جناية مباشرة أعمال تجارية منع رعايا
الدول المعادية أو المقيمين فيها
 
تنص المادة (79 " أ ") من قانون العقوبات على أنه  "يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه كل من باشر في زمن الحرب أعمالا تجارية أخرى بالذات أو بالواسطة مع رعايا بلد معد أو مع وكلاء هذا البلد أو مندوبيه أو ممثليه أيا كانت لإقامتهم أو مع هيئة أو مع فرد يقيم فيها .
ويحكم بمصادرة الأشياء محل الجريمة فإن لم تضبط يحكم على الجاني بغرامة إضافية تعادل قيمة هذه الأشياء" .
ويستفاد من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 112 لسنة 1957 أن محل التجريم في هذه المادة هو كل عمل تجاري من رعايا الدولة المعادية يخرج عن نطاق التصدير من صر إلى هذه الدولة أو الاستيراد منها إلى مصر ، أي يختلف عن الصورة التي تناولها بالعقاب المادة السابقة وهذا ما عنته المادة حين أشارت إلى من يباشر في زمن الحرب أعمالا تجارية " أخرى " .
فمن قبيل هذه الأعمال التجارية الدخول في عقود تجارية من أي نوع مع رعايا الدولة المعادية أو وكلائها أو مندوبيها أو ممثليها ولو كانوا مقيمين في الخارج ، أو مع أشخاص مقيمين في هذه الدولة المعادية أيا كانت جنسيتهم . ومثال ذلك الوساطة في تصدير بضائع من دولة أجنبية إلى الدولة المعادية لمصر . أو من هذه الدولة المعدية إلى دولة لأجنبية ، فيكون مفهوما أن مصر لا يتخذ إقليمها مسرحا لتلك الأعمال التجارية الجارية مع عدوها .
ويستوي في مرتكب الجريمة أن يكون مصريا أو أن يكون أجنبيا وقد يباشر العمل التجاري بالذات أو بالواسطة . وواضح أن زمن الحرب من الملابسات المكونة للسلوك الإجرامي فيلزم أن يتخذ السلوك في هذا الزمن كي تتكون به الجريمة . وتتوافر الجريمة بمجرد إبرام عقد من العقود ولو لم ينفذ العقد ، وسواء أبرم في مصر أو في الخارج . وتعتبر الجريمة من الجرائم الشكلية ذات السلوك المنتهي ، ويبدو من استعمال المادة عبارة الأعمال التجارية بالجمع أن الجريمة من جرائم الحدث المتعدد .
والركن المعنوي للجريمة هو القصد الجنائي وبالتالي علم الجاني بأن تابا للدولة المعادية لمصر أو مندوبا أو ممثلا أو وكيلا لها أو مقيما فيها طرف في الأعمال التجارية التي يباشرها .
ورغم أن المفهوم أن البضائع والسلع موضوع الأعمال التجارية تصدر عن الدولة المعادية أو ترد إليها خارج مصر ، إلا أنه الجائز في طريق خروجها من تلك الدولة أو ورودها إليها أن تعبر النطاق البري أو البحري أو الجوي لمصر فتتا ح بذلك فرصة مصادرتها . (أنظر المذكرة الإيضاحية للقانون رقم112 لسنة1957)
ولذلك تقرر المادة كعقوبة تكميلية وجودية ، مصادرة الأشياء عن الجريمة ، وفي حالة عدم ضبطها الحكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها .
على أن الأعمال التجارية التي تختلف عن التصدير والاستيراد التي تكون موضوع المادة التي نحن بصددها ، أثار تحدديها بعض المشاكل في التطبيق العملي المادة المقابلة من قانون العقوبات الفرنسي (م 79/5) . ولاسيما لأنه في أثناء احتلال ألمانيا لأراضي الفرنسية حدثت أعمال تجارية بين القوات المسلحة الألمانية وبين القاطنين في الأراضي المحتلة   من الفرنسيين ومن الأجانب .
ولقد استقر الرأي هناك على أن الأجنبي لا يرتكب جريمة في مباشرته أعمالا تجارية مع عدو فرنسا إلا إذا كان مقيما في الأراضي الفرنسية . ففي هذه الحالة يستحق العقاب ولو كان من الأجانب المنتمين إلى دولة الاحتلال ، ويرتكب الفرنسي ولو كان في الخارج جريمة مباشرة أعمال تجارية مع عدو فرنسا ، وإذا عاد إلى فرنسا يعاقب على تلك الجريمة ولو لم تكن موضع عقاب في مكان ارتكابها خلافا للأصل في صدد شروط سريان القانون الجنائي على سلوك الموطنين وهو في الخارج . والواقع أن قانون العقوبات المصري نص هو الأخ على امتداد سلطانه إلى الجنايات المضرة بأمن الدولة والمرتكبة في الخارج دون أي قيد ، وسواء وقعت من مصري أم من أجنبي من وبغير اشتراط أن تكون محل عقاب كذلك في البد الذي ارتكبت فيه لو أنها وقعت من مصري (المادة 2/2 (ا)) .
وحكم في فرنسا بأن شراء الفرنسي زجاجات حبر وأقلاما من تاجر سويسري في زيوريخ مع العلم بأن هذه الزجاجات والأقلام من إنتاج العدو لا يعتبر مباشرة لأعمال تجارية مع العدو ، لأن الشراء مع أجنبي محايد لا مع أجنبي من رعايا الدولة المعادية أو مندوبيها أو ممثليها ولا من شخص مقيم في إقليم تلك الدولة .
وذهب الرأي إلى أن الفرنسي الذي يشتري سلعا من أجنبي محايد ومن إنتاج دولة محايدة لا يعتبر قد باشر عملا تجاريا مع العدو لمجرد أن تلك السلع الناتجة في دولة أجنبية محايدة اجتازت في طريقها إلى فرنسا أرض العدو ، وذلك لأن عقد نقل السلع عبر أراضي العدو لم يكن الفرنسي فيه طرفا .
كما استقر الرأي الفرنسي المقيم في الخارج المرتبط بعقد مع تابع الدولة المعادية كان قد أبرم قبل محاربة هذه الدولة لفرنسا ، لا يستطيع التحلل من التعقد وبالتالي لا يرتكب بتنفيذه جريمة لا سيما لأنه لو امتنع عن هذا التنفيذ لحكم عليه به من القضاء الأجنبي .
على أن مدلول الأعمال التجارية المحظور أن تباشر مع العدو في تحديده من الرجوع على القانون التجاري في تحديد عملا تجاريا ومالا يعتبر كذلك .
وبناء على ذلك فإن إبرام عقد إيجار مسكن مع أجنبي تابع للدولة المعادية ، أو عقد تأمين على حياته أو عقد زراعي ، لا يدخل في عداد الأعمال التجارية المحظورة وبالتالي لا يكون جريمة .
ولقد أثيرت في فرنسا وبلجيكا مشكلة البت في شأن تجار التجزئة وما إذا كان بيعهم سلعا لجنود جيش الاحتلال يعتبر من الأعمال التجارية المكونة للجريمة أم يعتبر كذلك ، وكذلك الحال بالنسبة لأصحاب المقاهي والمطاعم الذين يستقبلون أولئك الجنود . وقيل في هذا الصدد إنه لو كف الناس عن مداولة نشاطهم التجاري نفورا من التعامل مع العدو لاضطرب حالهم ولتوقفت حتى القطارات ومركبات الترام ، ولانقطع الفحم والغاز وتيار الكهرباء ، ولتعذر الإمداد بالغذاء ولحرم المواطنون أنفسهم من الأولويات الضرورية للحياة . وفضلا عن ذلك فإن اتخاذ الناس هذا الموقف من العدو قد يحدرهم إلى حال أسوأ بأن يجد العدو نفسه مضطرا إلى أن يقبض بذاته على الموارد ويتحكم في توزيعها بطريقة يضحى فيها بصالح المواطنين إشباعا لجشعه الجامح ، فتقع تبعة ذلك على أولئك الذين استثاروه متعللين بالوطنية بينما هي منهم براء . فإرضاء مطالب العدو في الحدود التي لا تضحي بالمواطنين والعمل على أن تظل حياتهم جارية مجراها بأقل قدر ممكن من الشقاء هو الوطنية بالمعنى الصحيح .
لذا استقر الفقه والقضاء على أن التجار والصناع وأصحاب المحال الذين يتعاملون مع رعايا العدو بأسلوب عادى لا محاباة فيه ولا مغالاة ، ولا يقعون تحت طائلة التجريم دعم مباشرتهم أعمالا تجارية مع العدو ، إذ يعتبر هنالك ثمة عرف في هذا المجال معطل لقاعدة التجريم ومانع من سريانها ، أما إذا عاملوا رعايا العدو بطريقة فيها تدليل متعمد ومحاباة ظاهرة وخروج حتى على القوانين الاقتصادية والتموينية وجشع فاضح ورغبة جامحة في الإثراء . انطبقت عليهم قاعدة التجريم تبعا لتجاوزهم المدى الذي جرى العرف على إباحة التعامل مع العدو في حدوده .
وبناء على ذلك حكم في فرنسا ببراءة زوجين يملكان محلا للعجائن والحلوى patisserie  من تهمة مباشرة أعمال تجارية مع العدو نسبت إليها بسبب ما درجا عليه من استقبل الجنود الألمان في محلها والحفاوة بهم . وجاء في الحكم الاستئنافي الصادر ببراءتهما أن ما ذكره في حقهما الحكم الابتدائي لم يكن كافيا لإدانتها .
وعلى العكس حكم بإدانة تاجره أهدرت القواعد التموينية في سبيل إرضاء الجنود الألمان وكانت تبيع لهم الزبد والبيض على خلاف هذه القواعد ، وظل أولئك يعودون إلى متجرها حتى بعد مغادرتهم لمكان وجوده ، تارة فرادى ، وتارة جماعات ، في النهار وفي الليل ، ليخرجوا منه بكميات ضخمة من السلع.
وعلى أية حال فإن الفرنسيين لم يجدوا بدلا من تدخل الدولة الفرنسية نفسها لتتناول بالتنظيم الأعمال التجارية مع رعايا العدو وتحدد ما هو محظور من صورها حتى أن المادة 79/5 من قانون العقوبات الفرنسي تستلزم للعقاب على تلك الأعمال أن يجري القيام بالمخالفة للنواهي المقررة au mépris des prohibitiors edictées
كما أن المادة 115 من قانون العقوبات البلجيكي يستفاد منها أن الأعمال التجارية المحظورة على المقيمين في أراضي تحتلها قوات العدو هي تلك الأعمال التي تجمع للعدو المواد الأولية والمنتجات والأغذية والحيوانات ممكنة إياها من الاستحواذ على كميات ضخمة من موارد البلاد ، أو الأعمال التي تمده بمواد نافعة في سبيل تسليحه ، أو الأعمال التي يسعى أصحابها إليه في سبيل إجرائها معه ، سواء جرت تلك الأعمال من القائم بها بالذات أو عن طريق وسيط ، مواطنا كان هذا الوسيط أم أجنبيا .
ومن السوابق المصرية في هذا المجال الأمر العسكري رقم 5 لسنة1956  الخاص بالاتجار مع الرعايا البريطانيين والفرنسيين بالتدبير الخاصة بأموالهم . (راجع في كل ما سبق الدكتور رمسيس بهنام ، مرجع سابق)