جناية القيام بعمل عدائي ضد دولة أجنبية
 
تنص المادة (77" و" ) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بالسجن كل من قام بغير إذن من الحكومة بجمع الجند أو قام بعمل عدائي أخر ضد دولة أجنبية من شأنه تعريض الدولة المصرية لخطر الحرب أو قطع العلاقات السياسية .
فإذا ترتب على الفعل وقوع الحرب أو قطع العلاقات السياسية تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة ".
الركن المادي للجريمة المنصوص عليها في هذه المادة يتخذ إحدى صورتين هما جمع الجند ضد دولة أجنبية دون إذن من الحكومة والقيام بعمل عدائي أخر ضد تلك الدولة من شأنه تعريض مصر لخطر أن تعلن هذه الحرب عليها أو تقطع العلاقات السياسية معها .
ويستوي في الجاني أن يكون مصريا أو أجنبيا كما يستوي في الجنود يجرى جمعهم ضد الدولة الأجنبية أن يكونوا مصريين أو أجانب مدنين أو عسكريين . والمراد بجمع الجند ، توظيفهم لتشكيل قوة عسكرية ضد الدولة الأجنبية ، ويغلب أن يكون ذلك لحساب دولة أجنبية أخرى فيكون من شأن الفعل أن يثير استياء الدولة الأجنبية التي جمع الجنود لمحاربتها ، وأن يعرض مصر لخطر أن تعلن هذه الدولة الحرب عليها أو تقطع معها العلاقات السياسية . وتعتبر الجريمة واقعة من جامع الجند وحده وأما الجنود المجموعون فلا يعاقبون لأن الجريمة من جرائم الفاعل المتعدد وحيث يسكت القانون في هذه الجرائم عن ذكر عقوبة فاعل ما من الفعلة المتعددين يكون معنى ذلك عدم استحقاقه للعقاب .
أما العمل العدائي الأخر الذي يرتكب ضد الدولة الأجنبية ويكون من شأنه تعريض مصر للحرب من هذه الدولة أو لقطع العلاقات السياسية معها ، فهو كل سلوك مادي بحت يهدف إلى معاداتها . وقاضي الموضوع هو الذي يفصل فيما إذا كان السلوك المنسوب إلى المتهم من شأنه أن يعرض مصر لخطر الحرب من جانب الدولة المتخذ تجاهها هذا السلوك أو لخطر قطع العلاقات السياسية ، لأن العبارة الواردة في قاعدة التجريم لم تحدد على وجه الحصر ما هي صور السلوك التي يكون من شأنها ذلك .
ويمكن ضرب أمثلة لذلك بالأفعال المادية الآتية : تمزيق علم الدولة الأجنبية علانية ، القيام بعدوان على رئيس الدولة الأجنبية أثناء زيارته للبلاد أو على شخص سفيرها أو شعاراته أو على دار سفارتها ، وتنظيم حملة عسكرية ضدها والاستيلاء على سفينة من سفنها وارتكاب عدوان جماعي في إقليمها على مكاتبها وموظفيها . والمفروض أن يتم كل ذلك ، كما في جمع الجند ضد الدولة الأجنبية ، بدون إذن من الحكومة .
على أنه إذا لم يكن العمل العدائي ماديا بحتا ، واتخذ صورة سلوك عارض ذي مضمون نفسي كالإهانة القولية الموجهة إلى رئيس الدولة الأجنبية أو وزير من وزرائها وكالحملة الصحفية المنصبة عليها ، فإنه لا يتوافر به السلوك المقصود بالتجريم ، إذ لا يكون من شأنه حسب ما علمته التجارب أن تعلن الدولة الأجنبية الحرب بسببه أو تقطع العلاقات السياسية .
وتقوم الجريمة باتخاذ السلوك المتقدم على إحدى صورتيه ، ولو لم ينشأ منه ضرر ما في العلاقة بين مصر والدولة الأجنبية ولو لم يتشكل من جرائه حتى خطر هذا الضرر . وكون القانون يتطلب في ذلك السلوك أن يكون من شأنه تعريض مصر لخطر الحرب أو قطع العلاقات السياسية من جانب الدولة الأجنبية لا يعني ضرورة توافر هذا الخطر بالفعل في واقعة الاتهام كي يستحق العقاب ، مهما كان مثل الخطر ذاته ينتج في عدد ذي بال من أمثال الواقعة ذاتها . فالاعتبار الخير يدخل في الحكمة من التجريم لا في محل التجريم ذاته وبالتالي تندرج الجريمة التي نحن بصددها في عداد جرائم الحدث غير المؤذي أي أنه جريمة شكلية ، وتقع في حالة العمل العدائي تارة بسلوك منه وتارة بسلوك ممتد حسب الأسلوب الذي يستخدم في القيام بهذا العمل ، وتعتبر في حالة جمع الجند جريمة سلوك منته ، وفي الوقت ذاته جريمة حدث متعدد على اعتبار أنه لا يكفي لوقوعها توظيف جندي واحد وإنما يلزم توظيف عدة جنود .
وقد يتصادف في أعقاب جمع الجند أو وقوع العمل العدائي ضد الدولة الأجنبية أن تطلب عنه هذه الدولة تفسيرا فيجاب عليها باعتذار من أجله وينتهي الأمر فيما يتعلق بالعلاقة مع هذه الدولة إلى الاكتفاء بهذا الاعتذار ، ومع ذلك تعتبر الجريمة قد تحققت ويعاقب عليها الجاني دون أن يقبل تعلله بأنه لم تحدث حرب ولم تقطع العلاقات السياسية ، ولم يتشكل بالفعل حتى الخطر المنذر بذلك ، لأن الجريمة شكلية وليست جريمة ضرر ولا خطر .
غير أنه إذا ترتب على سلوك الجاني أن وقعت الحرب فعلا من جانب الدولة الأجنبية التي اتخذ هذا السلوك قبلها أو قطعت هذه الدولة بالفعل علاقتها السياسية مع مصر ، تغير وصف الجناية وعوقب عليها بالأشغال الشاقة المؤقتة بدلا من السجن . وعندئذ وفي إطار هذا الوصف تعتبر الجناية جريمة ضرر وبالتالي مادية لا شكلية . ويلزم في تلك الحالة أن تكون علاقة السببية قائمة بين وقوع الحرب أو قطع العلاقات السياسية وبين سلوك الجاني .
هذا والشروع غير متصور بالنسبة لجناية جمع الجند لأنها جريمة حدث متعدد فأما أن يتعدد بالقدر الكافي فتقع الجريمة كاملة وأما ألا يبلغ التعدد الكافي فلا تقع الجريمة أصلا . وإنما يختلف الأمر في جريمة العمل العدائي لأن الشروع فيها قابل لأن يتحقق على الصورة الموقوفة دون الصورة الخائبة وهناك أمر بديهي مستخلص من طبيعة الأمور رغم عدم ذكره صراحة هو أنه إذا تم جمع الجند أو وقع العمل العدائي في الخارج ضد دولة أجنبية لا يكون للدولة المصرية شأن به ولا يكون من شأنه التأثير في علاقتها بهذه الدولة ، ما لم يكن الجاني مصريا وفعل ذلك دون إذن المحكمة المصرية ، وعاد إلى مصر بغير أن يعاقب حيث ارتكب جريمته . وأما إذا لم يعد هذا المصري إلى مصر ولم يحاكم في الخارج غيابيا .
أما عن الركن المعنوي ، فإن الجريمة كما هو واضح عمدية ، ولا ينتفي القصد الجنائي فيها لدى الجاني اعتقاد هذا الأخير على خلاف الواقع وجود إذن من الحكومة بجمع الجند ضد الدولة الأجنبية أو القيام بعمل عدائي ضدها .
غاية الأمر أنه بالتطبيق للقواعد العامة ، إذا وجدت أسباب معقولة تبرر اعتقاد الجاني بوجود ذلك الإذن . قام هذا الاعتقاد مقام وجود الإذن بالفعل في إباحة الجريمة ونفي العقاب عليها . أما إذا لم تكن توجد أسباب معقولة تبرر لدى الجاني ذلك الاعتقاد الخاطئ ، فإن الجريمة تثبت في حقه عمدية وإن كان من الجائز تخفيف العقاب عليها .