اختلاف التحكيم عن نظام التوفيق أو الوساطة :
يمكن تسليط الضوء على عدد من المعايير التي تسمح بالتمييز بين شروط تسوية المنازعات العقدية وشرط التحكيم وهى :
1.أن القرار الذي يتوصل إليه المحكم سيكون ملزما ، أى يتمتع بقوة إلزامية في مواجهة أطراف التحكيم ، وذلك على عكس التوصية أو الاقتراح المقدم من الغير المحايد الذي يتدخل لمساعدة الأطراف في التوصل الى تسوية للنزاع ، ولذلك فإن قرار المحكم يوصف بأنه حكم تحكيم Sentence arbitrale ، وحتى في الحالات التي يفوض فيها المحكم بالصلح (التحكيم بالصلح) ، أى في الحالات التي يعفى فيها من اتباع القواعد الإجرائية والموضوعية للقانون الذي يحكم النزاع فيما عدا القواعد التي تتعلق بالنظام العام ، فإن قراره يتمتع بقوة إلزامية في مواجهة أطراف التحكيم .
2.أن المحكم يقوم وحده بحسم النزاع ، وذلك دون أن يشارك الأطراف في هذا الحل ، أما شروط تسوية المنازعات فتعتمد أساسا على التفاوض وتبادل الاقتراحات فيما بين أطراف النزاع ، حتى يتم في النهاية بلورة حل مرضي ومقبول من جميع الأطراف ، ولذلك فإن شروط التسوية تتميز عن شرط التحكيم بالدور النشط والفعال والإيجابي الذي يقوم به الأطراف في تسوية النزاع .
3.بالنسبة لشرط التحكيم لن يكون الأطراف في وضع يمكنهم من معرفة الحل المقدم من المحكم ، حيث إن هذا الحل سيكون مفروضا في لحظة لا يكونوا فيها على علم سبق بمضمونه ، أما بالنسبة لشروط التسوية فسيكون الأطراف في وضع يمكنهم من معرفة الحل المقترح من الغير المحايد قبل أن يرتضوا به .
4.أخيرا ، تختلف شروط تسوية المنازعات عن شرط التحكيم في أن طريق التحكيم ملزم ، فمن بدأه وأقدم على أول خطوة فيه يلتزم بالسير فيه الى نهايته ، فلا يملك التراجع في منتصف الطريق . أما طريق التسوية فلا يوجد إلزام على من بدأه أن يستمر فيه الى نهايته ، فيملك من لجأ إليه أن يعدل عنه ويلجأ الى التحكيم أو القضاء ، دون تثريب عليه ، حتى ولو كان الغير المحايد الذي تدخل لمساعدة الأطراف في التوصل الى تسوية للنزاع قد بدأ عمله بالفعل .
المحصلة إذً أن شرط التحكيم يوجه الأطراف نحو حل قضائي للنزاع ، إذ يهدف هذا النوع من الشروط الى حسم النزاع بواسطة المحكم ، فالوصول الى نتيجة تكون إذً مسألة مضمونة ، لأن هذا الحل سيكون مفروضا على الأطراف ، أضف الى ذلك أنه إذا كان اللجوء الى التحكيم يفرض على الأطراف ، كما هو الحال في مجال شروط التسوية ، أن يشاركوا بحسن نية في الإجراءات ، فإن النزاع سيتم حسمه بواسطة المحكم ، مما يحرر الأطراف من مسئولية البحث عن حلول للنزاع ، وعلى ذلك فعلى حين نجد أن فكرة التسوية تدور حول الإرادة ومشاركة الأطراف ، ففي مجال التحكيم فإن هذه المشاركة يحل محلها السلطة التي يتمتع بها المحكم . (راجع الدكتور / مصطفى المتولي في كتابه دور الأطراف في تسوية المنازعات العقدية ، دار النهضة) .