تنص المادة (80 " ب ") من قانون العقوبات على أنه  "يعاقب بالسجن كل موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة أفشى سرا من أسرار الدفاع عن البلاد ، وتكون العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب ".
والمفروض في هذه المادة وقد جاءت مباشرة بعد المادة 80 (أ) أنها تعاقب على إفشاء لسر من أسرار الدفاع إلى من يصدق عليه وصف الدولة الأجنبية أو عامل مصلحتها ، وإلا توافرت الجناية المنصوص عليها في المادة 80 والمقررة لها عقوبة الإعدام .
ومن ثم فإن ما يميز الجناية التي نحن بصددها هو خصيصتان . الأولى أنها جناية فاعل خاص بمعنى أن هناك ظرفا مفترضا فيها هو صفة معينة في مرتكبها الذي يلزم أن يكون موظفا عاما أو شخصا ذا صفة نيابية عامة أو مكلفا بخدمة عامة ، والخصيصة الثانية هي أن يفشي هذا الجاني السر إلى شخص غير جائز له العلم بالسر ، سواء أكان الجاني نفسه قد توصل إلى السر دون حق ، أو كان السر معهودا به إليه ، أو كان قد توصل إلى علمه دون سعي منه إلى ذلك .
وإذا وقعت هذه الجناية في زمن الحرب ، اعتبر ذلك يشدد عقابها من السجن إلى الأشغال الشاقة .
ويصدق على الجناية كافة ما ذكرناه في صدد الركن المادي والركن المعنوي للإفشاء ولاسيما قصد الإفشاء أي انصراف الإرادة إليه ، إذ لا يكفي لوجود الجناية تفشي السر بسبب الإهمال أو عدم الاحتياط ، كما يصدق عليها ما ذكرناه في صدد أسرار الدفاع وأنواعها وتعدادها لأنها تكون موضوع سلوك الإفشاء حتى في هذا المقام . (الدكتور رمسيس بهنام ،مرجع سابق)
جناية إذاعة أخبار كاذبة أو مثيرة أثناء الحرب
 
تنص المادة (80 " ج ") من قانون العقوبات على أنه  "يعاقب بالسجن كل من أذاع عمدا في زمن الحرب أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو عمد إلى دعاية مثيرة وكان من شأن ذلك كله إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الجلد في الأمة .
وتكون العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة إذا ارتكبت الجريمة نتيجة التخابر مع دولة أجنبية .
وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إذا ارتكبت الجريمة نتيجة التخابر مع دولة معادية ".
المادة 80 (جـ) – تقابل المادة 80 رابعة من التشريع القائم وتعاقب المادة الجديدة على إذاعة الأخبار والإشاعات الكاذبة أو الدعايات المثيرة في زمن الحرب إذا كان من شأنها إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة أو إضعاف الجلد في الأمة . وقد اقتبس نصها من المادة 143 من مشروع لجنة تعديل قانون العقوبات .
وقد رئي تغليظ العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة إذا كانت الجريمة نتيجة تخابر الجاني مع دولة أجنبية وإلى الأشغال الشاقة المؤبدة إذا كان التخابر مع دولة معادية وجرى المشروع في ذلك على هدى القانون الإيطالي في المادة 265" (المذكرة الإيضاحية)
•        أركان هذه الجريمة :
•        ولهذه الجريمة ثلاثة أركان :
الأول إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة مغرضة أو القيام بدعاية مثيرة في زمن الحرب . الثاني أن يكون من شاء ذلك إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة . أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الجلد في الأمة . الثالث القصد الجنائي . وهم على الترتيب التالي :
والركن الأول هو إذاعة الأخبار والبيانات أو الإشاعات الكاذبة أو القيام بدعاية مثيرة وهو الركن المادي من أركان الجريمة وإذاعة الأخبار أو البيانات أو الإشاعات هي تداول روايتها وبثها بين الناس .
وتتم هذه الإذاعة بأية كيفية وعلى أية صورة ولم يشترط الشارع لها شرط العلانية ونبه إلى ذلك في المذكرة الإيضاحية بقوله (ولا شأن للوسيلة التي تتبع في إذاعة الأخبار ..... الخ في الحالتين في وجود الجريمة . فلا يشترط مثلا أن تكون الإذاعة بطريقة من الطرق المنصوص عليها في المادة 171 من قانون العقوبات)
والإذاعة تقتضي أن يتوافر الخبر والنبأ فينقله بعض الناس إلى بعض . أو يعلمه فريق منهم في وقت واحد . كما إذا أذيع عليهم مجتمعين بوسيلة أو بأخرى . كأن يقوم الجاني بنقل الخبر الكاذب إلى كل من وجده أو صادفه حتى يستفيض الخبر . ويعرفه عدد ملحوظ من الأفراد . ولو كانوا في بلد واحد أو في مكان واحد ويعتبر ذلك إذاعة ولو لم يبلغ الخبر علم كافة الناس .
ولكن لا يعتبر إذاعة أن يقص شخص خبرا أو بيانا كاذبا في مجلس خاص ذلك بأنه لابد أن يترامى الخبر إلى عدد كبير من الأفراد لا تربطهم صلة بعضهم ببعض وكذلك لا يعتبر الاستطراد في مناقشة علنية إذاعة بالمعنى المستفاد من النص فقد يضطر الشخص إلى أن يقول في وحدة النقاش . أو ما لا يستطيع أن يراد لسانه عن ذكره ذلك في سبيل إقحام خصمه والمجادلة عن نفسه .
ولا يستلزم القانون وسيلة معينة تحصل فيها إذاعة الأخبار أو البيانات أو الإشاعات الكاذبة أو تذاع بها الدعاية المثيرة وأن كان قد استلزم أن يمتد أثر الإذاعة لعدد ملحوظ أكثره من أفراد الجمهور . فيستوي في الإذاعة أن تكون بالمقالات أو الخطب في صورتها نقد أو تنديد بالكتابة أو شفويا . وباستخدام محطات الإذاعة خفية كانت أو ظاهرة وبالسينما الناطقة والاسطوانات والأشرطة الصوتية وغير ذلك من الطرق التي تستعمل في إذاعة الأخبار .
وفي الدعاية المثيرة قد يستخدم الرسم أو التصوير للتعبير عن فكرة أو معنى مخصص تستهدف به إثارة من يضطلع عليه .
وأكثر وسائل الإذاعة أو الدعاية الخطابة أو النشر في الصحف والخطابة أشد خطرا وأقوى أثرا من النشر . لأنها تؤثر مباشرة في نفوس السامعين وتقترن في أغلب الأحيان بحركات الخطيب وإشارته وهي ذات معان لا تخفي علي الجمهور . وتنتقل الدعاية ممن سمعوها إلى غيرهم . ون هؤلاء إلى غيرهم حتى تنتشر هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن القراءة ليست ميسورة لكل أحد وليس كل واحد يجيد القراءة أو يعرفها وليس كل من يقرأ مكتوبا يقف على ما فيه أو يفهمه كما أراد كاتبه .
على أن الإذاعة بطريق الصحف والنشرات شائعة الاستعمال أيضا . وهي ذات خطر كذلك خصوصا في هذا العصر الذي اشتد فيه تلهف الناس على قراءة الصحف والمجلات وهم يعرفون ما فيها من أخبار في فترة قصيرة أو في فترات متقاربة . والإذاعة بهذه الوسائل ظاهرة الخطورة وهذه الخطورة هي التي دعت الحكومات المختلفة إلى وضع رقابة على الأنباء ويختلف نطاق هذه الرقابة ضيقا أو اتساعا شدة أو تسامحا في مختلف الدول تبعا لنظريتها إلى نطاق حقها في السيادة وتمسكها بهذا الحق فمنها ما يبسط رقابته على كافة الأنباء خصوصا الخارجية منها قبل أن تذاع على الجمهور ومنها ما يقصر الرقابة على الأنباء التي تمس مصالح الدولة أو تضر بهذه المصالح . وعلى كل حال فقد أصبح متعارفا أن للدولة حقا أن تراقب الأخبار الداخلية والخارجية قبل إذاعتها . ويشتد تمسك الدول بهذا الحل وقت الحرب على الأخص . 
•        الأخبار والبيانات والإشاعات الكاذبة أو المغرضة :
والأخبار الكاذبة هي التي لا أصل لها أو التي طرأ عليها التحريف فإذا كان الخطر قد اختلط واقعة من الوقائع أو تشوه هذه الواقعة كلها أو جزء منها فيعتبر خبرا كاذبا . وكذلك إسناد واقعة أو أقوال إلى شخص دون أن تصدر عنه .
ولفظ خبر يقتضي أن يكون متعلقا بأمر قريب من جهة تصور حصوله . أي أن الواقعة تمت أو ستتم في وقت قصير من إذاعة نبئها . وعلى ذلك فالتنبؤ بما يكون في المستقبل البعيد لا يعتبر خبرا إلا أن يكون المعبر قد أسنده إلى أمر أو أمور حاضرة أو قريبة العهد بحيث تكون الصلة ملحوظة بينهما .
والبيانات هي المعلومات التي تروى عن أمر عرف الناس وقوعه إجمالا فيتناول البيان تفصيلات . كالبيانات التي تنشر عن سير الحرب البرية أو البحرية أو الجوية أو البيانات التي تتعلق بعجز محصول من المحاصيل الرئيسية في البلاد ونحو ذلك .
والإشاعات الكاذبة  هي رواية وقائع وترديدها بحيث ترتفع إلى الناس على أنها حدثت ولا حقيقة لها . وقد يصيف المشيع الخبر بأنه متردد على الألسنة ليؤكد مضمونه وهو مع ذلك مختلق لا صحة له .
والتعبير عن فكرة خاصة أو عن رأى شخص أو عقيدة خاصة ولا يراد به أن يصدقها للجمهور . لا يعتبر من قبيل الإخبار والبيانات أو الإشاعات ولا مسئولية عنها إذا شابها الكذب لأنها لا تعبر إلا عن رأي شخصي لقائلها أو لكاتبها . وقد يدل الفرق بين الجهر برأي خاص وبين الأخبار بواقعة من الوقائع ويمكن الاهتداء لحل الإشكال بالرجوع إلى التمييز بين الخبر الكاذب وبين الرأي الخاص إلى الملابسات التي تحيط بالواقعة والأثر الذي قد يتأثر به سامعها أو قارئها ولما كان الشارع اشترط أن يكون من شأن الأخبار أو البيانات أو الإشاعات أن تثير الفزع وتضعف الجلد . فإن من يخبر عن واقعة على أنها حدثت بالصورة التي رواها . وهي لم تحدث أصلا أمرا جرى على صورة معينة تزعج كل من يعلم بها . من يذيع ذلك لا يدع فرصة للجمهور للتحقق مما وقع أو للتفكير في صحته في حين أن من يستمع لرأي خاص لا يأبه له في الغالب ولا تنفعل عاطفته ولا يضطرب صدره ذلك الاضطراب الذي يصاحب إذاعة الأخبار أو البيانات أو الإشاعات الكاذبة التي يعاقب عليها والفرق دقيق يستلزم التأمل والفحص عن حقيقة الواقع .
ويجب أن تكون الأخبار والإشاعات والبيانات كاذبة أو مغرضة والكذب الذي يتطلبه القانون هو أن يكون الخبر ونحوه لا حقيقة له برمته وأن يروى محرفا بإضافة واقعية إليه . أو اقتطاع بعضه وفي ذلك تقول المذكرة الإيضاحية للقانون رقم40 لسنة1940 (وتشترط المادة 80 رابعة أن تكون الأخبار أو البيانات أو الإشاعات قد خلقت خلقا) أو حرفت عن معناها الحقيقي ولا يشترط ذلك في الدعاية المثيرة فإنها تنطوي بلا شك على نية الإضرار بالحكومة.
وعلى ذلك إذا كان الخبر صحيحا في ذاته . يرجع إلى واقعة حدثت فعلا ولم يكن من إذاعته مغرضا يريد إلهاب المشاعر . فإن هذا الخبر صحيح يكون غير معاقب على إذاعته . وقد يكون الخبر صحيحا ويتناوله من يذيعه بتعليق يمسخه أو يشوهه بما يغير من طبيعته ويعد الجاني في هذه الصورة أنه أذاع كذبا يؤاخذ عليه . لا بإرادة الخبر الصحيح ولكن لما علق به عليه . ويكن هذا التعليق بمثابة بيانات كاذبة تؤثر حتما في صحة الخبر الذي اقترنت به وتنسجه نسجا أخر مسبوغا بالكذب الذي يعاقب عليه القانون . والكذب الذي يدخل على خبر صحيح في الأصل ينزع عنه الحقيقة فلا يتلقاه الناس إلا بتلك الصورة المصطنعة التي أفرغ فيها .
ولسلطة الاتهام أن تستعين في إثبات كذب الخبر أو البيان بكافة طرق الإثبات ومنها القرائن وللمحكمة تقدير ذلك وتقديرها لصحة الخبر أو كذبه هو تقدير نهائي لا معقب عليه .
أما الأخبار المغرضة فهي التي يهدف بها مذيعها إلى إثارة الشعور وتحريك عواطف الكراهية أو الضجر عند الجمهور أو التي تسلمه إلى القلق والانزعاج ولا يستلزم الشارع في هذا النوع من الأخبار أن يكون مكذوبا . فقد يكون ما يذاع صحيحا في فحواه وإنما قصد مذيعه أن يميل بالإحساس العام إلى الاضطراب والفزع .
وقد كان مشروع النص القديم يزيد عبارة (أو مبالغا فيها) وصفا للأخبار وما إليها وقد حذفت هذه العبارة عند مناقشة النص في مجلس الشيوخ . والسبب في ذلك هو عدم تحديد مدى المبالغة وتعذر ضبط الحد الذي تصبح عنده المبالغة في الأخبار جريمة تستأهل العقاب .
والدعاية المثيرة هي حملة منظمة لإثارة النفوس وتهييجه حتى يتبدل رضا الجمهور سخطا وأمنه خوفا . وحتى يفقد الجمهور بهذه الدعاية الاتزان والهدوء . وقد قصر الشارع جريمة الدعاية المثيرة على زمن الحرب وما في حكمها وهي حالة قطع العلاقات السياسية .
والدعاية أسلوب بارع تذاع به الأنباء المثيرة على يد أفراد مدربين يستخدمون لهم ألسنتهم وأقلامهم ويختارون الأوقات العصيبة منتهزين فرصة تعطش الناس للوقوف على ما يجرى حيال الأزمات السياسية أو لمناسبة خلاف دولي استخدمت عقدته أو في إبان القتال .
والأصل في الدعاية أن تكون بطريقة منظمة وأن يكون لها قدر من الاستمرار ذلك بأن دعاية برنامج يدأب القائمون بها تنفيذه . وهم يبالون نشاطهم فلا يتركون للجمهور فرصة للتفكير أو التقدير ، بل يسعون لبث دعايتهم عند كل من يصادفونه وفي كل مكان استطاعوا أن ينفذوا بنشاطهم إليه . ولكن القانون لا يشترط تكرار أفعال الدعاية لأن الخطر من هذه الدعاية يتحقق من فعل واحد .
وقد أطلق الكتاب على الدعاية المثيرة ونشر الأخبار الكاذبة (حرب العصابات) وهي التي قال عنها وزير العدل في مجلس الشيوخ في سنة 1940 (أن المادة 80/4 وضعت لما يسمى حرب العصابات) والغرض منها ألفت في عضد الأمة وإضعاف الروح – المعنوية في البلاد وهي في عرف علماء النفس أقوى من أي سلاح أخر فلو قال شخص كيف تعيشون في الظلام أربع سنوات بنظام بطاقات الغذاء أو الملابس وظل يسعى بهذه الدعاية الخبيثة في كل مكان فإن ذلك يضر بالحالة النفسية للشعب . وهذا يحصل من أجنبيي خارج البلاد كما يحصل أيضا من وطني أو أجنبي داخل البلاد وكذلك يكون الحال بنشر أخبار كاذبة أو مغرضة عن طريق الإذاعة من محطات خفية أو من أفراد يتنقلون بين الشعب ويسمعون أفكاره .
وتحصيل الدعاية المثيرة بطرق عديدة كما هو الشأن بالنسبة إلى إذاعة الأخبار شفويا وبالكتابة والمقالات والخطب . ومن محطات الإذاعة وبالسينما الناطقة والأشرطة الصوتية وغير ذلك من الطرق التي تستخدم في نقل العبارات التي تلقي الرعب في قلوب الناس . أو تضر بالاستعدادات الحربية أو تضعف روح المقاومة في الأمة .
وأكثر ما تقع به الدعاية المثيرة النشر في الصحف المأمورة أو طبع النشرات والمنشورات .
ومن يقوم بدعاية مثيرة إنما يخاطب بما يدعو إليه نفوسا يرى فيها استعدادا للتحرك نحو الفتنة فيصيب عليها ما يزعجها ويبث فيها الاضطراب والتخاذل أو يحركها لمثل ذلك أن لم يأنس فيها ذلك الاستعداد . ويتذرع بهذه الدعاية إلى أن ينسج من الخيال أحيانا أمورا ووقائع يلبسها ثوب الحقيقة .
وكون الدعاية مثيرة كما هو مسألة تتعلق بوقائع الدعوى وقد يفيد في عرفة توافر وصف الآثار ظروف هذه الدعاية وملابساتها وموضوعها وجنسية الجاني . وعقلية الجمهور الذي أذيعت عليه ، كما يصح الاسترشاد بلغة المقال ومبني عباراته وتناسبها أو التطرف في أدائها وغير ذلك من العناصر التي يمكن الاسترشاد بها لمعرفة كون الدعاية مثيرة أو غير مثيرة ويشترط في الدعاية المعاقب عليها أن تكون مثيرة فالدعاية التي يقصد بها التهدئة أو الإصلاح لا عقاب عليها . لأنه ليس من شأن هذه الدعاية أن تثير الفزع بين الناس أو تضعف عندهم روح الجلد والمقاومة وقد قال وزير العدل عند مناقشة المادة 80 (رابعة) في مجلس الشيوخ (أنه لم يخطر ببال الحكومة في أحد الأيام أن تضيق من حرية الرأي أو أن تمنع أية دعاية ذات نفع للبلاد سواء كان ذلك بالخطابة أو الكتابة أو غيرهما) .
وإذاعة الأنباء الخاطئة يسير الحرب بين نفر من الأجانب تجمعهم وحدة الجنسية أو البيئة أو القرابة لا يعتبر دعاية بالمعنى المراد من النص لأن الشارع إنما أراد تجريم الدعاية المثيرة التي من شأنها إثارة الفزع وإضعاف الجلد في الأمة .
ولابد أن تقع الأفعال المنصوص عليها في المادة 80 في زمن الحرب كصريح النص وزمن الحرب هو الفترة التي يقوم فيها الصراع المسلح بين قوات الجيش في الدولتين المتعاديتين أو في الدول المتعادية . أو فترة العلاقات السياسية أو الفترة التي يحدق فيها خطر الحرب متى انتهت بوقوعها فعلا وكذلك فترة الهدنة التي توقف القتال بين المتحاربين .
والركن الثاني للجريمة المنصوص عليها في المادة 80ج هو أن يكون من شأن – الدعاية المثيرة لإلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الجلد في الأمة . وهذا الركن يجب توافره لقيام جريمة الإذاعة ولا يجزي عنه كون الخبر كاذبا أو مغرضا أو كون الدعاية مثيرة . بل أن الشارع اشترط شرطا أخر هو أن يكون إذاعة الأخبار الكاذبة أو المغرضة أو القيام في زمن الحرب أو ما في حكمها بدعاية مثيرة . اشترط الشارع أن يكون من شأن هذه الإذاعة والدعاية أما الإضرار بالاستعدادات الحربية أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الجلد في الأمة وهذا الشرط متعلق بالركن المادي للجريمة .
وقد أراد الشارع حماية الرأي العام من أخطار الأخبار الكاذبة أو المغرضة ومن الإضرار التي تحف بالدعاية المثيرة والرأي العام ه الذي يتركز فيه صدى الأمور العامة كما تنعكس فيه الحياة السياسية للدولة وهو الذي يبث الكراهية نحو وضع من الأوضاع لهذا جعله محترفو الدعاية مرجو الأخبار غير الصحيحة هدفا لنشاطهم يوجهون إليه عوامل الرعب والفزع .
والقانون لا يستلزم تحقق الخطر أو وقوع الضرر فعلا وكان ما نص عليه أن يكون من شأن إذاعة الأخبار الكاذبة ونحوها أن تلحق ضررا بالاستعدادات الحربية أو تلقي الرعب بين الناس أو تضعف المقاومة في الأمة . فيكفي في قيام المسئولية أن يكون الخطر ممكنا أو محتملا بالنظر إلى طبيعة الأخبار أو الإشاعات الكاذبة أو الدعاية المثيرة .
وللمحكمة سلطة تقديرية ما إذا كانت الدعاية أو إذاعة الأخبار الكاذبة قد بلغت درجة الخطورة التي جعل الشارع منها جريمة مستوجبة للعقاب .
والإضرار بالعمليات الحربية للقوات المسلحة يكون ببث الدعوة بين الجنود العاملين للسلاح في الميدان أو المتأهلين لمناجزة العدو . لإضعاف هممهم أو إفزاعهم وإلقاء بذور الفتنة بينهم . أو الدعاية التي تثير القائمين بهذه العمليات أو فريقا منهم وتدعوهم إلى الضجر والإخلال بواجباتهم العسكرية وكذلك إذاعة الأخبار الكاذبة المغرضة للضباط والجنود لتنفيرهم من القتال أو من تنفيذ ما أمروا به لمواجهة العدو والفرق منه يستوي في ذلك أن تكون القوات البرية أو بحرية أو جوية ، مثاله من يذيع على رجال القوات الجوية المكلفة بمهاجمة مواقع أو نقط يرابط عندها العدو أنه متأهب للقائهم بطائرات لا حصر لها وبأسلحة شديدة الفتك فأبوا القيام بواجباتهم إلا أن تزاد لهم عدد الطائرات المخصصة لهذه العملية أو أن يعاونهم فريق من القوات البرية من يفعل ذلك يكون فعله من شأنه أن يضر بعملية من العمليات الحربية المنوط تنفيذها بالسلاح الجوي .
وقد يصعب في بعض الأحيان استظهار هذا الركن من أركان الجريمة واستخلاصه من الوقائع وليس مرد ذلك إلى سوء قصد الجاني أي إلى الناحية الشخصية إذ لا يكفي أن يكون الجاني معتقدا أن من شأن ما أذاعه إثارة الفزع أو إضعاف الجلد ، لا يكفي ذلك لأن الشارع في المادة 80جـ نظرا إلى طبيعة ما يذاع . وهل هو بذاته وعباراته مؤثر في الروح المعنوية فيضعفها أو ليس فيه من القوة ما يحدث هذا التأثير .
والمقياس في ذلك مادي بالنظر إلى الخبر الكاذب أو الدعاية ونحوها في ذاتها ومن جهة من يتلقونها من أفراد الجمهور وهذا يقتضي عقلية هذا الجمهور وثقافته وطاقة الاحتمال عنده وخبرته والظروف التي تمت فيها الجريمة وغير ذلك من الأمور التي يمكن منها الوقوف على طبيعة الدعاية وهل من شأنها أن تلحق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو تثير الفزع بين الناس أو تضعف الجلد في الأمة .
وإلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية هو عرقلة سير هذه الاستعدادات أو إضعافها كمن يتولى دعاية من شأنها أن تصرف العمال في المصانع الحربية وفي غيرها من المؤسسات التي يتصل نشاطها بشئون الدفاع عن عملهم أو أن يحض الناس على الهياج والثورة وقت الحرب .
والإضرار بالعمليات الحربية للقوات المسلحة يكون ببث الدعوة بين الجنود الحاملين للسلاح في الميدان أو المتأهلين لمناجزة العدو لتثبيط هممهم أو إفزاعهم وإلقاء بذور الفتنة بينهم أو الدعاية التي تثير القائمين بهذه العمليات أو فريقا منهم وتدعوهم إلى الضجر والإخلال بواجباتهم العسكرية وكذلك إذاعة الأخبار الكاذبة المغرضة لتغيير الضباط أو الجنود لتنفيرهم من القتال أو من تنفيذ ما أمروا به لمواجهة العدو والفرق منه يستوي في كل ذلك أن تكون القوات برية أو بحرية أو جوية مقالة من يذيع على رجال القوات الجوية المكلفة بمهاجمة موقع أو نقطة يرابط عندها العدو أنه متأهب للقائهم بطائرات لا حصر لها وبأسلحة شديدة الفتك فأبوا القيام بواجبهم إلا أن تزاد لهم عدد الطائرات المخصصة لهذه العملية أو أن يعاونهم فريق من القوات البرية من يفعل ذلك يكون فعله من شأنه أن يضر بعملية من العمليات الحربية المنوط تنفيذها بالسلاح الجوي .
وإثارة الفزع بين الناس هو تخويفهم بما يزح نفوسهم وتضطرب له أفئدتهم كالأخبار المكذوبة التي تذاع عند تقدم العدو نحو البلاد أو داخلها أو أن طائراته تنشر غازا مسموما لا سبيل على الوقاية منه . ونحو ذلك مما يشيع الفزع بين الناس .
أما إضعاف الجلد في الأمة وهو تعبير غير دقيق فالمراد به إضعاف الروح المقاومة في الأمة وهي تواجه عدوها .
والدول الأجنبية تستخدم في الدعاية لصالحها خصوصا في إبان الحرب . الصحف وبعض المشتغلين بالسياسة أو المحترفين للدعاية ، وهي تبذل لإغرائهم بالمال وتقدم الإرشادات غير أنه ليس بلازم في قيام الجريمة المنصوص عليها في المادة 80ج أن يثبت وجود مثل هذا النشاط من جانب الدولة الأجنبية أو بعبارة أخرى ليس بشرط أن تكون هي المحركة للدعاية لأن هذا الاتصال أن وقع كانت الجريمة تخابر مما تعاقب عليه المادة 77د من قانون العقوبات وإذا توافرت أركان هذه الجريمة الأخيرة كانت هي التي يجب تطبيق عقوبتها عملا بالمادة 32/2ع وقد اعتبر الشارع ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة 80جـ نتيجة التخابر مع دولة أجنبية أو معادية ظرفا مشددا .
والركن الثالث القصد الجنائي : في هذه الجريمة قصد خاص ، هو نية الإضرار بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد ، أو نية إثارة الفزع بين الناس ، أو إضعاف الجلد في الأمة .
          وقد طال الجدل أو المناقشة حول نص المادة 80 (رابعة) في مجلس البرلمان واقترح بعض الأعضاء تعديل صيغة المادة حتى لا يكون هناك ليس في طبيعة القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون لهذه الجريمة ، ولكن النص بقي على صيغته الأولى التي قدم بها ، اكتفاء ببيان وزير العدل من أن القصد الذي يستلزمه القانون للجريمة هو القصد الخاص ومع ملاحظة أن صيغة النص الجديد لم يغير من الصيغة القديمة إلا بعض ألفاظها .
          ولابد في إذاعة الأخبار الكاذبة ، أو القيام بدعاية مثيرة أن يتوافر لد ى الجاني سوء القصد أي أن يكون ارتكاب الفعل بنية الإضرار ، فلا يكفي أن يكون الجاني عالما بكذب الخبر أو بأن الدعاية مثيرة ، بل يجب أن يكون أيضا قد انتوى الأضرار أخذا بما أسفرت عنه مناقشة النص بمجلس النواب والشيوخ على ما سلف بيانه ، وهذه النية الخاصة رغم عدم التعبير عنها صراحة في صيغة المادة ، فإنها مستفادة من الشروط التي اشترطها الشارع للعقاب ، فلا بد أن يعلم الجاني بكذب الخبر أو بأن الدعاية مثيرة ، ويجب فوق ذلك أن تتوجه إرادته إلى إذاعة الخبر الكاذب على الجمهور وهو مدرك ما سعى أن ينجم عن هذه الإذاعة من خطر ، ومدرك لشأن هذه الإذاعة وأنه قد ينشأ عنها ضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد ، أو إثارة الفزع وإلقاء الرعب بين الناس ، أو إضعاف الجلد في الأمة .
          وليس من عناصر القصد الجنائي أن يثبت الجاني عندما أذاع الخبر عمدا ،أو تعمد الدعاية كان يقصد إحداث ضرر فعلي ، وقد سبقت الإشارة إلى أن القانون إنما يعاقب على احتمال حصول الضرر ، وعلى ذلك لا يقبل من الجاني اعتذاره بأنه ما كان يتوقع حصول ضرر من الإذاعة ولكن إذا تبين أنه كان من المستحيل على الجاني أن يعلم مقدما بأن ما أذاعه يحدث الأثر الذي يجرمه القانون فإن القصد الجنائي ينعدم ، وهذا لا يكون إلا إذا كان ما أذاعه ليس من طبيعته ولا من شأنه أن يحقق هذا الأثر على أي حال .
          وبعبارة موجزة يتوافر القصد الخاص بعلم الجاني بكذب الخبر أو الإشاعة أو بأنها مغرضة ، أو بأن الدعاية مثيرة ، وبعلمه كذلك بأن من شأن ما أذاعه أنه يلحق الضرر بالاستعدادات أو العمليات الحربية أو يلقي الرعب أو يثير الفزع أو يضعف قوة المقاومة في الأمة .
•        حرية الرأي والقصد الجنائي :
حرية الرأي هي مكنة في الإنسان تؤهله لأن يترجم عن احساساته وعقيدته بشأن مسألة من المسائل التي تعنيه كفرد يعيش في مجتمع ، فكل إنسان حر في أن يظهر غضبه أو رضاه أو أن يبدي موافقته أو اعتراضه في المسائل العامة أو الخاصة ، وأن يحبذ أو نتقد فكرة رأيا أو مبدأ من المبادئ ، وذلك في حدود القانون .
فحرية الرأي فضيلة ومبدأ أساسي مقدس من مبادئ الديمقراطية ، يرمي دائما إلى الخير ، ويهيئ لاستقرار المصالح العامة ، فإذا تجاوز الرأي هذا الرفض وأصبح دعوة إلى الفوضى والرذيلة والدنيء من الأمور ، فإنه لا يكون عندئذ فضيلة ولا يعد من قبيل الرأي الحر .
وإذا خرج المرء في تعبيره أو عند أداء فكرته عن حسن القصد وإرادة – الخير والبعد عن الغرض ، وأبدى ما لا يعتقد صدقة ، أو أراد خداع الناس والميل بهم إلى جانب الشر ، فإنه لا يكون صاحب رأي يكفل القانون حريته ، وإنما يكون الغرض الفاسد قد استبعد رأيه ومسح عقيدته ، ويجعله مسئولا إذا وقعت منه جريمة من جرائم الرأي أو التحريض الإجرامي أو الدعاية التي يحرمها القانون وعلى أساس ذلك يتحصل التمييز بين ما يعتبر من حرية الرأي وبين ما لا يعتبر ، فعندما يصبح الرأي الذي يعلن للناس أذى يتسلط عليهم ويؤثر في سلوكهم ويحملهم على الإضرار بالغير ، فإن القانون يتدخل بجسمه ورد أذاه ، ولا مشاحة في أن الدعاية المثيرة التي يعاقب عليها القانون هي بمنأى عن المعنى المستفاد من حرية الرأي ، ودائرة القانون الجنائي في الدول الديموقراطية لا تحيط إلا بعدد محدود من جرائم الرأي ، نظر الشارع فيها إلى وجوب صيانة العلاقات والأنظمة الاجتماعية والمصالح العامة ، وفيما عدا ذلك يجب أن تكون حرية الرأي مكفولة تامة ، وأحد مظاهر هذه الكفالة يتمثل في سلامة تطبيق القانون على هذه الجرائم .
رقابة محكمة النقض : ولمحكمة النقض أن تبسط رقابتها على تفسير محكمة الموضوع لعبارات – الأخبار والبيانات والإشاعات الكاذبة أو المغرضة ، وأن تنقضي معاني تلك العبارات ومراميها ، وهل من شأنها كما ورد أن تحدث الأثر الذي نص عليه القانون .
ولما كان القصد الجنائي مسألة موضوعيه مردها إلى وقائع الدعوى وملابساتها ، فإن قاضي الموضوع يستقل بالفصل فيها نهائيا غير أنه إذا كانت محكمة الموضوع قد برأت المتهم لحسن نيته ، فيجب أن يبين الحكم الأسباب التي استظهرت منه المحكمة عدم توافر سوء القصد لدى الجاني وبنت عليها أنه كان حسن النية ، وإلا كان حكمها مشوبا بالقصور مما يستوجب نقضه .
•        العقوبة :
والعقاب المفروض لهذه الجريمة هو ما نصت عليه المادة 80جـ وهو السجن والسجن المشدد إذا كانت الجريمة قد وقعت نتيجة التخابر مع دولة أجنبية فإن كانت تلك الدولة الأجنبية دولة معادية كانت العقوبة السجن المؤبد.
•        التخابر كظرف مشدد في المادة 80جـ والتخابر كجريمة خاصة :
ويلاحظ أن التخابر بذاته جناية إذا توافرت عناصره القانونية عاقب عليها الشارع في المواد 77ب و 77جـ و 77د ، فإذا اجتمعت الجريمتان جريمة التخابر وجريمة إذاعة الأخبار أو الدعاية المثيرة وتوافر لكل منها عناصرها القانونية فلا يخلو الحال من أمرين أما أن يكون بين الجريمتين ارتباط الغرض فعندئذ لا يستحق الجاني سوى عقوبة واحدة إعمالا للمادة 32/2 من قانون العقوبات ، وقد لا يكون هناك ارتباط بين الجريمتين بحيث يمكن عد كل منها نشاطها إجراميا قائما بذاته ومنفصلا عن غيره لا تجمعه به رابطة فيسأل الجاني عن الجريمتين كل منهما على حدة لتعدد الأفعال التي ارتكبت (م33) .
ويلاحظ دائما أن القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في المادتين (77" ب " و 77 "ج") وهو قصد خاص يهدف فيه الجاني إلى غرض معين هو إما أم تقوم الدولة الأجنبية بأعمال عدائية ضد الجمهورية (77ب) أو أن ينوي بالتخابر مع الدولة المعادية معاونتها في عملياتها الحربية أو الإضرار بالعمليات الحربية لجيش الجمهورية (77جـ) أو أن يقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي – أو الإضرار بمصلحة قومية – (الفقرة الثالثة من المادة 77د) أو أن يكون من شأن التخابر الإضرار بمركز من هذه المراكز ولو لم يكن الجاني قاصدا هذا الضرر الذي يكون من شأن التخابر في ذاته (الفقرة الأولى من المادة 77د) فالتخابر في هذه الجرائم الثلاث ركن في كل منها ، لا مجرد ظرف مشدد للعقوبة ، ولكنه في المادة (80جـ) ظرف مشدد ، وتختلف درجة تغليظ العقاب بحسب كون التخابر مع دولة أجنبية أو مع دولة معادية . (راجع في التقسيم السابق المستشار محمود إسماعيل ، المرجع السابق)