أولا : إذا لم يتم التعبير عن الإرادة، لا يكون هناك تصرف قانوني منتج لآثاره، ولكن هذا لا يعني أن هناك تصرفا باطلا، ذلك أن تخلف التعبير عن الإرادة، تخلف للوجود المادي للتصرف فالتصرف جوهره الإرادة ولكن هذه الإرادة لا يعتد بها القانون، ولا يتحقق وجودها في نطاقه، إلا بالتعبير عنها وتخلف التعبير عندئذ هو تخلف مادي للتصرف يجعله منعدما انعداما منطقيا فالتعبير عن الإرادة ليس من الشروط التي يترتب علي تخلفها البطلان ولكن ليس معني هذا أن الإرادة غير المعبر عنها يمكن أن تعتبر تصرفا قانونيا، بل القصد من هذا القول هو أن انعدام التصرف، في هذه الحال، انعداما ماديا يغني عن توسيط نظام البطلان للقول بعدم وجوده في نظر القانون. وثانيا: التعبير عن الإرادة يعد تصرفا قانونيا، وإذا كان يكشف عن قصد إلي الالتزام قانونا، أي إذا توافرت فيه نية الالتزام التزاما قانونيا، وذلك حتى تستبعد من نطاق التصرفات القانونية، التعبيرات التي تقصد إلي القيام بعمل من أعمال المحاماة، أو أي واجب غير قانوني بصفة عامة، وكذا لتستبعد من هذا النطاق أيضا التعبيرات التي لا تمثل اتجاها جادا إلي الالتزام أي حتى تستبعد التصرفات الصورية، وكذا التعبيرات التي تكشف عن أن الإرادة غير باتة في القصد إلي الالتزام، وكتلك التي تكشف عن أن صاحبها ليس لديه إدراك يمكنه من إصدار إرادة قانونية ويجعل الفقه من شروط الإرادة التي تتجه إلي إحداث الآثار القانونية، أي من شروط التصرف القانوني، أن تتوافر نية الالتزام بالمعنى السابق ويرتب علي تخلف هذا الشرط، بطلان هذا التصرف .
ولكننا نلاحظ أن جعل نية الالتزام مجرد شرط للتصرف القانوني، يقوم علي افتراض إمكان وجود إرادة ليست فيها نية الالتزام، ولو وجودا ماديا أو واقعيا، وهو أمر غير متصور، فنحن نعتقد ن نية الالتزام لا يمكن ن تفصل عن ذات الإرادة، لتصبح هذه النية مجرد شرطا لها، فنية الالتزام لا تعني سوى "إرادة الأثر القانوني"، وهذه النية إذن هل كل الإرادة وليست شرطا فيها، فإذا تخلفت "النية" فإن هذا المعني بالضرورة تخلف الإرادة ذاتها تخلفا يؤدي إلي انعدام أي وجود مادي أو واقعي للتصرف القانوني يسمح بالبحث عن شروطه فيه ومعني هذا أننا نقول أن انعدام نية الالتزام يعني عدم وجود التصرف القانوني كما يؤدي إلي ذلك انعدام التعبير عن الإرادة تماما، وقد يعترض علي ذلك بأنه في حال انعدام التعبير لا يستند القول بانعدام التصرف القانوني انعداما منطقيا، إلي معيار واضح، فليس هناك أي تعبير، وهذا هو "العدم" في صورته الواضحة، التي تغني عن البطلان كوسيلة لهدم التصرف، أما في حال انعدام نية الالتزام فهناك تعبير يعد مظهر قائما، وإن كان هذا التعبير مظهرا إرادة غير جادة أم غير باتة أو غير واعية أو لا تهدف إلي الالتزام قانونا، فلم لا نلجأ إلي البطلان لهدم هذا المظهر القائم؟ الواقع أن وجوده الإرادة في الصورة السابقة، ليس إلا وهما يتبدد إذا حاولنا معرفة مضمون التعبير، بفهمه وتفسيره فهذا الفهم واجب علينا حتى نستطيع أن نميز به التعبيرات التي تدخل في نطاق القانون، عن تلك التي تبعد عن هذا النطاق، فالحاجة إلي التفسير، لا تقتصر علي أحوال تحديد مضمون تصرف قائم وصحيح، بل تقوم أيضا لإثبات وجود التصرف أو صحته ونحن إذ نذكر التعبير عن الإرادة، نأخذه في معني واسع يشمل كل ما تظهر به إرادة المعبر، سواء أكان تعبيرا صريحا أو ضمنيا، ومجرد تفسير التعبير عن الإرادة في الصور التي تتخلف فيها نية الالتزام، يكشف لنا عن انعدام التصرف القانون، انعداما ماديا أو منطقيا والتعبيرات المقترنة بشرط المشيئة، أي التعبيرات غير الباتة، هي التعبيرات التي يبدو فيها بوضوح كيف أن تفسيرها يكشف عن انعدامها، فإذا قال شخص إنه يبيع منزله-عندما يريد ذلك ويقرره- إلي شخص آخر بثمن معين، فإن فهم تعبيره، في ضوء الشرط الذي يضعه، يكشف عن عدم وجود إرادة تتجه إلي الالتزام بمقتضي هذا التعبير، لأن معنى هذا الشرط هو أن المعبر عن إرادته يقول أنه لا يلتزم في الوقت الحاضر، ويصبح عدم ترتيب أي أثر علي مثل هذا التعبير ممن البداهة والمنطق، لأنه في جملته ينفي-صراحة- إرادة الالتزام والتعبيرات التي تصدر عن إرادة هازلة، هي تعبيرات عن إرادة غير جادة أي لا نقصد حقيقة إلي الالتزام بما يؤخذ من التعبير، ومثل هذه الإرادة توصف بأنها تصرف صوري، أي تصرف غير حقيقي والصورية تتم في مثل هذه الحال نتيجة لوجود تعبير آخر، مخفي عن الإرادة يكذب التعبير المعلن، وتكون وظيفة التفسير عندئذ هي تكملة التعبير المعلن بالتعبير المخفي بعد الكشف عنه، فيتهاتر التعبيران لأن معناهما معا هو أن الشخص لا يقصد حقيقة الالتزام .
 وينكشف "انعدام أي إرادة حقيقية تتجه إلي إحداث أثر قانوني"، دون حاجة إلي الطعن بالبطلان، لأن هذا الانعدام هو انعدام مادي ومنطقي للتصرف والتعبيرات المتعلقة بالمجاملات (والواجبات الخلقية)، ينكشف تفسيرها بإعمال الفهم العام، أي الفهم العام، أي الفهم المألوف بين الناس لهذه التعبيرات، لبيان القصد منها، يكشف عن أن المعبر عن إرادته يضع تعبيره خارج إطار القانون، فلا يقصد إلي أن يرتب علي نفسه آثارا يقتضي تنفيذها جبرا عنه، كمن يدعو شخصا إلي وليمة أو نزهة، أو من يعد ابنه بجائزة أن تفوق في دراسته، فالتعبير في مثل هذه الصور ليس تصرفا قانونا، ولا محل للبحث في هذه الحال، عن شروط تصرف لا وجود "فعليا" له أما تعبير فاقد الوعي والإدراك (السكران أو المخدر)، فيتوقف القول بانعدامه، لانعدام نية الالتزام به، أو بوجود التعبير كتصرف، واستلزم الطعن ببطلانه بسبب عيب الرضاء، يتوقف علي ما إذا كان تفسير هذا التعبير يكشف عن انعدام نية الالتزام أو لا يكشف عن ذلك، فإن كان كاشفا عن هذا الانعدام، كان هناك انعدام منطقي يغني عن الطعن في الإرادة بالبطلان، وإلا كان هذا الطعن واجبا لنفي الوجود القانوني للتصرف. والخلاصة أن نية الالتزام ليست شرطا لصحة التصرف، لأن تخلفها يعني انتفاء الوجود المادي أو الواقعي للتصرف، وهو وجود يلزم تحققه لإمكان القول بالبطلان، وهذا الانعدام المادي يظهر من مجرد تفسير التعبير عن الإرادة، وفهمه فهما قانونيا يكشف عن أنه لا يدخل في نطاق التعبيرات التي تنطوي علي تصرفات قانونية (قارن مع ذلك بهجت بدوي بند 151). وثالثا: إرادة الأثر القانوني، يستلزم وجودها بالضرورة انصبابها علي موضوع معين وقصدها إلي هدف محدد ولذا لا يتصور أن يتطلب وجود محل أو غاية لها، كشئ مستقل عن استلزامها هي، لأن وجودهما من وجود الإرادة، وتخلف الإرادة ليس سببا للبطلان، بل هو سبب للانعدام المادي للتصرف القانوني . (الشرقاوي بند 45- انظر السنهوري مرجع سابق- وانظر سليمان مرقص مرجع سابق)
وقد قضت محكمة النقض بأن "الدفع ببطلان عقد البيع علي أساس أنه يستر وصية وأن وصف بأنه دفع بالبطلان، إلا أنه في حقيقته وبحسب المقصود منه-وعلي ما جرى به قضاء هذه المحكمة-إنما هو دفع بصورية هذا العقد صورية نسبية بطريق التستر، لا يسقط بالتقادم، لأن ما يطلبه المتمسك بهذا الدفع إنما هو تحديد طبيعة التصرف الذي قصده العاقدان وترتيب الآثار القانونية التي يجب أن تترتب علي النية الحقيقية لهما، واعتبار العقد الظاهر لا وجود له، وهذه حالة واقعية قائمة ومستمرة لا تزول بالتقادم، فلا يمكن لذلك أن ينقلب العقد الصوري صحيحا مهما طال الزمن" (الطعن رقم 109 لسنة 38ق جلسة 10/4/1973) وبأنه "الصورية المطلقة هي تلك التي تتناول وجود العقد ذاته فيكون العقد الظاهر لا وجود له في الحقيقة أما الصورية النسبية فهي التي لا تتناول وجود العقد وإنما تتناول نوع العقد أو ركنا فيه أو شرطا من شروطه أو شخص المتعاقدين" (الطعن رقم 377 لسنة 46ق جلسة 25/5/1978)، وبأنه "إذا كانت الصورية المطلقة تتناول وجود العقد ذاته فلا يكون له وجود في الحقيقة، وهي مغايرة للبطلان المنصوص عليه في المادة 228 من قانون التجارة لأن البطلان في هذه الحالة لا يستند إلي عيب في التصرف إذ يبقي صحيحا بين عاقديه ومنتجا لكل آثاره غير أنه لا يحتج به علي جماعة الدائنين، فيصبح غير نافذ في حقهم، ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه انتهي إلي أنه لم يجد فيما ساقه المطعون عليه الأول من قرائن ما يكفي لإثبات صورية عقد البيع الصادر من المطعون عليها الثانية إلي الطاعن صورية مطلقة، ثم استخلص الحكم من أقوال شاهد المطعون عليه الأول ومن القرائن التي أشار إليها أن الطاعن كان يعلم باختلال أشغال المطعون عليها الثانية وقت صدور التصرف ورتب علي ذلك قضاءه بعدم نفاذ التصرف في حق الدائنين عملا بحكم المادة 228 من قانون التجارة وهو ما لا يتعارض مع ما قرره من عدم توافر الدليل علي صورية العقد إذ التناقض الذي يبطل الحكم هو ما تتعارض فيه الأسباب وتتهاتر فتتحامى ويسقط بعضها بعضا بحيث لا يبقي منها ما يقيم الحكم ويحمله، لما كان ذلك فإن النعي علي الحكم بتناقض أسبابه يكون في غير محله" (الطعن رقم 88 لسنة 41ق جلسة 9/12/1975)