الاتفاق على التحكيم وصحته
في محاولة من جانب بعض الفقهاء لحل تلك المشكلة ، ذهب بداءة إلى القول بأن رفع دعوى أمام القضاء تتعلق بوجود الاتفاق على التحكيم وصحته لا يحول دون هيئة التحكيم والسير في إجراءات التحكيم وحتى طول الفترة التي يعرض فيها النزاع أمام القضاء ، كما يجب على القضاء أن يتيح الفرصة أمام هيئة التحكيم لتقول كلمتها في هذا الصدد أولا كشرط واجب تحققه قبل أن يتصدى لذلك الأمر ، فإذا حكمت بالاختصاص أمكن الطعن على ذلك الحكم أمام القضاء ، أما إذا قضت بعدم اختصاصها فلا توجد إذاً منازعة يمكن صرحها على القضاء . (دكتورة/ سامية راشد ، المرجع السابق ، ص66 ، ص343)
لكن تلك المحاولة بالرغم من وجاهتها لم تسلم من النقد ، لما لها من أثر سلبي على نطاق الرقابة القضائية في هذه المرحلة ، وذلك لأن القضاء يميل إلى تقرير صحة الاتفاق على التحكيم دون التيقن من ذلك ، متجنبا التصدي لتلك المسألة ، فيكفي التمسك أمامه بوجود اتفاق على التحكيم حتى يقضي بعدم اختصاصه ، أو عدم قبول الدعوى مؤخرا (د / هدى محمد مجدي عبد الرحمن ، المرجع السابق ، ص343 ، نقض مدني جلسة 27/2/1994 ، المكتب الفني ، الطعن رقم 52 لسنة 60ق)  إعمالا للمادة 13/1 من قانون التحكيم .الحالي . مع العلم أن إضفاء الرقابة القضائية على التحكيم في تلك المرحلة يحد من حالات بطلان أحكامه ، ويجنب الأطراف مشقة العودة إلى القضاء من جديد وما ينطوي على ذلك من ضياع للوقت وإسراف في النفقات . (د / هدى محمد مجدي عبد الرحمن ، المرجع السابق ، ص347) .
وبناء على ذلك ، يجب على القضاء عندما يعرض عليه نزاع للفصل في صحة اتفاق التحكيم ، سواء عن طريق دعوى مبتدأه بالبطلان أم في صورة دفع خصومة قائمة بالفعل ، أن يفصل في صحة الاتفاق ، ويستمر في نظر النزاع إذا ما تراءى له بطلان اتفاق التحكيم أو عدم قبليته للنفاذ ، تجنبا للسير في إجراءات مصيرها الحتمي إلى البطلان ، ورفض الاستمرار في نظره إذا تبين لح صحة الاتفاق . (منير عبد الجيد - هدى عبد الرحمن) .
وقد ذهب رأى نؤيده إلى أن بيان الجهة المختصة بالفصل في صحة الاتفاق على التحكيم أو وجوده ، يجب أن نفرق بين أمرين : الأول : حالة ما إذا عرض النزاع على هيئة التحكيم ، وفي هذه الحالة يجب عليها التصدي لتقرير مدى وجود أو صحة اتفاق التحكيم أولا بوصفه مسألة أولية يجب البت فيها قبل الفصل في الموضوع .. الأمر الثاني : وهو حالة إذا ما عرض النزاع على القضاء ابتداء ، وطلب منه التخلي عن النزاع لهيئة التحكيم ، لوجود اتفاق على التحكيم - شرط أم مشارطة - هنا يجب عليه أيضا التعرض لوجود صحة الاتفاق لبيان بطلانه من عدمه ، وذلك استنادا إلى الشق الأخير من الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 ، والتي تعد جزءا لا يتجزأ من القانون المصري ، بعد أن صدقت مصر عليها ، حيث أوجبت على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل لاتفاق الأطراف بشأنه على التحكيم ، أن يحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم الى التحكيم ، ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل ولا أثر له أو غير قابل للتطبيق ، خلافا للمادة 13 من قانون التحكيم الحالي التي تلزم القضاء بعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيم ، وخلافا لأحكام القضاء التي تقضي بذلك ، باعتبار أن الاتفاقيات الدولية لها أولوية التطبيق على القوانين العادية ، ويؤيد صحة ما تقول نص المادة الأولى من الباب الأول لقانون التحكيم المصري الحالي ، حيث نصت على أنه " مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم .... الخ" ، لذا فإننا نناشد مشرعنا المصري أن يعدل أحكام المادة 13 من قانون التحكيم المصري الحالي لكى تتوافق أحكامه مع نصوص الاتفاقية ، وان يقتصر العمل بها على المرحلة التي تلي الفصل في صحة الاتفاق من عدمه ، كذلك الشأن إذا كانت إجراءات التحكيم قد بدأت بالفعل ورفعت نفس الدعوى أمام القضاء في أى وقت للفصل في مدى صحة اتفاق التحكيم أو وجوده ، يجب على هيئة التحكيم أن توقف السير في إجراءات التحكيم حتى تقول المحكمة كلمتها في هذا الصدد ، باعتبار أن ذلك مسألة أولية يلزم الفصل فيها أولا وتجنبا للسير في إجراءات مصيرها الحتمي البطلان .
والأمر لا يختلف عن سابقه إذا استحال تنفيذ شرط التحكيم استحالة مطلقة ، في هذه الحالة أيضا يجب إهدار شرط التحكيم ، ويعرض النزاع على القضاء باعتباره الأصيل في الفصل في المنازعات .
فالاتفاق على التحكيم لا يعني نزول المحتكم عن حقه في الالتجاء إلى القضاء ، لأن هذا الأخير حق مقدس يتعلق بالنظام العام ، وإنما يقتصر على مجرد إحلال المحكم محل المحكمة في نظر النزاع ، بحيث إذا لم ينفذ الاتفاق على التحكيم لأى سبب من الأسباب عادت سلطة الحكم إلى المحكمة . (أبو الوفاء ، المرجع السابق ص17) .
أخيرا ، يمكننا القول بأنه إذا لم يتمسك الخصم بوجود اتفاق التحكيم ، استمر القضاء في نظر الدعوى رغم صحة الاتفاق ، ولا يملك المحكم سوى إنهاء الإجراءات التي قد بدأت أمامه . (راجع في ما سبق البحث الجيد للدكتور / صالح جاد عبد الرحمن المنزلاوي ، مجلة القضاة ص47 وما بعدها) .
وقد قضت محكمة النقض بأن : إبداء الطاعن طلبا بإجراء المقاصة القضائية بين ما هو مستحق له وما قد يحكم به عليه في الدعوى الأصلية . عدم دفع المطعون ضدهما بعدم قبول هذا الطلب لوجود شرط التحكيم إلا بعد إبداء دفاعهما الموضوعي . أثره . سقوط حقهما في التمسك بالشرط . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضاؤه بعدم قبول الدعوى الفرعية لقيام الشرط وعدم سقوطه . مخالفة للقانون وخطأ في تطبيقه وقصور مبطل . (الطعن رقم 1466 لسنة 70ق جلسة 30/1/2001) وبأنه " لما كان الثابت في الأوراق أن الطاعن أبدى طلبا عارضا بجلسة 10/12/1991 بإجراء المقاصة القضائية بين ما هو مستحق له من مبالغ في ذمة المطعون ضدها الأولى ، وما قد يحكم به في الدعوى الأصلية وأن وكيل المطعون ضدهما قدم مذكرة بدفاعهما في جلسة 31/12/1991 لمي دفع فيها بعدم قبول هذا الطلب لوجود شرط التحكيم ، فقضت المحكمة في ............. بقبول الطلب شكلا وباستجواب الطرفين ، فتم استجوابهما في جلسة .......... في بعض نقاط الدعوى ، وفي جلسة ......... حضر وكيل المطعون ضدهما وطلب حجز الدعوى للحكم دون أية إشارة إلى ذلك الدفع ، وبعد أن ندبت المحكمة خبيرا في الدعوى أبدا المطعون ضدهما دفاعهما الموضوعي أمامه ولم يتمسكا بإعمال شرط التحكيم إلا بعد إيداع التقرير ، من ثم فإن حقهما في التمسك بشرط التحكيم يكون قد سقط لإثارته متأخرا بعد الكلام في الموضوع . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى في الدعوى الفرعية بعدم قبولها لقيام ذلك الشرط وعدم سقوطه ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه . وإذ حجبه هذه الخطأ عن بحث موضوع الدعوى الفرعية فإنه قضى عما تدم يكون مشوبا بقصور يبطله . (الطعن رقم 1466 لسنة 70ق جلسة 30/1/2001) .
î         وإذا لم يثبت اتفاق على التحكيم يترتب عليه اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى بصفته صاحب الولاية أصلا بنظر الدعوى .
وقد قضت محكمة النقض بأن : صيرورة الشركة الطاعنة من عداد شركات قطاع الأعمال . ق203 لسنة 1991 . مؤداه . انحسار بنظر دعوى الضمان الفرعية المقامة بينها وبين شركة التأمين المطعون ضدها الرابعة عن هيئات التحكيم الإجباري . علة ذلك . استرداد القضاء العادي ولايته في نظر الدعوى إذا لم يثبت حصول اتفاق على التحكيم . م40 ق203 لسنة 1991 . (الطعن رقم 3492 لسنة 62ق جلسة 23/3/2000) وبأنه " إذ كان النزاع في دعوى الضمان الفرعية قائما بين الشركة الطاعنة والتي أصبحت منذ 19/7/1991 تاريخ العمل بقانون شركات قطاع الأعمال الصدر برقم 203 لسنة 1991 وقبل صدور الحكم المطعون فيه من عداد هذه الشركات وبين شركة التأمين المطعون ضدها الرابعة وهى من شركات القطاع العام ، فإن اختصاص هيئات التحكيم المنصوص عليها في القانون رقم 97 لسنة 1983 . ينحسر عنها باعتبار أن الطاعنة أحد طرفى النزاع لم تعد من الجهات المبينة في المادة 56 من القانون 97 لسنة 1983 فيسترد القضاء العادي ولايته في نظر هذه الدعوى إذا لم يثبت حصول اتفاق على التحكيم والذي أجازته المادة 40 من قانون شركات قطاع الأعمال المشار إليه وأوردت أحكامه الأمر الذي كان يوجب على محكمة الاستئناف إلغاء الحكم المستأنف الصادر في شأن دعوى الضمان الفرعية وإعادة هذه الدعوى الى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بتأييد الحكم الابتدائي بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر دعوى الضمان الفرعية فإنه يكون قد خالف القانون " (الطعن رقم 3492 لسنة 64ق جلسة 23/3/2000) .