صحه التحكيم
حسبما تقضي اتفاقية نيويرك لعام 1958- وبأنه لا يكفي لصحة هذا الشرط مجرد الاتفاق فيه على أن يكون التحكيم وفقاً للقانون السويدي لأن هذا اختيار للقانون الواجب التطبيق وليس تحديداً لأشخاص المحكمين كما لا يكفي الاتفاق على إجراء التحكيم في السويد لأن هذا اختيار للمكان وليس للهيئة التي ستضطلع بمهمة التحكيم خاصة وأنه من المعلوم أنه يوجد بالسويد مركزان للتحكيم لكل منهما نطامه ، أحدهما مركز التحكيم التابع لغرفة التجارة في استوكهولم والآخر المركز السويدي التقني الصناعي ، وهو ما قدما الدليل عليه ، وإذ لم يعن الحكم بهذا الدفاع إيراداً أو رداً فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه . وحيث أن هذا النعى مردود ، ذلك بأنه لما كان الثابت أن شرط التحكيم قد تضمن اتفاق الأطراف على إخضاع العقد للقانون السويدي وإحالة أى نزاع ينشأ عن تفسيره أو تنفيذه الى التحكيم بالسويد وفقاً لقانون التحكيم السويدي ، وكان المشرع المصري قد أقر الاتفاق على التحكيم بالخارج بانضمامه الى الاتفاقية الخاصة بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها المنعقدة في نيويورك عام 1958 ، وكان النص في الفقرة الأولى من المادة الثانية من هذه الاتفاقية على أن " تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاه الأطراف أن يخضعوا للتحكيم كل أو بعض المنازعات الناشئة أو التي تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية المتعلقة بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم ، وفي الفقرة الثانية من المادة الأولى منها على أنه "يقصد بأحكام المحكمين ليس فقد الأحكام الصادرة من محكمين معينين للفصل في حالات محددة بل أيضا الأحكام الصادرة من هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف" ، يدلان مجتمعين على أن اتفاق التحكيم الدولي يعد صحيحاً وقابلاً لإحداث آثاره القانونية بما في ذلك استبعاد ولاية القضاء الوطني ، ولو لم يقم أطرافه المحتكمين أنفسهم باختيار أو تسمية المحكمين بأشخاصهم فيه متى كان في هذا الاتفاق ما يشير صراحة أو ضمنا الى انصراف إرادة أطرافه الى الإحالة الى هيئة تحكيم دائمة يتم اختيار المحكمين- عند قيام النزاع- وفقاً لقواعدها ، وهو ما لم تتطلب الاتفاقية بشأنه اسلوبا معينا من التعبير للدلالة عليها . لما كان ذلك ، وكان البين من شرط التحكيم أن الاتفاق الوارد فيه على إجراء التحكيم بالسويد إنما ينصرف حتماً- وبحكم طبيعة عقد الإيجار الذي أدرج فيه وما يمكن أن ينشأ عن تفسيره أو تنفيذه من نزاع- الى عرضه على مركز التحكيم التجاري بها دون المركز التقني الصناعي ، سيما وأن هيئات التحكيم الدائمة ونظمها تعد- بإقرار الطاعنين- معلومة لأوساط المتعاملين في مجال العلاقات التجارية الدولية- الخاصة- وكان الثابت من قانون إجراءات التحكيم السويدي الذي أحال إليه هذا الشرط- والمقدم ترجمة رسمية له بالأوراق- أنه قد تكفل في المواد 6 وما بعدها ببيان القواعد التفصيلية الخاصة بتعيين المحكمين في حالة عدم اختيارهم من جانب الأطراف أو حالة إخفاق أحدهم في مهمة اختيار المحكم عند قيام النزاع ، فإن دفاع الطاعنين الوارد بسبب النعى يضحى غير قائم على أساس قانوني صحيح ولا يعد إغفال الحكم المطعون فيه الرد عليه قصوراً يبطله ويكون النعى عليه بهذا السبب على غير أساس . وحيث أن حاصل النعى بالوجه الثاني والشق الثاني للوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والغموض وفي بيان ذلك يقول الطاعنان ، أنما تمسكا في دفاعهما أمام محكمتى الموضوع بعدم جواز تنفيذ حكم المحكمين لعدم إعلانهما إعلاناً صحيحاً ببدء إجراءات التحكيم أو بأسماء المحكمين أو تكليفها بالحضور أمام هيئة التحكيم ، فقضى الحكم الابتدائي برفض هذا الدفاع استنادا الى صحة هذه الإعلانات طبقا لقانون المرافعات المصري وأيده في ذلك الحكم المطعون فيه دون أن يرد على حجج عديدة أورداها بصحيفة الاستئناف ومذكرات الدفاع اكتفاء بالقول بأن الإعلان فد تم لشخص (المستأنف بصفته) وفقاً لنصوص التحكيم ولم يطعن عليه بثمة مطعون رسمي سوى الإنكار وبأنه لا يجوز التمسك ببطلان الإعلانات بعد صيرورة حكم المحكمين نهائياً ، وهو من الحكم قصور وغموض من وجهين ، أولهما- أن الإعلانات لم تتم لكل منهما كما يتطلب القانون السويدي واتفاقية نيويورك ، كما أن إعلان أحدها لا يغني عن إعلان الآخر ولو كان متضامنا معه ، هذا فضلاً عن أن أحدهما شركة خاصة والآخر شخص طبيعي ويخضع كل منهما لقواعد خاصة في الإعلان- وثانيهما- أنه لم يبين ماهية الإعلان الذي تم لشخص (المستأنف بصفته) وهل هو إعلان بتعيين المحكم أم ببدء إجراءات التحكيم ، وأنه إذا كان المقصود بذلك الإعلان الذي تم 16/7/1984 فمن الثابت أنه أجرى في مدينة استوكهولم وليس في مصر حيث يوجد مركز إدارة الشركة التي يمثلها ، هذا فضلاً عن أن الاستئناف قد رفع منهما معاً- أى من مستأنفين- وبالتالي لم يحدد الحكم أى مستأنف يقصد وهو ما يعيبه ويستوجب مقضه . وحيث أن هذا النعى في جملته مردود ، ذلك بأنه لما كان ما اشترطته المادة 5/1 (ب) من اتفاقية نيويورك لعام 1958- الواجبة التطبيق- لرفض طلب تنفيذ حكم المحكمين الأجنبي من تقديم الدليل على عدم إعلان المحكوم ضده إعلاناً صحيحاً بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو أنه قد استحال عليه لسبب آخر تقديم دفاعه يعد من قواعد المرافعات ، وكان مفاد نص المادة 22 من القانون المدني المصري خضوع جميع المسائل المتعلقة بالمرافعات لقانون البلد الذي تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات ، وإذ ثبت من الترجمة الرسمية لحكم المحكمين الصادر بمدينة استوكهولم ومرفقاته أنه قد تأكد لدى هيئة التحكيم أن الطاعنين أعلنا ببدء إجراءات التحكيم وبأسماء المحكمين وتم تكليفهما بالحضور ، طبقا للقانون ، وكان الطاعنان لم يقدما الدليل- المقبول قانونا- على عدم صحة هذه الإعلانات طبقا للقانون السويدي الواجب التطبيق وخلافا للثابت بحكم المحكمين ومرفقاته ، فإن الحكم المطعون فيه ، وإذ خلص الى صحة هذه الإعلانات يكون قد انتهى الى نتيجة صحيحة ولا يعيبه ما يكون قد اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة أو قصور في الرد على دفاع قانوني للخصوم إذ لمحكمة النقض ان تصحح أو تستكمل أسبابه بما يقومه بغير أن تنقضه ومن ثم يضحى النعى عليه بما ورد بهذا السبب على غير أساس . وحيث أن حاصل النعى بالشق الثالث للوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقوم الطاعنان أن الحكم قضى بالأمر بتنفيذ حكم المحكمين رغم مساسه بحقوق من لم يختصم في إجراءات التحكيم أو يعلن بها وتعلق النزاع بمعدات ادعاءات المطعون ضدها الأخيرة ملكيتها على أساس أنها هى المستوردة لها من مالها الخاص ، وهو ما كان يلزم الفصل فيه قبل إصدار الأمر بالتنفيذ سيما وأنهما مستأجران لتلك المعدات وملزمان بردها لمالكها ، وإذ أعرض الحكم عن مواجهة دفاعهما في هذا الشأن فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه . وحيث أن هذا النعى غير سديد ، ذلك أنه لما كان مؤدى نص المادتين الأولى والثانية من اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية والتي انضمت إليها مصر بالقرار الجمهوري رقم 171 لسنة 1959 الصادر في 2/2/1959 وأصبحت تشريعاً نافذاً بها اعتباراً من 8/6/1959- اعترف كل دولة متعاقدة بحجية أحكام التحكيم الأجنبية والتزامها بتنفيذها طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة فيها والتي يحددها قانونها الداخلي ، ما لم يثبت المحكوم ضده في دعوى تنفيذ حكم التحكيم توافر إحدى الحالات الخمس الواردة على سبيل الحصر في المادة الخامسة فقرة أولى من الاتفاقية وهى : أ- نقص أهلية أطراف اتفاق التحكيم أو بطلانه ، ب- عدم إعلانه إعلاما صحيحا بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو استحالة تقديمه دفاعه لسبب آخر ، جـ- مجاوزة الحكم في قضائه حدود اتفاق أو شرط التحكيم ، د- مخالفة تشكيل محكمة التحكيم أو إجراءات لاتفاق الطرفين أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق ، هـ- صيرورة الحكم غير ملزم للطرفين أو إلغائه أة وفقه ، أو يتبين لقاضي التنفيذ طبقا للفقرة الثانية من المادة المشار إليها- أنه لا يجوز قانونا الالتجاء في التحكيم لتسوية النزاع أو أن تنفيذ الحكم يخالف النظام العام . وكانت أحكام المحكمين شأن أحكام القضاء ، تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- طالما بقى قائماً ، ومن ثم لا يملك القاضي عند الأمر بتنفيذها التحقق من عجالتها أو صحة قضائها في الموضوع لأنه لا يعد هيئة استئنافية في هذا الصدد . لما كان ذلك ، وكان دفاع الطاعنين الوارد بوجه النهى- أياً كان وجه الرأى فيه- لا يندرج ضمن أى من الحالات التي تسوغ إجابتها الى طلب عدم تنفيذ الحكم أو تبرر رفض التقاضي لدعوى المطالبة بالتنفيذ ، فإنه ومن ثم يعد دفاعاً غير قائم على اساس قانوني صحيح ولا يعيب الحكم المطعون فيه إغفال الرد عليه ، ويكون النعى عليه بهذا السبب على غير اساس . وحيث أن الطاعنين ينعيان بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وفي بيان ذلك يقولان أنهما تمسكا في دفاعهما أمام محكمة الاستئناف بأن النزاع الذي نظرته هيئة التحكيم بالسويد وفصلت فيه تيعلق بمعدات موجودة في مصر ، وأن الاختصاص بنظره ينعقد للمحاكم المصرية، وبالتالي فإنه يمتنع تبعاً لذلك على أى محكمة أو هيئة تحكيم أجنبية الفصل فيه لما هو مقرر من أنه لا يجوز طبقا لنص المادة 298 من قانون المرافعات المصري (التي تسري على أحكام المحكمين الأجنبية عملاً بالمادة 299 من ذات القانون) الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق من أن محاكم الجمهورية غير مختصة بالمناعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر ، وإذ رفض الحكم هذا الدفاع بمقولة أن آثاره مسألة اختصاص لمحاكم المصرية بالنزاع هو أمر خارج عن دعوى تنفيذ حكم المحكمين الأجنبي ، فإنه يكون معيباً ومستوجباً نقضه . وحيث أن هذا النعى غير سديد ، ذلك أنه لما كانت المادة 301 من قانون المرافعات والتي اختتم بها المشرع الفصل الخاص بتنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الأجنبية- تقضي بأنه إذا وجدت معاهدة بين مصر وغيرها من الدول بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية فإنه يتعين إعمال أحكام هذه المعاهدات ، وكانت مصر قد انضمت الى اتفاقية نيويورك لعام 1958 الخاصةب الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية بقرار رئيس الجمهورية رقم 171 لسنة 1959 وصارت نافذة اعتبارا من 8/6/1959 ، ومن ثم فإنها تكون قانونا من قوانين الدولة واجبة التطبيق ولو تعارضت مع أحكام قانون المرافعات . لما كان ذلك ، وكانت الاتفاقية المشار إليها لم تتضمن نصاً يقابل ما جرى به نص المادة 298/1 من قانون المرافعات من أنه " لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق من أن محاكم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع وأن كان يرتكن أساسا الى حكم القانون الذي أجاز استثناء سلب اختصاص جهات القضاء إلا أنه ينبني مباشرة وفي كل حالة على حدة على اتفاق الطرفين وهذه الطبيعة الاتفاقية التي يتسم بها شرط التحكيم وتتخذ قواماً لوجوده تجعله غير متعلق بالنظام العام فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بإعماله من تلقاء نفسها وإنما يتعين التمسك به أمامها ويجوز النزول عنه صراحة أو ضمناً ويسقط الحق فيه فيما لو أثير متأخراً بعد الكلام في الموضوع إذ يعتبر السكوت عن إبدائه قبل نظر الموضوع نزولاً ضمنياً عن التمسك به " (الطعن رقم 167 لسنة 31ق جلسة 24/5/1961 مجموعة الأحكام س17 ص1223)