(1) المسائل التي لا يجوز فيها الاتفاق على التحكيم :
تنص المادة 11 من قانون التحكيم على أنه " لا يجوز التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه ، ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح .
وتنص المادة 551 من القانون المدني على أنه " لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ، ولكن يجوز الصلح على المسائل المالية التي تترتب على الحالة الشخصية ، أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم " .
ومن جماع هذه النصوص يتضح أن المسائل التي تتعلق بالنظام العام ، والمسائل المتعلقة بالحالة الشخصية ، والحق الذي لا يجوز التصرف فيه لا يجوز التحكيم فيه .
وقد عرفت محكمة النقض النظام العام بأنه : يشمل القواعد التي ترمى الى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي أو المعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد ، وتقوم فكرته على مذهب علماني . (نقض مدني 17/1/1979 ، مجموعة المكتب الفني ص276) .
* والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح هى :
- المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية .
- المسائل الجنائية .
- إجراءات التنفيذ .
* وسوف نلقي الضوء على هذه المسائل كما يلي :
-أن مسائل الأحوال الشخصية البحتة كالنسب والزواج والطلاق وإثبات الوراثة والخلع تعتبر مسائل متعلقة بالنظام العام ، ولا يجوز التحكيم فيها وكل اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلا بكل مطلق ، أما ما يترتب على مسائل الأحوال الشخصية من آثار مالية فمن الممكن الاتفاق على التحكيم بشأنها .
-مسائل الجنسية وهى كل ما يتعلق باكتساب الجنسية أو إسقاطها فهى مظهر من مظاهر سيادة الدولة ولا يجوز التحكيم فيها ، ولكن لا يوجد ثمة ما يمنع من الاتفاق على التحكيم في الدعوى بطلب التعويض عن قرار إداري صدر بالمخالفة لقانون الجنسية .
-المسائل الجنائية ، لا يجوز أن تكون مسائل التجريم والعقاب محلا للاتفاق على التحكيم سواء كان الأمر متعلقا بجناية أو بجنحة أو مخالفة ، لأن ذلك منوطا بالمشرع ذاته ، أما المسائل المالية المتولدة من ارتكاب الجريمة فيجوز أن تكون محلا للتحكيم . (انظر الدكتور نبيل عمر ، مرجع سابق) .
وقد قضت محكمة النقض بأن : لا يجوز التحكيم بصدد تحديد مسئولية الجاني عن الجريمة الجنائية وإلا عد باطلا لمخالفته للنظام العام ، وإذ كانت المسألة المعروضة التي انصب عليها التحكيم ، وبالتالي كانت سببا للالتزام في السند إنما تتناول الجريمة في ذاتها وتستهدف تحديد المسئول عنها وهى من المسائل المتعلقة بالنظام العام ، فلا يجوز أن يرد الصلح عليها ، وبالتالي لا يصح أن تكون موضوعا التحكيم باطلا لعدم التحكيم ، وهو ما يستتبع أن يكون الالتزام المثبت في السند باطلا لعدم مشروعية سببه . (نقض مدني 2/12/1980 ، مجموعة المكتب الفني ، سنة 31 رقم 369 ص1989) وبأنه "لا يجوز التحكيم بصدد تحديد مسئولية الجاني عن الجريمة الجنائية وإلا عد باطلا لمخالفته للنظام العام ، فإذا كان التحكيم قد انصب على جريمة القتل العمد ذاتها واستهدف تحديد المتهم بالقتل وثبوت الاتهام في حقه ، وأنها كانت سببا للإلزام بالمبلغ المحكوم به ، وإذا كانت هذه المسألة تتعلق بالنظام لا يجوز أن يرد عليها الصلح ، وبالتالي لا يصح أن تكون موضوعا للتحكيم مما لازمه بطلان الالتزام الذي تضمنه حكم المحكمين لعدم مشروعية سببه . (نقض مدني الطعن رقم 795 لسنة 60ق جلسة 26/5/1996 ، مجموعة المكتب الفني السنة 47 ، ج1 ص863 قاعدة 162) .
وفي المجالات التي يتعلق فيها تحريك الدعوى العمومية على تقديم شكوى عن المجني عليه ، أو على إذن أو طلب جهة حكومية فإن الاتفاق على التحكيم يكون بمثابة تنازل عن الحق في الشكوى أو الطلب تنقضي به الدعوى العمومية (الجمال وعبد العال ص166) .
ومنازعات التنفيذ سواء كانت منازعات وقتية أو موضوعية لا يجوز أن تكون محلا للاتفاق على التحكيم ، حتى وإن كان التنفيذ الجبري متولد عن سند تنفيذي ناشئ عن نزاع في علاقة قانونية متفق على التحكيم بشأنها ، فلا يجوز إخضاع منازعات التنفيذ المتولدة من هذه العلاقة للتحكيم .
والعلة في هذا الاستبعاد ترجع الى رغبة المشرع في طرح هذه المنازعات على قضاء الدولة لحكمة يقدرها المشرع ، ويكون الاتفاق على التحكيم باطلا إذا كان محله منازعة لا يجوز إخضاعها اتفاقا للتحكيم .
وهو بطلان يتعلق بالنظام العام وإذا صدر حكم من هيئة التحكيم في مثل هذا النزاع كان الحكم باطلا لبنائه على اتفاق باطل ، كما لا يجوز إصدار أمر تنفيذ مثل هذا الحكم ويجوز رفع دعوى بطلان لإبطال هذا الحكم ، ومن الجائز أن يكون هذا البطلان منصبا على جزء فقط من الاتفاق على التحكيم لاشتماله في ذات الوقت على مسائل يجوز فيها التحكيم وأخرى لا يجوز فيها التحكيم ، إلا في الحالة التي يوجد فيها ارتباط بين الأجزاء فيبطل الاتفاق كله لعدم القابلية للتجزئة .
كما لا يجوز التحكيم بشأن المسائل المتعلقة بأعمال سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، فطبيعة الدولة ودستورها يجعلان الرقابة عليها داخلية متبادلة تمارسها كل سلطة على الأخرى ، فلا يجوز اللجوء الى التحكيم بصدد نزاع على دستورية القانون أو قانونية اللائحة أو صحة قرار إداري أو على إجراء من إجراءات التقاضي أمام المحاكم أورد أحد القضاة ، فهذه المسائل تتعلق بصميم نظام الدولة ولا يكون الفصل فيها إلا للدولة ، فلا يشمل التحكيم مسألة قانونية تشريع أو لائحة أو دستورية نص تثور بمناسبة نزاع معروض على التحكيم ، فهذه المسألة لا يفصل فيها سوى القضاء ، ولكن لا نرى ما يمنع إذا قدرت هيئة التحكيم جدية الادعاء بأن توقف دعوى التحكيم الى حين الفصل في مسألة الدستورية فهيئات التحكيم تدخل في إطار الهيئات ذات الاختصاص القضائي المنصوص عليهما في المادة 29/أ من قانون المحكمة الدستورية العليا .
وكذلك المسائل الخاصة بالجنسية باعتبارها تتعلق بالمواطنة ، وهى تمس سيادة الدولة على مواطنيها . (انظر البحث الجيد للدكتور حسام الدين الأهواني ، مجلة القضاة ص99 وما بعدها) .
كما لا يجوز الصلح على الضرائب والرسوم المستحقة ، ونظرا لأن هذه المسائل تتعلق بصميم نظام الدولة ، فلا يجوز الالتجاء الى التحكيم بصدد نزاع على استحقاق ضريبة معينة تفرضها الدولة ، أو على مقدار الضريبة المستحقة ، والرقابة على قرارات الإدارة بشأن الضرائب لا يخضع إلا للسلطة القضائية في الدولة . (الجمال وعبد العال ص164)