الطبيعة العقدية للتحكيم :
للفقه آراء متعددة بالنسبة لطبيعة التحكيم ، ويرجع هذا التعدد إلى أساس الاتفاقي الذي يقوم عليه التحكيم ، والنتيجة ذات الصفة القضائية التي ينتهي إليها المحكم أى الحكم التحكيمي . فالتحكيم يتكون من عملين ، الأول هو اتفاق يبرمه طرفا النزاع ، والثاني هو الحكم الصادر عن هيئة التحكيم .
(أبو زيد رضوان ، الأسس العامة للتحكيم الدولي ص19 - مختار البربري ، المرجع السابق ص7) .
ومن هنا ظهرت النظرية العقدية فهذا الفقه يرى أن التحكيم ليس قضاء وأن ما يصدر عن المحكمين ليس أحكاما قضائية ، ويرون أن للتحكيم طبيعة عقدية تستند في قيامها إلى إرادة الخصوم وحكم المحكم يرتبط بعقد التحكيم ، وصدور أمر بالتنفيذ من محاكم الدولة لا يجعل حكم المحكمة عملا قضائيا بالمعنى الدقيق بل يؤدي أمر التنفيذ إلى صيرورة حكم التحكيم سندا تنفيذيا واجب النفاذ . (يراجع دكتور محمد حامد فهمي ، تنفيذ الأحكام والسندات الرسمية ، القاهرة 1951 ص41) .
ويرون أن المحكم ليس قاضيا بل هو شخص عادي ، ويمثل التحكيم الاختياري الصورة الأصلية للتحكيم والتي يتولى قانون المرافعات الكويتي تنظيمها في الباب الثاني عشر بدءا من المادة 173 التي تحدد صور اتفاق التحكيم وإثباته وعناصره . (يراجع دكتور وجدي راغب ، مفهوم التحكيم ص14) ولا يؤدي الأمر القضائي بتنفيذ حكم المحكم إلى اعتباره حكما قضائيا بالمعنى المعروف للأحكام ، بل يظل مرتبطا في مصيره وتفسيره بعقد التحكيم حتى بعد صدور الأمر بتنفيذه . (دكتور أحمد مليجي ، قواعد التحكيم ص47) ، ويبرر هذا الرأى موقفه بالقول ، بأن مصدر سلطة المحكمة إرادة الأطراف وليس السلطة العامة ، وأن غاية التحكيم هو حماية المصالح الخاصة للأطراف ، عكس القضاء الذي يهدف الى حماية المصلحة العامة .
(يراجع دكتور فتحي والي ، الوسيط في القضاء المدني ص39 وما بعدها) .
وهذه النظرية أبرزت دور الإدارة في الاتفاق على التحكيم وأهملت حقيقة وظيفة المحكم القضائية ، ذلك الدور الناشئ من الإرادة الفردية ومن ترخيص القانون ، تلك الرخصة التي تسمح لفرد عادي بإصدار عمل يعترف به القانون كحكم القضاء ، والواقع أن هذه النظرية ، لها أساس من الحقيقة لأن دور اتفاق أو عقد التحكيم يؤثر في كافة الأنظمة الإجرائية والموضوعية للتحكيم .
(الدكتور نبيل عمر ، التحكيم ، مرجع سابق ص33) .