مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك


مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماهدخول

القانون المصرى

محمد جمعه موسى للمحاماه *جمهوريه مصر العربيه - محافظه البحيره - رشيد *01005599621- 002-01227080958-002

descriptionعدم دستوريه العلم بالغش Emptyعدم دستوريه العلم بالغش

more_horiz
اولا:-

افتراض العلم بغش السلعة أو بفسادها لدى التاجر المتعامل فيها أمر فيه مغايرة واضحة قد تأخذ البريء بجريمة المسيء إذ أن من الجائز أن يكون هذا التاجر ضحية لهذا الغش لا مرتكبا له وتبرئة القضاء لنفر من غشاشى اللبن ما كانت تجيز افتراض العلم بغش السلعة أو فسادها لدى كل تاجر وبالنسبة لكل سلعة كما ذهب النص الجديد وأن كل ما استحدثه هو أن أعفى محكمة الموضوع من واجب التحدث عن ركن العلم واثبات توافره لدى المتهم متى كان مشتغلا بتجارة السلعة المضبوطة أو من الباعة المتجولين وذلك إذا لم يدفع المتهم بانتفاء العلم لديه . (الدكتور رؤوف عبيد - المرجع السابق) .
وهذا إحدى الانتقادات الذى وجهت للقانون السابق من افتراض العلم بالغش حتى قضى بعدم دستوريته ، فقد قضت المحكمة الدستورية بأن " حيث أن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة قدمت المدعى إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنح الساحل فى قضية الجنحة رقم 1201 لسنة 1994 بوصف انه فى يوم 20/11/1993 بدائرة الساحل عرض شيئا من أغذية الإنسان غير مطابق للمواصفات على النحو المبين بالأوراق ، وطلبت عقابه بالمواد 2/1 ، 7 ، 8 ، 9 من القانون 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش ، وكذلك مواد القانون 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها وبجلسة 23/3/1994 قضت محكمة جنح الساحل حضوريا بتغريم المدعى مائتى جنيه والمصادرة ، ونشر الحكم فى جريدتين واسعتى الانتشار . استأنف المدعى ذلك الحكم أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية فى قضية الجنحة المستأنفة رقم 6719 لسنة 1994 س شمال ، وبجلسة 23/6/1994 دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة الثانية من القانون 48 لسنة 1941 المشار إليه ، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه ، فقد صرحت له برفع دعواه بعدم الدستورية وحددت لنظر الدعوى الموضوعية جلسة 1/12/1944 فأقام الدعوى الماثلة وحيث أن المادة الثانية من القانون 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش المشار إليه - كانت تنص - قبل تعديلها بالقانون 281 لسنة 1994 على ما يأتى :
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .
1.من غش أو شرع فى أن يغش شيئا من أغذية الإنسان أو الحيوان أو العقاقير أو من الحاصلات الزراعية أو الطبيعية معدا للبيع أو من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئا من هذه الأغذية أو العقاقير أو الحاصلات مغشوشة أو فاسدة مع علمه بذلك .
ويفترض العلم بالغش أو الفساد إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة أو من الباعة الجائلين ، ما لم يثبت حسن نيته ، ومصدر الأشياء موضوع الجريمة .
وحيث أنه بتاريخ 29 من ديسمبر سنة 1994 نشر بالجريدة الرسمية القانون 281 لسنة 1994 بتعديل بعض أحكام القانون 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش مستعيضا على نص المادة الثانية السالف بيانها بالنص الآتى :
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات ، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ، ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه ، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر .
1.كل من غش أو شرع فى أن يغش شيئا من أغذية الإنسان أو الحيوان ، أو من العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو من الحاصلات الزراعية أو المنتجات الطبيعية أو من المنتجات الصناعية معد للبيع ، وكذلك كل من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئا من هذه الأغذية أو العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو الحاصلات ، أو منتجات مغشوشة كانت أو فاسدة ، أو انتهى تاريخ صلاحيتها مع علمه بذلك .
وحيث أن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا ، أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها ، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها ، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة ، ذلك أن الأصل فى القاعدة هو سريانها على الوقائع التى تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها ، فإذا استعين عنها بقاعدة قانونية جديدة ، سرت الواقعة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها ، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية ، وجهت آثارها خلال فترة نفاذها ، يظل محكوما بها وحدها .
وحيث أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، ذلك بأن يكون الفصل فى الطاعن الدستورية لازما للفصل فى النازع الموضوعى ، وكان جوهر الطعن ينصب على تحديد المكلف بحمل عبء الإثبات فى جريمة عرض شئ من أغذية الإنسان مغشوشة أو فاسدة مكن زاوية دستورية ، فإن الفقرة الثانية من البند (أ) من المادة الثانية المشار إليها قبل تعديلها بالقانون 281 لسنة 1994 آنف البيان - هى التى يتحدد بها الطعن بعدم الدستورية . وحيث أن المدعى ينعى على النص المطعون فيه أنه إذا أقام قرينة قانونية افترض بمقتضاها علم التاجر أو البائع الجائل بغش الأغذية التى يعرضها للبيع أو فسادها إذا لم يثبت حسن نيته ومصدر الأشياء موضوع الجريمة يكون قد خالف افتراض البراءة المنصوص عليه فى المادة 67 من الدستور . وحيث أن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد أطرد على أن الدستور هو القانون الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ، ويقرر الحريات والحقوق العامة ، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها ، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أى منها فى أعمال السلطة الأخرى ، أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها . وحيث أن الدستور اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وقف لأحكامه فنص فى المادة 86 منه على أن " يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ويقر السياسة العامة للدولة ، والخطة العامة للتنمية وذلك كله على الوجه المبين بالدستور " .
كما اختص السلطة القضائية بالفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور فنص فى المادة 65 منه على أن " السلطة القضائية مستقلة ، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون " وحيث ان اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين - طبقا للمادة 86 من الدستور - لا يخولها التدخل فى أعمال أسندها الدستور إلى السلطة القضائية وقصرها عليها ، وإلا كان افتئاتا على ولايتها ، وإخلالا بمبدأ الفصل بين مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية . وحيث أن الدستور عنى فى مادته السابعة والستين بضمان الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكتمل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشر التى تقرر أولهما أن لكل شخص حقا مكتملا ومتكافئا مع غيره ومنصفة تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه ، وترد ثانيهما فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية فى أن تفترض براءته إلى أن يثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه ، وهذه الفقرة هى التى تستمد منها المادة 67 من الدستور أصلها ، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية ، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوما للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة ، وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة وقواعد تنظيمها ، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها ، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية . كما أنها تعترف نطاق الاتهام الجنائى وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور فى المادة 41 منه بأنها من الحقوق الطبيعية التى يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه ، ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرا ضيقا إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطارا من الفرص المتكافئة ولأن نطاقها وان كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى وإنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر اكثر لزوما فى الدعوى الجنائية ، وذلك أيا كانت طبيعة الجريمة ، وبغض النظر عن درجة خطورتها .
وعلة ذلك أن إدانة المتهم بالجريمة إنما تعرضه لأخطر القيود على حريته الشخصية وأكثرها تهديدا لحقه فى الحياة ، وهى مخاطر لا سبيل إلى توقيعها إلا على ضوء ضمانات فعلية توازن بين حق الفرد فى الحرية من ناحية ، وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحه الأساسية من ناحية أخرى ، ويتحقق ذلك كلما كان الاتهام الجنائى معرفا بالتهمة مبينا طبيعتها ، مفصلا أدلتها وكافة العناصر المرتبطة بها وبمراعاة أن يكون الفصل فى هذا الاتهام عن طريق محكمة مستقلة محايدة ينشئها القانون ، وأن تجرى المحاكمة علنية - وخلال مدة معقولة وان تستند المحكمة فى قراراها بالإدانة إذا خلصت إليها - إلى تحقيق موضوعى أجرته بنفسها إلى عرض متجرد للحقائق إلى تقدير سائغ للمصالح المتنازعة ، وازنة  بالقسط الأدلة المتنابذة ، وتلك جميعها من الضمانات الجوهرية التى لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها ، ومن ثم كفلها الدستور فى المادة 67 منه وقرنها بضمانتين تعتبران من مقوماتها ، وتندرجان تحت مفهوما ، هما افتراض البراءة من ناحية ، وحق الدفاع لدحض الاتهام الجنائى من ناحية أخرى ، وهو حق عززته المادة 69 من الدستور بنصها على أن حق الدفاع بالإضافة أو بالوكالة مكفول .
وحيث ان الدستور يكفل للحقوق التى نص عليها فى صلبه ، الحماية العملية وليس من معطياتها النظرية وكان استيثاق المحكمة الجنائى تحقيقا لمفاهيم العدالة حتى فى أكثر الجرائم خطورة ، إنما هو ضمانة أولية بعدم المساس بالحرية الشخصية - التى كفلها الدستور لكل فرد - ببعض الوسائل القانونية المتوافقة مع أحكامه وكان افتراض براءة المتهم يمثل أصلا ثابتا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها ، وليس بنوع العقوبة المقررة لها ، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها فقد كان من الحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة ، وتتكون من جماعها عقيدتها ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها ، وان تقول هى وحدها كلمتها فيها وألا تفرض عليها أية جهة أخرى مفهوما محددا لدليل بعينه ، وأن يكون مرد الأمر دائما إلى ما استخلصته هى من وقائع الدعوى ، وحصلته من أوراقها غير مقيدة فى ذلك بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها . وحيث أنه على ضوء ما تقدم تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نظاما متكامل الملامح يتوخى بالأسس التى يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها ، وذلك انطلاقا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية ، ولضمان أن تتقيد السلطة التشريعية عند مباشرتها لمهمتها فى مجال فرض العقوبة صونا للنظام الاجتماعي ، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفا مقصودا لذاته أو أن تكون القواعد التى تمت محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة ، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها ، وهذه القواعد - وان كانت اجرائية فى الأصل - إلا أن تطبيقها فى مجال الدعوى الجنائية - وعلى امتداد مراحلها - يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية ، ويندرج تحتها اصل البراءة لقاعدة أولية تمليها الفطرة ، وتفرضها مبادئ الشريعة الإسلامية فى قوله عليه السلام " ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فأخلوا سبيله ، فإن الامام لأن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة " ، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها فى المادة 67 منه ، مؤكدا بمضمونها ما قررته المادة الحادية عشرة من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، والمادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان . حيث أن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد سواء كان مشتبها فيه أو منهما ، باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامى أقرتها الشرائع جميعها لا تتكفل بموجبها حماية المذنبين ، إنما لتدرأ بموجبها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة المنسوبة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للجريمة محل الاتهام ، ذلك أن الاتهام الجنائى ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دوما ، ولا يزايله سواء فى مرحلة ما قابل المحاكمة أو أثناءها وعلى امتداد حلقاتها ، وأيا كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها ولا سبيل بالتالى لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تبلغ قوتها الاقتناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة انتفاء التهمة ، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفذ طرق الطعن فيه ، وصار باتا .  وحيث أن افتراض البراءة لا يتمخض عن قرينة قانونية ، ولا هو من صورها ، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلى ممثلا فى الواقعة مصدر الحق المقضى به الى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها ، وهذه الواقعة البديلة هى التى يعتبر إثباتها إثباتا للواقعة الأولى بحكم القانون وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور ، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى وأقامها بديلا عنها .
Innocence is more propriy called an assumption as oppsed to a presumption : it dose not rest on any other proved facts, it is assumed.
وإنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها ، فقد ولد حرا مبرءا من الخطيئة أو المعصية ، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن اصل البراءة ، لازال كامنا فيه مصاحبا له فيما يأتيه من أفعال إلى أن تنقض المحكمة بقضاء جازم لا رجعة فيه هذا الافتراض ، على ضوء الأدلة التى تقديمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه فى كل ركن من أركانها وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه اذا كان متطلبا فيها وبغير ذلك لا يتهدم أصل البراءة إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل واضحة وضوح الحقيقة ذاتها تقتضيها الشرعية الإجرائية ويعتبر إنقاذها مفترضا أوليا لإدارة العدالة الجنائية ، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية ، يوفر من خلالها لكل فرد الأمن فى مواجهة التحكم والتسلط والتحامل بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشئها .
حيث أن النص المطعون فيه بعد أن أفصح عن أن جريمة غش الأغذية أو عرض أغذية مغشوشة أو فاسدة للبيع جريمة عمدية ، باشتراطه العلم بغش المادة موضوعها أو فسادها ، نص على أن هذا العلم يفترض فى جانب المشتغلين بالتجارة أو الباعة الجائلين ما لم يثبت المخالف حسن نيته ومصدر الأشياء موضوع الجريمة وبذلك أحل المشرع توافر صفة معينة فى المتهم مثل واقعة علمه بغش أو فساد ما يعرضه من أغذية ، منشئا بذلك قرينة قانونية يكون ثبوت الواقعة البديلة بموجبها ، دليلا على ثبوت واقعة العلم بغش أو فساد السلعة التى كان ينبغى أن تتولى النيابة العامة بنفسها مسئولية إثباتها فى إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لإسناد الجريمة بكامل أركانها إلى المتهم ، وبوجه خاص القصد الجنائى العام ممثلا فى إدارة إتيان الفعل ، مع العلم بالوقائع التى تعطيه دلالته الإجرامية . وحيث أن القرينة القانونية التى تضمنها النص المطعون فيه على النحو المتقدم لا تعتبر من القرائن القاطعة إذ الأصل فى القرائن القانونية بوجه عام هو جواز إثبات عكسها ولا تكون القرينة قاطعة إلا بنص خاص يقرر عدم جواز هدمها ، وقد التزم قانون قمع التدليس والغش الأصل العام فى القرائن القانونية بما قررته المذكرة الإيضاحية لكل من القانونين 80 لسنة 1961 ، 106 لسنة 1980 المعدلين له من أن " افتراض العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة أو من الباعة الجائلين ، ينفيه إثبات حسن النية ومصدر الأشياء موضوع الجريمة " ، وأنه من المسلمات أن إثبات حسن النية هو إثبات أن المتهم قد اتبع القواعد المقررة قانونا أو التى يجرى بها العرف التجارى فى التحقيق من أن الأشياء المضبوطة ليست مغشوشة أو فاسدة (اعتبارا بأن هذا الإثبات سهل على التجار الذين يراعون واجب الذمة فى معاملاتهم) .
وبذا أضحت النيابة العامة غير مكلفة بإقامة الدليل على هذا العلم ، وغدا نفيه عبئا ملقى على عاتق المتهم مثلما هو الشأن فى القرائن القانونية ، ذلك أن المشرع هو الذى تكفل باعتبار الواقعة المراد إثباتها ثابتة بقيام القرينة القانونية ، وأعفى النيابة العامة بالتالى من تقديم الدليل عليها إذ كان ذلك ، وكان الأصل فى القرائن القانونية بوجه عام هى أنها من عمل المشرع على التفصيل السابق إيراده وهو لا يؤسسها أو يحدد مضمونها إلا على ضوء ما يكون فى تقديره غالبا أو راجعا فى الحياة العملية ، وكانت القرينة القانونية التى تضمنها النص المطعون فيه - وهى بافتراض جواز إعمال القرائن القانونية فى المجال الجنائى - تنافى واقع الحياة العملية وما يتم فيها فى الأغلب ، وذلك أن هذه القرينة تتعلق ببضائع شتى متنوعة المصادر ، يجرى التعامل فيها عبر حلقات متعددة منذ خروجها من يد منتجيها أو جالبها إلى أن تصل يدى عارضها الأخير ويتم تداولها والتعامل فيها على امتداد حلقاتها هذه ، وبافتراض خضوعها لنظام الفحص والرقابة التى تفرضها التشريعات المختلفة ، وتقوم على تنفيذها الجهات الحكومية المختصة فى متابعتها سواء داخل مصادر إنتاجها المحلية أو قبل تجاوزها الدائرة الجمركية حال جلبها ولازم ما تقدم أن عدم إثبات عارض السلعة الغذائية وما يجرى مجراها لمصدرها ، لا يفيد بالضرورة علمه بغشها أو بفسادها ، كما أن تكليفه بإثبات حسن نيته باعتباره من المواطنين الشرفاء الذين يتعاملون فى تلك السلع وفق أصول المهنة ومقتضياتها ، لا يعدو أن يكون أمرا عسرا ومتميعا فى آن واحد ، ومن ثم لا ترشح الواقعة البديلة التى اختارها النص المطعون فيه ، وفى الأعم الأغلب من الأحوال لاعتبار واقعة العلم بغش السلعة أو فسادها ثابتة لحكم القانون ، ولا تربطها علاقة منطقية بها ، وتغدو هذه القرينة بالتالى مقحمة لإهدار افتراض البراءة ، ومفتقرة إلى أسسها الموضوعية ، ومجاوزة الضوابط المحاكمة المنطقية التى كفلها الدستور .
وحيث أنه لما كانت جريمة عرض أغذية مغشوشة أو فاسدة من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركنا فيها ، وكان الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها ، على ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها ، من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة ، وأن يكون هذا العلم يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا ، وكان الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوبتها - وعلى ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا - لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقيق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، وكان النص المطعون فيه قد حدد واقعة بذاتها جعل ثبوتها بالطريق المباشر دالا بطريق غير مباشر على العلم بالواقعة الإجرامية مقحما بذلك وجهة النظر التى ارتآها فى مسألة يعود الأمر فيها بصفة نهائية إلى محكمة الموضوع لاتصالها فى الاتهام الجنائى ، وهو تحقيق لا سلطان لسواها عليه ، ومآل إليه ما يسفر عنه إلى العقيدة التى تتكون لديها من جماع الأدلة المطروحة عليها ، إذا كان ذلك ، فإن المشرع إذا أعفى النيابة العامة - بالنص المطعون فيه - من إثباتها لواقعة بذاتها تتصل بالقصد الجنائى وتعتبر من عناصره هى واقعة علم المتهم بغش السلعة التى يعرضها أو فسادها ، حاجبا بذلك محكمة الموضوع عن تحقيقها وعن أن تقول كلمتها بشأنها ، بعد أن افترض النص المطعون عليه هذا العلم بقرينة لا محل لها ، وتقل عبء نفيه إلى المتهم فإن عمله هذا يعد انتحالا لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية ، وإخلالا بمبدأ الفصل بينها وبين السلطة التشريعية أو متناقضا كذلك لافتراض براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه فى كل وقائعها وعناصرها . وحيث أن افتراض براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه يقترن دائما من الناحية الدستورية - ولضمان فعاليته - بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع ، وتتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتا للجريمة ، والحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها ، ولما كان ذلك ، وكان النص المطعون عليه - وعن طريق القرينة القانونية التى افترض بها ثبوت القصد الجنائى - قد أخل بهذه الوسائل الإجرائية بأن جعل المتهم مواجها بواقعة إثباتها القرينة فى حقه بغير دليل ، ومكلفا بنفيها خلافا الأصل البراءة ومسقطا عملا كل قيمة أسبغها الدستور على هذا الأصل وكان النص المطعون فيه - وعلى ضوء ما تقدم جميعه - ينال من مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، ومن الحرية الشخصية كما يناقض افتراض البراءة ويخل بضوابط المحاكمة المنصفة ، وما تشتمل عليه من ضمان الحق فى الدفاع ، فإنه بذلك يكون مخالفا لأحكام المواد 2 ، 41 ، 67 ، 69 ، 86 ، 165 من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من البند (1) من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش قبل تعديلها بالقانون رقم 281 لسنة 1994 ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .(القضية رقم 31 لسنة 16ق جلسة 20/5/1995 - المحكمة الدستورية العليا) .
وقضت أيضا بأن : حيث أن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة ، كانت قد اتهمت محمد مصطفى الشريف فى القضية رقم 2685 جنح شبراخيت بأنه فى يوم 24 مارس 1994 ، بدائرة مركز شبراخيت ، عرض للبيع شيئا من أغذية الإنسان غير صالح للاستهلاك الآدمى على النحو المبين بالأوراق ، وطلبت عقابه بالمواد 2/1 ، 7 ، 8 ، 9 من القانون 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش وكذلك بالمواد 1 ، 2/1 ، 6/1 ، 18 من القانون 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها ، وبجلسة
 10/8/1994 قضت محكمة جنح شبراخيت حضوريا بتغريم المتهم مائة جنيه والمصادرة والنشر والمصاريف ، فاستأنف هذا الحكم ، وقضى غيابيا بجلسة
29/9/1994 بقبول الاستئناف شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف ، وإذ عارض المتهم فى ذلك الحكم أمام محكمة دمنهور الابتدائية (د/11) فى قضية النيابة العامة رقم 17126 لسنة 1994 جنح مستأنف دمنهور فقد أصدرت بجلسة 31/1/1995 ، وبعد ان تراءى لها أن البند (1) من المادة الثانية من القانون 48 لسنة 1941 ، وكذلك نص المادة 18 من القانون 10 لسنة 1966 لمشار إليهما ينطويان على افتراض علم المتهم بغش الأغذية أو فسادها بالنسبة إلى مستغلين بالاتجار فيها ، ويناقضان بالتالى افتراض البراءة المنصوص عليه فى المادة 67 من الدستور ، مما حملها على وقف الدعوى الجنائية المنظورة أمامها ، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية هذين النصين .
وحيث أنه فيما يتعلق بشق الدعوى الدستورية الخاص بالطعن بعدم دستورية نص البند (1) من المادة الثانية من القانون 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش ، فقد سبق أن تناولت المحكمة الدستورية العليا هذه المسألة عينها بحكمها الصادر فى 30 مايو سنة 1995 فى القضية رقم 31 لسنة 16 قضائية دستورية الذى قضى بعدم دستورية البند الأول من المادة الثانية من هذا القانون قبل تعديلها بالقانون 281 لسنة 1994 ، وإذ نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية فى 8 يونيو 1995 ، فإن الخصومة فى هذا الشق من الدعوى الدستورية تكون منتهية ، بعد أن حسمتها المحكمة الدستورية العليا بحكمها المشار إليه ، وهو حكم لا رجوع فيه ولا تعقيب عليه، بالنظر إلى الحجية المطلقة التى أسبغها المشرع على قضائها فى المسائل الدستورية ، ومن ثم تكون الخصومة منتهية فى هذا الشق من الدعوى الدستورية . وحيث أن النعى على المادة 18 من القانون 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها - وهى الشق الآخر من الدعوى الدستورية - مخالفتها للدستور ، فإن نصها يجرى كالآتى :
يعاقب من يخالف أحكام المواد 2 ، 10 ، 11 ، 12 ، 14 ، 14 مكررا والقرارات المنفذة لها بعقوبة المخالفة وذلك إذا كان المتهم حسن النية ، ويجب أن يقضى الحكم بمصادرة المواد الغذائية موضوع الجريمة . وحيث أن التنظيم التشريعى لمراقبة الأغذية وتنظيم تداولها ، يدل على ان صون صحة الإنسان ، كان دوما من أولى المهام التى تقوم عليها الدولة ، وفاء بالتزاماتها المنصوص عليها فى المادتين 16 ، 17 من الدستور ، ويندرج تحت ضمان خلو أغذيته من الأمراض والتقيد بمستوياتها الصحية ومواصفاتها ، ومن ثم حدد القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها ، الأحوال التى يكون فيها تداول الأغذية محظورا ، ذلك أن هذا القانون ن بعد أن نص فى مادته الأولى على أن بتداول الأغذية ، أية عملية أو أكثر من عمليات تصنيعها أو تحضيرها أو طرحها للبيع أو تخزينها أو نقلها أو تسلميها ، أردفها بالمادة الثانية التى حظر بموجبها تداول الأغذية فى أحوال بعينها ، هى :
1.إذا كانت غير مطابقة للمواصفات الواردة فى التشريعات النافذة .
2.إذا كانت غير صالحة للاستهلاك الآدمى .
3.إذا كانت مغشوشة .
وتقضى المادة الثالثة من هذا القانون ، بأن الأغذية تعتبر غير صالحة للاستهلاك الآدمى إذا كانت ضارة بالصحة أو كانت فاسدة أو تالفة ، وتعتر الأغذية ضارة بالصحة - وعملا بالمادة 4 من ذلك القانون - فى الأحوال الآتية : 
1.إذا كانت ملوثة بمكروبات أو طفيليات من شأنها إحداث المرض بالإنسان .
2.إذا كانت تحتوى على مواد سامة تحدث ضررا لصحة الإنسان إلا فى الحدود المقررة بالمادة 11 .
3.إذا تداولها شخص مريض بأحد الأمراض المعدية التى تنقل عدواها إلى الإنسان عن طريق الغذاء أو الشراب ، أو حامل لميكروباتها ، وكانت هذه الأغذية معرضة للتلوث .
4.إذا كانت ناتجة من حيوان مريض بأحد الأمراض التى تنتقل إلى الإنسان أو من حيوان نافق .
5.إذا امتزجت بالأتربة أو بالشوائب بنسبة تزيد على النسب المقررة ، أو كان يستحيل تنقيتها منها .
6.إذا احتوت على مواد ملوثة ، أو مواد حافظة ، أو أية مواد أخرى محظور استعمالها .
7.إذا كانت عبواتها أو لفائفها ، تحتوى على مواد ضارة بالصحة .
وتنص المادة (5) من هذا القانون ، على أن الأغذية تعتبر فاسدة أو ناقلة ، إذا تغير تركيبها أو خواصها الطبيعية من حيث طعمها أو رائحتها أو مظهرها نتيجة تحليلها كيماويا أو ميكروبيا ، وكذلك إذا انتهى التاريخ المحدد لاستعمالها أو احتوت على يرقات أو ديدان أو حشرات أو فضلات أو مخلفات حيوانية .
ويعتبر الغش متحققا فى الأغذية - وعملا بنص المادة (6) من القانون - إذا كانت غير مطابقة للمواصفات المقررة ، أو تم خلطها أو مزجها بمادة أخرى تغير من طبيعتها ، أو جودة صنفها ، أو بإبدال مادة تقل جودة عن تلك التى تدخل فى تركيبها أو يتعمد إخفاء فسادها أو تلفها أو بانتزاع أحد عناصرها سواء بصفة كلية أو جزئية ، أو باحتوائها على عناصر غذائية فاسدة ، نباتية كانت أم حيوانية ، وكذلك إذا كانت بيانات عبواتها مخالفة لحقيقة تركيبها مما يؤدى لخداع مستهلكها أو الإضرار به صحيا .
وحيث أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية ، لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، والمطروحة على محكمة الموضوع ، وكان الاتهام المثار فى الدعوى الجنائية يتعلق بقيام المتهم ببيع أغذية محظور تداولها ، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1966 المشار إليه ، هى التى تحدد الأحوال التى لا يجوز فيها تداول الأغذية سواء لفسادها أو تلفها ، أو الإضرار بالصحة العامة ، أو لقيام الدليل على غشها أو مخالفتها لمواصفاتها المقررة قانونا ، وكانت المادة 18 من هذا القانون التى أحالتها محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها ، تقضى بإيقاع عقوبة المخالفة على من يخالفون أحكام المواد 2 ، 10 ، 11 ، 12 ، 14 ، 14 مكررا منه ، وذلك إذا كان المتهم حسن النية ، فإن نطاق الطعن الماثل لا يمتد إلى كل الأحكام التى تحيل إليها المادة 18 من ذلك القانون ، بل يقتصر على مادة وحيدة من بينها ، هى مادته الثانية . وحيث أن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما ، فلا تتداخل الولايتان أو تتماسا ، ذلك أن الدستور ناط بالسلطة التشريعية سن القوانين وفقا لأحكامه ، فنص فى المادة 86 على أن " يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ، ويقر السياسة العامة للدولة ، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والموازنة العامة للدولة ، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور"
كذلك أسند الدستور إلى السلطة القضائية ولاية الفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور ، فنص فى المادة 165 على أن " السلطة القضائية مستقلة ، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ، وتصدر أحكامها وفقا القانون " . وحيث أن الدستور - فى اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ، ومتابعة خطاها ، والتقيد بمناهجها التقدمية - نص فى المادة 66 ، على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها ، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنا ماديا لا قوام لها بغيره ، يتمثل أساسا فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى ، مفصحا بذلك على أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء - فى زواجره ونواهيه - هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه ، إيجابيا كان هذا الفعل ام سلبيا ، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه ، محورها الأفعال ذاتها ، فى علاماتها الخارجية ، ومظاهرها الواقعية ، وخصائصها المادية ، إذ هى مناط التأثيم وعلته ، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها ، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض ، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها ، وتقدير العقوبة المناسبة لها ، بل أنه فى مجال تقدير توافر القصد الجنائى ، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعا واضحا ، ولكنها تجيل بصرها فيها ، ومنقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها ، ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية ، ولا يتصور بالتالى وفقا لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادة ، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم ، والنتائج التى أحدثا بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه .
A persons intent in any regard is to be inferred from his conduct and ordinarily can be proven only by circumstantial evidence regardless of whether intent is general or specefic, intent is provent to the trier of facts by the conduct of the actor which represents an objective, tangible manifistaion of behaviour assumed to be reflrction of his or hermental state.
ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التى يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته - تعتبر واقعة فى منطقة التجريم ، كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مؤاخذا عليه قانونا ، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها ، وتم التعبير عنها خارجيا فى صورة مادية لا تخطئها العين ، فليس ثمة جريمة . وحيث أن الدستور كفل فى مادته السابعة والستين ، الحق فى المحاكمة المنصفة . بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة التى تقرر أولهما : أن لكل شخص حقا مكتملا ومتكافئا مع غيره فى محاكمة علنية ، ومنصفة ، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة ، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية ، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه ، وترد ثانيهما : فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية ، فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه ، وهذه الفقرة هى التى تستمد منها المادة 67 من الدستور أصلها ، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية ، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوما للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة . وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة ، وقواعد تنظيمها ، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها ، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية ، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائي ، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور فى المادة 41 بأنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه ، ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرا ضيقا ، إذ هى ضمان مبدئي لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته أساسية ، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة ، ولأن نطاقها وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى ، وإنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية ، إلا أن كانت طبيعة الجريمة ، وبغض النظر عن درجة خطورتها . وحيث أن الدستور يكفل للحقوق التى نص عليها فى صلبه ، الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية ، وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة آنفة البيان - عند فصلها فى الاتهام الجنائى - تحقيقا لمفاهيم العدالة حتى فى أكثر الجرائم خطورة ، لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية - التى كفلها الدستور لكل مواطن - بغير الوسائل القانونية التى لا يرخص أحد فى التقيد بها ، أو النزول عنها ، وكان افتراض براءة المتهم ، يمثل أصلا ثابتا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها ، وليس بنوع العقوبة المقررة لها ، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها ، وعلى امتداد إجراءاتها ، فقد غدا من المحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة ، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة ، وتتكون من جماعها عقيدتها .
ولازم ذلك ، أن تطرح هذه الأدلة عليها ، وأن تقول هى وحدها كلمتها فيها ، وألا تفرض عليها أى جهة أخرى مفهوما محددا لدليل بعينه ، وأن يكون مرد الأمر دائما إلى ما استخلصته هى من وقائع الدعوى ، وحصلته من أوراقها ، غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها . وحيث أنه على ضوء ما تقدم ، تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نظاما متكامل الملامح ، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية ، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها ، وذلك انطلاقا من إيمان الأمم المتحضرة بحزمة الحياة الخاصة ، وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية ، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطانها فى مجال فرض العقوبة صونا للنظام الاجتماعي ، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية ، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفا مقصودا لذاته ، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها ، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة ، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية ، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها .
وهذه القواعد - وإن كانت إجرائية فى الأصل - إلا أن تطبيقها فى مجال الدعوى الجنائية - وعلى امتداد مراحلها - يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية ، ويندرج تحتها اصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة ، وتوجبها حقائق الأشياء ، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها فى المادة 67 مؤكدا بمضمونها ما قررته المادة 11 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على ما سلف البيان ، والمادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان . وحيث أن اصل البراءة يمتد إلى كل فرد ، سواء كان مشتبها فيه أو متهما ، باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامي ، أقرتها الشرائع جميعها لا تكفل بموجبها حماية المذنبين وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام ، ذلك أن الاتهام الجنائى فى ذاته ، لا يزحزح اصل البراءة الذى يلازم الفرد دوما ولا يزايله ، سواء فى مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثنائها ، وعلى امتداد حلقاتها ، وأيا كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها ، ولا سبيل بالتالى لدحض اصل البراءة بغير الأدلة التى تبلغ قوتها الاقناعية مبلغ الجزم واليقين ، بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة انتفاء التهمة ، وبشرط أن تكون دلالتها ن قد استقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفد طرق الطعن فيه ، وصار باتا .
 
HGHGJ

descriptionعدم دستوريه العلم بالغش Emptyرد: عدم دستوريه العلم بالغش

more_horiz
ثانيا :-


وحيث أن افتراض البراءة لا يتمخض عن قرينة قانونية ، ولا هو من صورها ، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي ممثلا فى الواقعة مصدر الحق المدعى به ، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها ، وهذه الواقعة البديلة هى التى يعتبر إثباتها ، إثباتا للواقعة الأولى بحكم القانون وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور ، فليس ثمة واقعة احلها الدستور محل واقعة أخرى ، وأقامها بديلا عنها .Inn ocence is more properly called an assumption as opposed to a presumtion. It does not rest on any other proved facts, it is assumed.  وإنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها ، وهو كذلك من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور ، ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل ، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها ، تقتضيها الشبهة الإجرائية ، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية ، ليوفر من خلالها لكل فرد ، الأمن فى مواجهة التحكم والتسلط والتحامل ، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل ، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية يحدثها .  وحيث أن من المقرر كذلك أن افتراض البراءة يقترن دائما من الناحية الدستورية - ولضمان فعاليته - بوسائل إجرائية إلزامية ، تعتبر من زاوية دستورية وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع ، من بينها حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى طرحتها النيابة العامة إثباتا للجريمة ، وكذلك الحق فى هدفها بأدلة النفى التى يقدمها . وحيث أن الأصل فى الجرائم ، أنها تعكس تكوينا مركبا باعتبار أن قوامها تزامنا بين يد اتصل الإثم بعملها (an evil - doing hand)  وعقل واع خالطها
 (an evil meaning mind) ليهيمن عليها محددا خطاها ، متوجها الى النتيجة المترتبة على نشاطها ، ليكون القصد الجنائى (mens Rea) ركنا معنويا فى الجريمة مكملا لركنها المادى (Actus Reus)ومتلائما مع الشخصية الفردية فى ملامحها وتوجهاتها ، وهذه الإرادة الواعية ، هى التى تطلبها الأمم المتحضرة فى منهاجها فى مجال التجريم بوصفها ركنا فى الجريمة ، واصلا ثابتا كامنا فى طبيعتها ، وليس أمرا فجا أو دخيلا مقحما عليها أو غريبا عن خصائصها ، ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر ، ولكل وجهة هو موليها ، لتنحل الجريمة - فى معناها الحق - إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها ، والإرادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التى يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها ، بديلا عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها .
وغدا أمرا ثابتا - وكأصل عام - ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديا قائما على الاختيار آخر ، ومن ثم مقصودا ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفا على ماهيتها ، لا تزال أمرا عسرا ، إلا أن معناها - وبوصفها ركنا معنويا فى الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية أو الجانحة Felonious intent  أو النوازع الشريرة المدبرة Malice aforethougial أو تلك التى يكون الخداع قوامها Fraudulent  intentأو التى تتمخض عن علم بالتأثيم مقترنا بقصد اقتحام حدوده guilty knowledge لتدل جميعها على إرادة إتيان فعل بغيا . وحيث أن هذا الأصل - وإن ظل محورا للتجريم - إلا أن المشرع عمد أحيانا - من خلال بعض اللوائح - إلى تقرير جرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائى باعتبار أن الإثم ليس كامنا فيها ، ولا تدل بذاتها على ميل إلى الشر والعدوان mala in se (inherently wrorg) ولا يختل بها قدر مرتكبها أو اعتباره ، وإنما ضبطها المشرع تحديدا لمجراها ، وحدا من مخاطرها ، وأخرجها بذلك عن مشروعيتها mala prohibita وهى الأصل ، وجعل عقوبتها متوازنة مع طبيعتها ، فلا يكون أمرها غلوا من خلال تغليظها ، بل هينا فى الأعم .
وقد بدأ هذا الاتجاه متصاعدا اثر الثورة الصناعية التى تزايد معها عدد العمال المعرضين لمخاطر أدواتها وآلاتها ومصادر الطاقة التى تحركها ، واقترن ذلك بتعدد وسائل النقل وتباين قوتها ، وبتكدس المدن وازدحام أحيائها ، وبغلبة نواحى الإخلال بالصحة العامة ، وبوجه خاص من خلال الاتصال بالمواد الغذائية سواء عند إنتاجها أو توزيعها وتداولها أو بمراعاة نوعيتها ، وكان لازما بالتالى - ولمواجهة تلك المخاطر - أن يفرض المشرع على المسئولين عن إدارة الصناعة أو التجارة وغيرهم ، قيودا كثيرة غايتها أن ينتهج المخاطبون بها سلوكا قويما موحدا ، ببذل العناية التى يتوقعها المشرع من أوساطهم ، ليكون النكول عنها - وبغض النظر عن نواياهم - دالا على تراخى يقظتهم ، وتستوجبا عقابهم .
غير أن تقرير هذا النوع من الجرائم فى ذلك المجال ، ظل مرتبطا بطبيعتها ونوعيتها ، ومنحصرا فى الحدود الضيقة التى تقوم فيها علاقة مسئولية بين من يرتكبها ، وخطر عام ، لتكون أوثق اتصالا برجاء المواطنين وصحتهم وسلامتهم فى مجموعهم Puohc Welfare Offenses وبإهمال من قارفها لنوع الرعاية التى تطلبها المشرع منه كلما باشر نشاطا معينا ، وكذلك إذا اعرض عن القيام بعمل ألقاه عليه باعتباره واجبا ، وبمراعاة أن ما توخاه المشرع من إنشائها ، هو الحد من مخاطر بذواتها ، بتقليل فرص وقوعها ، وإنماء القدرة على السيطرة عليها ، والتحوط لدرئها .  وحيث أن القصد الجنائى ، يمثل أكثر العناصر تعقيدا فى المجال الجنائى ، باعتباره متصلا بالحالة الذهنية التى كان عليها الجانى حين اقدم مختارا على إتيان الفعل المؤثم قانونا ، وكانت تلك الحالة ادخل إلى العوامل الشخصية التى يتعين تمييزها عن العوامل الموضوعية التى تعكس مادية الفعل أو الأفعال التى ارتكبها ، والتى يكون الرجوع إليها وتقييمها كاشفا عادة عما عناه منها ، وقصد إليه من وراء مقارفتها ، وكان من المفترض أن الجانى إذا أراد إتيان فعل أو أفعال بذواتها ، فقد قصد إلا نتيجتها ، فإن توافر هذا القصد - فيما أتاه الجانى من أفعال - يكون هو القاعدة العامة ، وليس الاستثناء منها ، وهو استثناء لا يقوم بالضرورة ، ولا يتصور عقلا ، إذا كانت إرادة الجانى تبلور انصرافها إلى إتيان أفعال محددة بغرض إحداث نتيجة إجرامية بعينها ، وإنما ينحصر هذا الاستثناء فى حدود ضيقة ، تقوم الجريمة فيها على إهمال نوع من الرعاية كان ينبغى أن يلتزمها الجانى فيما أتاه ، لتكون الجريمة عندئذ عائدة فى بنيانها إلى الخطأ ، وجوهرها أعمال يخالطها سوء التقدير ، أو ينتفى عنها الاحتراس والتبصر ، أو تتمخض عن رعونة لا حذر فيها ، ومن ثم أحاطها القانون الجنائى بالجزاء ، محددا ضابطها بما كان ينبغى أن يكون سلوكا لأوساط الناس ، يقوم على واجبهم فى التزام قدر معقول من التحوط (Ordinary reeasonable person' s standard of care) لتمثل الجريمة غير العمدية انحرافا ظاهرا عن ذلك المقياس ، يتحدد بقدره ، نوع الجزاء عنها ، ومقداره .
(A deviation from and proportional to the level of established standards of reasonable care in conduct)
          ومن ثم يكون الفارق بين عمدية الجريمة ، وما دونها ، دئرا أصلا - وبوجه عام - حول النتيجة الإجرامية التى أحدثتها ، فكلما أرادها الجانى وقصد إليها ، موجها لتحقيقها ، كانت الجريمة عمدية ، فإن كانت إرادته لا تنصرف إليها ، بأن كان لا يتوقعها ، أو ساء تقديره بشأنها ، فلم يتحوط لدفعها ليحول دون بلوغها ، فإن الجريمة تعتبر غير عمدية يتولى المشرع دون غيره بيان عناصر الخطأ التى تكونها ، وهى عناصر لا يجوز افتراضها أو انتحالها ، ولا نسبتها لغير من ارتكبها ، وهى عناصر لا يجوز افتراضا أو انتحالها ، ولا نسبتها لغير من ارتكبها ، ولا اعتباره مسئولا عن نتائجها ، إذا انفك اتصالها بالأفعال التى أتاها ، ذلك أن مسئوليته الجنائية عن هذا الخطأ مسئولية شخصية لا تقوم إلا بتوافر أركانها (pas de peine sans coupabilité) ، وهى بعد مسئولية يحققها القاضى ، ويستمد عناصرها ن عيون الأوراق ، ليكون ثبوتها يقينيا لا ظنيا ، ضمانا لصون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور ، وتوكيدا لامتناع تقييدها بغير الوسائل القانونية السليمة التى يترخص أحد فى التحلل منها . وحيث أن ما تقدم مؤداه ، أن الجرائم غير العمدية لا تقوم إلا على الخطأ ، وأن صوره على اختلافها يجمعها معيار عام يتمثل فى انحرافها عما يعد - وفقا للقانون الجنائى - سلوكا معقولا للشخص المعتاد ، وأن هذه الصور على تعددها ، تتباين فيما بينها سواء فى نوع المخاطر التى تقارنها ، أو درجتها ، ويتعين بالتالى أن يتدخل المشرع ليحدد ما يكون منها مؤثما فى تقديره ، مع بيان عناصر الخطأ فى كل منها تعريفا بها ، وقطعا لكل جدل حول ماهيتها ، توفيا لالتباسها بغيرها ، وتعيينا جليا لما ينبغى على المخاطبين بالنصوص العقابية أن يأتوه أو يدعوه من أفعال ، إذ لا يجوز لمثل هذه النصوص ، أن تحمل الناس ما لا يطيقون ، ولا أن تؤاخذهم بما يجهلون ، ولا أن تمد إليهم بأسها وقد كانوا غير منذرين ، ولا أن تنهاهم عما ألبس عليهم ، وإلا قام التجريم فيها على أساس من الظن والإبهام ، ليكون خداعا أو ختالا ، وهو ما تأباه النظم العقابية جميعها ، وينحدر بآدمية الإنسان إلى أدنى مستوياتها ، ليغدو بغير حقوق - وعلى الأخص - فى مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية .
يؤيد ذلك أمران : أولهما : أن الأصل فى النصوص العقابية ، أن تصاغ فى حدود ضيقة narrowly tailord تعريفا بالأفعال التى جرمها المشرع ، وتحديدا لمضمونها ، فلا يكون التجهيل بها - من خلال انفلات عباراتها وإرهاقها بتعدد تأويلاتها - موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين ، كتلك التى تتعلق بحرية عرض الآراء وضمان تدفقها من مصادرها المختلفة ، وكذلك بالحق فى تكامل الشخصية ، وأن يؤمن كل فرد ضد القبض أو الاعتقال غير المشروع ، ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة ، وتقرير أحوال فرضها ، مما يدخل فى إطار تنظيم الحقوق ، ويندرج تحت السلطة التقديرية للمشرع ، إلا أن هذه السلطة حدها قواعد الدستور ، ولازمها ألا تكون النصوص العقابية (شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها ، أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها) ، ثانيهما : أن الأصل فى الجريمة ، أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين باعتباره مسئولا عنها ، وهى بعد عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها ، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله ، وان جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها ، ولا ينال عقابها إلا من قارفها وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يعد قانونا مسئولا عن ارتكابها ، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة - التى كفلها الدستور بنص المادة 66 - شخصية المسئولية الجنائية ، بما يؤكد تلازمها ، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولا عن الجريمة ، ولا تفرض عليه عقوبتها ، إلا باعتباره فاعلا لها أو شريكا فيها . وحيث أن القانون الجنائى ، وان اتفق مع غيره من القوانين ، فى تنظيمها لبعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض ، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها ، إلا أن القانون الجنائى يقارفها ، فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها ، وهو بذلك يتغيا أن يحدد - ومن منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم ، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيا ممكنا ، بما مؤداه ان الجزاء على أفعالهم ، لا يكون مبررا ، إلا إذا كان مفيدا من وجهة اجتماعية ، فإن كان مجاوزا تلك الحدود التى لا يكون معها ضروريا ، غدا مخالفا للدستور ، متى كان ذلك ، وكان الجزاء الجنائى عقابا واقعا بالضرورة فى إطار اجتماعي ومنطويا غالبا - من خلال قوة الردع - على تقييد الحرية الشخصية ، ومقررا لغرض محدد ن استيفاء لقيم ومصالح اجتماعية لها وزنها ، وكان الأصل فى العقوبة هو معقوليتها ، فلا يكون التدخل بها إلا  بقدر ، تأديا بها عن أن يكون إيلاما غير مبرر ، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة unneoessary cruelty and pain ، وكانت المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها - والتى أحالتها محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها - تقرر جزاء جنائيا يقوم على مجرد مخالفة أحكام المواد 2 ، 10 ، 11 ، 12 ، 14 ، 14 مكررا من هذا القانون ، إذا كان مقارفها حسن النية ، وكان نطاق الدعوى الدستورية الراهنة - محددا على ضوء الاتهام المنسوبة إلى المتهم - يقوم على الطعن بعدم دستورية إيقاع عقوبة المخالفة فى شأن متهم دان حسن النية حين أخل بنص المادة الثانية من ذلك القانون ، التى تحظر تداول الأغذية التى يقوم الدليل على غشها ، أو عدم صلاحية استهلاكها آدميا ، أو مخالفتها لمواصفاتها أو محددة قانونا سواء عند تصنيعها أو تحضيرها أو طرحها للبيع أو تخزينها أو نقلها أو تسليمها ، وكان هذا - التداول بمختلف صوره - يتعلق بسلع شتى تتباين مصادرها ، ولا يقع التعامل فيها ، أو الاتصال بها ، مرة واحدة ، بل تتناولها أيد عديدة ، وعلى الأخص منذ خروجها من يد منتجها أو جالبها ، إلى أن تصل إلى عارضها الأخير ، وبافتراض خضوعها لنظم الفحص والرقابة التى تباشرها الجهات الحكومية ذات الاختصاص ، وعلى الأقل داخل مصادر إنتاجها المحلية ، أو قبل تجاوزها الدائرة الجمركية حال جلبها ، وكان النص المطعون فيه - محددا نطاقا على النحو المتقدم - يقرر جزاء جنائيا فى شأن أفعال أتاها المتهم بحسن النية إخلالا بنص المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها ، وكانت عبارة (حسن النية) وإن جاز القول بتعدد معانيها ، تبعا لموقعها من سياق النصوص القانونية التى انتظمتها ، وبمراعاة ما تغياه المشرع من هذه النصوص ، محددا من خلال أغراضها - إطارا الدائرة التى تعمل فيها ، إلا أن حسن نية من يتداولون أغذية الإنسان ، يفترض تعاملهم فيها ، أو اتصالهم بها ، بوصفهم مواطنين شرفاء يتقيدون بأصول مهنتهم ويلتزمون بمتطلباتها . وحيث أن العقوبة التى فرضها النص المطعون فيه كجزاء على الأفعال التى أثمها ، هى عقوبة المخالفة ، وانحدارها على هذا النحو ، يفيد تعلقها بأفعال لا يتعمدها مرتكبها ، ولا تصل خطورتها إلى حد الإيغال فى الجزاء عليها ، ليكون قوامها خطأ اتخذ من مفهوم الجريمة غير العمدية ، إطارا .  وحيث أنه متى كان ما تقدم ، وكان ركن الخطأ فى الجرائم غير العمدية ، ليس إلا فعلا أو امتناعا يمثل انحرافا عما يعد وفقا للقانون الجنائى سلوكا معقولا للشخص المعتاد ، وكان تحديد مضمون الأفعال أو مظاهر الامتناع التى تقوم عليها هذه الجرائم ، من خلال بيان عناصر الخطأ ، بما ينفى التجهيل بها من ضرورة يقتضيها اتصال هذا التجريم بالحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز النزول عنها أو الإخلال بها ، وكان النص المطعون فيه قد قرر جزاء جنائيا فى شأن متهم حسن النية - بالمفهوم السالف البيان - وعن صور من الخطأ قصر عن تعيينها من خلال تحديد عناصرها فإن هذا النص يكون قد أخل بالحرية الشخصية ، وبضمانة الدفاع ، وكذلك بالضوابط الجوهرية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة ، ويندرج تحتها افتراض البراءة ، وجاء بذلك مخالفا لأحكام المواد 41 ، 67 ، 69 من الدستور .
فلهذه الأسباب
          حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها ، وذلك فيما تضمنته من معاقبة من يخالف أحكام المادة الثانية من هذا القانون بعقوبة المخالفة إذا كان حسن النية ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماة . (القضية رقم 28 لسنة 17ق جلسة 2/12/1995 - المحكمة الدستورية العليا) .
"        العقــــوبة :
قرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة الحبس والغرامة في صورتها المشددة كما هو واضح من نص المادة (2) سالفة الذكر .
وهناك أيضا عقوبة تكميلية وجوبيه لهذه الجريمة وهى المصادرة والنشر في جريدتين واسعتي الانتشار .
وأيضا عقوبة تكميلية جوازيه مقررة للجريمة وهى الغلق وإلغاء الرخصة الصادرة للمنشآت .
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد