الطعن فى الحكم للفساد فى الاستدلال
          لا يجوز للمحكمة أن تبدى رأيا فى دليل لم يعرض عليها لاحتمال أن يسفر هذا الدليل من أطلاعها على فحواه ومناقشة الدفاع له عن حقيقة قد يتغير بها وجه الرأى فى الدعوى ويجب على المحكمة أيضا عند فحصها الأوراق أن تستند فى حكمها على الأدلة السائغة التى تؤدى الى نتائج معقوله فلا يجوز مثلا عندما تتعرض المحكمة لرأى الخبير فى مسألة فنية بحتة ورأت عدم الأخذ بهذا التقرير ان تستند فى تغييره إلى أسباب فنية تحمله وهى لا تستطيع فى ذلك أن تحل محل الخبير فيها وعلى ذلك كان يجب عليها أن تستجلى الأمر عن طريق المختص فنيا أما وهى لم تفعل فإن حكمها يكون معيبا للفساد فى الاستدلال ومعيبا بالقصور .
وقد قضت محكمة النقض بأن : إذا كان الحكم لم يتعرض فيما تعرض له من الأوصاف التى أوردها التقرير الطبى الشرعى للجثة الى ما أثبته الطبيب من أن حلمتى الثديين غير بارزتين ، وأن الهالة حولهما فاتحة اللون ، وأن جدار البطن خالى من التشققات ومن عدم وجود خط أسمر بمنتصفه ، ولم  يشر كذلك الى ما أظهره التشريح من أن فتحة عنق الرحم مستديرة وملساء ما أغفل بذلك الإشارة الى هذه المشاهدات ، ولم  يستظهر ما يمكن أن يكون لها من أثر تمييز شخصية القتيلة ، ولم يتجه الى الكشف عن دلالتها وهل يصح أن تكون لامرأة متكررة الولادة كزوجة المتهم ، أم لا تكون بحيث يجدى النظر بعدئذ الى باقى ما ذكر من أوصاف ، وتقديرها ما يمكن أن يكون لها من أثر فى تمييز شخصية القتيلة صاحبة الجثة التى نازع الدفاع بالجلسة فى أنها الزوجة المدعى بقتلها  إذ كان ما تقدم فإن الحكم يكون فى تدليله على أن الجثة – التى سبق أن نست خطأ لامرأة على قيد الحياة – هى لزوجة المتهم قاصرا ومعيبا ويتعين لذلك نقضه. (نقض جنائى رقم 1660 لسنة 38ق جلسة 2/12/1958).وبأنه" من المقرر أنه ليس للمحكمة أن تبدى رأيا فى دليل لم يعرض عليها لاحتمال أن يسفر هذا الدليل من إطلاعها على فحواها ومناقشة الدفاع له عن حقيقة قد يتغير بها وجه الرأى فى الدعوى . ولما كانت المحكمة الاستئنافية حين قضت فى الدعوى قد اعتمدت ضمن ما اعتمدت عليه فى ثبوت الاتهام على تقرير خبير ليس له أصل ثابت فى الأوراق ، فإن حكمها يكون معيبا بالفساد فى الاستدلال بما يوجب نقضه والإحالة" .( نقض جنائى رقم 665 لسنة 43ق جلسة 15/10/1973). وبأنه" إذا كان الحكم المطعون فيه حين أورد الأدلة على الطاعنين قد اعتمد فيما اعتمد عليه فى الادانة على التقارير الطبية الشرعية مكتفيا بالإشارة الى نتائج تلك التقارير ، دون أن يبين مضمونها من وصف الإصابات وموضعها من جسم المجنى عليهما وكيفية حدوثها ، حتى يمكن التحقيق من مدى مواءمتها لأدلة الدعوى الأخرى وكان غير ظاهر من الحكم أن المحكمة حين استعرضت الدليل فى الدعوى كانت ملمة بهذا الدليل إلماماً شاملا يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الشامل الكافى الذى يدل على أنها قامت بما ينبغى عليها من تدقيق البحث لتعرف وجه الحقيقة ، مما لا تجد معه محكمة النقض مجالا لتبين صحة الحكم فساده . فإن الحكم يكون معيبا بما يستوجب نفضه" .(  نقض جنائى رقم 1859 لسنة 39ق جلسة 26/1/1970). وبأنه" متى كان يبين من الاطلاع على مدونات الحكم الابتدائى الذى اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه أنه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن المجنى عليه قد توفى على أثر تعاطيه حقنة تحتوى على مادة البنسلين كان الطاعن – وهو طبيب الادارة الصحية للشركة التى يعمل بها المجنى عليه – قد قرر علاجه بها ، وبعد أن أورد الحكم مضمون الأدلة التى أقام عليها قضاءه ودفاع الطاعن خلص الى عدة تقريرات تساند إليها فى إدانته للطاعن من بينها قوله " أن ما ذهب إليه الطبيب المتهم وأبدته فيه الممرضة التى تعمل تحت رئاسته من أن الحقنة التى توفى المجنى عليه من أجلها على أثرها هى الحقنة الثانية من بين الحقن الثلاث التى وصفها له لا يقبل عقلا ولا يمكن التسليم به لأنه طالما كان من المقطوع به ببساطة أن المجنى عليه المذكور مصاب بحساسية ضد مثل هذا العقار فإنه لا يتصور تعاطيه له لأول مرة دون أن يتعرض من جزاء ذلك لأية مضاعفات على نحو ما ادعاه الطبيب المتهم أثناء ملاقاته الموت فور تعاطيه له للمرة الثانية أو بعد ذلك بفترة وجيزة أقصاها عشر دقائق رغم كل محاولات اسعافه – لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم فى هذا الشأن يتعارض مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعى من أن الحساسية التى تنتج عن مادة البنسلين قد تحدث ولو كان قد تكرر الحقن بها لفترات طويلة سابقة  ، وأنه وإن كان الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المعارضة على بساط البحث وهى الخبير الأعلى فى كل ما تستطيع أن تفصل فيها بنفسها إلا أنها من المقرر أن متى تعرضت المحكمة لرأى الخبير فى مسألة فنية بحتة فإنه يتعين عليها أن تستند فى تغييره الى أسباب فنية تحمله وهى لا تستطيع فى ذلك أن تحل محل الخبير فيها ، لما كان ذلك ، فإن ما قال به الحكم على خلاف ما ورد بتقرير الطبيب الشرعى مجردا من سنده فى ذلك لا يكفى بذاته لاهدار هذا التقرير وما حواه من أسانيد فنية وكان خليقا بالمحكمة وقد داخلها الشك فى صحة هذا الرأى أن تستجلى الأمر عن طريق المختص فنيا أما وهى لم تفعل فإن حكمها – فضلا عن فساده فى الاستدلال – يكون معيبا بالقصور" .( نقض جنائى رقم 107 لسنة 43ق جلسة 26/3/1973).وبأنه" متى كان التقرير الطبى – على ما أورده الأمر المطعون فيه – جاء قاطعا فى أن ما صاحب الحادث من انفعال نفسانى ومجهود جسمانى قد أدى الى تنبيه العصب السمبساوى مما ألقى عبئا جسيما على حالة القلب والدورة الدموية التى كانت متوترة بالحالة المرضية المزمنة مما مهد وعجل بظهور نوبة هبوط القلب التى انتهت بالوفاة – وكان ما أورده الأمر من ذلك يكفى لبيان رابطة السببية خلافا لما ذهب اليه فى قضائه اعتمادا على ما ذكره التقرير الطبى من أن نوبة هبوط القلب كان يمكن أن تظهر ذاتيا إذ أن ما جاء بالتقرير الطبى فى هذا الخصوص لا يؤثر على ما أبرزه وقطع به من أن ما صاحب التعدى من انفعال نفسانى لدى المجنى عليها كان سببا مهد وعجل بحصول نوبة هبوط القلب التى انتهى بوفاتها ، مما جعل المتهم مسئولا عن تلك النتيجة التى كان من واجبه أن يتوقع حصولها . لما كان ذلك ، فإن الأمر المطعون فيه يكون معيبا بالفساد فى الاستدلال بما يبطله ويستوجب نقضه وأعادة القضية الى مستشار الاحالة لاحالتها الى محكمة جنايات الجيزة . (نقض جنائى رقم 604 لسنة 47ق جلسة 30/10/1977).