القانون الذي يحكم موضوع النزاع :
غالبية النظم القانونية حرصت خاصة في مجال التجارة الدولية ، على احترام إرادة الأطراف وإعمالها ، صريحة كانت أم ضمنية ، متى كانت لا تتعارض مع القواعد الآمرة والمتعلقة بالنظام العام في الدولة المختصة ، وطالما كان اختيارهم للقانون الأجنبي غير مشوب بالغش تجاه القانون الذي كان من المفروض أن يحكم موضوع النزاع . (أبو زيد رضوان ، مرجع سابق ص130)
هذه الإرادة قد تحدد القانون الذي سيحكم موضوع النزاع مباشرة ، أو قد تحيل الى قواعد تنازع القوانين في دولة معينة ، وفي تلك الحالة سوف يتم تحديد القواعد التي تحكم موضوع النزاع وفقا لقواعد التنازع ، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل يجوز لأطراف التعاقد تخويل هيئة التحكيم سلطة اختيار القانون المناسب أو الملائم ، حيث تختار هيئة التحكيم في تلك الحالة القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع دون تقيد بقواعد التنازع . (أحمد شرف الدين ، دراسات التحكيم ، بند 6 - محيى الدين علم الدين ، الشركات متعددة التوصيات أمام التحكيم) .
علاوة على ذلك فقد يحيل أطراف النزاع هيئة التحكيم الى تطبيق النظام المؤسسي لهيئة معينة ، ويظهر ذلك جليا بالنسبة لحالات التحكيم المؤسسي ، حيث يرضخ أو يختار الأطراف إعمال النظم المؤسسي لتلك الهيئة ، كما قد يتفق الأطراف على تخويل هيئة التحكيم الفصل في النزاع وفقا لقواعد العدالة والإنصاف ، وهذا ما يعبر عنه بالتحكيم الطليق حيث لا تكون هيئة التحكيم في تلك الحالة مقيدة بقانون معين ، هذه الفروض المختلفة تجميعها وتنظيمها من قبل الجهات والهيئات المهتمة بشئون التحكيم على الوجه التالي . (أحمد عبد الحكيم سلامة ، نظرية العقد الدولي بند 253) .
يقضي البند الثالث من المادة 13 من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس بأن للأطراف حرية تحديد القانون الواجب على المحكم تطبيقه على موضوع النزاع ، فإذا لم يحدده الأطراف طبق المحكم القانون الذي تحدده قاعدة التنازع التي يراها ملائمة في هذا الخصوص . (عبد الحميد الأحدب ، التحكيم ج4 ، ص57 - الدسوقي ، مرجع سابق ص61) .
وبخصوص تحديد القواعد الموضوعية واجبة التطبيق على النزاع ، فبعض النظم تميز بين كيفية تحديدها بواسطة الخصوم أو هيئة التحكيم ، حيث يتم تحديدها مباشرة في الحالة الأولى ، وبواسطة قواعد التنازع في الحالة الثانية ، فعلى سبيل المثال تقرر الفقرة الأولى من المادة 28 من القانون النموذجي للتحكيم ، بان هيئة التحكيم تفصل في النزاع وفقا لقواعد القانون التي يختارها الطرفان بوصفها واجبة التطبيق على موضوع النزاع ، وأى اختيار لقانون دولة ما أو نظامها القانوني يجب أن يؤخذ على أنه إشارة مباشرة الى القانون الموضوعي لتلك الدولة ، وليس الى قواعدها الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق الطرفان صراحة على خلاف ذلك .
كما تضيف إليها الفقرة الثانية بأنه إذا لم يعين الطرفان أية قواعد وجب على هيئة التحكيم أن تطبيق القانون الذي تقرره قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة أنها واجبة التطبيق . أما الفقرة الثالثة فتقرر التحكيم الطليق أوب الصلح كما يدعى ، حيث تقضي بأنه لا يجوز لهيئة التحكيم الفصل في النزاع على أساس ودي إلا إذا أجاز لها الطرفان ذلك ، أما الفقرة الرابعة من المادة المذكورة فتضع قيدا يجب على هيئة التحكيم مراعاته ، وهو أنه يجب عليها في جميع الأحوال أن تفصل في النزاع وفقا لشروط العقد ، وتأخذ في اعتبارها العادات المتبعة في ذلك النوع من النشاط التجاري المنطبقة على المعاملة . (محيى الدين علم الدين ، التحكيم والعادات التجارية الدولية) .
أيضا فإن قواعد اليونسترال لعام 1976 تحيل الى قواعد التنازع حيث تقضي الفقرة الأولى من المادة 33 بأن تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفان ، فإذا لم يتفق على تعيين هذا القانون وجب أن تطبق هيئة التحكيم القانون الذي يعينه قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة أنها الواجبة التطبيق في الدعوى .
وفي المقابل فإن هناك أنظمة أخرى تعين الحل البديل في حالة عدم الاتفاق على القانون الذي يحكم موضوع النزاع ، حيث تقرر الفقرة الأولى من المادة 16 من اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الأخرى بأن تفصل المحكمة في النزاع وفقا للقواعد القانونية التي نصت عليها هذه الاتفاقية والأنظمة التي يقرها المجلس ، وفي حالة عدم وجود نص فيما سبق تطبق المحكمة قانون الدول المضيفة للطرف في النزاع بما في ذلك قواعد تنازع القوانين الخاصة بها وما يصلح للتطبيق من قواعد القانون الدولي .
وأيضا فالمادة 42 من اتفاقية واشنطن لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ومواطني الدول الأخرى لعام 1965 ، حيث يجري التحكيم تحت مظلة المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار تقرر بأن هيئة التحكيم تنظر في الخلاف طبقا لقواعد القانون الذي اتفق عليه الطرفان ، وفي حالة غياب هذا الاتفاق تطبق هيئة التحكيم قانون الدولة الطرف في النزاع - المضيفة - بما في ذلك القواعد المتعلقة بتنازع القوانين وقواعد القانون الدولي ، ووجه ذلك أن مباشرة الاستثمار في بلد معين يشمل ضمنيا للرضاء بتطبيق قوانين هذا البلد الخاص بالجوانب المختلفة لعقد الاستثمار ، ومع ذلك فإن المحكمة تملك في هذه الحالة رفض تطبيق قواعد القانون الوطني لهذه الدولة إذا كانت تمثل مخالفة لقواعد القانون الدولي (جلال الدين محمدين ، التحكيم تحت مظلة المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ، دار الجامعة الجديدة للنشر بالاسكندرية 1995 ص45 ، 46 - فوزي سامي ، التحكيم التجاري الدولي ، الطبعة الثانية ، عمان 1992 ص63 - عصام القصبي ، خصوصية التحكيم في مجال منازعات الاستثمار ص200)
(T.de Berranger : l'article 52 la convention de washingnon du 15 Mars 1965 et les premiers enseignements de sa pratique, rev. arb. 1988. 1,93,108)
أيضا فإن اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري من الاتفاقيات التي أحسنت تنظيم ذلك الموضوع ، حيث تقرر الفقرة الأولى من المادة 21 بأن تفصل الهيئة في النزاع وفقا للعقد المبرم بين الطرفين وأحكام القانون الذي اتفق عليه الطرفان صراحة أو ضمنا إن وجد ، وإلا فوفق أحكام القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع على أن تراعى قواعد الأعراف التجارية الدولية المستقرة .
وبخصوص كيفية الاهتداء الى القانون الأنسب والأكثر ارتباطا بموضوع النزاع ، فلقد حاول جانب من الفقه والقضاء سرد بعض المعايير التي تعين هيئة التحكيم في الاهتداء الى القانون المتبقى ومنها :
-        من خلال اللجوء الى قواعد تنازع القوانين في الدولة التي يحمل جنسيتها المحكم أو التي قيم فيها إقامة دائمة .
-        من خلال القواعد الخاصة بدولة الجنسية المشتركة أو الموطن المشترط لأطراف النزاع .
-        من خلال قانون الدولة الذي يحكم سير الإجراءات .
-        من خلال قانون الدولة التي كانت مختصة أصلا بالفصل في النزاع .
-        من خلال اتباعه لقواعد تنازع القوانين في الدولة التي سيجري فيها تنفيذ القرار الذي سيصدر في المنازعات محل التحكيم .
-        من خلال إعمال قواعد تنازع في الدولة التي سيجري التحكيم على أرضها . (أبو زيد رضوان ، الأسس العامة للتحكيم التجاري الدولي بند 93 وما يليه ، والمراجع العديدة المشار إليها بالهوامش 74 - 100) .
وبصدد هذا يقول بعض الفقهاء ، وهكذا فإنه في ظل غياب قانون اختصاص محدد - قانون القاضي - سلفا بالنسبة للمحكم الدولي فإنه يقع على كاهل المحاكم - في حال الاختيار الصريح أو الضمني لقانون وطني يحكم موضوع النزاع - البحث عن أى قانون يكون الأنسب موضوعيا لحكم موضوع النزاع وأن هذا المعيار يكاد يصبح من المبادئ التي ترسخت في لوائح هيئات التحكيم وقرارات التحكيم التجاري الدولي ، وينتهي القول بأن بعض قرارات التحكيم ومعها بعض الفقه لا يريان بأسا من أن يستخدم المحكم الدولي من خلال تلك الحرية التطبيق الجمعي للمبادئ المشتركة لقواعد التنازع في القوانين التي يرتبط بها النزاع ، أى تلك التي تتراءى للمحكم وكأنها تتجانب فيما بينها حكم موضوع النزاع ، وذلك بالنظر الى صلتها الموضوعية بالنزاع الذي يتصدى المحكم فيه . (المرجع السابق ص165 - أحمد السمدان ، القانون الواجب التطبيق في التحكيم التجاري الدولي ، مجلة حقوق الكويت لسنة 17 ، العددان الأول والثاني مارس 1993 ص200 ، 201) .
ونتساءل الآن ما هو موقف قانون التحكيم الحالي من هذه الاتجاهات المختلفة ، لقد نظمت هذا الموضوع المادة 39 والتي تقضي فقرته الأولى بأن تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان ، وإذا اتفاق على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق على غير ذلك ، كما تضيف إليها الفقرة الثانية بأنه إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالا بالنزاع ، على أنه يجب على هيئة التحكيم أن تراعى عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة (م39/3 تحكيم) ، كما تضيف إليها الفقرة الرابعة بأنه يجوز لهيئة التحكيم إذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويضها بالصلح أن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون .
لذا نقول حسنا فعل المشرع المصري لأخذه بالاتجاه الذي يقرر لهيئة التحكيم التطبيق المباشر للقواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأنسب والأكثر اتصالا بموضوع النزاع ، دون مرور بقواعد التنازع كما هو الحال في طل من القانون النموذجي وقواعد اليونسترال ، حيث تختار هيئة التحكيم أولا القانون الأنسب للدعوى ولكنها لا تطبق قواعده الموضوعية وإنما قاعدة التنازع فيه التي تقود المحكمة الى القانون الواجب التطبيق على الموضوع ، لذا يكون التطبيق بالنسبة لهذا الفرض تطبيقا غير مباشر .
وإذا كانت بعض التشريعات الحديثة قد حرصت على تنظيم كل من التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي على انفراد لما بينهما من اختلاف كما هو الحال بالنسبة للتشريع الفرنسي حيث يلتزم المحكم وفقا لقواعد العدالة (م1474 من قانون المرافعات الجديد) ، فإننا نتساءل مرة أخرى عما إذا كان دمج المشرع المصري للأحكام الخاصة بالقانون الذي يحكم موضوع النزاع بالنسبة لنوعي التحكيم - الداخلي والدولي - في نص واحد يعد توفيقا أم لا ؟ يجيب عن ذلك التساؤل بصراحة ووضح بعض الفقهاء مقررا أن المشرع المصري قد أخفق بإقراره للنص المذكور بالصيغة التي عليها ، حيث أمه كان معدا سلفا للتحكيم التجاري الدولي . وليس التحكيم بنوعيه كما هو عليه الآن ، فيقول ولا يخفى أن ذهن المشرع المصري عند صياغة نصوص هذه المادة - وهى ملاحظة عامة نكررها - كان منصرفا الى التحكيم الدولي ، فالواقع أن الأمر في التحكيم الداخلي حيث المنازعة ذات طابع محلي وبين أطراف مصريين أو حتى مع وجود طرف أجنبي دون أن يتعلق بمصالح التجارة الدولية ، لا يثير ترددا في إعمال القانون المصري ، وتظل الحرية المطلقة للأطراف ثوبا فضفاضا ما كان ينبغي أصلا إسداله على حالات التحكيم الداخلي .
لم يتبق بعد سوى القول بأن الكل متفق على أن بإمكان الأطراف الاتفاق صراحة على تفويض هيئة التحكيم بالفصل في النزاع وفقا لقواعد العدالة والإنصاف دون تقيد بأحكام القانون ، وهذا ما يعبر عنه بالفصل في النزاع على أساس ودي ، وإذا كان المحكم وفقا لهذا النوع من التحكيم يكون طليقا وغير مقيد بأية نصوص تشريعية أو أية قواعد قانونية أيا كان مصدرها ، حيث يجري نوعا من التسوية للنزاع المعروض عليه مستلهما ما يراه محققا للعدالة وما يرضي ضميره ، لذا فهو يقوم بعمل إنشائي خلاق لا يخضع فيه إلا لما يرضى وجدانه حقق مبدأ المساواة بين الأطراف وأتاح لهم مكنة إبداء أوجه دفوعهم على النحو المنشود ، لذا يشترط لوقوع هذا النوع من التحكيم صحيحا اتفاق الأطراف الصريح الذي لا ليس فيه ولا غموض على تخويل هيئة التحكيم هذه السلطة المطلقة ، وبصدد ذلك تقول الفقرة الثالثة من المادة 28 من القانون النموذجي للتحكيم لا يجوز لهيئة التحكيم الفصل في النزاع على أساس ودي إلا إذا أجاز لها الطرفان ذلك صراحة .
إلا أن عدم تقييد المحكم المفوض بالصلح - المحكم الطليق - بقانون معين لا يعني أنه مطلق الباع ، بل هو مقيد كما سبق القول باحترام كل من المبادئ الأساسية الموجهة لنظر الخصومة القضائية والقواعد المتعلقة بالنظام العام بنوعيه تبعا لما إذا كان التحكيم داخليا أو دوليا ، فبالنسبة للتحكيم الداخلي فإن المحكم المفوض بالصلح لا يجوز له بأى حال مخالفة القواعد المتعلقة بالنظام العام والتي تهدف الى حماية مصلحة عامة . أما إذا كان التحكيم دوليا فهو مقيد بالقواعد المتعلقة بالنظام العام الدولي دون الداخلي .
وبصدد توضيح وإبراز مزايا التحكيم بالصلح يقول بعض الفقهاء ، والواقع أن أمر التحكيم بالصلح هام جدا لازدهار التجارة الدولية والمحلية ، لأنه يعطي الفرصة لرجال الأعمال أن يحافظوا على العلاقات الودية بينهم . فالقانون صارم وحاكم إذا طبق بينهم . أما الحلول الوسط التي ترضى الجانبين فإنها تمكنهم من استمرار التعاون في المعاملات المشتركة بينهم وأكثر ما يفيد التحكيم بالصلح في العقود طويلة المدة ، مثل عقود التوريد وعقود التأمين وعقود الترخيص في استغلال علامة تجارية أو براءة اختراع وعقود تسليم المفتاح لأن الطرفين لا يهتمان بان يأخذ كل منهما حقه كاملا طبقا للقانون ، ويقطع بالمقابل صلاته مع الطرف الآخر ، بل الأفضل في نظره أن يتسامح ويتصالح في سبيل بقاء مشروعاته مستمرة . (محيى الدين علم الدين ، التحكيم بالصالح في المنازعات الدولية ، الأهرام الاقتصادي ، العدد 1257 بتاريخ 15/2/1993 ص62)
ونخلص من كل سبق الى أن هيئة التحكيم تلتزم دوما بإعمال ما اتفق عليه الأطراف المتعاقدة من قواعد إجرائية أو موضوعية ، هذه الإرادة قد تتولى بنفسها تحديد تلك القواعد مباشرة أو تحيل على قانون دولة معينة ، أو الى خليط من مجموعة قوانين متعددة ، أو العمل بالنظام اللائحي لهيئة أو مؤسسة تحكيمية معينة ، أو تفويض الأمر كلية الى هيئة التحكيم لتفصل في النزاع وفقا لقواعد العدالة والإنصاف ، وذلك كله مع مراعاة أنه ليس هناك ما يمنع الأطراف المتعاقدة من إسناد كل من القواعد الموضوعية والقواعد الإجرائية لقانونين أو نظامين منفصلين . (ابراهيم أحمد ابراهيم ، التحكيم الدولي الخاص ص49)
إلا أنه نظرا للطبيعة القضائية للعمل الناتج عن خصومة التحكيم وما يترتب عليه من آثار قانونية في غاية الخطورة والأهمية ، فإن النظم القانونية المختلفة لم تطلق العنان لتلك الإرادة - بل قيدتها بعدم التعارض مع قواعد كل من النظام العام - مع مراعاة التمييز بين كل من النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي ، تبعا لما إذا كان التحكيم داخليا أو دوليا - والمبادئ الأساسية التي تحكم سير الخصومة القضائية ، والتي لا ترتبط بقانون معين بقدر ما هى معطى عالمي تتفق بشأنه كافة الهيئات والمؤسسات والأنظمة القانونية المهتمة بالتحكيم ، عالمية كانت أم محلية ، ومضمون هذا المعطى العالمي هو معاملة الخصوم على قدم المساواة وكفالة حقهم في تقديم ما لديهم من أوجه دفاع وغيرها من الضمانات الجوهرية التي تكفل لكل خصم حرية التعبير عن وجهة نظره أو رأيه دون إرهاق أو تعجيز أو دون انحراف أو تحوير لطلبات الخصوم . (فتحي والي ، الوسيط ص62 - أبو زيد رضوان ، مرجع سابق بند 70) .
وهذا ما ترجمته المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون التحكيم بقولها إن من الأسس التي يقوم عليها قانون التحكيم المصري احترام إرادة طرفى التحكيم بإفساح الحرية لها لتنظيمه بالكيفية التي تناسبها هذه الحرية هى عماد نظام التحكيم إذا فقدها فقد هويته ، وكلما زاد مقدار الحرية التي يهيئها التشريع لطرفى التحكيم كلما زادت ثقتها فيه وزاد اطمئنانهما الى الحكم الذي سينتهي إليه . لذا يقوم هذا المشرع على هذا المبدأ الأصولي ، إذ ترك للطرفين حرية الاتفاق على كيفية تعيين المحكمين وتسميتهم واختيار القواعد التي تسري على الإجراءات وتلك التي تطبق على موضوع النزاع وتعيين مكان التحكيم واللغة التي تستعمل فيه ووضع المشرع لكل هذه الحريات قواعد احتياطية لتطبق عندما لا يوجد الاتفاق .
وأخيرا فإننا نهيب بالمشرع المصري أن يسلك منهج التشريعات المتقدمة التي تميز بين كل من التحكيم الداخلية والتحكيم التجاري الدولي من حيث القانون الواجب التطبيق ، وذلك نظرا لما بينهما من تفاوت يتطلب من المشرع أن يقرر صراحة تطبيق قواعد القانون المصري الموضوعي على حالات التحكيم الداخلي ما لم يكن المحكم مفوضا بالصلح ، كما نهيب به أيضا أن ينص صراحة على التزام هيئة التحكيم بتطبيق كافة الإجراءات الواردة في قانون التحكيم الحالي طالما لم يتفق الخصوم على ما يخالفها . (راجع في كل ما سبق البحث الجيد المنشور للدكتور عاشور مبروك مجلة القضاة ص73 وما بعدها ، والدكتور أحمد أبو الوفا في كتابه التحكيم والدكتور نبيل عمر) .