·        حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء:
في مجال القانون الخاص يحوز الحكم حجية ويعتبر قرينة قانونية قاطعة فيما بين طرفي الخصومة لا يجوز دحضها وفقاً للقواعد العامة في الإثبات بل يتعين سلوك طريق الطعن المقرر قانوناً. يعتبر الحكم حجة على الغير وقرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها وفقاً للقواعد العامة. ينطبق ذلك في مجال القانون الخاص الذي تستهدف قواعده تنظيم مصالح فردية خاصة تقوم على أساس التعادل بين أطرافها. تعتبر هذه القواعد غير آمرة ويجوز الاتفاق على مخالفتها. يختلف الحال في مجال القانون الإداري والتي تهدف قواعده إلى تنظيم مراكز قانونية عامة لا تتوازى فيها المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة بل تعلو الأولى على الثانية. مؤدى ذلك: أن قواعد القانون الإداري بحسب الأصل هي قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها. متى انحسم النزاع بحكم حازم قوة الشيء المحكوم فيه فإن الوضع الإداري يكون قد استقر ولا يجوز إثارة النزاع مرة أخرى تحقيقاً لاستقرار الأوضاع والحيلولة دون تناقض الأحكام. أساس ذلك: أن الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية مناطها رقابة شرعية القرار الإداري في ذاته ووزنه بميزان القانون فإما أن يسفر الفحص عن شرعيته فترفض الدعوى أو يتقرر عدم مشروعيته فيحكم بإلغائه. الحكم بالإلغاء ويعدم القرار فيزول بالنسبة للناس كافة من صدر لصالحه أو ضده من طعن عليه ومن لم يطعن. فالحكم بالإلغاء حجة على الكافة. هذه الحجية المطلقة تمنع تسلسل الطعون إلى غير نهاية تبعاً لرغبات أصحاب المصالح التي يمسها القرار المطعون فيه إيجاباً أو سلباً. أثر ذلك: عدم جواز المنازعة في القرار مرة أخرى.(الطعن رقم 2408 لسنة 38ق "إدارية عليا" جلسة 16/4/1995)
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن "من شأن الحكم بالإلغاء المجرد زعزعة جميع المراكز القانونية غير السليمة التي ترتبت على صدور القرار الذي وقعت فيه المخالفة القانونية" (الطعن رقم 883 لسنة 35ق "إدارية عليا" جلسة 4/1/1992) وبأنه "الأحكام التي تصدر بالإلغاء تكون حجة على الكافة بينما غيرها من الأحكام لا تكون لها هذه الحجية - تكون لها حجية نسبية لا تمتد إلى غير الخصوم فيها" (الطعن رقم 3142 لسنة 35ق "إدارية عليا" جلسة 27/7/1991) وبأنه "المادة (52) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة - الأحكام الصادرة بالإلغاء تتمتع بحجية مطلقة تسري على الكافة - أساس ذلك: أنها حجية من طبيعة عينية نتيجة انعدام القرار الإداري- الخصومة الحقيقية في الطعن بالإلغاء تنصب على القرار الإداري ذاته وتستند إلى أوجه حددها المشرع وهي: عدم الاختصاص - وجود عيب في الشكل - مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها - إساءة استعمال السلطة - البطلان الذي يلحق القرار لوجود عيب من هذه العيوب هو بطلان مطلق ينصرف أثره إلى الكافة - مؤدى ذلك: أنه إذا ألغى مجلس الدولة قراراً إدارياً ثم أقام طاعن آخر دعوى أخرى أمام مجلس الدولة قراراً إدارياً ثم أقام طاعن آخر دعوى أخرى أمام مجلس الدولة بإلغاء ذات القرار كانت الدعوى الثانية غير ذات الموضوع باعتبار ذلك إحدى نتائج الحجية المطلقة للشيء المقضي به في حكم الإلغاء - يختلف مدى الإلغاء حسب الأحوال - قد يكون الإلغاء شاملاً وقد يكون جزئياً - الإلغاء الشامل هو الذي يمتد لجميع أجزاء القرار وقد يكون جزئياً - الإلغاء الشامل هو الذي يمتد لجميع أجزاء القرار (إلغاء كامل) - أما الإلغاء الجزئي فهو الذي يقتصر على جزء من القرار دون باقيه- مثال: إلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية - مدى الإلغاء أمر يتحدد بطلبات الخصو وما تنتهي إليه المحكمة في قضائها- إذا صدر الحكم بالإلغاء كلياً أو جزئياً فإن هذا الحكم يكون حجة على الكافة في الخصوص وبالمدى الذي حدده الحكم - أساس ذلك: ليس من مقتضيات قاعدة الحجية المطلقة التي تتسم بها أحكام الإلغاء أن تهدم قاعدة أخرى أصلي وهي قاعدة الأثر النسبي للأحكام - تقتصر الاستفادة من نتائج الإلغاء المباشرة على من أقادم دعوى الإلغاء في الميعاد دون من تقاعس في إقامتها تهاوناً أو تهيباً - تفويت ميعاد الطعن بالإلغاء وثيق الصلة بمبدأ استقرار المراكز القانونية" (الطعن رقم 684 لسنة 24ق "إدارية عليا" جلسة 16/6/1984) وبأنه "كون المخالفة البادية في القرار هي تخطي المطعون في ترقيته للمدعي تخطياً مخالفاً للقانون - إلغاء قرار الترقية هو إلغاء نسبي فيما احتواه من مخالفة - عدم جواز إلغاء القرار إلغاء مجرداً" (الطعن رقم 719 لسنة 18ق، 446 لسنة 19ق "إدارية عليا" جلسة 22/5/1977) وبأنه "ولئن تميزت دعوى الإلغاء بأنها خصومة عينية تقوم على اختصام القرار الإداري وأن الحكم الصادر منها بإلغائه يعدمه، وبهذه المثابة يعتبر حجة على الكافة، بينما دعوى غير الإلغاء هي خصومة ذاتية يكون للحكم الصادر فيها حجية نسبية مقصورة على أطرافه إلا أنه من المسلمات في فقه القانون الإداري أن كلا الدعويين لا تخرجان عن كونهما خصومة قضائية مناطها قيام النزاع الذي هو جوهرها واستمراره بين طرفيها ولذا فمن المسلم به في الفقه والقضاء الإداري الفرنسي أن المنازعة الإدارية ولو كانت طعناً بالإلغاء قد تنتهي بالترك وينتج الترك أثره على خلاف الحال بالنسبة إلى طعن هيئة المفوضين أو النيابة العامة بالنسبة إلى الدعوى الجنائية" (الطعن رقم 1184 لسنة 9ق "إدارية عليا" جلسة 20/1/1969) وبأنه "أنه لا وجه لإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجرداً لمجرد أن اسم المدعي لم يكن قد عرض على لجنة شئون الموظفين عند النظر في الترقية إلى الدرجة الأولى وقت أن كانت أقدميته في الدرجتين الثالثة والثانية لا تسمح بعرض حالته على هذه اللجنة لأنه إذا ما انتهى النزاع حول وضعه في الدرجتين المذكورتين فإن فرصة الترشيح التي كانت قد فاتت وقت إصدار القرار المطعون فيه يمكن تداركها بمفاضلة مجددة بينه وبين المرقى في هذا القرار، مع وزن مشروعية القرار المذكور وتقدير مآله إبقاء أو إلغاء عن هدى ذلك، ومن أجل هذا طلبت المحكمة إلى الجهة الإدارية - أثناء نظر الطعن - عرض اسم المدعي على لجنة شئون الموظفين المختصة لإبداء رأيها قي مدى استحقاقه للترقية إلى الدرجة الأولى بالاختيار بافتراض أنه كان وقتذاك متزاحماً مع باقي المرشحين للترقية بموجب القرار المطعون فيه وبعرض الموضوع على لجنة شئون الموظفين بالهيئة العامة للإصلاح الزراعي بجلستيها المنعقدة في 24 من ديسمبر سنة 1966 قررت "إقرار ما سبق أن تم في هذا الموضوع من تخطي المدعي في الترقية" وبذلك تكون الجهة الإدارية صاحبة الاختصاص قد أبدت قرارها المطعون فيه، ورفضت الإقرار بأحقية المدعي في الترقية بالاختيار للكفاية إلى الدرجة الأولى بعد إعمال المفاضلة بينه وبين باقي المرشحين للترقية بالقرار المذكور" (الطعن رقم 1577 سنة 7ق "إدارية عليا" جلسة 16/4/1967) وبأنه "الحجية المطلقة التي تتسم بها حكم الإلغاء - ليس من مقتضياتها هدم قاعدة الأثر النسبي للأحكام عامة وامتناع انتفاع الغير بها - توفيق القضاء الإداري بين هذين المبدأين - جواز تمسك الغير بالآثار القانونية المترتبة لزاماً على الإلغاء وبالأوضاع الواقعية والتي لها ارتباط وثيق بالمراكز الملغاة في طلب إلغاء قرار آخر" (طعني رقم 1531، 1532 لسنة 6ق "إدارية عليا" جلسة 21/6/1964) وبأنه "إن حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء وفقاً لحكم المادة 17 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بتنظيم مجلس الدولة التي رددتها المادة 20 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة التي تنص على أنه "تسري في شأن الأحكام جميعها القواعد الخاصة بقوة الشيء المقضي به على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة" هي حجة عينية كنتيجة طبيعية لإعدام القرار الإداري في دعوى هي في حقيقتها اختصام له في ذاته، إلا أن مدى الإلغاء يختلف بحسب الأحوال فقد يكون شاملاً لجميع أجزاء القرار وهذا الإلغاء الكامل، وقد يقتصر الإلغاء على جزء منه دون باقيه وهذا هو الإلغاء الجزئي، كان يجري الحكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية. وغني عن البيان أن مدى الإلغاء أمر يحدد بطلبات الخصوم وما تنتهي إليه المحكمة في قضائها. فإذا صدر الحكم بالإلغاء كلياً أو جزئياً فإنه يكون حجة على الكافة، وعلة ذلك أن الخصومة الحقيقية في الطعن بالإلغاء تنصب على القرار الإداري ذاته وتستند على أوجه عامة حددها القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بتنظيم مجلس الدولة في المادة الثامنة منه بأنها "عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة"، وكل وجه منها له من العموم في حالة قبول الطعن ما يجعل القرار المطعون فيه باطلاً لا بالنسبة للطاعن وحده، بل بالنسبة للكافة، فهو بطلان مطلق. وما من شك في أن المساواة بين الأفراد والجماعات في تطبيق القواعد العامة المستفادة من حكم الإلغاء تقتضي وجوباً أن يكون حكم الإلغاء حجة تعلي الكافة حتى يتقيد الجميع بآثاره. وينبني على ما تقدم أنه إذا ألغى مجلس الدولة قراراً إدارياً ثم أقام طاعن آخر دعوى أخرى أمام مجلس الدولة بإلغاء ذات القرار كانت الدعوى الثانية غير ذات موضوع، باعتبار ذلك إحدى نتائج الحجية المطلقة للشيء المقضي به في حكم الإلغاء وكذلك من لم يختصم في الدعوى تصيبه آثار الحكم بالإلغاء بوصف أنه من الكافة وتكون الإدارة على صواب في تطبيقه في شأنه، ذلك لأن دعوى الإلغاء أشبه بدعوى الحسبة يمثل فيها الفرد مصلحة المجموع" (الطعن رقم 475 لسنة 5ق "إدارية عليا" جلسة 26/11/1960)