•        شروط تطبيق الحكم الخاص بالقوانين المؤقتة:
تطلبت الفقرة الرابعة من المادة الخامسة السابق بيانها شروطا معينة لتطبيق الاستثناء المتعلق بالتشريعات الجنائية المؤقتة، وهذه الشروط لا تخرج في الواقع عن شرطين هما: أن يتعلق الأمر بقانون مؤقت، وأن تكون إجراءات الدعوى ضد المتهم قد بدأت بالفعل، وسنبين فيما يلي المقصود بهذين الشرطين:
 (1) ماهية التشريعات المؤقتة:
التشريعات المؤقتة هى القوانين التي تصدر لتعاقب عن سلوك إجرامي معين خلال فترة معينة من الزمن، أى أنها تلك القوانين التي يتحدد فيها ميعاد نفاذها وتاريخ انتهاء العمل بها، دن أن يتطلب الأمر صدور قانون آخر بإلغائها.
ويدخل في عداد التشريعات المؤقتة بالمعنى السابق تلك التشريعات التي يكون من السهل التعرف على تاريخ انتهاء العمل بها مثل قوانين التسعيرة الخاصة بالسلع الموسمية كالفواكه والخضراوات، ولكن لا يندرج في نطاق هذه التشريعات تلك القوانين المتعلقة بالظروف الاستثنائية التي تتعرض لها بلد من البلاد، مثل التشريعات الخاصة بحالة الطوارئ التي تعلن عادة في حالات الحرب أو الاستعداد لها أو لمواجهة كوارث طبيعية أو وبائية أو أزمات اقتصادية عنيفة. (على راشد - المرجع السابق - نقض 10/10/1955 مجموعة أحكام محكمة النقض س16 ص1217)
وهذه القوانين الأخيرة التي تصدر لمجابهة تلك الأحوال الاستثنائية – وإن كانت مؤقتة بطبيعتها – غذ أن مدة العمل بها مرتبطة باستمرار تلك الأحوال، إلا أنه يصعب عادة التكهن بميعاد زوال هذه الظروف، ثم أنها تحتاج الى صدور قانون لإنهاء العمل بها.
ونعتقد أنه وإن كانت حكمة استثناء هذه التشريعات الاستثنائية من تطبيق أحكام الفقرتين الثانية والثالثة السابق شرحها واضحة، شأنها في ذلك شأن القوانين المؤقتة، فإن عدم تطبيق الحكم الخاص بالقوانين الأخيرة (الفقرة الرابعة) سيسمح بالتهرب من أحكامها وسيساعد الذين يرتكبون الجرائم المرتبطة بحالة الطوارئ قبل انتهائها بوقت قصير ألا يعاقبوا بالمرة في كثيرة من الأحيان، وقد تكون تلك الجرائم قد أضرت ضررا بليغا بأمن المجتمع وسلامته، ولكن الأمر يحتاج في نظرنا الى نص خاص يضيف القوانين الاستثنائية الى الفقرة الرابعة أسوة بما ذهب إليه المشرع الإيطالي كما سبق أن أوضحناه.
(2) أن تكون إجراءات الدعوى الجنائية قد بدأت بالفعل:
وتبدأ إجراءات الدعوى وفقا لما ذهبت إليه محكمة النقض عندنا بما تتخذه النيابة من أعمال التحقيق، إذ " لا تنعقد الخصومة ولا تتحرك الدعوى الجنائية إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها ن بوصفها سلة تحقيق سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأمورى الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم.(نقض 1/12/1969 مجموعة أحكام النقض س20 رقم 276 ص358)
فإذا لم تكن إجراءات الدعوى الجنائية قد بدأت بالفعل بالمعنى السابق بيانه، فإنه لا يجوز إقامة الدعوى من جديد بعد انتهاء فترة العمل بالقانون المؤقت، ذلك أن هذه الحالة لا تخضع للاستثناء الذي نحت بصدده لعدم توافر شرائطه، وتطبق عليها حينئذ أحكام الفقرات السابقة من المادة الخامسة.
والحكمة من اشتراط أن تكون إجراءات الدعوى قد بدأت بالفعل هو حث جهة الاختصاص على السعى السريع لتحريك الدعوى الجنائية بالنسبة لتلك القوانين المؤقتة حتى لا تضيع الحكمة من تدخل المشرع لتجريم بعض الأفعال بصورة مؤقتة.
وإذا كان القانون يشترط أن تكون إجراءات الدعوى قد بدأت بالفعل لتطبيق حكم الفقرة الرابعة فإنه يدخل في نطاقها كذلك ومن باب أولى الحالة التي يكون قد صدر فيها بالفعل حكم بالإدانة نهائيا كان أو غير نهائي.