جريمة التحريض على ارتكاب الجرائم
المضرة بأمن الدولة
 
تنص المادة (82 " أ " ) من قانون العقوبات على أنه "كل من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد (77 ، 77أ ، 77ب ، 77ج ، 77د ، 77هـ ، 78 ، 78أ ، 78ب ، 78جـ ، 78د ، 78هـ ، 80) من هذا القانون ولم يترتب على تحريضه أثر يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو بالسجن" .
المادة 82 (أ) هي مادة جديدة رؤى استهداؤها لعقاب التحريض على ارتكاب الجنايات ذات الخطر الشديد مما نص عليه ذلك الباب إذا لم يترتب على التحريض أثر فتوازن بذلك مع المادة 95 في باب الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الداخل والتي تعاقب على التحريض العقيم على ارتكاب الجنايات المرسومة بالخطر مما نص عليه الباب المذكور . (المذكرة الإيضاحية)
•        أركان هذه الجريمة :
لهذه الجريمة ركنان الأول مادي والثاني أدبي وهما على الترتيب التالي :
•        الركن المادي :  فعل التحريض
التحريض هو حمل شخص وإرهاق عزمه على ارتكاب الجريمة والتحريض بهذا التعريف لا يختلف في أساسه القانوني عن التحريض المعتبر وسيلة من وساءل الاشتراك م40 عقوبات إلا في أن الجريمة لا تقع نتيجة التحريض إذ هو عند تخلف وقوع الجريمة لا يخلو من الخطورة التي رأى الشارع أن يقرر لها بذاتها عقابا باعتبار التحريض في هذه الصورة جريمة خاصة وحتى ينال بهذا العقاب كان من يدفع غيره ويرهق إرادته على ارتكاب جرائم الخيانة والتجسس ويتكاتم مع من حرضه أمر الجريمة فينأى جانبه عن الشبهة أمنا لنفسه من المسئولية ولما كان الاشتراك في الجريمة بحسب القواعد العامة يستلزم وقوع الجريمة نتيجة التحريض فقد خرج  الشارع عن هذا الأصل فجعل من التحريض في المادة (82 أ) جريمة خاصة وجاء بالنص بعبارة ولم يترتب على تحريضها أثر وقد انتقدت هذه العبارة من جانب فقهاء القانون .
ولا أهمية لجنسية المحرض أو من تلقى التحريض فسواء كان أيهما مواطنا أو أجنبيا منتميا إلى دولة معادية فإن المحرض يكون مسئولا عن التحريض الذي يصدر منه .
ويجب أن يكون موضوع التحريض جناية من الجنايات المذكورة بأرقامها في النص : فالمادة 77 تنص على جريمة إتيان عمل يمس استقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها .
والمادة 77 (أ) تنص على أن جريمة الالتحاق بالقوات المسلحة لدولة معادية تحارب مصر .
والمادة 77 (ب) تنص على جريمة السعي لدى دولة أجنبية أو تخابر معها أو مع من يعمل لمصلحتها بأعمال عدائية ضد مصر .
والمادة 77 (ج) تنص على جريمة السعي لدى دولة أجنبية معادية أو التخابر معها لمعاونتها في عملياتها الحربية أو للإضرار بالعمليات الحربية لجيش الجمهورية .
والمادة 77 (د) تنص على السعي أو التخابر للإضرار بمركز الجمهورية الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي وعلى إتلاف أو إخفاء أو تزوير الأوراق المتعلقة بأمن الدولة أو مصلحة من المصالح القومية .
والمادة 77 (هـ) تنص على تعمد من كلف بالمفاوضة مع حكومة أجنبية في شأن من شئون الدولة وإجراؤها ضد مصلحتها.
والمادة (78) تنص على الرشوة بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية .
والمادة 78 (أ) تنص على جريمة التدخل لمصلحة العدو في تدبير لإضعاف روح القوات المسلحة أو قوة المقاومة عند الشعب .
والمادة 78 (ب) تنص على تحريض الجند في زمن الحرب للانضمام إلى دولة أجنبية وعلى جمع الجند والأموال والمؤن والعتاد .
والمادة 78(ج) تنص على تسهيل دخول العدو في البلاد وتسليم المدن ومعدات الدفاع .
والمادة 78 (د) تنص على إعانة العدو أو أداء خدمة لقواته للحصول على منفعة أو فائدة أو اعد بذلك لنفسه أو لغيره.
والمادة 78 (هـ) تنص على إتلاف وتعطيل معدات الدفاع وإساءة صنعها أو إصلاحها .
والمادة (80) تنص على تسليم أسرار الدفاع عن البلاد وعن إفشائها والحصول عليها بقصد تسليمها إلى دولة أجنبية أو لشخص يعمل لمصلحتها وكذلك إتلاف هذه الأسرار أو جعلها غير صالحة للانتفاع بها .
وهذه الجنايات كلها من جنايات الخيانة المعاقب عليها بأشد العقوبات المقررة في القانون والاعتداء بها هو اعتداء على شخصية الدولة دون الأفراد وقد تقدم شرح أركان كل جريمة فيها فيما سبق .
ومجرد التحريض على جناية من هذه الجنايات معاقب عليه كجريمة خاصة وقد يقع التحريض لارتكاب جناية واحدة أو أكثر من جناية من الجنايات المشار إليها في النص ويجب ألا يتعدى التحريض تلك الجنايات المخصوصة إلى غيرها إلا باعتبار التحريض اشتراكا معاقبا عليه طبقا للقواعد العامة ويشترط أن تقع الجريمة والتحريض هنا بوصف كونه جريمة خاصة أو استثناء من هذه القواعد وتقرير هذا الاستثناء لا يكون إلا بنص .
ويجب أن يكون من شأن التحريض أن ينفعل به صدر المحرض (بالفتح) وأن يرمي المحرض إلى هذه الغاية بحيث لو حدث أن وقعت الجريمة موضوع التحريض فإنما يكون وقوعها راجعا إلى إرادة مشتركة بين طرفي التحريض .
ولم يستلزم الشارع في التحريض يتحقق أثره أو نتيجته التي أرادها المحرض في صورة الجريمة التامة أو الشروع فيها لم يستلزم الشارع هذا الشرط بل نص على عقاب الجاني ولو لم يترتب على تحريضه نتيجة ، فإذا وقعت الجريمة فعلا كان المحرض شريكا فيما وقع معاقبا بمقتضى حكم المادة 41 من قانون العقوبات وتكون عقوبته أشد لأنها هي المقررة للجريمة الأصلية التي وقعت .
ويجب أن يكون التحريض مباشرا صريحا والتحريض المباشر هو الذي تتعين فيه الجريمة ومن شأنه أن يوجه المحرض إلى فعلها إما التحريض الذي لا تحديد للجريمة فيه والذي يتجه إلى سياق مطلق إلى إثارة النفوس وبث الاضطراب والحقد بشأن عمل أو نظام لا يدخل في نوع ما تنص عليه المادة 82أ وهذا التحريض المطلق أو العام هو تحرض مباشر ومثالة التحريض العلني المنصوص عليه في المادة 171 ولابد فيه من وقوع الجريمة – جناية أو جنحة فإذا وقعت بعد المحرض شريكا في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها (م171 و 41ع) فإذا كان وقوعه نتيجة محتملة لهذا التحريض أمكن تطبيق المادة 43ع .
ولا يستلزم أن يقع التحريض بوسيلة من وسائل العلانية لأن النص خلا من الشرط ولم يعين الشارع وسيلة التحريض المعاقب عليها بالمادة 82 أ وعلى ذلك فقد يحصل التحريض بأي طريقة من الطرق المشافهة وبالكتابة والرسوم الرمزية حتى أن مجرد النص المتضمن الحض على ارتكاب الجريمة بعد تحريضها متى توافرت فيه عناصره القانونية .
•        الركن الثاني : القصد الجنائي
القصد الجنائي في هذه الجريمة هو قصد عام ويكفي فيه أن يعلم المحرض أن فعله محرم قانونا وهذا يستفاد من طبيعة التحريض وفحواه بأن يكون الجاني مدركا أن من شأن هذا التحريض الذي يلقيه أن تنبعث له إرادة المحرض (بالفتح) وتتولد عنده حالة استعداد لتنفيذ ما حرض على ارتكابه ، وهذا تدل عليه ظروف التحريض وعبارته ولا يهم بعد ذلك أن يكون المحرض قد أراد تنفيذ الجريمة في تاريخ أو وقت أو علق تنفيذها على شرط أو حصول أمر ولا يهم كذلك كيفية ارتكابها ومكانه لأن التحريض بذاته قد افترض الشارع خطورته في أحوال نص عليها .
ولا عبرة بالبواعث في كل ذلك ولا يسمع من الجاني تبري فعله بأنه كان حسن النية وقد يتكرر التحريض في أزمنة مختلفة فيفسر قصد الجاني ويؤكده وأن نيته اتجهت إلى توجيه من حرضه إلى تنفيذ ما حرض عليه ، فإذا وقع التحريض عن عدة جرائم مما نصت عليه المادة 82أ كان ذلك صورة من صور تعدد الجرائم التي تسري عليها المادة 32 من قانون العقوبات . (راجع في كل ما سبق ، المرجع السابق المستشار محمود إسماعيل)
•        العقوبة :
والعقاب المفوض للتحريض المنصوص عليه في المادة 82أ هو السن المشدد أو الشجن أما إذا وقعت جريمة عد المحرض شريكا وقد تصل عقوبته إلى الإعدام في بعض الجرائم المشار إليها في النص ويستحق عقوبة الجريمة عملا بالمادة 41 من قانون العقوبات .