن موضوع عقد الأمانة ولم يشملها التسليم ( 1 ) .
التسليم المعنوى :
من المتفق عليه أن التسليم فى خيانة الأمانة قد يكون ماديا ، أى بنقل الشئ من يد إلى يد ، وقد يكون معنويا صرفا غير مصحوب بفعل مادى ، وذلك بخروج الشئ خروجا حكيما بتصرف قانونى من حيازة الحائز مع بقاء يده عليه كما كانت ، ذلك أن التسليم المعنوى هو عبارة عن مجرد تغيير فى صفة الحيازة من تامة إلى التسليم المعنوى هو عبارة عن مجرد تغيير فى صفة الحيازة من تامة إلى مؤقتة ، ومن صورة أن يشترى مشترى سلعة معينة من تاجر بعقد بات ولا يتسلمها على الفور بل يتركها وديعة لدى البائع  فهذا الأخير يعد خائنا الأمانة إذا بددها أو اختلسها من صاحبها وأنكرها عليه ( 1 ) ومثل ذلك إذا ترك المشترى السلعة عند البائع رهنا فى مقابل باقى الثمن ، أو إذا تركها لديه لاستصناعها ، كمن يشترى قطعة قماش من " تاجر وترزى " ويتركها عنده لتفصيلها له .
وقد قضى بأن الأرض إذا التزم بدفع قيمة الأجرة عينا ، مثلا كمية معينة من القطن ، ثم احتفظ بنصيب المالك وديعة بين يديه حتى دون موافقة المالك واستولى على الثمن لنفسه ( 2 ) ، والتسليم هنا معنوى بحت كما هو ظاهر .
ومن صور التسليم المعنوى أن يعين أحد حائزى المنقولات الشائعة المتنازع عليها حارسا عليها إلى حين الفصل فى النزاع ، فإن صفته فى الحيازة تنقلب من تامة إلى مؤقتة مع أنه لم يحصل تسليم مادى إليه ، وبالتالى يعد خائنا للأمانة إذا تصرف فى شئ منها قبل أن يقضى فى النزاع نهائيا أو بعد إذ يقضى بعدم ملكيته لها وقد يقع التسليم المعنوى على قيميات أو مثليات بشرط أن يلتزم الأمين برد الشيء إلى صاحبه
التسليم الرمزى :
قد يكون التسليم إلى الأمين رمزيا صرفا ، فلا يقع تسليم فعلى للأشياء موضوع عقد الأمانة ، بل تسلم له أشياء أخرى تعد رمزا لها ، فتغنى عن التسليم المادى ، ومن ذلك تسليم السندات المعطاة عن البضائع والمعهود بها إلى أمين النقل ، أو المودعة فى المخازن فهو يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها ( م 954/1 م ) كما أن مفتاح المخزن أو الخزانة يشبه تذكرة أمين النقل من ناحية أن تسليم أى منهما يجعل حائزة صاحب حيازة رمزية لمنقول ليس فى يده فعلا ( 1 ) وإنما ينبغى فى جميع الأحوال أن يكون التسليم الرمزى معبرا عن تسليم فعلى ونقل حقيقى للحيازة المؤقتة إلى الأمين وإلا فلا تقوم الجريمة وهو قرينة قانونية على التسليم الفعلى ولكن غير قاطعة فللأمين أن يثبت بكافة الطرق أن الأشياء موضوع هذه الأمانة لم تصل إلى حيازته الفعلية لأى سبب .
 
المطلب الثانى : تسليم المال بعقد من عقود الأمانة
 
تستلزم المادة 341 تسليم المال إلى الحائز بعقد من عقود الأمانة وهى : " الوديعة ، أو الإجارة ، أو على سبيل عارية الاستعمال ، أو الرهن ، أو إذا كانت سلمت له بصفته وكيلا بأجرة أو مجانا بقصد عرضها للبيع أو بيعها ، أو استعمالها فى أمر معين " أى أن القانون قد حدد العقود التى ينبغى أن تتم التسليم بمقتضاها فى هذه الجريمة بستة عقود وهى الوديعة ، والإجارة ، وعارية الاستعمال ، والرهن ، والوكالة ، والعمل ، ويلزم أن نشير هنا إلى حقيقتين رئيسيتين فى شأنها :
الحقيقة الأولى : أن هذه العقود واردة على سبيل الحصر لا المثال فلا محل للتوسع فيها أو للقياس عليها ( 2 ) ولو أنه يندر فى العمل قيام عقود للأمانة غيرها.
الحقيقة الثانية : هى أن مناط العقاب فى هذه العقود جميعا ليس فى مجرد الغش أو التدليس ، بل فى الاعتداء على ملكية الغير ، لذا ينبغى أن ينصب الفعل المادى فيها على سلب مال الغير  أى ملكية الرقبة - لا مجرد مخالفة شروط التعاقد ، بالغة هذه المخالفة ما بلغت من الخطورة ومن الإضرار بثروة مالك المال ( 3 ) .
وسوف نتناول العقود الستة من حيث قربها بجريمة خيانة الأمانة كالاتى:
العقد الأول : الـوديعـة
عرف القانون المدنى الوديعة فى المادة 718 بأنها " عقد يلتزم به شخص أن يتسلم شيئا من آخر على أن يتولى حفظ هذا الشئ وعلى أن يرده عينا " .
 وقد نظمت أحكام الوديعة المواد من 718 إلى 738 من القانون المدنى ، وقد أصبحت الوديعة عقدا رضائيا فى قانوننا بعد أن كانت عقدا عينيا لا يتم إلا بالتسليم فى القانون المدنى السابق .
والتزام المودع عنده برد الشيء بعينه إلى المودع عند طلبه شرط أساسى فى الوديعة ، فإذا انتقى هذا الشرط وجاز للمودع عنده أن يرد المال أو قيمته أو ما يماثله انتقى معنى الوديعة ، ولذا قضى بأنه إذا سلم قطن إلى محلج بموجب إيصالات ذكر فيها أنه لا يجوز لحاملها طلب القطن عينا ، ثم تصرف صاحب المحلج فى القطن بدون إذن صاحبه ، فلا يعتبر ذلك تبديدا .
كما أنه إذا كان الحكم المطعون فيه قد استدل على توافر أركان الجريمة فى حق المتهمة بما أثبته من إقرارها بوجود منقولات المدعية بالحق المدنى فى الحجرة التى تقطنها وزوجها والملحقة بمنزلها ، ومن أنها لم تمكن المدعية بالحق المدنى من دخول هذه الحجرة ولا من جرد محتوياتها ومما أبدته من استعدادها لحراسة ما بها من منقولات ، وذلك دون أن يدلل على ثبوت قيام عقد الوديعة بالمعنى المعرف به قانونا وانتقال حيازة المنقولات إلى المتهمة على نحو يجعل يدها عليها يد أمانة ويستظهر ثبوت نية تملكها إياها وحرمان صاحبها منها بما يتوافر به ركن القصد الجنائى فى حقها ، فأنه يكون معيبا بالقصور بما يبطله ويوجب نقضه ( 1 ) .
وقد نصت المادة 725 مدنى على أنه " إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أى شئ آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذونا له فى استعماله اعتبر العقد قرضا " وهو نص يترتب عليه انتقاء الجريمة عندئذ مهما امتنع المودع عنده عن الرد أو عجز عنه ، ويوصف هذا العقد أحيانا بأنه وديعة ناقصة ، وما يميزها عن الوديعة التامة هو الأذن للمودع عنده باستعمال النقود ، بحيث إذا انتقى هذا الأذن ظل العقد مع ذلك وديعة بمعناها الصحيح ويكون امتناع المودع عنده عن الرد مما تتحقق به عناصر الجريمة ، وإذا كانت الوديعة من القيميات ، ولكن أبيح للمودع عنده أن يرد قيمتها فى حالة التلف أو الهلاك ، فإن العقد يكون مع ذلك وديعة تامة ، ومن ذلك ما قضى به من أن جهاز الزوجة من القيميات ، وأنه إذا سلم والد الزوجة إلى الزوج ابنته هذا الجهاز بموجب عقد وديعة فتصرف فيه هذا الأخير عد مبددا دون أن ينفى ذلك " مجرد الاشتراط على رد قيمة الشئ إذا فقد لأنه نص على أن الرد يكون عينا مادام الشئ موجودا .
ومما يتصل ببحث متى تتوافر الوديعة ، تسليم حرز مغلق إلى شخص مع احتفاظ مالكه بمفتاحه ، وبالعكس تسليم المفتاح مع الاحتفاظ بالحرز ، والعبرة هى بالبحث عن الهدف من التسليم وطبيعته وآثاره ، وقد عالجنا ذلك عند الكلام فى تطبيقات ربط فعل الاختلاس بنظرية الحيازة المدنية فى جريمة السرقة .
وإنما يكفى أن نذكر هنا أنه لا يلزم فى الوديعة أن يكون التسليم حقيقيا بل يكفى التسليم الاعتبارى إذا كان المودع لديه حائزا من قبل ( 1 ) .
صور عقد الوديعة
1. وديعة اضطرارية أو لازمة
وهى تنشأ عن ظروف قهرية تضطر الإنسان الى إيداع ماله عند أول من يصادفه كما فى حالة حدوث حريق أو فيضان .
2. وديعة جارية
يقصد بها تلك التى يتم فيها إيداع بعض الموال بصفة مؤقتة للحافظ عليها فى بعض الأمكنة ، وتعد الوديعة الجارية وديعة اضطرارية مثل وديعة أمتعة المسافر إذ أنزل فى فندق .
ويعتبر إيداع المال لدى مالك الفندق أو المحل أو خادمة عقد وديعة بحيث إذا اختلسه أو بدده كان خائنا للأمانة ( 2 ) .
3. الوديعة القانونية
وهى وديعة مصدرها القانون وتسرى عليها أحكام خيانة الأمانة ومن صورها الأمناء الحكوميون على الودائع والأوراق المكلفون بحكم وظائفهم بالمحافظة عليها .
ومن المتفق عليه أن أحكام خيانة الأمانة تسرى على الحراسة بوضعها صورة خاصة من الوديعة ، والحراسة أما أن يحدد نطاقها العقد أو نص القانون ويحسب مصدرها تكون عقدية أو قانونية .
العقد الثانى : الإيجــار
وقد عرفت المادة 558 من القانون المدنى الإيجار بأنه " عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشئ معين مدة معينة لقاء أجر معلوم " ويختلف الإيجار عن عارية الاستعمال فى أن الأجرة ركن لازم فيه بينما عارية الاستعمال تكون بلا مقابل .
شروط خيانة الأمانة فى عقد الإيجار :
1- أن يكون موضوع العقد مالا .
العقار لا يتصور أن يكون محلا لجناية الأمانة إلا إذا تعلقت خيانة الأمانة بثمار العقار أو منقولات داخل العقار كالمفروشات داخل المسكن المؤجر والآلات الزراعية التى تؤجر مع الأرض (1) .
2- أن يكون تسليم المال للمستأجر للانتفاع به لقاء أجر .
وهذا الشرط يميز عقد الإيجار عن عقد العارية ، ولا يشترط أن يحدد المتعاقدان مقدار الأجر ، وإنما يكتفى بالنص على أنه مقابل أجر وفى هذه الحالة يستطيع القاضى تحديد الأجر .
3. أن يلتزم المستأجر برد المال محل التأجير .
وعليه إذا امتنع المستأجر عن رد المال محل التأجير عند انتهاء عقد الإيجار الذى يمنحه حق الانتفاع بهذا المال يعد خائنا للأمانة ، ويستثنى من ذلك أن يكون للمستأجر حق حبس المال محل الإيجار لاستيفاء ما أنفقه على عين المستأجر ( 1 ) .
وقضى بأن " النص فى العقد على دفع قيمة الشئ محل التعاقد فى حالة عدم رده لا ينفى أن تكون نية العاقدين قد انصرفت إلى اعتبار العقد إيجارا واستخلاص هذه النية مما يسوغها أمر تقديرى متروك لمحكمة الموضوع ".
العقد الثالث : عارية الاستعمال
عرفت المادة 653 مدنى عارية الاستعمال بأنها " عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئا غير قابل للاستهلاك ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو غرض معين على أن يرده بعد الاستعمال " .
وقد كانت العارية عقدا عينيا يتم بالتسليم فى القانون المدنى القديم ، ثم جعلها القانون الحالى عقدا رضائيا يتم بتلاقى الإيجاب والقبول .
وهناك رأى للدكتور / رؤوف عبيد بأنه : ينبغي التفرقة بين عارية الاستعمال وهى ترد على المنفعة فحسب وتنقل الحيازة المؤقتة ، وعارية الاستهلاك وهى ترد على ملكية الرقبة وتنقل الحيازة التامة ، فهذه الأخيرة فى حقيقتها الفعلية قرض ، والأصل فيها أن تكون بلا فائدة إلا إذا نص على خلاف ذلك وقد أدمج القانون المدنى الحالى أحكامها فى أحكام القرض .
وفيصل التفرقة بين نوعى العارية لا يثير صعوبة ما فى المعتاد ، لأنه إذا نصب الاتفاق على رد الشئ بذاته فهو يتضمن عارية استعمال ، أما إذا انصب على رد ما يماثله عينا أو ثمنه نقدا فهو عارية استهلاك أى قرض ، والقرض كما نعلم ينقل الحيازة التامة ، فلا يعد من عقود الأمانة وإذا تضمن العقد التزام المستعير برد الشئ عينا مادام موجودا ، وبرد قيمته إذا فقد أو هلك ، فإن هذا الشرط لا ينفى عن العقد صفته كعارية استعمال لا استهلاك مادام الأصل هو الرد عينا ، وهى قاعدة عامة مرت بنا تطبيقاتها فى الوديعة والإيجار (1) .
وأخيرا لا ينبغى الخلط بين عارية الاستعمال - وهى تتضمن تسليم الشئ إلى آخر لاستعماله بعيدا عن رقابة صاحبه - وتسليم الشئ إليه بقصد تمكين يده العارضة لتجربته تحت رقابة صاحبه ، ففرق بين إعارة سلعة إلى شخص لاستعمالها بدون مقابل ، وبين تسليمها إليه لتجربتها لحظات معدودة بنية بيعها إليه وقبل الاتفاق على الثمن ، فاختلاس السلعة فى الحالة الأولى يعد خيانة أمانة أما فى الحالة الثانية فيعد سرقة .
العقد الرابع : الرهــن
قصد المشرع فى المادة 341 عقوبات إلى الرهن الحيازى وهو يختلف عن الرهن الرسمى حيث يقع الرهن الحيازى على العقار ويقع أيضا على منقول ويتضمن التنازل عن الحيازة المؤقتة الى المرتهن ، أما الرهن الرسمى فيقع على العقار دون المنقول و لا ينقل الحيازة إلى المرتهن .
وقد عرفت المادة 1096 مدنى الرهن الحيازى بقولها أنه " عقد به يلتزم شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبى يعينه المتعاقدان شيئا يرتب عليه للدائن حقا عينيا يخوله حبس الشئ لحين استيفاء الدين ، أو أن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التالين له فى المرتبة فى اقتضاء حقه من ثمن هذا الشئ فى أى يد يكون " .
ويشترط كى نكون إزاء عقد رهن :
1. أن يتم تسليم المال المرهون إلى شخص المرتهن
لا يتصور خيانة الأمانة إذا لم يتم تسليم الشئ المرهون إلى الدائن المرتهن أو إلى الأجنبى الذى اختاره المتعاقدين وإن انطوت الواقعة على سرقة .
2. الالتزام برد الشئ المرتهن
إذا امتنع عن رد ما ارتهنه فإنه يعد خائنا للأمانة ، لذا يعد تبديد الشئ محل الرهن أو اختلاسه خيانة للأمانة ( 1 ) .  
وقد قضى بأنه " إذا تصرف الدائن المرتهن فى الشئ المرهون تصرف المالك فى ملكه بأن رهنه رهنا جديدا باسمه الخاص ، وفى وقت كان هو فى حالة عجز مالى ظاهر ، عد مرتكبا جريمة التبديد ، لأن ذلك يتضمن من المتهم معاملة المال المرهون معاملة ملكه الخاص ، خصوصا فى ظروف كظروف التى كان محتما فيها ضياع الشئ المرهون ( 2 ) .
العقد الخامس : الوكالة
عرفت المادة 699 مدنى الوكالة بأنها " عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانونى لحساب الموكل " وقد ينصب فعل الاختلاس أو التبديد فى الوكالة على المبلغ الذى تسلم إلى الوكيل إجراء العمل القانونى مثل شراء بضاعة ، أو على ثمن الشئ الذى وكل فى بيعه أو على النقود التى كلف بتحصيلها من العملاء ، أو حتى لو باع المال الموكل ببيعه بأكثر من الثمن المتفق عليه واحتفظ بالفرق لنفسه دون علم الموكل ... وهكذا .
وتميل المحاكم إلى التوسع فى تحديد معنى الوكالة فتجعلها تنصرف إلى كل تكليف صادر إلى شخص بقبض مبلغ أو تحصيله لحساب شخص آخر ، ومن صور هذا التوسع اعتبار الشريك الذى يتولى إدارة أموال الشركاء بوجه عام وكيلا عنهم ، بغض النظر عن نوع الشركة سواء أكانت شركة مساهمة أم توصية أم تسمية أم محاصة أم تضامن  وذلك بشرط أن يتضمن عقد الشركة وكالة الشركاء بعضهم عن بعض فى أداء أعمال الشركة .
كما يعتبر الوارث وكيلا عن باقى الورثة فيما يتعلق بالمنقولات الشائعة التى آلت إلى الجميع بالميراث ، وقد قضى بأنه إذا تسلم أحد الورثة باعتباره نائبا عن باقيهم سندا بمبلغ ما لاستعماله فى أمر معين ، فرفع بهذا السند دعوى باسمه شخصيا مدعيا أن هذا السند كان تحت يده هو ، وأنه لم يتسلمه نيابة عن الورثة ، فإن هذا الشخص يكون قد غير حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة بنية التملك  ويكون مختلسا هذا العقد ، أى خائنا الأمانة ( 1 ) كما قضى بأن تسليم الزوجة قائمة منقولات لزوجها لتوصيلها إلى المحامى لرفع دعوى استرداد لصالحها يعد توكيلا منها له لاستعمالها فى أمر معين لمنفعتها فاختلاسها يعد خيانة أمانة ( 2 ) .
وقضى بأن تسليم المجنى عليهما أوراق النقد إلى المتهم لإبدالها بأوراق مالية بقيمتها إنما هو تسليم بسيط لم ينقل إليه حيازة تلك الأوراق بل وضعت فقط بين يديه لغرض وقتى هو إبدالها بأوراق مالية بقيمتها ، وبقيت الحيازة بركنيها المادى والمعنوى للمجنى عليهما كل بمقدار ما سلمه ، ويصبح المتهم فى هذه الحالة وكيلا عن كل منهما فى قضاء الغرض الذى تم التسليم من أجله ، وتكون يده يد أمين انتقلت إليه الحيازة ناقصة فإذا ما اختلس المال المسلم إليه طبقت فى حقه المادة 341ع ( 3 )
ولذا قضى بأن : قيام المتهم برهن القطن المفوض ببيعه بقصد تحقيق الغرض من التوكيل الذى كان يهدف إليه المدعى بالحق المدنى وهو تسديد المطلوب منه لبنك التسليف الزراعى وللأموال الأميرية ، لا يعد فى صحيح القانون تبديدا معقبا عليه جنائيا ( 4 ) .
?
تحويل ورقة تجارية إلى آخر :
يثار البحث أحيانا فيما يتعلق بتحويل كمبيالة أو سند آذني أو شيك إلى آخر ليقبض قيمته بدلا من الدائن ، وهل يعد المحول إليه وكيلا عن المحول أم لا وفى الواقع ينبغى البحث عن نية المحول ، فإذا كان التحويل مجرد توكيل بالقبض والتحصيل لحساب المحول فاختلاس المبلغ يعد خيانة لهذه الوكالة ، أما إذا كان المقصود منه تمليك المحول إليه المبالغ الواردة بهذه السندات - سداد لدين أو دفعا لثمن سلعة أو نحوهما - فالوكالة تعد حينئذ منتفية بما يحول دون قيام الجريمة .
العقد السادس  :  القيام بعمل مادى
نصت المادة 341 عن هذا العقد بقولها : " كل من اختلس مبالغ وكانت لم تسلم له إلا على وجه الوديعة أو لاستعمالها فى أمر معين لمنفعة المالك لها أو لغيره " وهو تعبير مضطرب تشير به المادة إلى نوعين من العقـود :
أولا : عقد الاستصناع أى إجارة العمل ، كتسليم أخشاب إلى نجار لصناعتها أثاثات ، أو شئ من الأشياء إلى صانع لإصلاحه أو تنظيفه أو تركيبه وقد عرفت المادة 674 من القانون المدنى عقد إجارة العمل بأنه " هو الذى يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل فى خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر " .
ثانيا : أن يكون العقد عن عمل بدون أجر كأن يسلم الإنسان إلى صديق له منقولا لإصلاحه بنفسه بغير مقابل ، أو لنقله من مكان إلى آخر ، فمثل هذا العقد يتعذر وصفه بأنه عقد عمل ، لأن الأجرة ركن فى هذا الأخير كما هى فى عقد إجارة الأشياء  بل يكون العقد حينئذ غير مسمى ، ولكنه يدخل فى نطاق خيانة الأمانة ، لأنه يتضمن القيام بعمل مادى ، أو بعبارة أخرى يتضمن على الرأى السائد معنى " استعمال الشئ فى أمر معين لمنفعة المالك " على حد تعبير المادة 341ع  .
وينبغى بداهة أن يكون التسليم لنقل الحيازة المؤقتة بمقتضى العقد ، لا لتمكين اليد العارضة فحسب ، وأن يقع الاختلاس أو التبديد على نفس الشئ الذى تسلمه المستلم لصناعته أو لإصلاحه ، أما إذا أخذ العامل أجرته مقدما ولم يتم العمل المتعاقد عليه فالواقعة تكون مجرد إخلال بشروط العقد لا خيانة أمانة لأن الأجرة سلمت إلى العامل تسليما ناقلا الحيازة التامة لا المؤقتة ، فهى دين خاضع فى أحكامه للقانون المدنى وحده .
_____________________________
( 1 )  د/ رؤوف عبيد  ــ  المرجع السابق  ص 549
( 1 )  نقض 14/3/1950 أحكام النقض س 1 رقم 136 ص406
( 2 )  نقض 16/1/1951 أحكام النقض س 2 رقم 194 ص518
( 1 ) نقض 30/1/1947 مجموعة عاصم كتاب 1 رقم 47 ص126
( 2 ) نقض 2/3/1970 س 21 رقم 81 ص325
( 3 )  نقض 18/3/1968 أحكام النقض س 19 رقم 64 ص244
( 1 )  نقض 25/1/1976 طعن رقم 1562 س 45 ق
( 1 )  نقض 11/12/1967 أحكام النقض س 18 رقم 262 ص1239
( 2 )  د/ حسن المرصفاوى ـ  المرجع السابق ـ ص 516
(1)  د/ فوزية عبد الستار ــ المرجع السابق ـ ص 946
( 1 )  د/ محمود أحمد طه  ـ  شرح قانون العقوبات ـ ص 387
(1) د/ رؤوف عبيد المرجع السابق ص 558
( 1 ) د/ محمود احمد طه ـ الرجع السابق ـ ص 388
( 2 ) نقض 9/11/1918 مج س 21 ص3
( 1 ) نقض 26/10/1936 رقم 2079 س 6 ق
( 2 ) نقض 14/11/1955 أحكام النقض س 6 رقم 386 ص1312
( 3 ) نقض 5/12/1966 أحكام نقض س 17 رقم 228 ص 1203
( 4 ) نقض 22/12/1959 أحكام النقض س 10 رقم 14 ص1035